بقلم : إيمـــان عراقـــــــى - رئيس التحرير
“بلد بتاعت شهادات صحيح” جملة شهيرة للفنان عادل إمام فى مسرحية “أنا وهو وهى” التى عرضت سنة 1963، هذه الجملة عبرت عن واقع عشناه عشرات السنين ومازلنا نعيشه، فكرة غلط عن التعليم توارثناها ووَرَّثناها لأولادنا، وهى أن قيمة الإنسان بشهادته الجامعية التى يحصل عليها وباسم الكلية التى تخرج فيها.
هذه الشهادة التى ينتهى بها الحال فى برواز على الحائط أو ورقة مهملة ضمن أوراق كثيرة فى أدراج المكاتب والدولايب الحكومية، حددت مصير أجيال وأثرت فى مستقبل بلد بحجم مصر عندما توهم شبابه أن التعليم الجامعى فقط هو الأهم وهو الضمانة الوحيدة للمستقبل الوردى الذى يحلم الشباب بتحقيقه، أما واقع الأمر فهذا الوهم خلف الآلاف من الخريجين كل عام بلا عمل وبلا مستقبل وردى ولا أى لون ثان، فقط تحولوا إلى عدد يزيد سنويا من نسبة البطالة.
أعوام كثيرة عشناها وعاشها أولادنا فى وهم اسمه كليات القمة، ولم ندرك أن القمة هى أن تتفوق فيما تدرسه، وليس العكس.
نصيحة لأولادنا الحاصلين على الثانوية العامة هذا العام وما يعادلها: لا تدع مجموعك يحدد مصيرك ويقيد مستقبلك، تحرر من قيد المجموع، ادخل أى كلية أو معهد، لا يهم، المهم أن تحب ما تدرس، ذاكر بجد واجتهاد، واجعل هدفك أنك تكون من الأوائل لسببين: أن التعليم مهم ويوسع مداركك ويصقل شخصيتك فى مواجهة الحياة، والسبب الثانى أن التفوق سيضمن لك على الأقل فرصة عمل حتى وإن كانت تقليدية.
أما إذا أردنا أن نسير على الطريق الصحيح، فعلينا أن نغير نحن الآباء مفاهيمنا، ونحرر أنفسنا من قيود التعليم التقليدى والوظيفة الميرى، وأن نوجه أبناءنا إلى دراسة ما يحتاجه سوق العمل وفى الوقت نفسه يتفق مع ميولهم ورغباتهم الفعلية وليست رغبات مكتب التنسيق.
وأن تستحدث الجامعات والمعاهد تخصصات تتوافق مع احتياجات سوق العمل سواء المحلي أو خارج حدود الوطن وان تدرس الجامعات مؤشرات البطالة بالنسبة لكل تخصص وعلى هذا الاساس تحدد عدد المقبولين فقد أصبحت العديد من الكليات التى كنا نعدها من كليات القمة تخرج الآلاف الذين يتنافسون على فرص عمل محدودة، بسبب تشبع السوق بآلاف الخريجين، بجانب أننا نجد بعض هؤلاء الخريجين يضطرون إلى العمل فى وظائف لا تتوافق مع تخصصاتهم.
وبما أن “التكنولوجيا” واستخداماتها هى المستقبل، لذلك التوسع فى دراستها أصبح ضرورة ملحة ويجب ان تحتل المركز الاول فى سياسة الدولة التعليمية وأولياء الأمور أيضا. يأتي فى المرتبة الثانية التعليم الفنى بتخصصاته المختلفة مثل التمريض والزراعة والصناعة والتشييد والبناء وغيرها.
أما التعليم النظرى التقليدى، ففرصه فى الوظائف تتضاءل وقيمته فى سوق العمل أصبحت محدودة جدا، فالدول تتقدم بالزارع والصانع والبنَّاء والدكتور والمهندس والمخترع والمفكر لا بالشهادات المعلقة على الجدران.