أكد الدكتور ناصر عبد الرءوف، رئيس مركز النيل للتحكيم التأمينى والتجارى، أن شركات التأمين يجب عليها أن تسارع إلى إعداد وتأهيل موظفيها وإكسابهم الخبرات التحكيمية والقانونية والفنية التى تمكنهم من التعامل مع آلية مهمة من آليات فض المنازعات وهى التحكيم، مشيرا إلى أن المحكمة الدستورية فى إطار حرصها على بيان الأصل العام فى التحكيم وكونه يستند إلى الاتفاق، فقد حرصت على أن تقول قولها فى المسألة الخاصة بالتحكيم الإجبارى بين الجهات الحكومية، حيث أكدت أن «الأصل العام فى التحكيم أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه، إلا أنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محددين وفى شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية.»
وأوضح عبد الرءوف، أنه فى حقيقة الأمر للتحكيم مزايا متعددة أهمها السرعة فى تسوية النزاع، وترجع السرعة كون هيئة التحكيم تكون متفرغة لنظر هذا النزاع فقط بالإضافة إلى تخصص هيئة التحكيم، ما يجعل التعامل مع الأمور الفنية والدقيقة يخضع لخبرة الهيئة وتخصصها، كما تُعد السرية فى تداول الجلسات من الأمور التى يتمتع بها التحكيم بميزة خاصة، حيث إن طبيعة النزاعات تكون عن عقود ذات طابع اقتصادى تحمل أمورا وأسرارا يحرص أصحابها أن تكون بعيدة عن التناول العلنى، مشيرا إلى أن التحكيم يمتاز بأن شخصية المحكم تلعب دورا مهما فى اختياره، حيث يحرص الأطراف على اختيار الشخصية محل الثقة من حيث المؤهلات العلمية والعملية والسمعة الطيبة والخبرة والاستقلال، كما يمتاز الحكيم بكونه يحافظ على العلاقة بين المتنازعين حيث يخرج النزاع على فكرة اللدد فى الخصومة إلى رحابة الإنصاف والعدالة والمرونة، كما يكون للأطراف فى منازعات التحكيم الحرية فى اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع ولهم أيضا حرية تحديد لغة ومكان التحكيم.
وأشار إلى أن من أهم مزايا التحكيم هو مساهمته فى المحافظة على القيمة الحقيقية للنقود، وسوف نسوق مثالا بغية الإيضاح بفرض وجود نزاع فإن الفصل فى النزاع عن طريق التحكيم قد يستغرق مدة 6 أشهر (وهى مدة غالبا ما يفصل النزاع خلالها وتحرص معظم القوانين على النص عليها)، أما إذا تم اللجوء إلى الطرق التقليدية لفض المنازعات عن طريق القضاء الرسمى فإن الأمر قد يستغرق فى المتوسط ثلاث سنوات، وبالنظر إلى معدلات الفائدة وعنصر الزمن وبتطبيق المعادلات الرياضية نجد مثلا إذا كان هناك خلاف حول مبلغ عشرة ملايين جنيه مصرى، فإذا تم الفصل عن طريق التحكيم فإن القيمة الحقيقية للمبلغ بعد مرور 6 أشهر هى 9345795 جم، أما إذا تم الفصل عن طريق القضاء الرسمى وبعد مرور 3 سنوات فإن القيمة الحقيقية للمبلغ هى 6749715 جنيها، وهنا يتبين أهمية التحكيم فى المحافظة على الثروات والحد من الخسائر، وفى النهاية نشير إلى ميزة مهمة جدا للتحكيم وهو سرعة تنفيذ أحكام التحكيم كونها أحكاما نهائية لا تقبل الطعن عليها بخلاف الطعن بالبطلان، وبالتالى تكون هناك سهولة فى تنفيذ الأحكام رضائيا كون الطرف الخسائر سيتقبل الحكم بصدر رحب كونه هو المشارك فى اختيار هيئة التحكيم عن قناعة كاملة بتمتعها بالاستقلال والشفافية والخبرة والكفاءة والمهنية، كما أن أحكام التحكيم الدولى أيضا تتمتع بسهولة التنفيذ كون معظم دول العالم منضمة إلى اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم 1958 وهى اتفاقية تلزم الدول المنضمة إلى الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.
وأكد الدكتور ناصر، أن عقود التأمين أصبحت تتضمن شرطا للتحكيم يشير إلى أمكانية تسوية النزاع الذى يدور حول تلك العقود عن طريق التحكيم، حيث ينص على «أن كل نزاع ينشأ بين أطراف هذه الوثيقة سواء فيما يتعلق بتفسير أحكامها أو تطبيق شروطها يمكن اللجوء فى شأنه بناء على اتفاقهم إلى نص القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية، لافتا إلى أنه تتجلى أهمية اتخاذ سبيل التحكيم وسيلة لتسوية النزاعات الناشئة عن عقود التأمين إلى طبيعة تلك العقود وما تحمله غالبا من اصطلاحات فنية وقانونية معقدة صيغت معظمها فى بيئات قانونية مختلفة الأمر الذى يحتاج أهل الاختصاص، وما لاشك فيه أن طبيعة عقود التأمين التى ترتكن إلى مبادئ التأمين وأهمها مبدأ منتهى حسن النية، تجد فى التحكيم ملاذا آمنا كونها آلية تعطى دائما شعورا بالثقة والأمان، حيث إن السرعة فى الفصل فى النزاع من قبل متخصصين تم اختيارهم بإرادة حرة فى ظل الثقة فى مؤهلاتهم العلمية والعملية وخبراتهم الفنية التى تمكنهم من استيعاب أسرار وبواطن النزاع، وما يتمتعون به من حياد واستقلال ومرونة تساهم بلاشك فى تقبل الأحكام والتسارع إلى تنفيذها بهدف المحافظة على طيب العلاقة بين شركات التأمين وعملائها، وبما يسهم فى الموازنة بين المصالح المختلفة فى ظل اليقين بعدالة وإنصاف حكم التحكيم.