800 مليار دولار ديون الحكومات المحلية فى الصين مشكوك فى سدادها
122 % نسبة الدين الأمريكى إلى إجمالى الناتج المحلى بحلول عام 2034
5.5 % نسبة عجز الميزانية الفرنسية للعام الماضي
97 تريليون دولار ديون توازى حجم الاقتصاد العالمى وتوصيات بفرملة الاقتراض لتخفيف وطأة الأزمة
توقعات فوز ترامب ترفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية
إعداد : شريفة عبد الرحيم
تجنب الاقتصاد العالمى ما كان يمكن أن يكون أزمة ديون نظامية خلال الاضطرابات التى شهدتها السنوات الأخيرة، لكن نقاط الضعف لا تزال قائمة وسط ارتفاع تكاليف خدمة الديون التى تشكل تحديا كبيرا للدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
وتعد قضية الديون قنبلة موقوتة، حتى بالنسبة لدول عظمى، وهى التى تعتمد فى نموها على الاقتراض الخارجى. وتمثل الصين مثالا صارخا على ذلك، فبالرغم من النمو الذى حققه اقتصادها إلا أن هناك تساؤلات حول مستقبلها فى ظل ما تعانيه حاليا من تداعيات تنفيذ مشروعات تنموية لا تولد سوى عوائد اقتصادية ضئيلة.
وفقا لمعهد التمويل الدولى، بحلول الربع الثانى من عام 2023، كان حجم الدين العالمى قد بلغ 307 تريليونات دولار، مدفوعا إلى حد كبير بالدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وفرنسا، وذلك شمل الاقتراض من قبل الحكومات والشركات والأسر.
حكومات العالم حاليا مدينة بمبلغ غير مسبوق قدره 97 تريليون دولار، وهو مبلغ يعادل تقريبا حجم الاقتصاد العالمى، ومن شأنه أن يفرض فى نهاية المطاف خسائر فادحة على شعوبها.
وبحسب المحللين، زادت أعباء الديون بشكل كبير - ويرجع ذلك جزئيا إلى تكلفة الوباء - حتى أنها تشكل حاليا تهديدا متزايدا لمستويات المعيشة حتى فى الاقتصادات الغنية، بما فى ذلك الولايات المتحدة.
ويحذر معهد التمويل الدولى من أنه بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع مستويات الديون فإن نفقات الفائدة الحكومية بلغت مستويات قياسية خطيرة، ومن ثم تتزايد ضغوط الدين المحلى.
ويرى كينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد فى جامعة هارفارد، أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول ستضطر إلى إجراء تعديلات مؤلمة، مثل زيادة الضرائب أو تخفيض برامج الضمان الاجتماعى والتأمين الصحى.
فى نفس السياق، حذر بنك التسويات الدولية من ارتفاع الديون الحكومية التى باتت تهدد الاستقرار المالى والتضخم، مشيرا إلى مخاطر التعرض لأزمة مشابهة لتلك التى عصفت بالمملكة المتحدة فى عام 2022.
وقال البنك المركزى للبنوك المركزية، مؤخرا، إنه يتعين على الحكومات تقليص الاقتراض لتخفيف أحد أكبر التهديدات لاستقرار النظام المالى العالمى ودعم الجهود المبذولة لكبح التضخم.
وأوضح تقريره السنوى عن الاقتصاد العالمى، أن سبب الأزمة التى ضربت المملكة المتحدة فى عام 2022، كان عزوف المستثمرين فجأة عن شراء السندات الحكومية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، والذى دفع العملة إلى الهبوط وإثارة حالة من الفوضى فى أسواق الأسهم.
ربما تكون أزمة الديون ليست وحدها الخطر الأكبر الذى يواجه الاقتصاد العالمى حاليا، لكن مخاوف المستثمرين إزاء مخاطر السياسات النقدية وتداعياتها على الأسواق فى تزايد.
وبحسب جاى ميلر، كبير استراتيجيى السوق فى “مجموعة زيورخ للتأمين”، عادت قضية العجز إلى بؤرة التركيز العالمى مرة أخرى.
ويرى الخبراء أنه يجب أن يكون هناك المزيد من الاهتمام ليس فقط بالديون، بل بكيفية توليد ديناميكية النمو - خاصة فى أوروبا.
ومن أبرز الاقتصادات الكبرى ضمن قائمة الدول المثقلة بالديون، فرنسا والولايات المتحدة والصين.
فى فرنسا، كانت الانتخابات المفاجئة بمثابة صحوة قاسية للمستثمرين الذين كانوا ينظرون فى السابق إلى ما هو أكثر من الموارد المالية العامة المتعثرة. ومع وصول فجوة الميزانية إلى 5.5% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام الماضى، تواجه فرنسا إجراءات تأديبية من الاتحاد الأوروبى.
وارتفعت علاوة مخاطر السندات الفرنسية لفترة وجيزة الشهر الماضى إلى أعلى مستوياتها منذ أزمة الديون فى عام 2012، مع تقدم اليمين المتطرف فى السباق الانتخابى.
وبعد فوز تحالف يسارى فى نهاية المطاف، ربما يحد البرلمان المعلق من خطط الإنفاق لكنه يمكن أن يعيق أيضا أى إجراء لتعزيز المالية العامة لفرنسا.
ويؤكد رئيس مكتب التدقيق الوطنى الفرنسى على وجوب خفض الديون، وحتى قبل تشكيل حكومة جديدة، توقع الاتحاد الأوروبى أن يصل الدين العام إلى نحو 139% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2034، ارتفاعا من 111% حاليا. وحتى بعد انخفاض علاوة المخاطرة فى فرنسا ظلت مرتفعة نسبيا.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيعتقد مكتب الميزانية فى الكونجرس أن الدين العام سيرتفع من 97% إلى 122% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2034 - أى أكثر من ضعف المتوسط منذ عام 1994.
وأدت التوقعات المتزايدة بفوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية المقررة فى نوفمبر إلى رفع عوائد سندات الخزانة مؤخرا، حيث أخذ المستثمرون فى الاعتبار مخاطر حدوث عجز أكبر فى الميزانية وارتفاع التضخم. ويعتقد بعض المستثمرين أن النتيجة الأسوأ لأسواق السندات ستكون رئاسة ترامب مع سيطرة الجمهوريين على مجلسى النواب والشيوخ.
وفى حين أن سندات الخزانة الأمريكية محمية بفضل وضعها كملاذ آمن، فإن منحنى العائد يقترب من أعلى مستوياته منذ يناير، مما يعكس الضغط الذى يواجه تكاليف الاقتراض على المدى الطويل.
فخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجارى، دفعت الحكومة الأمريكية 728 مليار دولار فوائد على دينها العام، بزيادة %37 عن العام الماضى.
وكان من المتوقع أن يبلغ إجمالى أقساط الفائدة 892 مليار دولار فى السنة المالية الحالية ــ وهو أكثر مما خصصته للدفاع، وتقترب من ميزانية الرعاية الصحية، والتأمين الصحى لكبار السن وذوى الإعاقة.
وفى العام المقبل ستتجاوز مدفوعات الفائدة تريليون دولار على الدين العام الذى يزيد على 30 تريليون دولار، وهو مبلغ يعادل تقريبا حجم الاقتصاد الأمريكى، وفقا للهيئة الرقابية المالية التابعة للكونجرس.
وكان عجز الحكومة الأمريكية ارتفع بواقع 347 مليار دولار فى شهر مايو، بزيادة 5% عن نفس الشهر من العام الماضى، وذلك مع استمرار زيادة الإنفاق بسبب تكاليف الاقتراض المرتفعة .وبذلك بلغ العجز منذ بداية العام حتى تاريخه 1.2 تريليون دولار، والذى يقل قليلا عن الأشهر الثمانية الأولى من العام المالى2023 .
مشكلة الصين لخصها تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز، الذى أوضح أن تريليونات الدولارات من الديون الخفية كانت الحافز لنمو اقتصاد الصين، لكنها باتت الآن تهدد مستقبلها.
فالواقع أنه تراكمت على الحكومات المحلية، ما يصل إلى 11 تريليون دولار، من الديون غير الرسمية، لبناء المناطق الصناعية والمنتجعات وأنظمة النقل ومشرعات الإسكان، والعديد من تلك المشرعات ثبت فشلها.
لسنوات عديدة جمعت عشرات المدن الصينية معا تريليونات الدولارات فى هيئة ديون غير مسجلة لتمويل مشرعات التنمية الاقتصادية. وكان التمويل المبهم بمثابة الخميرة التى ساعدت الصين على الصعود إلى مستوى حسد العالم.
واليوم مواقع البناء المتضخمة، والطرق السريعة قليلة الاستخدام، ومناطق الجذب السياحى المهجورة تجعل الكثير من ذلك النمو الذى يستند على الديون يبدو وهميا، ويثير تساؤلات حول مستقبل الصين.
وتكمن أدوات التمويل المعقدة المملوكة للدولة التى اقترضت الأموال نيابة عن الحكومات المحلية، وفى كثير من الحالات كانت تسعى إلى تنفيذ مشرعات تنموية لم تولد سوى عوائد اقتصادية قليلة. وكان تدهور سوق العقارات فى الصين فى السنوات الثلاث الماضية يعنى أن الحكومات المحلية لم تعد قادرة على الاعتماد على مبيعات الأراضى لمطورى العقارات، وهو مصدر مهم للدخل.
ويقدر الاقتصاديون أن حجم الديون غير المسجلة يتراوح بين 7 تريليونات دولار و11 تريليون دولار، أى نحو ضعف حجم ديون الحكومة المركزية فى الصين. والمبلغ الإجمالى غير معروف - على الأرجح ليس حتى لبكين، كما يقول المصرفيون والاقتصاديون -، وذلك بسبب الغموض الذى يحيط بالترتيبات المالية التى سمحت بتضخم الدين.
ويحذر الاقتصاديون أن ما يصل إلى 800 مليار دولار من ذلك الدين مشكوك فى سدادها، وإذا لم تتمكن أدوات التمويل من الوفاء بالتزاماتها فيمكن لبكين إما أن تدفع تكاليف عمليات الإنقاذ، الأمر الذى ربما يخلق مشكلة أكبر من خلال تشجيع الاقتراض غير السلي، أو ربما يعرض البنوك الصينية لخسائر فادحة، وربما يؤدى إلى أزمة ائتمانية من شأنها أن تؤدى إلى المزيد من تآكل النمو الاقتصادى.
والأمر الواضح أن تراكم الديون بات يعوق الصين من بذل المزيد من الجهد لتحفيز اقتصادها، فبالفعل تباطأ النمو السنوى إلى 5.2% العام الماضى مقارنة بمعدل %7.8 قبل 10سنوات.
تقوم مدن حاليا بإلغاء مشرعات البنية التحتية، التى كانت الحافز لكثير من النمو لفترة طويلة. وخفضت وكالة موديز لخدمات المستثمرين ووكالة فيتش للتصنيف الائتمانى توقعاتهما، بشأن التصنيف الائتمانى للصين، إلى سلبى من مستقر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الشكوك فى قدرة الحكومات المحلية على خدمة ديونها بشكل صحيح.
ولأن الديون لا تظهر فى الدفاتر الحكومية - وإنما فقط فى دفاتر أدوات تمويل القروض المحلية - تمكنت المدن من تجاوز حدود الاقتراض. وكانت السندات جذابة للبنوك الصينية وغيرها من المؤسسات الاستثمارية التى افترضت أن المدن كانت فى مأزق لسدادها. ورأى المستثمرون أن السماح لصناديق القروض المحلية بالتخلف عن سداد السندات أمر محفوف بالمخاطر للغاية بالنسبة للنظام المالى الصينى ومكلف للغاية بالنسبة لاقتصاده.