17 % ارتفاعا في أسعار القمح العالمية منذ بداية العام، و23 % في زيت النخيل
1266 “إجراء حمائيا” تتخذها حكومات 154 دولة وتعوق تصدير الغذاء
إعداد : شريفة عبد الرحيم
من البرتقال في البرازيل إلى الكاكاو في غرب إفريقيا، ومن الزيتون في جنوب أوروبا إلى البن في فيتنام، أصبح ارتفاع أسعار المواد الغذائية -الذي كان يعتبر مؤقتا- مصدرا للضغوط التضخمية. وحذر أكبر تجار السلع الزراعية في العالم من أن العالم يتجه نحو “حروب الغذاء”، حيث تدفع التوترات الجيوسياسية وتغير المناخ الدول إلى الصراع حول الإمدادات.
وحذر صني فيرجيز، الرئيس التنفيذي لشركة “أولام أجري” التجارية الزراعية ومقرها سنغافورة، من أنه بعد حروب النفط ستكون هناك حروب أكبر على الغذاء والماء.
ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” تلك التحذيرات، التي جاءت في مؤتمر ريدبيرن أتلانتيك وروتشيلد للمستهلكين مؤخرا، حيث أوضح فيرجيز أن الحواجز التجارية التي تفرضها الحكومات، التي تسعى إلى دعم مخزونات الغذاء المحلية، تعزز ارتفاع أسعار الغذاء.
في الوقت نفسه، تم اتهام كبار تجار السلع الزراعية، الذين جنوا أرباحا قياسية في عام 2022، بعد أن أدى الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بجني مكاسب طائلة بالرغم من الأزمة.
لكن فيرجيز قال: إن جزءا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية كان نتيجة للتدخل الحكومي. وإن انتشار الحواجز التجارية غير الجمركية في عام 2022، ردا على الحرب - 1266 إجراء في 154 دولة حسب تقديراته - “خلق اختلالا مبالغا فيه بين العرض والطلب”.
وأضاف أن الدول الأكثر ثراء تعمل على تراكم فوائض في السلع الاستراتيجية، مما يؤدي إلى زيادة الطلب علي نحو مبالغ فيه، وبالتالي ارتفاع الأسعار. ومثال علي ذلك الهند والصين، لديهما مخزون احتياطي، يعمل علي تفاقم المشكلة العالمية.
وكانت أسعار المواد الغذائية بدأت ترتفع في أعقاب انتشار فيروس كورونا، وارتفعت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تم حظر بعض صادرات الحبوب والأسمدة بسبب الصراع. وذلك أدى إلى انعدام الأمن الغذائي في الدول الفقيرة وترك المستهلكين في جميع أنحاء العالم يواجهون أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة، ومع ذلك الارتفاع وتغير المناخ الذي يعيق الإنتاج الزراعي على مستوى العالم تتجه الحكومات بشكل متزايد إلى السياسات الحمائية.
علي سبيل المثال، في عام 2022، فرضت إندونيسيا حظرا علي صادرات زيت النخيل لحماية السوق المحلي، بينما فرضت الهند العام الماضي قيودا على التصدير على أنواع معينة من الأرز، في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار المحلية قبل الانتخابات البرلمانية، وبعد أن خفضت الرياح الموسمية المتقلبة الإنتاج وأثارت مخاوف من نقص المعروض.
وعلي صعيد تداعيات التغييرات المناخية، يعد العام الحالي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث تم تجاوز حد 1.5 درجة مئوية لمدة 12 شهرا على التوالي. وبحسب خبراء المناخ، لم يشهد العالم مثل ذلك الوضع من قبل. وبحسب خدمة “كوبرنيكوس” لتغير المناخ، كان يونيو الشهر الثالث عشر على التوالي الذي تسجل فيه درجات حرارة أعلى من معدلاتها الطبيعية، فكان الأكثر سخونة في التاريخ. وعند درجة حرارة هواء سطحية تبلغ 16.66 درجة مئوية، يكون ذلك أعلى بمقدار 0.14 درجة مئوية عن أعلى مستوى تم تسجيله في يونيو من العام الماضي. وذلك على الرغم من العلامات المبكرة لظاهرة الطقس البارد “لانينيا “ التي تحدث بشكل طبيعي في المحيط الهادئ، والتي تحل محل تأثير ظاهرة “النينيو” الاحترارية.
وفي رصد لتداعيات الاحتباس الحراري علي أسعار السلع الغذائية، أكد أحدث تقارير صحيفة “فاينانشال تايمز” أن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية – ما يثير قلق البنوك المركزية، حيث يعمل ارتفاع معدل التضخم علي بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول من المتوقع.
فأنماط الطقس المتغيرة تؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل، والضغط على الإمدادات، مما يخلق ما يمكن أن يصبح مصدرا دائما للتضخم.
مثال علي ذلك، زراعة الزيتون في إيطاليا، فمع ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية وانخفاض الأمطار، أصبحت زراعة الزيتون وتحويله إلى زيت أمرا صعبا بشكل متزايد.
وفي جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، أدى انخفاض المحاصيل وارتفاع تكاليف المدخلات بالنسبة لمنتجي الزيتون إلى ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ 20 عاما، العام الجاري. ويتوقع خبراء أن مشكلات الإنتاج سوف تزداد سوءا مع تفاقم تأثيرات المناخ.
يذكر أنه على مدى عشرات السنين تعطل إنتاج الغذاء وتسعيره بسبب الطقس، حيث أدت أحداث مثل موجات الحر أو الجفاف أو الفيضانات أو الصقيع إلى انخفاض المحاصيل وارتفاع الأسعار. ومن بين العوامل الأخرى الحرب والمرض، كما شهد العالم مؤخرا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وحمى الخنازير التي اجتاحت الخنازير في الصين.
يقول آدم ديفيس، المؤسس المشارك لصندوق التحوط الزراعي العالمي “فرير كابيتال”: إن تغير المناخ ساعد في رفع أسعار قائمة طويلة من السلع الغذائية التي يتم تداولها بمستويات أعلى العام الجاري، مؤكدا استمرار تأثير ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك. فالقمح ارتفع بنسبة 17 %، وزيت النخيل بنسبة 23 %، والسكر9 %.
ثلث الزيادات في أسعار المواد الغذائية في المملكة المتحدة في عام 2023 كانت بسبب تغير المناخ، وفقا لوحدة أبحاث الطاقة والمناخ.
وعلى الصعيد العالمي، ربما ترتفع معدلات التضخم السنوي في أسعار الغذاء بما يصل إلى 3.2 نقطة مئوية سنويا خلال العقد المقبل، أو نحو ذلك، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وفقا لدراسة حديثة أجراها البنك المركزي الأوروبي ومعهد “بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ”.
وذلك يعني زيادة في التضخم الإجمالي السنوي بما يصل إلى 1.18 نقطة مئوية بحلول عام 2035، حسبما توصلت الدراسة، التي استخدمت بيانات تاريخية من 121 دولة من عام 1996 إلى عام 2021، لوضع نموذج لسيناريوهات التضخم المستقبلية. ومن المتوقع أن يكون الجنوب العالمي هو الأكثر تضررا.
الزراعة أحد القطاعات الأكثر تأثرا بشكل مباشر بالتغييرات المناخية. وعلى مدى العقد المقبل، ربما يكون هناك نقص في بعض المحاصيل الأكثر أهمية على مستوى العالم، حيث إن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة يخفض الإنتاج الزراعي.
على سبيل المثال، تنخفض إنتاجية القمح بشكل كبير بمجرد تجاوز درجات الحرارة في الربيع 27.8 درجة مئوية، ومع ذلك فقد توصلت دراسة حديثة إلى أن المناطق الرئيسية لزراعة القمح في الصين والولايات المتحدة سجلت درجات حرارة أعلى من ذلك بشكل متكرر على نحو متزايد.
الجدير بالذكر هنا أن موجات الحر التي كان من المتوقع أن تحدث مرة كل 100 عام في عام 1981، أصبحت حاليا متوقعة كل 6 سنوات في الغرب الأوسط للولايات المتحدة، وكل 16 عاما في شمال شرق الصين، وفقا للبحث الذي أجرته كلية فريدمان لعلوم وسياسات التغذية بجامعة “تافتس” الأمريكية.
ويعد الأرز وفول الصويا والذرة والبطاطس من بين المواد الغذائية الأساسية الأخرى التي يمكن أن تشهد انخفاضا في الإنتاج. وبالنسبة للعديد من المحاصيل ارتفاع درجات الحرارة يعني انخفاض المحصول. وبحسب فريدريك كويك، الخبير الاقتصادي الذي ترأس فريق دراسة البنك المركزي الأوروبي، فإن الإنتاجية مستقرة عند درجات حرارة تتراوح بين 20 و30 درجة مئوية، بحسب طبيعة المحصول. لكن أعلى من ذلك يخفض الإنتاجية بشكل حاد للغاية. وقال إن انخفاض الإنتاجية يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فهو مجرد عرض وطلب.
كما أن الأحداث المناخية المتطرفة، بما في ذلك حالات الجفاف والفيضانات والعواصف، التي أصبحت متكررة بشكل متزايد، لها أيضا آثار غير مباشرة.
وأدى تغير المناخ إلى تفاقم آثار ظاهرة النينيو،-في درجة حرارة البحر-، والتي عادت العام الماضي، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية مناطق زراعة السكر والقهوة والكاكاو.
يذكر أنه في العام الماضي أدت الأمراض وسوء الأحوال الجوية إلى انخفاض المحاصيل، وانخفض المحصول العالمي بنسبة تزيد عن 10 % عن العام السابق.
يقول ويليام هاينز، كبير الاقتصاديين المعنيين بتغير المناخ في البنك الدولي، إن تقدير مدى ذلك التأثير يمثل تحديا. ولن تعاني المحاصيل في كل منطقة، فبعض المناطق أو الدول ربما تكون قادرة على زراعة المزيد من محاصيل معينة نتيجة للتغيرات المناخية.