بلغت قيمة سوق الاتصالات العالمية طبقا لتقديرات مؤسسة Precedence Research للأبحاث 2.18 تريليون دولار أمريكي في عام 2023. ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 3.99 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب 6.23% فى الفترة من عام 2024 إلى عام 2033.
وطبقا لتقديرات نفس المؤسسة وصل حجم سوق خدمات الاتصالات العالمية إلى نحو 1.90 تريليون دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن يتجاوز نحو 3.10 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2033 بمعدل نمو سنوي مركب 5 ٪ عن نفس الفترة.
كتب: أشرف شهاب
وأشارت تقديرات مؤسسة Statista إلى أن صناعة التليفونات المحمولة أسهمت فى عام 2022 بمبلغ 5.2 تريليون دولار أمريكي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يشكل ما يقرب من 5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشكل عام. وتتوقع Statista أن يرتفع هذا الرقم إلى 6 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2030.
تؤكد الأرقام أعلاه أن صناعة الاتصالات يمكنها أن تلعب دورا قويا فى دفع عجلة النمو الاقتصادى الوطني، ومن ثم العالمي، وذلك لأن الاقتصاد يشهد تحولات رقمية كبرى نتيجة لثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التى باتت تشكل القلب النابض للاقتصاد العالمى.
وبعيدا عن قيام قطاع الاتصالات بربط العالم ببعضه البعض فإن شبكات الاتصالات يمكن وصفها فى العصر الراهن بأنها المحرك العالمى للنمو الاقتصادي من خلال قيامها بعدة أدوار أساسية من بينها:
القضاء على المسافات
كانت المسافات الجغرافية تشكل على مدار آلاف السنين الماضية عائقا كبيرا أمام نمو حركة التجارة والتعاون الدوليين، ولكن مع شبكات الاتصالات، والخدمات المحيطة بها مثل الإنترنت وتقنيات الهواتف المحمولة بات العالم أشبه بقرية صغيرة، فقد بات بإمكان الشركات ورجال الأعمال الوصول بسلاسة إلى العملاء والشركاء في جميع أنحاء العالم، مما يعزز التجارة الدولية. وتزامن ذلك مع نمو منصات التجارة الإلكترونية بفضل البنية التحتية القوية للإنترنت، مما سمح للشركات بالاستفادة من السوق العالمي. وفى نفس الوقت عملت تقنيات الهواتف المحمولة على إبقاء الأفراد على اتصال دائم، مما سهل التواصل والتعاون بينهم في المشروعات بغض النظر عن الموقع الجغرافي. ويعزز هذا التواصل استمرار ازدهار التجارة والتعاون الدوليين مما يؤدي في نهاية المطاف إلى دفع النمو الاقتصادي العالمي.
ازدهار التجارة
كان من المستحيل صعود التجارة الإلكترونية إلا بوجود البنية التحتية القوية للاتصالات التي توفرها شبكات الاتصالات. ولم يكن من الممكن أن نتخيل إمكانية الوصول إلى العملاء عبر القارات دون أجهزة كمبيوتر، وإنترنت وهواتف محمولة تتيح للشركات تجاوز القيود الجغرافية، فقد أتاح الاتصال بالإنترنت عالي السرعة والاتصال عبر الهاتف المحمول للشركات إنشاء واجهات متاجر عبر الإنترنت يمكن الوصول إليها من قاعدة العملاء حول العالم، مما ألغي الحاجة إلى الوجود الفعلي في الأسواق، مما يفتح الأبواب أمام الشركات الصغيرة للتنافس على نطاق أوسع. بالإضافة إلى ذلك تعمل البنية التحتية القوية للاتصالات على تسهيل الحملات التسويقية المستهدفة، مما يسمح للشركات بالوصول إلى مجموعات سكانية ومناطق محددة بدقة.
وأدى التوسع فى إنشاء منصات التجارة الإلكترونية إلى تعزيز المنافسة، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتقديم مجموعة واسعة من المنتجات للمستهلكين، مما يحفز النشاط الاقتصادي العام. كما عملت منصات التجارة الإلكترونية بدورها على تمكين رواد الأعمال من إطلاق أعمال تجارية جديدة، وبالتالى خلق وظائف جديدة في مجالات مثل التسويق عبر الإنترنت والخدمات اللوجستية وخدمة العملاء.
كما ساعدت منصات التجارة الإلكترونية على تبسيط العمليات التجارية، فأصبح بمقدور الشركات إدارة المخزون والطلبات بشكل أكثر كفاءة، مما يؤدي إلى توفير التكاليف وزيادة الربحية. وهذا بدوره يسمح لهم بتوسيع أعمالهم والمساهمة بشكل أكبر في النمو الاقتصادي.
دعم الصناعة
تعمل صناعة الاتصالات كأرضية خصبة للنمو الاقتصادي من خلال توفير اتصالات فائقة السرعة لتغذية الصناعات الجديدة، حيث توفر هذه الاتصالات إمكانات اعتماد التقنيات الجديدة التى يؤدى اعتمادها إلى تسريع عجلة النمو الاقتصادي مثل خدمات الحوسبة السحابية، حيث يتم تخزين البيانات والتطبيقات والوصول إليها عن بعد، مما يلغى حاجة الشركات إلى ضخ استثمارات ضخمة فى البنية التحتية الداخلية باهظة الثمن، وينطبق الحال على تقنيات عديدة أخرى كتقنيات الذكاء الاصطناعي التى تعمل على دعم نمو قطاعات مثل الرعاية الصحية والتمويل والتصنيع. وكذلك تقنيات إنترنت الأشياء الصناعية التى تعمل على تسهيل عمليات المراقبة والتحليل في الوقت الفعلي، مما يتيح تحسين العمليات في مختلف الصناعات، وتبسيط عمليات الإنتاج، وبالتالى زيادة كفاءة وجودة المنتجات. وفى قطاع الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد تلعب خدمات الاتصالات دورا مهما فى نقل البيانات في الوقت الحقيقي من الأجهزة المتصلة ضمن سلسلة التوريد، مما يسمح بتحسين تتبع البضائع، وتحسين طرق التسليم وتقليل تكاليف المخزون.
البحث والتطوير
غيرت ثورة الاتصالات مشهد البحث والتطوير من خلال تعزيز التعاون العالمي بين الباحثين، فقد نجحت شبكة الإنترنت، ومنصات الاتصالات المتقدمة في كسر الحواجز، وتسريع الابتكار وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال توفير آليات سهلة وسريعة لتبادل الخبرات المشتركة بين الباحثين من مختلف البلدان والمؤسسات، مما يدعم التعاون الدولي في المشروعات البحثية المعقدة، ويؤدي بالتالى إلى تسريع التقدم فى عمليات البحث والتطوير، خصوصا باستخدام أدوات التعاون الافتراضي كمؤتمرات الفيديو. كما أتاحت خدمات الاتصالات للباحثين إمكانية الوصول إلى الموارد العالمية وقواعد البيانات، ومتابعة نتائج أحدث الأبحاث من جميع أنحاء العالم.
ويؤدي هذا التعاون العالمي في البحث والتطوير إلى العديد من الفوائد الاقتصادية، حيث يؤدى إلى تسريع عمليات الإنتاج، وتسريع التسويق للمنتجات والخدمات المبتكرة، وتسريع وصولها إلى الأسواق، وبالتالى اكتساب ميزة تنافسية وتعزيز النمو الاقتصادي.
وغالبا ما يؤدى هذا التعاون فى مجال البحث والتطوير إلى فتح الباب واسعا أمام إنشاء صناعات وخدمات جديدة تماما، مما يؤدي إلى دفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وبالإضافة إلى ما سبق، يؤدى الاستثمار فى البحث والتطوير اعتمادا على تقنيات الاتصالات إلى تحسين التنبؤ بالطلب على المنتجات، إذ بات بمقدور الشركات جمع بيانات المبيعات في الوقت الفعلي من مواقع مختلفة. ويتم استخدام هذه البيانات للتنبؤ بالطلب بشكل أكثر دقة، مما يسمح للشركات بتحسين الإنتاج وتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة.
العمل عن بعد
أدى ظهور تقنيات الاتصالات إلى بدء حقبة جديدة من العمل عن بعد، مما أدى إلى تغيير جذري في كيفية وصول الشركات إلى الأيدى العاملة الموهوبة فى أى مكان حول العالم. ففي السابق كانت القيود الجغرافية لا تسمح للشركات إلا بالاستفادة من المواهب المحلية. أما اليوم فتسمح منصات الإنترنت وشبكات الاتصالات القوية للشركات بالاستفادة من مجموعة عالمية من الموظفين المهرة، فبات بمقدورها توظيف أفضل المواهب بغض النظر عن الموقع الجغرافي، والاستفادة من مهارات قد لا تكون متاحة بسهولة في الأسواق المحلية. ويتيح العمل عن بعد للشركات إمكانية بناء فرق عمل عن بعد، وتعزيز التعاون وتبادل المعرفة والخبرات بينهم، والتعرف على وجهات نظر جديدة، وبالتالى تحفيز الابتكار، مما يسهم في نهاية المطاف في تطوير منتجات وخدمات أفضل.
وتشير الدراسات إلى أن العاملين عن بعد يمكنهم أن يكونوا منتجين بنفس القدر، أو حتى أكثر من نظرائهم الذين يعملون في المكاتب. وذلك لأن أدوات الاتصالات توفر لهم بيئات عمل أكثير تركيزا وأقل تشتيتا.
ومن الفوائد الأخرى للعمل عن بعد توفير التكاليف، حيث يمكن للشركات توفير التكاليف العامة كإيجارات المكاتب وفواتير الكهرباء، والتليفونات والمياه، من خلال توظيف قوة عاملة عن بعد. كما تستفيد الشركات أيضا من إمكانية الوصول إلى مجموعة المواهب من مختلف دول العالم برواتب أكثر تنافسية، مما يقلل من نفقات الموظفين الإجمالية.
وقد أدى ظهور العمل عن بعد إلى خلق فرص جديدة للأفراد والشركات على حد سواء. فعلى سبيل المثال بات بمقدور رواد الأعمال ذوي المهارات المتخصصة تقديم خدماتهم على مستوى العالم، مما يعزز إمكاناتهم في الكسب والمساهمة في التنمية الاقتصادية. ومن أهم الميزات التى يتيحها العمل عن بعد بفضل صناعة الاتصالات إمكانية التنشيط الاقتصادى للمناطق النائية والأقل نموا اقتصاديا، حيث بات بمقدور الأفراد الوصول إلى وظائف ذات رواتب عالية بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.
جذب الاستثمارات
يؤدى وجود خدمات اتصالات عالية السرعة والموثوقية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، فعلى سبيل المثال تتميز مصر بتفوقها العالمى والإفريقى فى مجال خدمات التعهيد وصناعة مراكز الاتصال، وكذلك خدمات تصميم البرمجيات، وتقوم بتصدير خدمات بمليارات الدولارات سنويا من خلال الاستفادة بالمواهب الشابة ذات الأجور التنافسية، وتميزهم فى مجالات البرمجة، وفى تقديم الخدمات بمختلف اللغات المعروفة حول العالم.
التحديات والفرص
للحصول على أقصى استفادة ممكنة من خدمات وأدوات تقنيات الاتصالات يجب بذل المزيد من الجهد للقضاء على الفجوة الرقمية داخل المجتمعات، وتوفير إمكانية الوصول إلى البنية التحتية للاتصالات فائقة السرعة للمناطق المحرومة من إمكانية الوصول إليها، وفى هذا الصدد يجب توفير المزيد من الدعم لمبادرة "حياة كريمة" التى تعمل على سد هذه الفجوة بين المناطق الجغرافية المختلفة.
لقد أحدثت ثورة الاتصالات تحولا جذريا فى مختلف القطاعات الاقتصادية، وأدت إلى تنويع وتسهيل فرص العمل ودعم الابتكار، وتعزيز الإنتاجية للشركات والأفراد، وبالتالى فى دعم التنمية الاقتصادية الشاملة.