كتبت: شريفة عبد الرحيم
كشف تقرير “ستاتستا” عن مدى تنامى الأهمية الاقتصادية لصناعة الرياضة، سواء من حيث عوائد السياحة أو تنشيط بزنس التأمين والإعلام وغيره.
ومن المتوقع نمو السوق بمعدل 6.1%، ليصل إلى 651 مليار دولار بحلول عام 2028، وبعدها سينمو بمعدل نمو سنوى مركب قدره 5.8% ليصل إلى 862.6 مليار دولار فى عام 2033.
ومع ذلك يتعرض أكبر حدث رياضى عالمى – دورة باريس للألعاب الأولمبية – لانتقادات بعدم جدواها الاقتصادية. فما هى حقيقة الأمر؟. مع استضافة باريس دورة الألعاب الأولمبية، واستحواذ مدينة النور على الأضواء العالمية، يتجدد الجدل حول الجدوى الاقتصادية للأحداث الرياضية.
ووفقا لدراسة أجرتها اللجنة المنظمة للألعاب، فى إطار سعيها إلى تبنى شعار الحركة الأولمبية الجديد المتمثل فى ضبط المالية العامة، فإن دورة الألعاب الأولمبية فى باريس 2024، سوف تحقق مكاسب اقتصادية طويلة الأجل تصل إلى 11.1 مليار يورو أو 12 مليار دولار.
فالنشاط الاقتصادى الناتج عن تنظيم الحدث سيبلغ نحو 4.58 مليار يورو، وتأثير البناء سيبلغ نحو 3 مليارات يورو، أما مساهمة السياحة فستبلغ 3.56 مليار يورو، وذلك وفقا للسيناريو الأكثر تفاؤلا.
ومع ذلك تتعرض الدورة لانتقادات الاقتصاديين، فالأحداث الرياضية الصيفية والشتوية التى تقام كل 4 سنوات باتت مكلفة للغاية فى العقود الأخيرة، ما أثر على سمعتها من حيث جدواها الاقتصادية، وذلك بسبب تجاوز الميزانية، وأعباء الديون طويلة الأجل، والهدر فى البنية الأساسية، والضرر البيئى.
غير أن اللجنة الأولمبية الدولية تأمل فى تصحيح المسار، بدءا من ألعاب باريس. وتهدف المنظمة الرياضية غير الحكومية إلى اتباع نهج أفضل اقتصاديا وأكثر مراعاة للبيئة من السنوات الماضية.
وبحسب فيكتور ماثيسون، أستاذ الاقتصاد والباحث فى التكاليف المالية للألعاب الأولمبية، دورة باريس ستكون أول دورة أولمبية، -منذ دورة سيدني- تقل تكاليفها الإجمالية عن 10 مليارات دولار.
ومع ذلك يزعم بعض خبراء الاقتصاد والباحثون أن الألعاب الأولمبية المستدامة يجب أن تختلف كثيرا عما تبدو عليه حاليا.
ففى ظل التنافس على الألعاب الأوليمبية أنفقت بعض المدن أكثر من 100 مليون دولار على عملية تقديم العطاءات وحدها. وبمجرد فوزها بالتنظيم غالبا ما زادت التكاليف بكثير عما تم تقديره وجاء فى الميزانية.
ووفقا لدراسة أجرتها جامعة أكسفورد فى مايو 2024، وشملت تقديرات دورة باريس، زادت تكاليف 5 دورات للألعاب الأولمبية الماضية -الصيفية والشتوية-، -والمعدلة وفقا للتضخم - بأكثر من 100% عن الميزانيات الأولية.
وقال الباحثون: إن جميع الدورات دون استثناء تجاوزت التكاليف. ولا يسرى ذلك على أى نوع آخر من المشروعات الضخمة، حتى بالنسبة لبناء محطات الطاقة النووية أو تخزين النفايات النووية.
ولاحظ الباحثون أن التكاليف المعلنة لم تشمل تكاليف رأس المال غير المباشرة، مثل عمليات تطوير الطرق والسكك الحديدية والمطارات والفنادق والبنية الأساسية الأخرى غير المرتبطة بشكل مباشر بالألعاب.
ومن ثم فان إدراج تلك التكاليف غير المباشرة يجعل الألعاب نفسها باهظة للغاية على نحو متزايد. وعلى سبيل المثال، أنفقت بكين أكثر من 40 مليار دولار على الألعاب الصيفية لعام 2008، وأنفقت سوتشى الروسية ما يزيد على 50 مليار دولار على الألعاب الشتوية لعام 2014، وبلغت تكاليف ريو دى جانيرو البرازيلية نحو 20 مليار دولار لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2016، كما تبين للباحثين.
وعندما تصل الإيرادات إلى جزء بسيط من التكلفة - بمتوسط نحو 6 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار منذ عام 2005 - فان الألعاب تفقد جدواها الاقتصادية.
وفى ظل سهولة التلاعب بالحسابات وعدم إدراج التكاليف غير المباشرة فى الميزانيات الرسمية، فإن بعض تكاليف التشغيل المباشرة تظل خارج الدفاتر.
يذكر أنه فى أواخر عام 2019، قبل أن يضرب وباء كوفيد 19 الاقتصاد العالمى ويؤجل ألعاب 2020، توصلت هيئة التدقيق الوطنية اليابانية إلى أن تقديرات منظمى أولمبياد طوكيو البالغة 12.6 مليار دولار لم تشمل 17 مليار دولار من التكاليف، وكان هناك بالفعل صعوبة شديدة فى إقناع المدن بتقديم عطاءات لاستضافة الألعاب.
وفى العام الماضى، أعلنت اللجنة المنظمة لألعاب بكين لعام 2022 عن فائض قدره 52 مليون دولار، من إجمالى 2.24 مليار دولار من النفقات. ومع ذلك فإن التكاليف الإجمالية كانت على الأرجح أكثر من 10 أضعاف ذلك المبلغ.
أما فيما يتعلق بالتأثرات قصيرة وطويلة الأجل، فغالبا ما يتم الترويج لها فى تلك الأحداث الرياضية الباهظة مثل الأولمبياد.
وبحسب اقتصاديين، تظهر الخسائر الاقتصادية وتداعيات الديون على المدى القريب والبعيد. على سبيل المثال، من المرجح أن يؤدى الاهتمام والانشغال بالمشروعات المرتبطة بالحدث الرياضى –سواء من حيث الوقت والعمالة والمال الذى يتم إنفاقه- إلى إهمال مشروعات البنية التحتية المطلوبة، واستنزاف الموارد المستقبلية من خلال تكاليف الصيانة المستمرة أو مدفوعات خدمة الديون.
كما تشمل التأثيرات تكاليف غير مرئية، مثل الضرر البيئى، وأحيانا تهجير السكان من ذوى الدخل المنخفض عادة.
وبسبب ذلك التهجير، فإن التأثير الاقتصادى طويل الأجل لسياحة الأحداث الرياضية يتطلب فى كثير من الأحيان استثمارات إضافية كبيرة بعد إطفاء الشعلة الأولمبية.
على سبيل المثال، ووفقا لهيئة التنمية الإقليمية الأولمبية، القرية الأولمبية فى بحيرة بلاسيد فى الولايات المتحدة مازالت مزارا سياحيا، وتجذب أحداث بطولات كبرى -بما فى ذلك كأس العالم للدراجات والرياضات الثلجية-، وتطوير الرياضيين المستقبليين، وتمثل تأثيرا اقتصاديا سنويا قدره 341.8 مليون دولار، وفقا لدراسة حديثة لاقتصاد السياحة.
صناعة السياحة
بلغ حجم سوق الرياضة العالمية ما يقرب من 484.9 مليار دولار فى عام 2023، بعد أن سجل نموا بمعدل سنوى مركب 3.6% منذ عام 2018.
ويرجع النمو فى تلك الفترة إلى النمو الاقتصادى القوى فى الأسواق الناشئة، وزيادة الإقبال على ممارسة الرياضة من خلال الإنترنت، بالإضافة إلى ظهور قنوات رياضية متعددة، والإنفاق السخى على الرعاية. فى الوقت نفسه، هناك عوامل أثرت سلبا على النمو، مثل نقص المسئولين الرياضيين وزيادة اللوائح المتعلقة بصناعة الرياضة.
لكن خلال الفترة المقبلة، نمو السياحة الرياضية، وزيادة منصات التجارة الإلكترونية، وارتفاع الدخل المتاح وزيادة عولمة الرياضة، ستكون أبرز عوامل تعزز النمو. أما ما يمكن أن يعوق نمو سوق الرياضة فى المستقبل فالمنافسة من قبل الترفيه المنزلى والدعاية السلبية وانتشار الفضائح.
بصفة عامة، يتم تقسيم سوق الرياضة حسب النوع إلى رياضات “الفرق الرياضية” ورياضات “تشاركية”. وكان سوق الرياضة التشاركية هو الجزء الأكبر من سوق الرياضة مقسما حسب النوع، ويمثل 63.5% أو 307.8 مليار دولار من الإجمالى فى عام 2023. لكن من المتوقع أن يكون قطاع “الفرق الرياضية” هو الأسرع نموا فى سوق الرياضة، وبمعدل نمو سنوى مركب قدره 7.2% خلال الفترة 2023-2028.
أما من حيث الإيرادات فيتم تقسيم سوق الرياضة إلى قطاعات الحقوق الإعلامية والترويج والتذاكر والرعاية. وكان سوق حقوق الإعلام هو الجزء الأكبر، والذى يمثل 29.8% أو 144.5 مليار دولار من الإجمالى فى عام 2023. ومن المتوقع أن يكون قطاع حقوق الإعلام هو القطاع الأسرع نموا فى سوق الرياضة- حسب مصدر الإيرادات- بمعدل نمو سنوى مركب 6.8% خلال الأعوام 2023-2028.
كما يتم تقسيم سوق الرياضة حسب الملكية إلى “سلاسل رياضية” و”رياضات مستقلة”. وكان الثانى هو الجزء الأكبر، حيث يمثل 54.8% أو 265.7 مليار دولار من الإجمالى فى عام 2023، ومن المتوقع أن يكون هو القطاع الأسرع نموا فى سوق الرياضة المقسم حسب الملكية، بمعدل نمو سنوى مركب قدره 6.6% خلال الاعوام 2023-2028.
تعد أمريكا الشمالية أكبر المناطق الرياضة فى العالم، حيث استحوذت على 35% أو 169.6 مليار دولار من إجمالى سوق الرياضة العالمى فى عام 2023. وتليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا الغربية ثم المناطق الأخرى. ومن المتوقع أن تكون أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط هى المناطق الأسرع نموا فى سوق الرياضة، حيث سيبلغ معدل النمو السنوى المركب 17.1% و15% على التوالى. وستليها إفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ، حيث من المتوقع أن تسجل معدلات نمو سنوى مركبة تبلغ 12.4% و7.7% على التوالي.
الجدير بالذكر أيضا أن سوق الرياضة العالمية مجزأ للغاية، مع وجود عدد كبير من اللاعبين العاملين فى السوق. وشكل المنافسون العشرة الأوائل فى السوق ما يصل إلى 2.72% من إجمالى السوق فى عام 2022. وكان 3 منهم فرق كرة قدم، فحل فى المركز الثالث فريق برشلونة بنصيب 0.33%، والسابع ريال مدريد سى اف بنصيب 0.19%، ومانشستر سيتى اف سى بنسبة 0.16% من الإجمالى.
ومن أهم الاستراتيجيات القائمة على اتجاهات السوق لسوق الرياضة، التركيز على اعتماد أحدث التقنيات، وإتاحة حجز تذاكر المباريات عن طريق الهاتف المحمول، وإطلاق تطبيقات البث الرياضى لسهولة الوصول إليها، وتطوير الأحداث الرياضية بدون تلامس لتحقيق السلامة والكفاءة.
كما تتضمن الاستراتيجيات التى يعتمدها اللاعبون فى سوق الرياضة التركيز على تعزيز قدراتهم التشغيلية، وذلك من خلال عمليات الاستحواذ الاستراتيجية والتعاون والشراكات.للاستفادة من الفرص المتاحة فى سوق الرياضة العالمى، يوصى المحللون الشركات الرياضية بالتركيز على التكامل التكنولوجى، والتركيز على حلول التذاكر عبر الهاتف المحمول، والتركيز على تطبيقات البث الرياضى، والتركيز على نمو سوق الرياضات الجماهيرية، والتركيز على الإعلام، قطاعات الحقوق والرعاية، والتوسع فى الأسواق الناشئة، ومواصلة التركيز على الأسواق المتقدمة، وتقديم عروض بأسعار تنافسية، والاستمرار فى استخدام العروض الترويجية، والتركيز على تعزيز العروض للمستخدمين النهائيين والتركيز على مستخدمى التجارة الإلكترونية.