بقلم : أ.د عصام الجوهرى - عضو الهيئة العلمية بمعهد التخطيط القومى
يمتلك العالم العربى مقومات كثيرة تضعه فى سلسلة الإمدادات العالمية لصناعة الرقائق الإلكترونية لوجود كميات وفيرة من الرمال البيضاء المصدر الرئيسى لمادة السليكون التى تعد أساس صناعة الرقائق الإلكترونية، فضلا عن امتلاك العالم العربى موقعا جغرافيا استراتيجيا، وكذلك وفرة الموارد البشرية القادرة على المساهمة فى تصميم الرقائق الإلكترونية
كما أن المنطقة العربية غنية بالطاقة وبأهم ممرات النقل العالمية مثل قناة السويس، بالإضافة إلى الصناديق السيادية الغنية التى تستطيع الاستثمار الفورى فى صناعة الرقائق الإلكترونية، إلا أن هذه الإمكانيات تحتاج إلى خطوات منظمة وسريعة للمساهمة فى سلاسل الإمداد لهذه الصناعة.
قبل مناقشة الفرص فى سلسلة الإمداد لصناعة الرقائق الإلكترونية دعونا نستعرض معلومات مهمة فى هذا الملف، أولا أن تكلفة المصنع الواحد تتخطى عشرة مليارات من الدولار، ثانيا أن المهندسين المتخصصين فى طباعة الشرائح وإنتاجها غير متاحين حيث تعانى الصين وأوروبا فى هذا المجال، وأخيرا اقتصاديات تشغيل المصنع مرتبطة بموردين وعملاء دوليين داخل شبكة مصالح شديدة التعقيد. الأمر الآخر المهم هو صراع هواوى الصينية وشركة نيفادا الأمريكية المتسارع، يمكن الاستفادة منه فنيا، حيث قامت هواواى باستخدام ميكنة قديمة فى إنتاج شرائح متقدمة ويمكن دراسة تجربة نيفادا الحديثة فى إنتاج معالجات عالية القدرة.
ومع هذه المعلومات أصبحت مساهمة العالم العربى فى صناعة الرقائق الإلكترونية مسألة أمن قومى، ولاسيما مع بوادر المناوشات العسكرية الصينية التايوانية الأمريكية. ونظرا للتكاليف الباهظة التى يتطلبها الدخول إلى هذه الصناعة فيمكن للدول العربية الدخول تدريجيا فى صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث يمكن أن تعظم من تواجدها فى مجال تصميم الرقائق الإلكترونية حيث توجد العديد من الشركات المصرية والكوادر التى تعمل بالفعل فى مجال التصميم، سنويا. ويمكن التفاوض وعقد شراكات وخاصة مع صناديق الثروة السيادية الإقليمية أو تقديم تسهيلات فيما يخص الاستثمار فى مصانع للرمال البيضاء وشركات تصميم الرقائق الإلكترونية مع الكيانات الكبرى فى هذا المجال لتوطين الصناعة ونقل خبرات وتكنولوجيات تصنيعها وخصوصا فى مرحلة القيمة المضافة.
وفى هذا السياق هناك جهود للدول العربية خاصة السعودية ومصر والمغرب بدعم مشروعات التنقيب عن المعادن التى تدخل فى تلك الصناعات مثل الرمال البيضاء، وفى مصر خاصة لابد من تضافر جهود وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لعمل الدراسات اللازمة للوقوف على مقوماتها وقدراتها للدخول فى هذه الصناعة فضلا عن الاستعانة بخبراء أجانب للاستفادة منهم فى هذه الصناعة، ويجب على وزارة التعليم العالمى وأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا دعم المراكز البحثية لإجراء الأبحاث الخاصة بالرقائق الإلكترونية، وأخيرا الانتهاء من إنشاء الغرفة النظيفة بمعهد بحوث الإلكترونيات حيث أن توطين هذه الصناعة يمثل رافدا مهما للاقتصاد المعرفى المستهدف فى رؤية مصر 2030.
وأخيرا إن التعاون العربى فى مجال تصميم أو تنفيذ مرحلة من مراحل إنتاج الشرائح الإلكترونية مهم جدا لنكون فى خضم الصراع التكنوجيوسياسى العالمى ونتمنى سريعا عمل دراسات تفصيلية متضمنة دراسات جدوى اقتصادية وفنية وتشغيلية للاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية بالوطن العربى.