بقلم : إيمان عراقي - رئيس التحرير
الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ولكنه الركن الوحيد المقترن بالاستطاعة، أى القدرة، والمقصود هنا القدرة المالية لأن الحج مكلف، وأيضا القدرة الجسدية والصحية لأن الحج مشقة، والمولى عز وجل قال فى كتابه الكريم: “ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، ولكن ما حدث فى موسم الحج هذا العام غير مقبول بالمرة، فهذا وإن جاز التعبير هو انتحار، خاصة لكبار السن والمرضى، وللأسف تغلبت المشاعر الدينية على حسابات العقل.
جميعنا يعلم مدى اشتياق أى مسلم لحج بيت الله، ونظرا لارتفاع تكلفة الحج النظامى، فقد لجأ الكثير من المصريين إلى الطرق غير النظامية، لأنها تتوافق مع استطاعتهم المالية، ولكنهم فى سبيل تأدية الفريضة أغفلوا استطاعتهم الصحية والجسدية، خاصة أن موسم الحج هذا العام تزامن مع ارتفاع شديد فى درجات الحرارة يصعب تحمله.
الشوق مشروع وتعلق القلب مشروع وتمنى الموت فى الأراضى المقدسة مشروع أيضا، لكن حفظ النفس واجب كما أمر ربنا عز وجل، وإلا تحول الأمر إلى انتحار، ولا يخفى علينا ما حدث لعدد كبير من المصريين الذين راحوا ضحية لبعض شركات السياحة التى غررت بهم ووفرت لهم تأشيرة سياحة أو زيارة فى موسم الحج وألقت بهم إلى التهلكة دون أى رحمة أو ضمير، وهنا لابد من محاسبتهم حسابا رادعا، حتى يعلموا أن أرواح الناس لا تقدر بثمن، خاصة أنهم استغلوا تعلق أهالينا البسطاء واشتياقهم لأداء فريضة الحج وضعف إمكاناتهم المالية .
فى مثل هذه الأحوال يحق للدولة أن تمنع رعاياها ولو بالقوة من الذهاب إلى التهلكة، ومنع تأشيرات الزيارة نهائيا أثناء فترة الحج بتنظيم فاشل من كيانات وهمية غير مقننة مرة أخرى .
وهنا لابد من الإشارة إلى تحرك الدولة السريع الذى جاء على قدر المصاب لنا جميعا، حيث ترأس الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أمس السبت، اجتماع خلية الأزمة المُشكلة بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسى، لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين، حيث تم رصد 16 شركة سياحية -بصورة مبدئية- تحايلت وقامت بتسفير الحجاج بصورة غير نظامية، ولم تقدم أى خدمات للحجاج، وكلف رئيس مجلس الوزراء بسرعة سحب رخص هذه الشركات، وإحالة المسئولين إلى النيابة العامة، مع تغريم هذه الشركات لصالح أسر الحجاج الذين تسببوا فى وفاتهم .
ولا يخفى على أحد الدور الوطنى والإنسانى الذى تقوم به بعثة الخارجية المصرية الموجودة فى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة حاليا، حيث تبذل قصارى جهدها للبحث عن كل المفقودين من المواطنين المصريين بالتنسيق مع السلطات السعودية، وإجراء الزيارات الميدانية للمستشفيات والمراكز الطبية التى يتواجد بها مواطنون مصريون، للاطمئنان على أوضاعهم والتأكد من حصولهم على الرعاية الطبية اللازمة، إضافة إلى اتخاذ كل الإجراءات الخاصة بنقل جثامين المواطنين الذين وافتهم المنية، ويرغب ذووهم فى إعادة جثامينهم إلى أرض الوطن .
الخارجية المصرية من جانبها دشنت غرفة عمليات تعمل على مدار الـ24 ساعة لاستقبال كل اتصالات المواطنين الخاصة بطلب البحث عن المفقودين أو شحن جثامين ذويهم ممن وافتهم المنية، هذه كلها جهود مشكورة للدولة، ولكن الدور التى نطمح إليه من الدولة أن يكون لها تحرك استباقى لمنع الكارثة قبل حدوثها والضرب بيد من حديد على المتسببين فى إزهاق هذه الأرواح الطاهرة .
الحج مشقة جسدية كبيرة يعانى منها الشباب، فما بالنا بكبار السن؟! والحج مشقة وإن كنت قد خرجت نظاميا، فما بالك إن كنت تضطر للمشى بضعة كيلومترات أو أكثر فى شمس حارقة ودرجات حرارة مرتفعة؟! ولعل مِن بين أولئك مَن أنعم الله عليه وأدى الفريضة سابقا، فلماذا يعرض نفسه لهذه التجربة القاسية التى قد تكلفه حياته ؟