100 مليار يورو تمويلات قدمتها المفوضية الأوروبية لـ225 مشروعا لمنافسة “الحزام والطريق”
تريليون يورو قدمتها الصين لـ125 دولة فى إطار مبادرة “الحزام والطريق”
اعداد: شريفة عبد الرحيم
من خلال تعزيز الشعور بالهوية والتضامن بشكل متنام، تعمل الدول النامية على إعادة تشكيل النظام الاقتصادى الدولى، ويرى محللون، أن صعود ما يعرف بدول “الجنوب العالمى” يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمى، ويعزز تحولات مهمة.
ويمثل ذلك “إعادة للعولمة” المتوازنة عالميا، وصعود النجم الاقتصادى للدول النامية. ويعمل بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل، على تشكيل نظام اقتصادى جديد، بحسب الورقة البحثية لكل من وانج دونج الأستاذ فى كلية الدراسات الدولية بجامعة بكين، والمدير التنفيذى لمعهد التعاون والتفاهم العالمى فى جامعة بكين، و جاو دان زميل فى كلية الدراسات الدولية بجامعة بكين.
ويشير مراقبون إلى احتدام المنافسة الجيوسياسية العالمية. وفى إشارة إلى ذلك اعترف نائب وزير الخارجية الامريكى كيرت كامبل، فى خطابه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ مؤخرا، أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة فى التعامل مع دول الجنوب العالمى، وقال إن أمريكا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود.
فمن بين المصطلحات العديدة التى استُخدِمَت لوصف الاقتصادات الأقل تقدما فى العالم، يبدو أن “الجنوب العالمى” أصبح رائجا هذه الأيام. وعلى النقيض من ذلك، فقدت العلامات التجارية للأسواق الناشئة بعضا من بريقها فى رأى اقتصاديين.
كان توسع مجموعة بريكس أدى إلى صعود نجم دول الجنوب العالمى، وتعزيز قدرتها التفاوضية، ومرونتها الاقتصادية كلها.
لكن ماذا يعنى صعود الجنوب العالمى بالنسبة إلى أسواق المال والمستثمرين؟
يعكس التحول بعيدا عن الأسواق الناشئة اختفاء الاقتصاد بسبب السياسة، حيث يقول محللون إن دول الجنوب العالمى ذات أهمية سياسية كبيرة وليس اقتصادية فحسب.
ففى عام 2016، امتلك المستثمرون الدوليون ما معدله 21 % من السندات بالعملة المحلية فى الأسواق الناشئة. والآن انخفض هذا الرقم إلى 13 % فقط. “دول الجنوب” تشمل بالإضافة إلى دول بريكس، ماليزيا وكمبوديا، وجزر سليمان -حيث سارعت الولايات المتحدة إلى إعادة فتح سفارتها العام الماضى بعد توقيع الصين على اتفاقية أمنية. وكذلك دول مختلفة من الدخل المتوسط إلى المنخفض، التى أطلقت عليها جنوب إفريقيا “دول المتفرجين” -التى تلقى باللوم على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
تكشف بيانات صندوق النقد الدولى أنه فى عام 2023، شكل الناتج المحلى الإجمالى للاقتصادات الناشئة والاقتصادات النامية 58.9 % من الاقتصاد العالمى، بزيادة قدرها 7.6 %، وبعد أن تجاوزت لأول مرة الاقتصادات المتقدمة فى عام 2008. ومن عام 2000 إلى عام 2023، بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادى للاقتصادات الناشئة والاقتصادات النامية 5.2 %، أى أعلى بنحو 3.3 نقطة مئوية من متوسط نمو الاقتصادات المتقدمة.
وساهم النمو الاقتصادى السريع فى دول ومناطق الجنوب العالمى فى تنويع النمو الاقتصادى العالمى، ولعب دورا رئيسيا فى تعزيز الاقتصاد العالمى، حيث ساهم الجنوب العالمى، ممثلا فى مجموعة بريكس، فى النمو الاقتصادى العالمى بشكل أكبر من الاقتصادات المتقدمة ممثلة فى مجموعة السبع.
ووفقا للإحصاءات، استمرت الصين فى المساهمة بنسبة 30 % من النمو الاقتصادى العالمى فى عام 2023، وستظل المساهم الأكبر على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وفيما يتعلق بتجارة السلع، فى عام 2022، شكلت صادرات وواردات السلع فى الاقتصادات النامية 45.1 % و40.4 % من الإجمالى العالمى على التوالى، فى حين تقلصت نسبة الاقتصادات المتقدمة بشكل كبير.
على صعيد الاستثمار، شكل الاستثمار الأجنبى المباشر فى الاقتصادات النامية، بزيادة قدرها 4.0 %،نحو 70.8 % من إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر فى العالم. وفى الوقت نفسه، لتحسين الشراكات الإقليمية فى مجالات التجارة والاستثمار، وقعت الدول النامية العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الثنائية والمتعددة الأطراف. وربما أدى ذلك إلى إزالة الحواجز التجارية والاستثمارية بشكل كبير بين دول الجنوب العالمى، ما أدى إلى ظهور طرق تجارية دولية جديدة ونماذج جديدة لتدفق رأس المال، وتعزيز تطور واتساع التكامل الاقتصادى العالمى.
ويأمل كثيرون أن تلعب دول بريكس دورا أكثر أهمية فى النمو الاقتصادى العالمى والحوكمة.
وباعتبارها ممثلا رائدا للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، ارتفعت حصة دول بريكس من 10.4 % من الاقتصاد العالمى فى عام 1980، إلى 31 % فى عام 2020، وهو أعلى من نسبة مجموعة الدول السبع.
الجدير بالذكر أن قمة بريكس الخامسة عشرة فى أغسطس 2023، دعت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإيران وإثيوبيا، لتصبح أعضاء جددا فى المجموعة.
وفى يناير 2024، أصبحت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وإيران وإثيوبيا أعضاء رسميين فى بريكس، ما يعنى أن المجموعة تضم حاليا 10 أعضاء، يمثل مجموعهم الاقتصادى 36 % من الإجمالى الاقتصادى العالمى.
ولعبت دول المجموعة دورا نشطا فى الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كوب 27، عام 2022، وقمة مجموعة “الـ77 زائد الصين” فى عام 2023، وتعهدت بتعزيز الوحدة والتعاون فيما بينها للتعامل بشكل مشترك مع التحديات الدولية.
يذكر أنه بعد الحرب العالمية الثانية، قادت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة العولمة الليبرالية الجديدة. ومع ذلك، فقد كشف ذلك النموذج عن سلسلة من العيوب وزاد من عجز الحوكمة الاقتصادية العالمية، لكن فى عام 2013، طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق ورؤيتها للحوكمة العالمية.
وتشير إحصاءات إلى استمرار تفوق الصيت، ففى عام 2023، صدرت 4.91 مليون سيارة، منها 1.2 مليون سيارة تعمل بالكهرباء، بزيادة سنوية 77.6 %، ما يمثل العام التاسع على التوالى لتصدر حجم إنتاج ومبيعات السيارات الصينية الكهربائية العالم.
مخاوف أوروبية
حذرت مسئولة التنمية فى الاتحاد الأوروبى من المنافسة الجيوسياسية والنفوذ المتزايد للصين فى جميع أنحاء العالم، مع استمرار بكين فى تمويل مشروعات البنية التحتية للدول فى الجنوب العالمى.
وقالت جوتا أوربيلاينن، المفوضة الأوروبية للشراكات الدولية، إن البيروقراطية المعقدة والظروف البيئية والاجتماعية المرتبطة، بتمويل الاتحاد الأوروبى، تجعل من الصعب على إستراتيجية الاستثمار الدولية للكتلة موازنة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وأضافت لصحيفة فاينانشال تايمز أن أوروبا تواجه “معركة عروض”، فى إشارة إلى تعهدات الصين بالتمويل السريع للمشاريع.
ووفقا لمؤسسة أبحاث معهد أمريكان إنتربرايز، استثمرت مبادرة الحزام والطريق الصينية ما يقرب من تريليون يورو فى 152 دولة بين عام 2013 ومنتصف العام الماضى. ومع ذلك، انخفض تمويلها السنوى بشكل حاد بعد زيادة عدد المقترضين المتخلفين عن السداد فى عام 2020. وبين عام 2020 ومارس 2023، أعادت الصين التفاوض على قروض بقيمة 78.5 مليار دولار أو ألغت نحو 78.5 مليار دولار من القروض.
ويهدف الاتحاد الأوروبى، الذى صمم برنامجا يعمل بين عامى 2021 و2027، إلى حشد ما يصل إلى 300 مليار يورو من الاستثمارات فى مشاريع البنية الأساسية فى مختلف الدول المنخفضة الدخل. ويهدف إلى إقامة شراكات دولية.
الصين ومحاولات الهيمنة على الجنوب العالمى
منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت شركات العالم الغنى العملاقة هى القوة المهيمنة على التجارة العالمية. واليوم، أصبح المستهلكون والعمال فى كل بلد تقريبا متأثرين بطريقة أو بأخرى بالنشاط الدولى الذى تقوم به الشركات المتعددة الجنسيات من أمريكا وأوروبا، وبدرجة أقل اليابان.
لكن تلك الشركات العملاقة باتت مهددة حاليا بتوسع الشركات الصينية فى صناعات مختلفة -من السيارات إلى الملابس- فى الخارج بسرعة مذهلة. وبدأت منافسة تجارية جديدة، ساحة معركتها ليست الصين ولا العالم الغنى، وإنما الاقتصادات سريعة النمو فى الجنوب العالمى.
ففى ظل تزايد عزلة الصين عن الدول المتقدمة، المتحالفة مع واشنطن وبروكسل، تواصل بكين حملة متعمدة لخطب ود الدول فى العالم النامى أو ما يسمى أحيانا بالجنوب العالمى، ليس فقط من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية، ولكن أيضا من خلال تقديم المساعدات الأمنية والدعم الجيوسياسى فى المنتديات الدولية.
ويقول المحللون الذين يدرسون السياسة الخارجية للصين إن تلك الجهود تكتسب زخما. بجانب روسيا، تسعى الصين إلى خلق عالم متعدد الأقطاب، وتقديم نظام بديل للنظام الذى تقوده الولايات المتحدة. وفى حين قلصت الصين من مبادرة الحزام والطريق المثيرة للجدل -القروض والاستثمارات السخية التى كانت تشكل فى السابق المحور الرئيسى لجهودها لبناء النفوذ فى الخارج- عززت مشاركتها السياسية والأمنية مع الدول التى شعرت بالإهمال أو التعارض مع الأجندة الاستراتيجية الأمريكية.
الجدير بالذكر أنه فى أنحاء إفريقيا، تكافح الدول المختلفة لسداد الديون المتعلقة بمشروعات الموانى والسدود الممولة من الصين، التى تمت الموافقة عليها فى إطار مبادرة الحزام والطريق، الذى آثار اتهامات باستخدام بكين القروض الخارجية فى استغلال الدول الفقيرة والضغط عليها.