رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

تهدد الدول الكبرى قبل الفقيرة.أزمة ديون عالمية تلوح فى الأفق

7-8-2024 | 17:01

800‭ ‬ مليار‭ ‬دولار‭ ‬ديون‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬مشكوك‭ ‬فى‭ ‬سدادها‭ ‬

122‭ %‬ نسبة‭ ‬الدين‭ ‬الأمريكى‭ ‬إلى‭ ‬إجمالى‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2034

5.5‭ %‬ نسبة‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭ ‬الفرنسية‭ ‬للعام‭ ‬الماضي

‭ ‬97‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬ديون‭ ‬توازى‭ ‬حجم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى‭ ‬وتوصيات‭ ‬بفرملة‭ ‬الاقتراض‭ ‬لتخفيف‭ ‬وطأة‭ ‬الأزمة

توقعات‭ ‬فوز‭ ‬ترامب‭ ‬ترفع‭ ‬عوائد‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية

‭ ‬إعداد‭ : ‬شريفة‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم

تجنب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أزمة‭ ‬ديون‭ ‬نظامية‭ ‬خلال‭ ‬الاضطرابات‭ ‬التى‭ ‬شهدتها‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لكن‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭ ‬وسط‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬خدمة‭ ‬الديون‭ ‬التى‭ ‬تشكل‭ ‬تحديا‭ ‬كبيرا‭ ‬للدول‭ ‬منخفضة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬الدخل‭.‬

وتعد‭ ‬قضية‭ ‬الديون‭ ‬قنبلة‭ ‬موقوتة،‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدول‭ ‬عظمى،‭ ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬تعتمد‭ ‬فى‭ ‬نموها‭ ‬على‭ ‬الاقتراض‭ ‬الخارجى‭. ‬وتمثل‭ ‬الصين‭ ‬مثالا‭ ‬صارخا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الذى‭ ‬حققه‭ ‬اقتصادها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مستقبلها‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعات‭ ‬تنموية‭ ‬لا‭ ‬تولد‭ ‬سوى‭ ‬عوائد‭ ‬اقتصادية‭ ‬ضئيلة‭.‬

وفقا‭ ‬لمعهد‭ ‬التمويل‭ ‬الدولى،‭ ‬بحلول‭ ‬الربع‭ ‬الثانى‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬الدين‭ ‬العالمى‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬307‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار،‭ ‬مدفوعا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بالدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬واليابان‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وذلك‭ ‬شمل‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومات‭ ‬والشركات‭ ‬والأسر‭.‬

حكومات‭ ‬العالم‭ ‬حاليا‭ ‬مدينة‭ ‬بمبلغ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬قدره‭ ‬97‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬يعادل‭ ‬تقريبا‭ ‬حجم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى،‭ ‬ومن‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬على‭ ‬شعوبها‭.‬

وبحسب‭ ‬المحللين،‭ ‬زادت‭ ‬أعباء‭ ‬الديون‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ - ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬جزئيا‭ ‬إلى‭ ‬تكلفة‭ ‬الوباء‭ - ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬حاليا‭ ‬تهديدا‭ ‬متزايدا‭ ‬لمستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الغنية،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

ويحذر‭ ‬معهد‭ ‬التمويل‭ ‬الدولى‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬الديون‭ ‬فإن‭ ‬نفقات‭ ‬الفائدة‭ ‬الحكومية‭ ‬بلغت‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬خطيرة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تتزايد‭ ‬ضغوط‭ ‬الدين‭ ‬المحلى‭.‬

ويرى‭ ‬كينيث‭ ‬روجوف،‭ ‬أستاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ستضطر‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬مؤلمة،‭ ‬مثل‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب‭ ‬أو‭ ‬تخفيض‭ ‬برامج‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والتأمين‭ ‬الصحى‭.‬

فى‭ ‬نفس‭ ‬السياق،‭ ‬حذر‭ ‬بنك‭ ‬التسويات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬الديون‭ ‬الحكومية‭ ‬التى‭ ‬باتت‭ ‬تهدد‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالى‭ ‬والتضخم،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬مخاطر‭ ‬التعرض‭ ‬لأزمة‭ ‬مشابهة‭ ‬لتلك‭ ‬التى‭ ‬عصفت‭ ‬بالمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2022‭.‬

وقال‭ ‬البنك‭ ‬المركزى‭ ‬للبنوك‭ ‬المركزية،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬إنه‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬تقليص‭ ‬الاقتراض‭ ‬لتخفيف‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬التهديدات‭ ‬لاستقرار‭ ‬النظام‭ ‬المالى‭ ‬العالمى‭ ‬ودعم‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬لكبح‭ ‬التضخم‭.‬

وأوضح‭ ‬تقريره‭ ‬السنوى‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى،‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬الأزمة‭ ‬التى‭ ‬ضربت‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬كان‭ ‬عزوف‭ ‬المستثمرين‭ ‬فجأة‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬السندات‭ ‬الحكومية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الاقتراض،‭ ‬والذى‭ ‬دفع‭ ‬العملة‭ ‬إلى‭ ‬الهبوط‭ ‬وإثارة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬فى‭ ‬أسواق‭ ‬الأسهم‭.‬

ربما‭ ‬تكون‭ ‬أزمة‭ ‬الديون‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬الذى‭ ‬يواجه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى‭ ‬حاليا،‭ ‬لكن‭ ‬مخاوف‭ ‬المستثمرين‭ ‬إزاء‭ ‬مخاطر‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬فى‭ ‬تزايد‭.‬

وبحسب‭ ‬جاى‭ ‬ميلر،‭ ‬كبير‭ ‬استراتيجيى‭ ‬السوق‭ ‬فى‭ ‬“مجموعة‭ ‬زيورخ‭ ‬للتأمين”،‭ ‬عادت‭ ‬قضية‭ ‬العجز‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬التركيز‭ ‬العالمى‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

ويرى‭ ‬الخبراء‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بالديون،‭ ‬بل‭ ‬بكيفية‭ ‬توليد‭ ‬ديناميكية‭ ‬النمو‭ - ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬أوروبا‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬المثقلة‭ ‬بالديون،‭ ‬فرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭.‬

فى‭ ‬فرنسا،‭ ‬كانت‭ ‬الانتخابات‭ ‬المفاجئة‭ ‬بمثابة‭ ‬صحوة‭ ‬قاسية‭ ‬للمستثمرين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬ينظرون‭ ‬فى‭ ‬السابق‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬المتعثرة‭. ‬ومع‭ ‬وصول‭ ‬فجوة‭ ‬الميزانية‭ ‬إلى‭ ‬5‭.‬5‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬الإجمالى‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬الماضى،‭ ‬تواجه‭ ‬فرنسا‭ ‬إجراءات‭ ‬تأديبية‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭.‬

وارتفعت‭ ‬علاوة‭ ‬مخاطر‭ ‬السندات‭ ‬الفرنسية‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة‭ ‬الشهر‭ ‬الماضى‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياتها‭ ‬منذ‭ ‬أزمة‭ ‬الديون‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬مع‭ ‬تقدم‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬فى‭ ‬السباق‭ ‬الانتخابى‭.‬

وبعد‭ ‬فوز‭ ‬تحالف‭ ‬يسارى‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬ربما‭ ‬يحد‭ ‬البرلمان‭ ‬المعلق‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬الإنفاق‭ ‬لكنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيق‭ ‬أيضا‭ ‬أى‭ ‬إجراء‭ ‬لتعزيز‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬لفرنسا‭.‬

ويؤكد‭ ‬رئيس‭ ‬مكتب‭ ‬التدقيق‭ ‬الوطنى‭ ‬الفرنسى‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬خفض‭ ‬الديون،‭ ‬وحتى‭ ‬قبل‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة،‭ ‬توقع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬139‭%  ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬الإجمالى‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2034،‭ ‬ارتفاعا‭ ‬من‭ ‬111‭% ‬حاليا‭. ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬انخفاض‭ ‬علاوة‭ ‬المخاطرة‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬ظلت‭ ‬مرتفعة‭ ‬نسبيا‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فيعتقد‭ ‬مكتب‭ ‬الميزانية‭ ‬فى‭ ‬الكونجرس‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬سيرتفع‭ ‬من‭ ‬97‭% ‬إلى‭ ‬122‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬الإجمالى‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2034‭ - ‬أى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬المتوسط‭ ‬​​منذ‭ ‬عام‭ ‬1994‭.‬

وأدت‭ ‬التوقعات‭ ‬المتزايدة‭ ‬بفوز‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬فى‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقررة‭ ‬فى‭ ‬نوفمبر‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬عوائد‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬مؤخرا،‭ ‬حيث‭ ‬أخذ‭ ‬المستثمرون‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬مخاطر‭ ‬حدوث‭ ‬عجز‭ ‬أكبر‭ ‬فى‭ ‬الميزانية‭ ‬وارتفاع‭ ‬التضخم‭. ‬ويعتقد‭ ‬بعض‭ ‬المستثمرين‭ ‬أن‭ ‬النتيجة‭ ‬الأسوأ‭ ‬لأسواق‭ ‬السندات‭ ‬ستكون‭ ‬رئاسة‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬سيطرة‭ ‬الجمهوريين‭ ‬على‭ ‬مجلسى‭ ‬النواب‭ ‬والشيوخ‭.‬

وفى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬محمية‭ ‬بفضل‭ ‬وضعها‭ ‬كملاذ‭ ‬آمن،‭ ‬فإن‭ ‬منحنى‭ ‬العائد‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياته‭ ‬منذ‭ ‬يناير،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬الضغط‭ ‬الذى‭ ‬يواجه‭ ‬تكاليف‭ ‬الاقتراض‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

فخلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الخمسة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجارى،‭ ‬دفعت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬728‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬فوائد‭ ‬على‭ ‬دينها‭ ‬العام،‭ ‬بزيادة‭ %‬37‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬الماضى‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬إجمالى‭ ‬أقساط‭ ‬الفائدة‭ ‬892‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬الحالية‭ ‬ــ‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬خصصته‭ ‬للدفاع،‭ ‬وتقترب‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬والتأمين‭ ‬الصحى‭ ‬لكبار‭ ‬السن‭ ‬وذوى‭ ‬الإعاقة‭.‬

وفى‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬ستتجاوز‭ ‬مدفوعات‭ ‬الفائدة‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬الذى‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬30‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬يعادل‭ ‬تقريبا‭ ‬حجم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكى،‭ ‬وفقا‭ ‬للهيئة‭ ‬الرقابية‭ ‬المالية‭ ‬التابعة‭ ‬للكونجرس‭.‬

وكان‭ ‬عجز‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ارتفع‭ ‬بواقع‭ ‬347‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬مايو،‭ ‬بزيادة‭ ‬5‭% ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬الشهر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضى،‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬زيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬بسبب‭ ‬تكاليف‭ ‬الاقتراض‭ ‬المرتفعة‭ .‬وبذلك‭ ‬بلغ‭ ‬العجز‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬حتى‭ ‬تاريخه‭ ‬1‭.‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬والذى‭ ‬يقل‭ ‬قليلا‭ ‬عن‭ ‬الأشهر‭ ‬الثمانية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬المالى2023‭ .‬

مشكلة‭ ‬الصين‭ ‬لخصها‭ ‬تقرير‭ ‬لصحيفة‭ ‬فاينانشال‭ ‬تايمز،‭ ‬الذى‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬تريليونات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬الخفية‭ ‬كانت‭ ‬الحافز‭ ‬لنمو‭ ‬اقتصاد‭ ‬الصين،‭ ‬لكنها‭ ‬باتت‭ ‬الآن‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبلها‭.‬

فالواقع‭ ‬أنه‭ ‬تراكمت‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية،‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬11‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬غير‭ ‬الرسمية،‭ ‬لبناء‭ ‬المناطق‭ ‬الصناعية‭ ‬والمنتجعات‭ ‬وأنظمة‭ ‬النقل‭ ‬ومشرعات‭ ‬الإسكان،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المشرعات‭ ‬ثبت‭ ‬فشلها‭.‬

لسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬جمعت‭ ‬عشرات‭ ‬المدن‭ ‬الصينية‭ ‬معا‭ ‬تريليونات‭ ‬الدولارات‭ ‬فى‭ ‬هيئة‭ ‬ديون‭ ‬غير‭ ‬مسجلة‭ ‬لتمويل‭ ‬مشرعات‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وكان‭ ‬التمويل‭ ‬المبهم‭ ‬بمثابة‭ ‬الخميرة‭ ‬التى‭ ‬ساعدت‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬الصعود‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬حسد‭ ‬العالم‭.‬

واليوم‭ ‬مواقع‭ ‬البناء‭ ‬المتضخمة،‭ ‬والطرق‭ ‬السريعة‭ ‬قليلة‭ ‬الاستخدام،‭ ‬ومناطق‭ ‬الجذب‭ ‬السياحى‭ ‬المهجورة‭ ‬تجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النمو‭ ‬الذى‭ ‬يستند‭ ‬على‭ ‬الديون‭ ‬يبدو‭ ‬وهميا،‭ ‬ويثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الصين‭.‬

وتكمن‭ ‬أدوات‭ ‬التمويل‭ ‬المعقدة‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬التى‭ ‬اقترضت‭ ‬الأموال‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية،‭ ‬وفى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشرعات‭ ‬تنموية‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬سوى‭ ‬عوائد‭ ‬اقتصادية‭ ‬قليلة‭. ‬وكان‭ ‬تدهور‭ ‬سوق‭ ‬العقارات‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬الماضية‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مبيعات‭ ‬الأراضى‭ ‬لمطورى‭ ‬العقارات،‭ ‬وهو‭ ‬مصدر‭ ‬مهم‭ ‬للدخل‭.‬

ويقدر‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الديون‭ ‬غير‭ ‬المسجلة‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬7‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬و11‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬أى‭ ‬نحو‭ ‬ضعف‭ ‬حجم‭ ‬ديون‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬فى‭ ‬الصين‭. ‬والمبلغ‭ ‬الإجمالى‭ ‬غير‭ ‬معروف‭ - ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬ليس‭ ‬حتى‭ ‬لبكين،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المصرفيون‭ ‬والاقتصاديون‭ -‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الغموض‭ ‬الذى‭ ‬يحيط‭ ‬بالترتيبات‭ ‬المالية‭ ‬التى‭ ‬سمحت‭ ‬بتضخم‭ ‬الدين‭.‬

ويحذر‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬800‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الدين‭ ‬مشكوك‭ ‬فى‭ ‬سدادها،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬أدوات‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬فيمكن‭ ‬لبكين‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬تكاليف‭ ‬عمليات‭ ‬الإنقاذ،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬يخلق‭ ‬مشكلة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشجيع‭ ‬الاقتراض‭ ‬غير‭ ‬السلي،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬يعرض‭ ‬البنوك‭ ‬الصينية‭ ‬لخسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬وربما‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬ائتمانية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تآكل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادى‭.‬

والأمر‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬تراكم‭ ‬الديون‭ ‬بات‭ ‬يعوق‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬بذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬لتحفيز‭ ‬اقتصادها،‭ ‬فبالفعل‭ ‬تباطأ‭ ‬النمو‭ ‬السنوى‭ ‬إلى‭ ‬5‭.‬2‭% ‬العام‭ ‬الماضى‭ ‬مقارنة‭ ‬بمعدل‭ %‬7.8‭ ‬قبل‭  ‬10سنوات‭.‬

تقوم‭ ‬مدن‭ ‬حاليا‭ ‬بإلغاء‭ ‬مشرعات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬الحافز‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭. ‬وخفضت‭ ‬وكالة‭ ‬موديز‭ ‬لخدمات‭ ‬المستثمرين‭ ‬ووكالة‭ ‬فيتش‭ ‬للتصنيف‭ ‬الائتمانى‭ ‬توقعاتهما،‭ ‬بشأن‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتمانى‭ ‬للصين،‭ ‬إلى‭ ‬سلبى‭ ‬من‭ ‬مستقر،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬إلى‭ ‬الشكوك‭ ‬فى‭ ‬قدرة‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬ديونها‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭.‬

ولأن‭ ‬الديون‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬فى‭ ‬الدفاتر‭ ‬الحكومية‭ - ‬وإنما‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬دفاتر‭ ‬أدوات‭ ‬تمويل‭ ‬القروض‭ ‬المحلية‭ - ‬تمكنت‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الاقتراض‭. ‬وكانت‭ ‬السندات‭ ‬جذابة‭ ‬للبنوك‭ ‬الصينية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬التى‭ ‬افترضت‭ ‬أن‭ ‬المدن‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬مأزق‭ ‬لسدادها‭. ‬ورأى‭ ‬المستثمرون‭ ‬أن‭ ‬السماح‭ ‬لصناديق‭ ‬القروض‭ ‬المحلية‭ ‬بالتخلف‭ ‬عن‭ ‬سداد‭ ‬السندات‭ ‬أمر‭ ‬محفوف‭ ‬بالمخاطر‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنظام‭ ‬المالى‭ ‬الصينى‭ ‬ومكلف‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لاقتصاده‭.‬

اخر اصدار