الدكتور سمير طنطاوى استشارى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة UNFCCC
الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية في مصر
الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 وليد حدث انعقاد مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، بل هو محصلة خطط وإجراءات نفذتها الدولة لمجابهة التأثيرات الخطيرة للتغيرات المناخية وتأكيدا على ذلك تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتكيف المناخى والتى ظهرت للنور عام 2011 وكانت مرجعا مهما استرشاديا لكل القطاعات المتأثرة بالتغيرات المناخية مثل الزراعة (المحاصيل والأراضى والثروة الحيوانية) والمياه (وتشمل المياه السطحية والجوفية) والرى (أساليب الرى) والتنوع البيولوجى (الكائنات البحرية والبرية والصحارى والطيور والحشرات).
ويجدر القول إن الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2022 هى تجسيد للإجراءات وتوزيع الأدوار لتحقيق التكيف للقطاعات المتضررة واتباع طرق التخفيف للقطاعات المسببة للانبعاثات، وذلك تحت مظلة رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030 لضمان تحقيق التنمية بأبعادها الشمولية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وفى هذا السياق كانت ندوة منتدى بطرس غالى بمجلة الأهرام الاقتصادى، التى استضافت الدكتور سمير طنطاوى، استشارى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة ومدير مشروع الإبلاغ الوطنى الرابع لمصر، لاستعراض الملامح الرئيسية للاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 والفرص المتاحة لمصر للتصدى الفعلى لتلك التأثيرات، حيث اعتبر طنطاوى أن الاستراتيجية هى خطة عمل لذلك فهى قابلة للتعديل، خاصة أنها وضعت أفكارها وبنودها فى توقيت يعد تحديا، وهو فترة عقد مؤتمر المناخ بشرم الشيخ فى نوفمبر الماضى، وبنظرة سريعة للاستراتيجيات التى تنتهجها مصر نجد عام 2011 استراتيجية التكيف مع التغيرات المناخية والحد من مخاطر الكوارث، وفى عام 2015 استرتيجية الطاقة المتكاملة، وعام 2016 أطلقت استراتيجية التنمية المستدامة، ثم فى عام 2018 الاستراتيجية الوطنية منخفضة الانبعاثات، لذلك فإن الركائز الأساسية التى انطلقت منها الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 تمثلت فى وضع رؤية متكاملة من قبل لجنة الحكماء فى النقل والزراعة والطاقة والمياه، وهم خبراء فى تغير المناخ لتحقيق نمو اقتصادى مستدام منخفض الانبعاثات، وهى منبثقة من رؤية مصر 2030 والدستور المصرى فى إطار من العمل الاستراتيجى، ولها أهداف مثل المرونة والقدرة على التكيف وتعزيز الحوكمة فى مجال تغير المناخ مع تحسين البنية التحتية للتمويل وتحسين البحث العلمى ونقل التكنولوجيا، لذلك نجد أن هناك ترابطا بين الاستراتيجية الوطنية للتكيف واستراتيجية التنمية المستدامة، حيث أتاحت تنفيذ منظومة للإنذار المبكر، فهى تضمنت نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات مثل إنشاء مجلس وطنى للتغيرات المناخية مع وجود الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووجود استراتيجية للتكيف وأخرى منخفضة الانبعاثات واستراتيجية تغير المناخ بمحافظة الجيزة بجانب بعض المبادرات الناجحة وكلها تعد نقاط قوة، فى حين كانت نقاط الضعف عدم وجود الوعى اللازم والتداخل بين التشريعات مع غياب دور القطاع الخاص أيضا الفرص والتهديدات تم تحديدها، لذلك ساعد هذا كله على تحديد الأهداف الأساسية للاستراتيجية وكان على رأسها هدف تحقيق نمو اقتصادى مستدام منخفض الانبعاثات وهو يتضمن ثلاث نقاط لتحقيقه تمثلت فى 4 أهداف فرعية مثل موضوعات الطاقة الجديدة والمتجددة، كذلك خفض الانبعاثات مثل انبعاثات الوقود وتطبيق خطة توصيل الغاز الطبيعى للمنازل واستبدال بنزين السيارات بالغاز الطبيعى أيضا تعظيم كفاءة الطاقة مثل استخدام أجهزة كهربائية موفرة للطاقة والإنارة الذكية أيضا اتباع سياسة الإنتاج والاستهلاك المستدام، فى حين كان الهدف الثانى الذى تسعى الاستراتيجية إلى تحقيقه هو المرونة ويندرج منه 7 أهداف فرعية مرتبطة بعدة مجالات مثل الصحة والنظم الإيكولوجية والحفاظ على الموارد والحد من الكوارث ونشر التشجير والمساحات الخضراء والحفاظ على البنية التحتية، هذا بجانب أهداف متعددة تمثلت فى تحسين الحوكمة والبحث العلمى، لذلك هناك تقنيات وخطوات تفصيلية للربط بين كل من تلك الأهداف.
وأضاف طنطاوى أن مشكلة تغير المناخ متشابكة ومتعددة الأطراف، فنجد أن غازات الاحتباس الحرارى هى التى تزيد من ارتفاع درجات الحرارة بما يؤدى لذوبان الجليد بنسب أعلى من المعدلات الطبيعية والتى بدورها تؤدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بما يدفع بتغلغل المياه المالحة إلى المياه الجوفية ويؤدى ذلك إلى تبعات سيئة على الزراعة وهذا كله يرجع للأشعة تحت الحمراء وتفاعلاتها فى حبس الحرارة حول غلاف الكرة الأرضية ومنعها من الوصول للفضاء.
قياس تغير المناخ
وقال طنطاوى إن الهيئة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC) وهى أكبر تجمع عالمى دولى يدرس تأثيرات التغيرات المناخية، حيث يضم 4000 عالم من كل بلدان العالم، حيث يقدمون تقارير متخصصة كل عام، وفى عام 2022 أعدوا تجميعا شاملا لكل التقارير السابقة على مدار 8 سنوات سابقة وهى تقارير تجميعية فضلا عن التقارير الخاصة التى تناولت تفصيلات عن المحيطات والغابات وارتفاعات الحرارة 1.5 درجة مئوية، وهى تقارير تتميز بدرجة عالية من الشفافية حيث يتم اختيار العلماء عن طريق نقطة الارتكاز الوطنى للتغير المناخى فى كل دولة.
وقد وضعت IPCC عدة سيناريوهات فى تقاريرها أوضحت أن 14 % من شواطئ العالم معرضة للتآكل ويمكن أن تصل إلى 25 % عام 2100، وفى مصر المشكلة فى ساحل البحر المتوسط حيث يوجد كثير من المناطق المنخفضة وأخرى معرضة للتآكل، ويجدر الإشارة إلى أن IPCC فى تقريرها التجميعى على مدار 8 سنوات منذ اتفاق باريس 2015 حتى العام الحالى والذى عرض بسويسرا، وهو جهد خرج منه 7 أطروحات مهمة تمثلت فى تقرير خاص بارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية والذى صدر فى أكتوبر 2018، أيضا مخرجات العلوم الفيزيقية الخاصة بتغير المناخ صدرت فى أغسطس 2021 التقرير الخاص بالأراضى والتغيرات المناخية صدر فى 2019، أيضا تقرير المحيط والغلاف الجليدى والمتغير المناخى صدر فى سبتمبر 2019 ثم كانت مخرجات العمل الثانية كانت فى فبراير 2022 وتناولت التأثيرات والتهديدات والهشاشة، وتم تجميع كل تلك المخرجات فى تقرير تجميعى فى مارس 2023 وهو ملخص لصانعى السياسات على حين كان مخرجات العمل الثالثة تحت عنوان تخفيف التغيرات المناخية صدر فى إبريل 2022، وتعد تقارير تغير المناخ فى تجدد مستمر كل 4 سنوات، حيث تم الانتهاء من التقرير السادس ويعدون حاليا التقرير السابع وهو يشمل كل الجوانب التكيف والتخفيف وعلوم تغير المناخ وكل مجموعة عمل تخرج تقريرها فى أكثر من 1000 صفحة مترجم بكل لغات الأمم المتحدة.
مخرجات تقارير المناخ
وأوضح طنطاوى أن أهم ما تضمنه التقرير التجميعى فى 8000 صفحة أنه حذر من العواقب المدمرة لارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، نظرا لما تسببه فى تشتت المجتمعات بسبب التصحر والجفاف وتدهور التربة وانهيار الاقتصاديات والهجرات الداخلية والخارجية التى لها تداعيات اجتماعية خطيرة، لكنه وضع بصيصا من الأمل فى اتخاذ بعض الإجراءات من خلال التوسع فى إزالة الكربون مع تنفيذ إجراءات تقليل الانبعاثات، كذلك حذر التقرير من الاحترار العالمى الذى وصل الآن إلى 1.1 درجة مئوية ومن تداعيات ذلك حدوث ظواهر حرارية شديدة أو جفاف أو هطول للأمطار بغزارة خاصة مع كل زيادة لنحو 0.5 درجة مئوية بالإضافة لذوبان دائم للجليد وخاصة إذا اقتربنا من 1.5 درجة مئوية فهذا يعنى ذوبانا كاملا للصفائح الجليدية فى غرب أنتاركتيكا وجريلاند، هذا بجانب موت هائل للغابات والنظم الإيكولوجية، كذلك حذر التقرير من خطورة ارتفاع درجات الحرارة بشكل متواتر وتأثير ذلك إلى فقد 50 % من سكان الأرض لمصادر المياه الطبيعية لما يقرب من فترة شهر كل عام بجانب انتشار الأمراض المنقولة مثل الملاريا وفيروس غرب النيل.
وأوضحت نتائج مجموعات البحث العلمى لتغير المناخ فى تقريرها السادس أن الاحترار العالمى بسبب النشاط البشرى وصل بمتوسطات درجات الحرارة لأكثر من 1.1 درجة والتوجهات العالمية تركز على وقف هذا التواتر لارتفاع درجات الحرارة والحيلولة دون ارتفاع درجات الحرارة من الوصول إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية، والآن الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة انتهت من تقريرها السادس وتستعد للتقرير السابع متضمنة كل مجموعات العمل للتكيف والتخفيف وعلوم تغير المناخ.
مخاطر الاحترار
وأشار طنطاوى إلى مخاطر الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة الذى يؤدى لاضطراب فى معدلات درجات الحرارة وتغيرات بالنظم الإيكولوجية واندثار أنواع من الحشرات والكائنات التى لا تتحمل درجات الحرارة العالية، بجانب الجهد المائى نتيجة الإقبال البشرى عليها وأيضا الزراعة ومن المتوقع زيادة المشكلات مع كل زيادة لنصف درجة مئوية، لذلك المرونة والتكيف والتخفيف من الأولويات على أجندة سياسات الدول لمواجهة مشكلات تغير المناخ.
التوصيات
وخلصت فعاليات الندوة لوضع عدة توصيات من قبل المشاركين كان أهمها وضع منظومة لحصر الانبعاثات مع الاستفادة من دراسات تقييم الأثر البيئى، كذلك الاستفادة من المخلفات الناتجة عن عمليات تحلية المياه فى استخراج الليثيوم، مع الحد وإتاحة الفرص للبحث العلمى لتوطين التكنولوجيات لرفع كفاءة المصنع محليا، أيضا وضع جدول زمنى للاستغناء عن الوقود الأحفورى مع إتاحة المعلومات والبيانات لبناء استراتيجيات بمدخلات صحيحة بما يحقق مخرجات ذات فوائد اقتصادية واجتماعية والاستفادة من الباحثين فى مجال تغير المناخ للوصول إلى حلول لتطبيق المرونة والتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية، كذلك إنشاء سوق لشهادات خفض الانبعاثات وتطبيق التكامل بين الهيئات والكيانات لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية مع تبنى سياسات تنمية الموارد غير التقليدية لزيادة الموارد المائية مع توفير الدعم الفنى والمالى لتطبيق تكنولوجيات حديثة، بجانب تطبيق سياسة الإدارة والحوكمة بين القطاعات وانتهاج سياسة الاقتصاد الدوار مع الالتزام بالبصمة الكربونية وحساب البصمة المائية، ونشر نظم الإنذار المبكر ضد مخاطر تغير المناخ وإدراج دراسة التغير المناخى ومفاهيم التكيف والتخفيف ضمن المناهج الدراسية لطلاب المدارس والمعاهد والجامعات واتباع أساليب علمية عند إزالة الأشجار لإمكانية إعادة زراعتها مرة أخرى.