بقلم: أ. د. يمن الحماقى - أستاذ الاقتصاد - جامعة عين شمس
شهد القطاع الصناعى المصرى العديد من التحديات فى الفترة الماضية والتى كان لها دور مهم فى عدم مساهمته المرجوة فى تحقيق التنمية فى مصر. وقد تعرضت فى العديد من المقالات إلى أسباب عدم تنافسية القطاع الصناعى المصرى ومن ثم قدرته على النفاذ إلى الأسواق الدولية، حيث وصل آخر رقم للصادرات المصرية من السلع المصنعة إلى 35 مليار دولار فقط، وهو رقم لا يتناسب مطلقا مع قدرات وموارد مصر، ما يتطلب ومع تولى الحكومة الجديدة تحديد أولويات التحرك فى ملف الصناعة بما يكفل أن يكون هذا القطاع محركا للنمو، ويمكن فى هذا الإطار تحديد أهم الأولويات فيما يلى:
أولا: توحيد جهة الولاية للقطاع بمعنى أن تكون هناك جهة واحدة مسئولة عن الأراضى والحصول على الموافقات والرخص الصناعية... وغيرها، وقد شهدنا تحركا ملموسا من الفريق كامل الوزير لعلاج المشكلات المرتبطة بجهة الولاية للأراضى لتوحيدها وكذلك مواجهة البيروقراطية فى الجهاز الحكومى، ويتطلب أن يؤتى هذا التحرك آثاره الإيجابية على الصناعة ككل، والتعرض لتساؤل مهم وهو: هل تتوافر لهيئة التنمية الصناعية -وهى الجهة المسئولة عن التعامل مع المصنعين- القدرة المؤسسية من حيث الهيكل الإدارى والكفاءات بالإضافة إلى نظام فعال للمتابعة والتقويم يقوم بتحديد الأدوار والمسئوليات لفرق العمل، ويواكبه توصيف وظيفى للعاملين يتيح التقييم الموضوعى ويضمن الوصول إلى الأهداف الموضوعة، والواقع أنه رغم التطور الذى شهدته الهيئة فى مجال رفع الكفاءات فإن قدرتها المؤسسية مازالت تحتاج إلى المزيد من التطور لمواكبة المهام الكبيرة المطلوبة منها، ويمكن أن يساعد فى ذلك بناء نظام المتابعة والتقويم، وأتذكر بعد رجوعى من كندا ودراسة هذا النظام كانت وزارة التجارة والصناعة أول مقصد لتطبيق تدريب لقيادات الوزارة فى هذا المجال، وأظهرت هذه التجربة أهمية هذا النظام ودوره فى تحقيق نتائج ملموسة فى الأداء الصناعى المصرى، يضاف لذلك أنه لابد من وجود رؤية واضحة لتسريع نمو كل صناعة وفقا للفرص الاقتصادية محليا ودوليا تترجم إلى خريطة صناعية واضحة تتكامل معها أدوار كل من القطاع العام والخاص والصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
ثانيا: يعانى القطاع الصناعى المصرى من عجز شديد فى العمالة المدربة ويتسق ذلك مع عدم قدرة النظام التعليمى على توفير المهارات المطلوبة لسوق العمل خاصة فى مجال التعليم الفنى، وعلى الرغم من الجهود المبذولة حاليا لتحسين هذا الوضع فإننا مازلنا من أكثر من ثلاث سنوات ننتظر تفعيل استراتيجية التدريب للتشغيل، وقد شاركت فى عملها فى عصر الوزير البرعى مع فريق من الخبراء المميزين ولا يحتاج الأمر إلا لإدارة ناجحة وحازمة لتنفيذها.
ثالثا: تعانى الصناعة المصرية على كل مستوياتها سواء من خلال المصانع الكبيرة أو المتوسطة والصغيرة من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وقد أسهم تغيير سعر صرف الجنيه المصرى مع ارتفاع تكلفة الخدمات الحكومية بكل أشكالها فى تفاقم هذا الوضع، ما أسهم فى عدم قدرة هذه المصانع على المنافسة سواء فى السوق المحلية أو الخارجية، ويتطلب الأمر الاهتمام بما يطلق عليه Production Index أو مؤشر الإنتاج لكل صناعة والذى يهدف إلى تحديد الأهمية النسبية لكل عنصر من عناصر التكاليف وأثره على التكلفة النهائية للمنتج بما يسمح بدعم قدرة المصانع على التسعير السليم والذى يعد مهما جدا فى هذه المرحلة، وعلى الرغم من جهود مركز تحديث الصناعة فى هذا المجال فإن الأمر يتطلب اهتمام وزارة الصناعة بمتابعة هذا الملف لتحديد أثر القرارات المتخذة من أى جهة حكومية على تنافسية الصناعة، حيث يتيح هذا الرصد أهمية التدخل من الدولة لدعم الإنتاج الصناعى، وهناك تجارب كثيرة لدول العالم فى هذا المجال نذكر منها الولايات المتحدة وهى أكبر دولة رأسمالية، إن هذه الآلية لا تتيح فقط الحفاظ على تنافسية القطاع الصناعى ولكنها تسمح بتحديد الممارسات الاحتكارية حتى تتم مواجهتها بما يحقق التوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك، كذلك لابد من أن تدعم الدولة زيادة قدرات المصانع على رفع مستوى المهارات البشرية وترشيد استخدام الطاقة وتفعيل نظم ربط المشروعات الكبيرة بالمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وللصين تجربة مميزة فى هذا المجال للوصول لموقع أكبر صانع فى العالم، إن الحكومة الجديدة إنما تحمل أثقال عدم كفاءة الأداء لعقود طويلة، ومن هنا تأتى صعوبة دورها وأهمية دعمها من كل فئات المجتمع المدنى سواء الجامعات، مراكز البحوث، اتحاد الصناعات، الغرف التجارية... وغيرها، ولكن الفرص الهائلة الكامنة وغير المستغلة فى القطاع الصناعى إنما تجعل من الجهود المطلوبة ركيزة أساسية لمواجهة مصر للتحديات الكبيرة التى يمر بها الاقتصاد المصرى، ما يجعلنا نتوجه بالدعاء لله أن يوفق الجميع لخدمة هذا البلد العظيم.