جهود المجتمع المدنى... ومشاركته فى مواجهة التغيرات المناخية
تتجه مجهودات الدولة فى مناح عدة لمواجهة التأثيرات الضارة للتغيرات المناخية، ونظرا لكون المجتمع يتكامل مع أجهزة الدولة متمثلا فى جمعيات المجتمع المدنى الذى لا يمكن إغفال دوره، ففى الدول المتقدمة نجد أن المجتمع المدنى لديه تأثير فعال فى إحداث تغييرات فى حماية البيئة، وأيضا تنتظر مصر من المجتمع المدنى الكثير باعتبار مجهوده يمكن أن يكون إحدى الأدوات الفاعلة فى الملف البيئى المصرى وأحد المسارات فى مفاوضات المناخ باعتباره يعبر عن الإرادة الشعبية والمجتمعية ومجهوده يعبر عن المجهود الشعبى، لهذا كان لابد من عرض آراء وفكر المجتمع المدنى تجاه مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية لمعرفة رأى رجل الشارع وتحديد النقاط الفاعلة فى الدور المجتمعى حيال تلك القضية، لذلك كانت ندوة الأهرام الاقتصادى تحت عنوان "جهود المجتمع المدنى ومشاركته فى مواجهة التغيرات المناخية" وذلك لاستعراض المجهودات المجتمعية فى مواجهة التغيرات المناخية وأيضا استعراض نقاط القوة والضعف، ومناقشة التقييم لتلك المجهودات من قبل الخبراء والمتخصصين بأجهزة الدولة.
فى البداية أشارت غادة أحمدين مدير برامج المكتب العربى للشباب والبيئة إلى أن المكتب العربى للشباب والبيئة من أقدم جمعيات المجتمع المدنى فى مصر فى مجال البيئة بدءا من عام 1978 حيث خرج من رحم نوادى علوم الأهرام، ويمكن القول إن المكتب مثل باقى المجتمع المدنى يمارس نشاطه وسط العديد من التحديات، خاصة أن الجمعيات المنتشرة فى ربوع مصر حدثت لها طفرة فى التزايد حيث وصلت لنحو آلاف، لكن نجد أن الجمعيات النشيطة ولها دور مؤثر فى المحافظات قليلة خاصة الناشطة فى مجال مجابهة التغيرات المناخية، ومؤخرا آخذ فى الازدياد وهذا كان نتاج استضافة مصر لمؤتمرى التنوع البيولوجى وكوب 27، حيث كان المكتب نقطة الاتصال لمساعدة المجتمع المدنى وذلك فى مؤتمر التنوع البيولوجى عام 2018 من خلال دعم الجمعيات للمشاركة فى المعرض والأحداث الجانبية حيث أمكن تقديم 40 فعالية للمجتمع المدنى ومن خلال التفاوض مع سكرتارية الاتفاقية، وقد أسهم ذلك فى تكوين شراكات وخبرات للمجتمع المدنى استطاعت أن تحصل على تمويل للعديد من المشروعات فى مجال التنوع البيولوجى، أيضا يعد المكتب أنه الوحيد المسجل فى سكرتارية الاتفاقية الإطارية للتغير المناخى لذلك شاركنا فى نحو 15 كوب للمناخ من خلال فعاليات لتمثيل المجتمع المدنى العربى فى مؤتمرات المناخ، لذلك فى كوب 27 كان الإعداد بشكل مكثف خاصة أنه يقام على أرض مصرية ويعد فرصة، لذلك كان الدعم لمشاركة أكبر عدد من المجتمع المدنى فى كوب 27 وكيفية الاستعداد لذلك وطبيعة المؤتمر والمنطقة الخضراء ودورها، وأيضا المنطقة الزرقاء والأنشطة التى تقام فيها وأيضا المشاركة من خلال الفعاليات، ونظرا لأن المكتب العربى هو الجهة المستضيفة لبرنامج المنح الصغيرة ويتبع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى وهو برنامج يمول العديد من الجمعيات فى أكثر من مجال منذ أكثر من ثلاثين عاما، ويعد أهم المجالات التى تم تمويلها من قبل برنامج المنح الصغيرة منذ عام 1992 نحو 350 مشروعا و60 % من تلك المشروعات فى مجال التغيرات المناخية لذلك فهو مرفق مهم للمجتمع المدنى، والمكتب العربى يقوم بحشد الجمعيات المختلفة من أجل عرض مشروعاتها للاستفادة من هذا البرنامج وبالتالى عرض مشروعاتها فى كوب 27 من خلال عرض 40 فعالية، وقدمت جمعيات المجتمع المدنى مشروعاتها سواء فى إدارة المخلفات الزراعية أو الإلكترونية والنقل المستدام والدراجات واستخدامات الطاقة الشمسية، ولذلك فإن كوب 27 شجع العديد من الجمعيات بالتقدم لاعتمادها فى سكرتارية الاتفاقية هذا بجانب المساعدات الفنية من قبل وزارة البيئة لدعم المجتمع المدنى فضلا عن دور وزارتى التضامن والخارجية حيث قدما دعما فنيا، لكن يؤخذ على المجتمع المدنى أنه مازال يفتقر للخبرات فى مجال التفاوض وخاصة الخدمات اللوجيستية والمتصلة بالتشابك مع المجتمع المدنى الدولى.
وأضافت غادة أحمدين أن برنامج المنح الصغيرة حاليا فى المرحلة السابعة لتلقى مشروعات 70 % منها فى مجال التغيرات المناخية ولجمعيات شاركت فى كوب 27، لذلك نركز فى برنامجنا هذا العام على بناء القدرات التدريبية لاكتساب الخبرات باعتبار أن عمليات التمويل لا تتم إلا لأصحاب الخبرات، وأيضا عامل ضعف اللغة الأجنبية وإجادتها من قبل أعضاء العديد من الجمعيات يعوق فرص حصولهم على المعونات والتواصل مع السفارات والجهات المانحة، لذلك يركز برنامج المنح الصغيرة على استخدام اللغة العربية فى عرض الأفكار والرؤى لتسهيل التقدم من قبل جمعيات المجتمع المدنى للحصول على منح لتنفيذ مشروعاتها، ويعد المجهود الذى تبذله وزارة البيئة لإشراك جمعيات المجتمع المدنى فى العديد من الأنشطة تحت رعاية الوزارة أسام فى إكسابها خبرات وإن كانت مازالت تحتاج للدعم الفنى.
كما أضافت غادة أن المكتب العربى نفذ العديد من المشروعات مثل مشروع تركيب مصابيح موفرة للطاقة وهو ممول من هيئة المعونة الألمانية (GIZ) فى منطقة عزبة النصر، بالإضافة لإنشاء مركز شباب ليصبح نموذجا لترشيد المياه والطاقة، حيث يعد مبنى أخضر بمشاركة من الشباب والأطفال سكان المنطقة ونشر فكر كيفية مواجهة التغيرات المناخية ودور كل فرد بالمجتمع، وحاليا يتم تنفيذ مشروع بالشراكة مع الاتحاد الأوروبى خاص بالتغيرات المناخية ينفذ فى القاهرة وبنى سويف، يشمل نشر استخدام الطاقة الشمسية ومصابيح موفرة للإضاءة، حيث يتم استخدام الطاقة الشمسية فى آلات رى الأراضى الزراعية وهو مشروع ينفذ على 3 سنوات.
من جانبه طرح الدكتور محمد ممدوح عبد الله رئيس قطاع تطوير جمعية مصر الخير، الخطوات التى اتخذتها بعض الجمعيات لتوفيق أوضاعها والتى وصلت لنحو 36 ألفا من نحو 55 ألف جمعية، 70 % منها فى نطاق العمل الخيرى والمتخصصة فى مجال البيئة ضئيل، لذلك هناك تحد وإشكالية فى كيفية وضع جمعيات العمل المدنى على مسار التنمية وفق الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، حيث تتضمن الاستراتيجية إحدى آليات تنفيذها يتم من خلال دور المجتمع المدنى فى تحقيقها لكن الإشكالية فى أن المجتمع المدنى مازال أسير المساعدات المالية، لذلك عند النظر لآلية مواجهة التغيرات المناخية فهى تندرج تحت شقين: تخفيف الانبعاثات والتكيف مع آثار التغيرات المناخية، لذلك كثير من جمعيات المجتمع المدنى تركز على شق التكيف لمساعدة المجتمعات فى كيفية الصمود أمام التغيرات المناخية والتى تنفذ مشروعاتها فى مجال التخفيف قليلة، وهذا جعل مصر الخير تنشئ كيانا داخل الجمعية وهو المركز العربى لاستدامة العمل الأهلى لدمج مفاهيم وتطبيقات ممارسات التنمية المستدامة والعمل المناخى داخل المنظمة، ولنا مجهود منذ 3 سنوات لتعزيز دور العمل الأهلى فى مواجهة التغيرات المناخية، ويمكن القول إن المجتمع المدنى مازال بعيدا عن الجزء المعرفى والمفاهيم لمصطلح التغيرات المناخية، ومصر الخير أنشئت عام 2007 ولديها 1200 عامل فى 15 مكتبا بأنحاء مصر ويتبلور نشاطها فى 7 مجالات (83 مشروعا فى مجال التنمية المستدامة) هى البحث العلمى وتمويل العديد من الأبحاث الابتكارية مثل تحسين السماد العضوى واستخدامات النانو تكنولوجى فى هذا الشأن، وأيضا لدى مصر الخير حاضنة خاصة بالبحث العلمى وتبنى أفكار الشباب، كذلك مجال مناحى الحياة وهى مشروعات تهدف لتعزيز الهوية المصرية والتراث الشعبى والموروث المصرى من خلال منصة إلكترونية بالتعاون مع مشيخة الأزهر للحفاظ على التراث الإسلامى بجانب مؤتمرات لنشر هذا الفكر، والمجال الثالث هو الصحة وينصب على تقديم المساعدات العلاجية لغير القادرين خاصة فى فترة جائحة كورونا وتقديم المساعدات لبعض المستشفيات لتوفير الأدوية الطبية، أيضا قطاع التعليم ويتمثل فى بعض المنح الدراسية للخارج بالصين وإيطاليا وتوفيرها للمتفوقين غير القادرين من المجتمعات المهمشة وأيضا مساعدتهم للالتحاق بالجامعات بجانب إنشاء وتطوير 1080 مدرسة، كذلك بالتعاون مع إحدى جامعات الصين تم بناء كلية داخل جامعة قناة السويس، أيضا قطاع الغارمين وهو متصل بقضية الفقر، وجمعية مصر الخير قدمت فى مجال التنمية نموذج بالاعتماد على التمويل الذاتى من خلال تمويل بعض المشروعات التى تدر عائدا يمكن بواسطته من الاستمرار فى الإنفاق على الأنشطة المختلفة للجمعية، وهو بذلك يضمن شكلا من أشكال الاستدامة حيث لدينا قطاع استثمارى (مجمع تصنيع للملابس بالمنيا - مجمع لتسمين الماشية - سندات البورصة)، أيضا 70 % من تمويل مصر الخير من أفراد و15 % من القطاع الاستثمارى و15 % من جهات مانحة بما يحقق استقرارا ماليا، و80 % من المساعدات التى تقدمها مصر الخير للمجتمعات المهمشة والأقل صمودا أمام التغيرات المناخية مثل إقامة محطة لتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية فى مرسى مطروح، أيضا تطوير المساكن داخل المناطق المهمشة ليصبح أكثر قدرة على مواجهة السيول أو الأمطار، بجانب تطوير شبكات المياه داخل المنازل فى المناطق النائية بالتعاون مع الهيئة القومية للمياه والصرف الصحى، تم تقديم نموذج للبناء المدرسى الأخضر داخل هيئة الأبنية التعليمية بحيث يكون استخدام مواد البناء من مكونات البيئة وتم تنفيذ ذلك فى أسوان، ومصر الخير قامت بإطلاق حملة للتعريف عن التغيرات المناخية قبيل عقد كوب 27 من خلال الندوات مع بعض الجمعيات الأهلية وشباب الجامعات.
على الجانب الآخر قدم الدكتور ممدوح رشوان الأمين العام للاتحاد العربى للشباب والبيئة عرضا لنشاط الجمعية التى أنشئت عام 1983 وكانت البداية فى مؤسسة الأهرام بنوادى علوم الأهرام بدعم من صلاح جلال نقيب الصحفيين الأفارقة وقتها، حيث كانت بداية الدعوة للاهتمام بالنواحى البيئية لنشر تلك الأفكار من خلال فعالية أقيمت تحت رعاية فؤاد محيى الدين رئيس الوزراء آنذاك وكانت البداية لإنشاء الاتحاد والذى اعتمد فيما بعد بالجامعة العربية عام 1986، والهدف من إنشائه تدعيم الفكر البيئى فى مصر والعالم العربى ويشمل الاتحاد تحت مظلته حاليا 19 دولة عربية تشمل منظمات نشاطها فى المجال البيئى، لذلك نركز على قضية التغيرات المناخية من خلال برامج تتمخض من نتاج اجتماعات مجلس وزراء البيئة العرب (باعتبارنا مراقبا) ويتم تحويل قضايا البيئة التى تمت مناقشتها إلى برامج وأنشطة، كذلك نحضر فى مجالس وزراء الشباب العرب ومجالس وزراء المياه العرب ونحول الأطروحات التى تتم فى تلك المجالس إلى برامج وأنشطة، كذلك فإن التغيرات المناخية ركزنا فيها على نشر الوعى خاصة للشباب ويتم ذلك من خلال لقاء سنوى نتناول فيه أهم القضايا المطروحة على الساحة البيئية.
التوصيات
أفرزت الندوة عدة توصيات تمثلت فى الحاجة للربط بين الجمعيات المختلفة من أجل توحيد الأهداف وتطبيقها خاصة المرتبطة بتغير المناخ، نشر التوعية بمخاطر تأثير التغيرات المناخية للقائمين على جمعيات المجتمع المدنى، إلقاء الضوء على دور المجتمع المدنى وتوحيد المجهودات، الاهتمام بمصطلح العدالة المناخية لاعتباره يخدم المفاوض العربى، إعادة صياغة دور وشكل وتكوين جمعيات المجتمع المدنى، على أن يكون الهدف من إنشاء الجمعية هو إحداث تغيير إيجابى وليس الحصول على تمويل.