بقلم : د. م.سعيد عشرى - خبير الاتصالات وأمن المعلومات
بات التطور سريع الانتشار لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى قضية مؤرقة للمجتمع الدولى بأكمله، وخلق حاجة ملحة لنهج أكثر شمولية وعالمية لإدارتها، وذلك نتيجة للمخاطر العديدة المرتبطة بهذا التطور، التى من بينها انتشار التضليل المعلوماتى، وخرق قواعد الملكية الفكرية والخصوصية والبيانات الشخصية، علاوة على استخدامه فى توليد ونشر خطاب الكراهية. ولعل أبرز التحديات الرئيسية فى هذه الأنظمة المتقدمة، هو إيجاد التوازن الصحيح بين تشجيع الابتكار وضمان المساءلة.
نعم، لقد وفرت هذه الأنظمة الوعد بتحقيق تقدم تكنولوجى كبير، ونمو اقتصادى، وحلول لمشاكل مجتمعية معقدة. إلا أن الاندفاع نحو تبنى ابتكارات الذكاء الاصطناعى من الضرورى أن يكون مصحوبا بالمسئولية، ودراسات متأنية للآثار الأخلاقية والمجتمعية كالتحيز والتمييز وإساءة الاستخدام. لذا ينبغى دمج المبادئ الأخلاقية فى جميع مراحل دورة تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعى لتحقيق التوازن الصحيح، مع الأخذ فى الاعتبار الأطر القانونية والتنظيمية الفعالة والتعاون بين الحكومات والصناعة والأوساط الأكاديمية والمنظمات الدولية والمجتمع المدنى.
دفع كل هذا، وذاك قادة مجموعة السبع لإطلاق “عملية هيروشيما” فى مايو 2023، بهدف مناقشة فرص ومخاطر هذه التكنولوجيا. وبعد اجتماعات ومناقشات عديدة تم الاتفاق بنجاح على “إطار السياسة الشاملة لعملية هيروشيما”، الذى يعد بمنزلة أول إطار دولى متضمن لمبادئ توجيهية ومدونة سلوك لتعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعى المتقدمة الآمنة والجديرة بالثقة. تقر مدونة السلوك 11 نقطة لحث الشركات –طواعية- العاملة فى تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى المتقدمة على اتخاذ خطوات لتحديد وتقدير والحد من المخاطر المرتبطة بهذه الأنظمة التى يطورونها أو يستخدمونها بدءا من مرحلة التصميم إلى مرحلة التشغيل، كما طالبت المدونة أيضا بإجراء اختبارات دورية لأداء وسلامة هذه الأنظمة، وإبلاغ المستخدمين عن قدراتها وقيودها والإبلاغ عن حالات سوء الاستخدام، علاوة على تشجيع المدونة لزيادة الشفافية من خلال نشر تقارير عامة حول طبيعية وغرض هذه الأنظمة والاستثمار فى الضوابط الأمنية القوية لمنع الاختراق أو التلاعب، وشددت المدونة أيضا على تعزيز التعاون بين مجموعة السبع فى مجال المعايير التقنية للذكاء الاصطناعى على المستوى الدولى. مع ضرورة المراجعة والتحديث بصفة دورية للوثيقة من خلال المشاورات مع أصحاب المصلحة المتعددين لضمان بقائها مناسبة ومتماشية للغرض ومتطلبات العالم من هذه التكنولوجيا سريعة التطور. وقد لا تكون المبادئ العامة وقواعد السلوك التى أصدرتها المجموعة ملزمة، إلا أنها لها قوة وتأثيرا فى الدول المنخرطة فى مجموعة “عملية هيروشيما” وإن كان بتفاوت بين دولة وأخرى.