كتبت: شريفة عبد الرحيم
تعد سنة الانتخابات الرئاسية الأمريكية من فترات عدم اليقين بالنسبة للأسواق، نظرا لترقب الجميع معرفة من سيشغل المنصب الأكثر نفوذا وقوة فى العالم.
وبعد إعلان الرئيس جو بايدن استقالته من السباق الرئاسى لعام 2024، اجتاحت الأسواق موجة غير مسبوقة من عدم اليقين السياسى.فلأول مرة منذ عام 1968، تستعد الولايات المتحدة لإجراء انتخابات دون وجود الرئيس الحالى على بطاقة الاقتراع. وأصبحت نائبة الرئيس كامالا هاريس هى المرشحة الديمقراطية لمواجهة دونالد ترامب فى نوفمبر.ولكن ماذا يعنى ذلك لكل من المتداولين وأسواق المال؟ وما تقييم الخبراء لسياسات كل مرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة والتأثير الذى ربما تخلفه على الاقتصاد العالمى؟
عادة ما تتسبب الانتخابات الأمريكية فى زيادة تقلبات السوق، خاصة إذا كانت النتيجة غير مؤكدة، وتحليل الانتخابات الرئاسية الأمريكية العشرة الأخيرة، وبيانات 40 عاما، وحركة الأسعار فى الأسواق الرئيسية تكشف أن من بين الإدارات الست الماضية، كان أفضل أداء للدولار فى عهد الرئيس كلينتون، حيث صعد 19.61 % مقابل سلة من العملات الرئيسية. وكان أسوأ أداء فى عهد الرئيس دبليو بوش، حيث خسر 22.00 % من قيمته.
فى المجمل، عبر جميع الإدارات الجمهورية، خسر الدولار 36.17 % من قيمته بينما اكتسب 54.37 % تحت قيادة الديمقراطيين.
أما على صعيد المعدن الأصفر، فيتبين أن أسعار الذهب تراجعت بشكل عام قبل وبعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإن كان ذلك مع استثناءات ملحوظة. وأكثر ما يثير الاهتمام أنه باستثناء بداية الأزمة المالية العظمى فى عام 2008، انخفض الذهب فى الأشهر الثلاثة التى أعقبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية ثمانى مرات من أصل تسع مرات، مع تحقيق العائد الإيجابى الوحيد فى زيادة ضئيلة بلغت +0.2 % فى عامى 2004/2005.
أخيرا وليس آخرا، تعد مؤشرات السوق الأكثر منطقية فى رد الفعل تجاه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ففى كل من الانتخابات الرئاسية الخمسة الأخيرة، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فى الشهر الذى سبق الانتخابات، بالإضافة إلى ذلك، اكتسب المؤشر المزيد من الزخم فى الربع الذى أعقب الانتخابات فى ثمانية من العشرة الأخيرة -على الرغم من أن سوق الأسهم الأمريكية ارتفعت بشكل عام على مدى فترات زمنية أطول.
ومع ذلك، الأحزاب التى تحتل البيت الأبيض والكونجرس، ليست سوى أحد العوامل التى تحرك سوق الأسهم والدولار والذهب.
بالنسبة للبعض، فإن حالة عدم اليقين التى تسبق الانتخابات، يمكن أن توفر فرص تداول جيدة، ولكن التأثير المباشر للانتخابات على الأسواق غالبا ما يكون مبالغا فيه، وخاصة من قبل أولئك الذين لديهم آراء سياسية قوية.
وبحسب خبراء اقتصاد فى بنك “إتش إس بى سى”، سوف تواجه أسواق السلع الأساسية اضطرابات أكبر وانقطاعات فى الإمدادات، إذا فاز الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى انتخابات الخامس من نوفمبر ليعود لولاية ثانية.
وحذر الخبراء من المخاطر الاقتصادية العالمية، بسبب ارتفاع الحمائية التجارية العالمية.
كانت زيادة التكهنات بشأن العودة المحتملة لرئاسة ترامب، بما فى ذلك آثار سياساته التجارية والتعريفات الجمركية المقترحة على الصين، أثارت قلقا فى الأسواق.
وتواجه أسواق السلع الأساسية، التى تعانى بالفعل من ارتفاع الأسعار بسبب قيود العرض الهيكلية، حالة من عدم اليقين أيضا بسبب التوترات الجيوسياسية.
فى الوقت نفسه، توقع اقتصاديون أن يستفيد المصدرون الكبار للسلع الأساسية من اضطرابات الأسواق، وخاصة الدول المنتجة لمواد التحول فى مجال الطاقة مثل النحاس. وأبرز المستفيدين المحتملين اقتصادات أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأستراليا وإندونيسيا.
مع اقتراب موعد الانتخابات فى نوفمبر، من المرجح أن يكون المستثمرون أكثر موافقة مع العواقب المحتملة للانتخابات على الشركات والاقتصاد وأسواق رأس المال. ومن المرجح أن يتوصل المرشحون إلى تميز سياسى أكثر تحديدا مع دخول الخريف وتصبح الحملة أكثر تركيزا.
الجدير بالذكر هنا، أن وعود المرشح الرئاسى فى أثناء الحملة الانتخابية ربما يكون تنفيذها أصعب مما كان يعتقد فى البداية.
ومن ثم، فى حين أن السياسات التى يقترحها كل مرشح فى الوقت الحالى ربما تؤثر على الاقتصاد بطريقة أو بأخرى، فإن تلك السياسات ليست مؤكدة التنفيذ.وبحسب أحدث استطلاعات الرأى، يعتقد 69 % من الشباب الأمريكيين أن الاقتصاد تدهور فى عهد بايدن، لكن 41 % يثقون فى قدرة هاريس على إصلاحه. واعتبر 41 % من المشاركين فى الاستطلاع أن هاريس هى المرشحة الأفضل للاقتصاد، بينما اختار 40 % ترامب. وقال 19 % آخرون إن الاقتصاد سيكون أفضل تحت قيادة شخص آخر، مثل المرشح المستقل روبرت كينيدى جونيور.بالنسبة لهاريس، على الرغم من نفيها فإنها “ديمقراطية حمائية”، إلا أنها منذ ترشحها لمجلس الشيوخ فى عام 2016، تبدى شكوكها فى التجارة الحرة. وخلال ذلك السباق، عارضت الشراكة عبر المحيط الهادئ -التى كانت آنذاك إنجازا بارزا لإدارة أوباما ثم بايدن.
ومع ذلك، إذا فازت هاريس فى نوفمبر، فيمكن للعالم أن يتوقع رؤية المزيد من الاستمرارية بدلا من التغيير، بحسب الخبراء.
من ناحية أخرى، يطلق العديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين على سياسات المرشح دونالد ترامب “الحمائية” -وهو موقف سياسى يستهدف حماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، عن طريق فرض تعريفات جمركية على الواردات غالبا.وهكذا، تميزت سياسات ترامب بإستراتيجيته “أمريكا أولا”، التى تضع الشركات المصنعة والمنتجين الأمريكيين فى المقدمة مع فرض تعريفات جمركية أعلى على الشركات الأجنبية.
أما على الصعيد المحلى، فأثناء وجوده فى منصبه، أبقى الرئيس ترامب التضخم أقرب إلى الهدف الأمريكى البالغ 2 %.غير أن رئاسة ترامب الثانية ربما تثير غضب النظام الاقتصادى العالمى، وتشعل حربا تجارية واستثمارية.
فحذر المحللون من أن ولاية دونالد ترامب الثانية فى البيت الأبيض، ربما تؤدى إلى تفتيت النظام الاقتصادى العالمى، وإلى حرب تجارية كارثية اقتصاديا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
كان ترامب، تعهد بفرض رسوم جمركية لا تقل عن 60 % على السلع الصينية ورسوم جمركية بنسبة 10 % على الواردات من بقية العالم إذا أعيد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة.وتثير مثل تلك التهديدات مخاوف من أن ولاية ترامب الثانية ربما تكون أكثر حمائية من ولايته الأولى عندما فرض رسوما جمركية على مجموعة من السلع بما فى ذلك الغسالات والألواح الشمسية والألمنيوم والصلب.وبرأى جورج ريكيليس، المدير المساعد فى مركز السياسة الأوروبية، أن ترامب لا يهتم كثيرا بوجود نظام اقتصادى مفتوح عبر الأطلسى. وقال إن التحول إلى الاقتصاد الأخضر أيضا سيكون أكثر تكلفة بكثير، وربما ترتفع الضغوط التضخمية مرة أخرى بشكل كبير، وسترتفع معدلات البطالة مع معاناة الدول بسبب الحمائية.من ناحية أخرى، رجحت أليسيا جارسيا، زميلة بارزة فى مركز للأبحاث السياسية تابع للاتحاد الأوروبى، أن زعماء الاتحاد الأوروبى سوف يحاولون تعويض انعزالية ترامب، من خلال شراكات اقتصادية وبحثية أعمق مع “شركاء متشابهين فى التفكير”، بما فى ذلك المملكة المتحدة وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان.
وقالت إن من شأن ترامب أن يدفع الصين إلى التنافس بشكل أقوى على الأسواق الأخرى وعلى النفوذ الاقتصادى العالمى.وأضافت أنها ستكون معركة من أجل كل دول مجموعة بريكس، البرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا، وباقى دول المجموعة. وستكون معركة من أجل الدول الغنية بالموارد ومن أجل الجنوب العالمى.
كيف يعمل النظام السياسى الأمريكى؟
من المهم معرفة كيفية عمل النظام السياسى الأمريكى، لأن الرئيس ليس مسئولا وحده عن تحديد السياسة الاقتصادية.
فالولايات المتحدة تتمتع بنظام سياسى ثنائى المجلس، يتألف من مجلس النواب ومجلس الشيوخ -المعروفين مجتمعين باسم الكونجرس الأمريكى. يخدم أعضاء مجلس النواب لمدة عامين وهناك 435 مقعدا متاحا -مع طرح جميع المقاعد للتنافس كل عامين.
ويخدم أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات، وهناك 100 مقعد متاح. ويتم طرح ما يقرب من ثلث المقاعد فى مجلس الشيوخ للانتخاب كل عامين. ولا يوجد حد لعدد الفترات التى يمكن لعضو فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أن يخدم فيها.
المؤسستان مسئولتان عن صياغة القوانين ومناقشتها والتصويت عليها فى النهاية للموافقة عليها أو رفضها. ويمثل الرئيس الفرع التنفيذى للحكومة المسئول عن إنفاذ قوانين الحكومة الفيدرالية، ويمنح الدستور الرئيس صلاحية التوقيع على التشريعات أو نقضها، ويمتلك سلطة تعيين وعزل المسئولين التنفيذيين، ضمن مهام أخرى.
وعادة ما يسيطر حزب واحد -ديمقراطى أو جمهورى- على أغلبية المقاعد فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ. فى بعض السنوات، يمكن لحزب واحد السيطرة على كليهما. وهنا تكمن الصعوبة بالنسبة للرؤساء، لأن الرئيس الديمقراطى ربما يجد نفسه فى مواجهة هيئة تشريعية يسيطر عليها الجمهوريون، أو العكس بالنسبة للرئيس الجمهورى.وذلك السيناريو يحد -إلى حد كبير- من قدرة الرئيس على الحصول على موافقة على مقترحاته التشريعية والوعود التى قدمها فى أثناء حملته الانتخابية.