رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

اتصالات

الحوسبة الطرفية.. ثورة في اتصالات العصر الرقمي

23-6-2024 | 13:10

تشهد صناعة الاتصالات عصرا من التحولات المتلاحقة المدفوعة بصعود الحوسبة الطرفية، التى تغير طريقة معالجة البيانات بشكل أساسي، وتعد بعصر جديد من السرعات الفائقة والكفاءة المحسنة.

ففي السابق، كانت البيانات التي يولدها المستخدمون تقطع مسافات طويلة للوصول إلى مراكز البيانات المركزية للمعالجة. على الرغم من فاعلية هذه الطريقة إلا أنها كانت تتسبب فى بعض التأخير فى زمن إرسال البيانات للمعالجة (زمن التأخير هو الوقت الذي تستغرقه البيانات للانتقال ذهابا وإيابا). ومع الكم المتزايد باستمرار للبيانات التي يتم إنشاؤها بواسطة أجهزة مثل الهواتف الذكية وإنترنت الأشياء، أصبح التأخير بمثابة عنق زجاجة، ويعيق التطبيقات التي تعمل فى الوقت الحقيقي ويقلل من رضا المستخدم عن الخدمة المقدمة.

ولكن الحوسبة الطرفية نجحت عن طريق تقريب مكان المعالجة من مصدر إنشاء البيانات. ويتم تحقيق ذلك من خلال نشر وحدات كمبيوتر صغيرة على "طرف" الشبكة، مثل أبراج الهاتف المحمول، ومحطات البث، أو حتى أجهزة المستخدمين نفسها، حيث تقوم خوادم الحافة هذه بمعالجة البيانات بشكل محلي، مما يقلل بشكل كبير المسافة التي تحتاج المعلومات إلى قطعها ذهابا وإيابا، والنتيجة انخفاض كبير في زمن التأخير. وتتعدد فوائد تقليل زمن التأخير في تطبيقات الاتصالات.

 

كتب: أشرف شهاب

 

عصر اللحظة

تخيل عالما يحدث فيه التواصل بشكل فوري، حيث يتم تحديث المعلومات لحظة حدوثها، وتشعر فيه بالتفاعلات الافتراضية Virtual وكأنها حقيقية تماما. هذا هو الواقع الذي أوجدته تطبيقات الوقت الفعلي، وهي برامج الكمبيوتر التي تعالج البيانات وتقدمها بأقل زمن تأخير ممكن، مما يخلق وهما بالمعالجة الفورية للبيانات.

ومن بينها التطبيقات الخاصة بالسيارات ذاتية القيادة، وتطبيقات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR). وتعتمد هذه التطبيقات على اتخاذ قرارات في جزء من الثانية، وهو أمر لا يتحقق إلا مع الحد الأدنى من التأخير، وهو ما تضمنه الحوسبة الطرفية عند تسهيلها لعملية معالجة البيانات بشكل شبه فوري، الأمر الذى يتيح لهذه التقنيات العمل بسلاسة.

وقد أصبحت تطبيقات الوقت الفعلي جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تغير بشكل أساسي الطريقة التي نتواصل بها ونعمل ونلهو. بدءا من التدفق المستمر للتحديثات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى المنافسة المثيرة في الألعاب عبر الإنترنت. ومن بين الفوائد التى نلاحظها نتيجة لنجاح تطبيقات الوقت الفعلى:

ثورة الاتصالات الفورية: لقد ولت أيام انتظار رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية المتأخرة، إذ تتيح تطبيقات المراسلة الفورية مثل WhatsApp و Telegram إجراء محادثات في الوقت الفعلي. كما تعمل أدوات مؤتمرات الفيديو مثل Zoom و Google Meet على سد المسافات الجغرافية بشكل أكبر، مما يتيح اتصالا سلسا وفوريا عبر الحدود.

  1. التعاون المعزز: تعمل تطبيقات الوقت الفعلي على إحداث ثورة فى الطريقة التي تعمل بها المجموعات معا، حيث تتيح المنصات العمل الجماعى التعاونى مثل تطبيقات Google Docs و Trello التى تسمح لعدة مستخدمين بتعديل ومشاركة المستندات بشكل متزامن، وبالتالى تعزيز العمل الجماعي الفعال وتحسين الإنتاجية.
  2. الترفيه: لقد تحول عالم الترفيه بشكل جذري بفضل تطبيقات الوقت الفعلي. تجمع منصات الألعاب عبر الإنترنت اللاعبين ضد بعضهم البعض في الوقت الفعلي، مما يخلق تجربة مثيرة وديناميكية. كما تتيح خدمات البث المباشر للمشاهدين الانخراط مع صانعي المحتوى والمشاهدين الآخرين في الوقت الفعلي، وتعزز الشعور الاجتماعى والتجربة المشتركة.
  3. صحافة المواطن: تتيح منصات التواصل الاجتماعي التي تتميز بميزات الوقت الفعلي للأفراد أن يصبحوا مواطنين صحفيين من خلال مشاركة التحديثات ومقاطع الفيديو أثناء تطور الأحداث لحظة بلحظة. وتوفر هذه المنصات وصولا غير مسبوق للمعلومات وتعزز التفاعل مع الأحداث.
  4. مستقبل الأعمال: يتيح تحليل البيانات في الوقت الفعلي للشركات اتخاذ القرارات بسرعة ودقة أكبر. كما أن من فوائدها إتاحة تحليل اتجاهات أسواق الأسهم، وسلوك العملاء، ومعنويات جمهور وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الفعلي، مما يتيح للشركات تكييف استراتيجياتها والاستفادة من الفرص الناشئة.

ويحمل مستقبل تطبيقات الوقت الفعلي إمكانات هائلة. ومع تقدم التكنولوجيا واستمرار انخفاض زمن التأخير، يمكننا أن نتوقع ظهور تطبيقات أكثر ابتكارا وإبداعا، مما يمحو الفروق بين العالمين الافتراضي والواقعي. بدءا من أدوات الترجمة الفورية التي تسمح بالتواصل السلس بين الناطقين باللغات المختلفة، وصولا إلى تجارب الواقع الافتراضي التي تبدو بطريقة لا يمكن تمييزها عن الواقع إلا بصعوبة.

 

تحسين أداء شبكة الاتصالات

لسنوات عديدة، كانت فترة انتظار التحميل (buffering) رمزا للإحباط لمستخدمي الإنترنت، فقد عانينا لفترات طويلة من بطء سرعات التحميل، وتأخر مكالمات الفيديو، وانقطاع الاتصال. ومع ذلك، فإن الأمور آخذة فى التغير، حيث تمهد التطورات في البنية التحتية للشبكات والتقنيات المبتكرة الطريق لتحسين أداء شبكة الاتصالات، مما يحول الطريقة التي نتصل بها ونتفاعل بها في العصر الرقمي.

وفي القلب من هذا التحسين، تقع عملية التركيز على تحسين كفاءة الشبكة. وهذا التحسين يتضمن استراتيجيات متنوعة منها:

  1. توسيع سعة الشبكة: يستثمر مشغلوا شبكات الاتصالات في توسيع سعة الشبكة عن طريق نشر كابلات الألياف البصرية، وترقية البنية التحتية لتسمح بزيادة كبيرة في سرعات نقل البيانات، مما يتيح تدفق بيانات أكثر سلاسة وأوقات تحميل أسرع.
  2. تقنيات إدارة الحركة: تتضمن هذه التقنيات تخصيص النطاق الترددي، والتحكم فى حركة المرور بهدف تحقيق الاستخدام الفعال لموارد الشبكة، ويتم ذلك عن طريق تحديد الأولوية لمرور حزم البيانات المهمة ومنع الازدحام والاختناقات فى الشبكة. وتساهم هذه التقنيات في تجربة شبكة أكثر استقرارا واستجابة.
  3. وظائف الشبكة الافتراضية (NFV): تسمح هذا التكنولوجيا بأن تكون وظائف الشبكة افتراضية، مما يجعلها أكثر مرونة وقابلية للتوسع. وتتيح هذه الوظائف لمشغلي شبكات الاتصالات تكييف شبكاتهم لتلبية المتطلبات المتغيرة وأنماط حركة المرور، مما يؤدي إلى تحسين الأداء بشكل أكبر.
  4. شبكات توزيع المحتوى (CDNs): تقوم شبكات توزيع المحتوى بتخزين بعض المحتوى مؤقتا بالقرب من المستخدمين، مما يقلل المسافة التي قد تحتاج البيانات إلى قطعها. وهذا يقلل بشكل كبير من زمن التأخير، مما يؤدي إلى أوقات تحميل أسرع لصفحات الإنترنت ومحتوى البث.

مواجهة التحديات

ومع ذلك فإن ظهور تطبيقات الوقت الفعلي يطرح أيضا بعض التحديات، إذ يجب معالجة قضايا مثل التحميل الزائد للمعلومات، ومخاوف الخصوصية، وإمكانية انتشار المعلومات المضللة، ولهذا لا يتوقف أثر تحسين أداء شبكة الاتصالات فقط على التخلص من معاناة الانتظار، بل يمتد التأثير إلى جوانب مختلفة من حياتنا منها:

  1. تعزيز الإنتاجية: الإنترنت الأسرع يتيح للشركات والأفراد التعاون بشكل أكثر فعالية، وتحميل الملفات الكبيرة بشكل أسرع، والوصول إلى التطبيقات القائمة على السحابة بسلاسة. وتتم ترجمة هذا إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة في عالمنا الرقمي.
  2. فعالية الرعاية الصحية عن بعد: يزداد استخدام قطاع الرعاية الصحية للطب عن بعد، والذي يسمح باستشارات المرضى عن بعد. ويضمن أداء الشبكة الموثوق به فى حالات مثل مؤتمرات الفيديو الفائقة الدقة، ونقل البيانات في الوقت الفعلي، تسهيل التشخيص الفعال وتقديم العلاج.
  3. توسع المدن الذكية: يعتمد مستقبل التنمية الحضرية على شبكات اتصال قوية، ولهذا يعد تحسين أداء شبكات الاتصالات أمرا ضروريا لنجاح مبادرات المدن الذكية، حيث يتيح جمع البيانات في الوقت الفعلي من المستشعرات توفير أنظمة إدارة لحركة المرور الفعالة، وكذلك الاتصال السلس بين الأجهزة المتصلة.

 

تعزيز الأمن

  1. تشكل صناعة الاتصالات العمود الفقري لعالمنا المترابط. فهي تسهل الاتصال وتغذي الابتكار وتدعم جوانب لا حصر لها من الحياة العصرية. ومع ذلك، يرتبط بهذا الدور المحوري مسئولية جسيمة تتمثل فى حماية الكم الهائل من البيانات التي تمر عبر شبكات الاتصالات. وفي عصر تتزايد فيه المخاطر الإلكترونية، لم يعد تعزيز الأمن في قطاع الاتصالات رفاهية، بل ضرورة لا غنى عنها، وذلك لأن صناعة الاتصالات تعتبر هدفا رئيسيا للهجمات الإلكترونية بسبب الحجم الهائل للبيانات التي يتم التعامل معها، والتي تشمل المعلومات الشخصية والمعاملات المالية والاتصالات الحساسة، مما يجعلها هدفا مغريا للجهات الإلكترونية الخبيثة. بالإضافة إلى ذلك، يمثل التعقيد والترابط في شبكات الاتصالات نقاط ضعف يمكن للمهاجمين استغلالها. ولهذا فمن المهم
  2. المعالجة المحلية للبيانات الحساسة: يجب قدر الإمكان معالجة البيانات الحساسة محليا على أطراف الشبكة، لتقليل مخاطر الاختراقات أثناء عمليات النقل لمسافات طويلة. وهذا أمر بالغ الأهمية خاصة للتطبيقات التي تتعامل مع معلومات سرية، مثل المعاملات المالية أو البيانات الصحية.
  3. تجزئة الشبكة: من الضرورى تقسيم الشبكات إلى قطاعات أصغر، لأن من شأن هذا الإجراء الحد من الأضرار المحتملة الناجمة عن أى خرق أمني. ويتم ذلك عن طريق عزل البنية التحتية الحساسة وبيانات المستخدمين، وبالتالى تقييد المهاجمين فى مساحات صغيرة، مما يسهل احتواء التهديدات والتصدي لها.
  4. تقنيات التشفير: يعد تشفير البيانات أثناء تخزينها ونقلها أمرا بالغ الأهمية لتأمين المعلومات الحساسة. يضمن التشفير أنه حتى في حالة اعتراض البيانات، فإنها تظل غير قابلة للقراءة بدون مفتاح فك التشفير المناسب.
  5. إجراءات التحكم بالوصول: إن تطبيق أدوات قوية للتحكم بالوصول يقيد الوصول غير المصرح به إلى الأنظمة والبيانات الحساسة. يتضمن هذا الإجراء عملية المصادقة الثنائية، والتحكم فى الوصول بناء على الدور، والمراقبة المستمرة لنشاط المستخدم.
  6. الوعي الأمني: يعتبر البقاء على اطلاع على أحدث التهديدات الإلكترونية والثغرات الأمنية أمرا بالغ الأهمية للدفاع الاستباقي ضد الهجمات. وتستفيد شركات الاتصالات من مراقبة التهديدات ومتباعتها أولا بأول فى تحديد التهديدات الناشئة، وتنفيذ الإجراءات الأمنية اللازمة قب وقوع الضرر. بالإضافة إلى ذلك، يعزز تعزيز ثقافة الوعي الأمني بين الموظفين قدرتهم على تحديد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها.

  1. أتمتة الأمن وتنسيقه: يمكن أن تتم إدارة إجراءات الأمن يدويا، إلأ أن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا وتكون عرضة للأخطاء البشرية، ولهذا تعمل أدوات أتمتة الأمن وتنسيقه على تبسيط العملية، مما يتيح للشركات اكتشاف التهديدات والتصدي لها واحتوائها بشكل أكثر فعالية وكفاءة.

ولا يقتصر تعزيز الأمن في قطاع الاتصالات على حماية البيانات الحساسة فحسب، بل إنه يساهم أيضا فى تعزيز الثقة بين العملاء والشركات المقدمة لخدمات الاتصالات.

 

آفاق أرحب

ولا يقتصر السعي الدؤوب لتحسين أداء شبكة الاتصالات على التخلص من فترات الانتظار، بل يتعلق بإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للعصر الرقمي، وتعزيز الابتكار، وخلق عالم أكثر اتصالا وكفاءة للجميع. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع المزيد من التطورات في البنية التحتية للشبكات، وتقنيات التحسين، مما يفتح آفاقا أرحب لشبكات الاتصالات.

 

اخر اصدار