رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

الصين تهيمن على 90 % منها المعادن الحيوية.. ساحة المعركة الجديدة بين الاقتصادات العظمى

20-11-2024 | 15:47

كتب‭: ‬أشرف‭ ‬شهاب

مع‭ ‬تزايد‭ ‬اعتماد‭ ‬الصناعات‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬مثل‭ ‬الليثيوم‭ ‬والكوبالت‭ ‬والعناصر‭ ‬الأرضية‭ ‬النادرة،‭ ‬تثير‭ ‬سيطرة‭ ‬الصين‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬85‭ % ‬إلى‭ ‬90‭ % ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬توريد‭ ‬ومعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬الأساسية‭ ‬مخاوف‭ ‬كبيرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬إذ‭ ‬تخشى‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة‭ ‬إذا‭ ‬قررت‭ ‬الصين‭ ‬قطع‭ ‬الإمدادات‭ ‬عنها‭ ‬فى‭ ‬حالةتصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬النفوذ‭ ‬الصينى‭ ‬المتزايد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬باعتباره‭ ‬تهديدا‭ ‬مباشرا‭ ‬للاستقلال‭ ‬الاقتصادى‭ ‬والاستراتيجى‭ ‬لتلك‭ ‬الدول‭.‬

ويتم‭ ‬إدراج‭ ‬قضية‭ ‬تأمين‭ ‬سلاسل‭ ‬توريد‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬عبر‭ ‬جميع‭ ‬الصناعات،‭ ‬وعبر‭ ‬جميع‭ ‬المراحل‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬إلى‭ ‬المعالجة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولويات‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادى‭ ‬لتلك‭ ‬الدول،‭ ‬نظرا‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬المعادن‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬النادرة‭ ‬ليست‭ ‬حيوية‭ ‬فقط‭ ‬لأهميتها‭ ‬فى‭ ‬التحول‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬لدورها‭ ‬فى‭ ‬الصناعات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬كصناعات‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات‭ ‬والتقنيات‭ ‬الرائدة‭ ‬التى‭ ‬تشمل‭ ‬الصناعات‭ ‬الدفاعية،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعى،‭ ‬والبلوك‭ ‬تشين،‭ ‬وإنترنت‭ ‬الأشياء،‭ ‬ومراكز‭ ‬البيانات،‭ ‬وغيرها‭.‬

تشير‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تسيطر‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمعادن‭ ‬الحيوية،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬المشتريات‭ ‬مرورا‭ ‬بالتكرير‭ ‬والمعالجة،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الاستخدام‭ ‬النهائى‭ ‬لهذه‭ ‬المعادن‭. ‬وقدرت‭ ‬شركة‭ ‬جولدمان‭ ‬ساكس‭ ‬للأبحاث‭ ‬فى‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬فى‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تهيمن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬85‭ ‬و90‭ % ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬تكرير‭ ‬المعادن‭ ‬النادرة‭ ‬من‭ ‬المناجم‭ ‬إلى‭ ‬المعادن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬92‭ % ‬من‭ ‬التصنيع‭ ‬العالمى‭ ‬لمغناطيسات‭ ‬الأرض‭ ‬النادرة‭ (‬التى‭ ‬تشمل‭ ‬3‭ ‬معادن‭ ‬نادرة‭). ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬بتكرير‭ ‬نحو‭ ‬68‭ % ‬من‭ ‬إجمالى‭ ‬الكوبالت‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬و65‭ % ‬من‭ ‬النيكل،‭ ‬و60‭ % ‬من‭ ‬عنصر‭ ‬الليثيوم‭.‬

تأتى‭ ‬هذه‭ ‬السيطرة‭ ‬الصينية‭ ‬الواسعة،‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬تشير‭ ‬فيه‭ ‬تقديرات‭ ‬قدرت‭ ‬وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمجال‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬وحدها،‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬العالمى‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المعادن‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬فقد‭ ‬ارتفع‭ ‬متوسط‭ ‬​​كمية‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬فى‭ ‬الوحدات‭ ‬الجديدة‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬بنسبة‭ ‬50‭ %. ‬وتشير‭ ‬توقعات‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‭ (‬الأونكتاد‭)‬،‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬بيانات‭ ‬من‭ ‬وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية،‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬العالمى‭ ‬على‭ ‬الليثيوم‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬1500‭ %‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زيادات‭ ‬مماثلة‭ ‬فى‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النيكل‭ ‬والكوبالت‭ ‬والنحاس‭.‬

اعتماد‭ ‬كلى

وفى‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬2024،‭ ‬أشارت‭ ‬جريسلين‭ ‬باسكاران،‭ ‬مديرة‭ ‬مشروع‭ ‬أمن‭ ‬المعادن‭ ‬الحرجة‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‭ ‬الأمريكى،‭ ‬فى‭ ‬شهادتها‭ ‬أمام‭ ‬لجنة‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والعمل‭ ‬والمعاشات‭ ‬التقاعدية‭ ‬بمجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬استوردت‭ ‬نحو‭ ‬50‭ % ‬من‭ ‬المعادن‭ ‬الخمسين‭ ‬المدرجة‭ ‬فى‭ ‬القائمة‭ ‬النهائية‭ ‬للمعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬التى‭ ‬أقرتها‭ ‬هيئة‭ ‬المسح‭ ‬الجيولوجى‭ ‬الأمريكية‭. ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعتمد‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬12‭ ‬معدنا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعادن،‭ ‬وأنها‭ ‬تعتمد‭ ‬اعتمادا‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬فى‭ ‬9‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعادن‭.‬

وفى‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه،‭ ‬أعلنت‭ ‬اللجنة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالصين‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكى‭ ‬أنها‭ ‬ستشكل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الحزبين،‭ ‬بقيادة‭ ‬النائب‭ ‬روب‭ ‬ويتمان،‭ ‬لمواجهة‭ ‬هيمنة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الحيوية،‭ ‬التى‭ ‬قامت‭ ‬ببنائها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭. ‬وأعلنت‭ ‬اللجنة‭ ‬أنها‭ ‬ستعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والإصلاحات‭ ‬التنظيمية‭ ‬والحوافز‭ ‬الضريبية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬الأمريكى‭ ‬على‭ ‬الصين‭.‬

تخوف‭ ‬عالمى

ويشير‭ ‬الخبراء‭ ‬الهنود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هيمنة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الحيوية‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬تهدد‭ ‬فقط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكى،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬الهند‭ ‬التى‭ ‬تشهد‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أسرع‭ ‬الاقتصادات‭ ‬نموا‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬والتى‭ ‬تشهد‭ ‬توترات‭ ‬كبيرة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬وأشار‭ ‬تقرير‭ ‬نشره‭ ‬راجيش‭ ‬تشادها،‭ ‬وغانيش‭ ‬سيفامانى،‭ ‬الباحثان‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬التقدم‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬الهندى‭ ‬فى‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬الماضى،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬احتياجات‭ ‬الهند‭ ‬وحدها‭ ‬للطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬الكهروضوئية،‭ ‬وطواحين‭ ‬الهواء،‭ ‬وأنظمة‭ ‬تخزين‭ ‬الطاقة‭ ‬بالبطارياتسترتفع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬فبحلول‭ ‬عام‭ ‬2025‭ ‬سيصل‭ ‬حجم‭ ‬الطلب‭ ‬فى‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬58‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الليثيوم،‭ ‬و17‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الكوبالت،‭ ‬و52‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬النيكل،‭ ‬و609‭ ‬أطنان‭ ‬من‭ ‬الجرافيت،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬98500‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬النحاس‭. ‬أما‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬فسيرتفع‭ ‬الطلب‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬13671‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الليثيوم،‭ ‬و3878‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الكوبالت،‭ ‬و13671‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬النيكل،‭ ‬و142892‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الجرافيت،‭ ‬و375091‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬النحاس‭.‬

وتقدر‭ ‬وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية‭ ‬أنه‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬ستتركز‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬50‭ % ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬السوقية‭ ‬لصناعات‭ ‬تكرير‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬فى‭ ‬الصين‭ ‬التى‭ ‬تعد‭ ‬أكبر‭ ‬منتج‭ ‬لـ30‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬50‭ ‬معدنا‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬14‭ ‬من‭ ‬معادن‭ ‬اللانثانيدات،‭ ‬وهى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬عنصرا‭ ‬مدرجة‭ ‬فى‭ ‬قائمة‭ ‬المعادن‭ ‬النادرة،‭ ‬وفقا‭ ‬لهيئة‭ ‬المسح‭ ‬الجيولوجى‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬كما‭ ‬تمارس‭ ‬الصين‭ ‬هيمنة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬سلاسل‭ ‬توريد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬خامات‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬الحرجة،‭ ‬حيث‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬مناجم‭ ‬فى‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو،‭ ‬وزيمبابوى،‭ ‬والأرجنتين،‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬باستخراج‭ ‬نحو‭ ‬705‭ ‬آلاف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الليثيوم‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2025‭.‬

قلق‭ ‬مضاعف

ومما‭ ‬يضاعف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬القلق‭ ‬الأمريكى‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬من‭ ‬المنبع‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬أيضا‭ ‬هيمنتها‭ ‬علىصناعة‭ ‬المنتجات‭ ‬النهائية‭ ‬التى‭ ‬تستخدم‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬الحيوية‭ ‬مثل‭ ‬السيارات‭ ‬الكهربائية‭ ‬وألواح‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬وتوربينات‭ ‬الرياح،‭ ‬ومنظومات‭ ‬الدفاع،‭ ‬والروبوتات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الصناعات‭ ‬المتقدمة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تصنع‭ ‬الصين‭ ‬68‭ % ‬من‭ ‬كاثودات‭ ‬البطاريات‭ ‬العالمية‭ (‬الأقطاب‭ ‬السالبة‭ ‬فى‭ ‬البطاريات‭)‬،‭ ‬و73‭ % ‬من‭ ‬مواد‭ ‬الأنود‭ ‬النشطة‭ (‬المواد‭ ‬التى‭ ‬تستخدم‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬الأقطاب‭ ‬السالبة‭ ‬فى‭ ‬البطاريات‭ ‬القابلة‭ ‬لإعادة‭ ‬الشحن‭).‬‭ ‬وتمثل‭ ‬الأنودات‭ ‬نحو‭ ‬12‭ % ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬البطاريات‭. ‬كما‭ ‬قدرت‭ ‬شركة‭ ‬جولدمان‭ ‬ساكس‭ ‬للأبحاث‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬65‭ % ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬البطاريات،‭ ‬و71‭ % ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬البطاريات،‭ ‬و57‭ % ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬الكهربائية‭ ‬العالمية‭ ‬يتم‭ ‬تصنيعها‭ ‬فى‭ ‬الصين‭.‬

مواجهة‭ ‬دولية

وتشير‭ ‬وحدة‭ ‬تتبع‭ ‬سياسة‭ ‬المعادن‭ ‬الحرجة‭ ‬التابعة‭ ‬لوكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬واللوائح‭ ‬التنظيمية‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬إقرارها‭ ‬ويجرى‭ ‬تطبيقها‭ ‬لضمان‭ ‬إمدادات‭ ‬المواد‭ ‬الحيوية‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الصينية،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬قانون‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬الحرجة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبى،‭ ‬وقانون‭ ‬خفض‭ ‬التضخم‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬واستراتيجية‭ ‬المعادن‭ ‬الحرجة‭ ‬فى‭ ‬أستراليا،‭ ‬وغيرها‭.‬

كما‭ ‬تشير‭ ‬اتفاقية‭ ‬الشراكة‭ ‬الأمنية‭ ‬للمعادن‭ ‬التى‭ ‬تقودها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهى‭ ‬استراتيجية‭ ‬لدعم‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تضم‭ ‬14‭ ‬دولة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬تتعاون‭ ‬معا‭ ‬لجمع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وتنفيذ‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬اللازمة‭ ‬لوقف‭ ‬هيمنة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬سلاسل‭ ‬توريد‭ ‬المعادن‭ ‬الحرجة‭.‬

وأقرت‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬استراليا،‭ ‬التى‭ ‬تعد‭ ‬أكبر‭ ‬منتج‭ ‬لخام‭ ‬الليثيوم‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬حاليا،‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬وناميبيا،‭ ‬وزيمبابوى،‭ ‬سياسات‭ ‬تحظر‭ ‬تصدير‭ ‬الخامات‭ ‬المعدنية‭. ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بدأت‭ ‬التكتلات‭ ‬الموجهة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حملة‭ ‬لشراء‭ ‬المناجم‭ ‬والأصول‭ ‬التعدينية،‭ ‬وخاصة‭ ‬فى‭ ‬إفريقيا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬لقلق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يتعلق‭ ‬بالوقت‭ ‬الذى‭ ‬ستستغرقه‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬لتحطيم‭ ‬سيطرة‭ ‬الصين‭ ‬شبه‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬عدا‭ ‬الصين،‭ ‬مازالت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬اللازمة‭ ‬لمعالجة‭ ‬معظم‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المشروعات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالصناعات‭ ‬التعدينية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فترات‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة‭ ‬للتنفيذ‭. ‬وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنفيذ‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬المشرعات‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬عاما‭ ‬بين‭ ‬مراحل‭ ‬الاستكشاف‭ ‬ودراسات‭ ‬الجدوى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬إضافية‭ ‬لبناء‭ ‬المصانع‭. ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الولات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاءها‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و17‭ ‬عاما‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الصين‭.‬

مصالح‭ ‬الصين

وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬الأونكتاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مشروع‭ ‬تعدين‭ ‬جديد‭ ‬قيد‭ ‬التنفيذ‭ ‬حاليا‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬لتلبية‭ ‬أهداف‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الصفرية‭ ‬الصافية‭ ‬لعام‭ ‬2030‭ ‬وحدها،‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬80‭ ‬منجما‭ ‬جديدا‭ ‬للنحاس،‭ ‬و70‭ ‬منجما‭ ‬جديدا‭ ‬لليثيوم‭ ‬والنيكل،‭ ‬و30‭ ‬منجما‭ ‬جديدا‭ ‬للكوبالت‭. ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬360‭ ‬و450‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكى‭. ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬زخم‭ ‬الجهود‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الحالية،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬محتملة‭ ‬فى‭ ‬الاستثمارات‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬180‭ ‬و270‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكى‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬مناجم‭ ‬أو‭ ‬مواد‭ ‬خام‭ ‬جديدة‭ ‬ليس‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة،‭ ‬لأن‭ ‬المبادرات‭ ‬التى‭ ‬ستقوم‭ ‬بها‭ ‬الكتل‭ ‬التى‭ ‬تقودها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستصطدم‭ ‬حتما‭ ‬بمصالح‭ ‬الصين‭ ‬فى‭ ‬حماية‭ ‬أمنها‭ ‬الصناعى‭ ‬والاقتصادى‭. ‬كما‭ ‬قد‭ ‬تصطدم‭ ‬بالتدخل‭ ‬الروسى‭ ‬لدعم‭ ‬حليفها‭ ‬الصينى،‭ ‬فى‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬مالى،‭ ‬التى‭ ‬تقدر‭ ‬احتياطياتها‭ ‬بنحو‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الليثيوم،‭ ‬إذ‭ ‬تدعم‭ ‬موسكو‭ ‬حكومة‭ ‬مالى،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأخرى‭.‬

تكتلات‭ ‬عالمية

ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتسبب‭ ‬الجهود‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬حدوث‭ ‬تحول‭ ‬جيوسياسى‭ ‬وجيواقتصادى‭ ‬كبير‭ ‬بسبب‭ ‬التوترات‭ ‬القصيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬الأجل،‭ ‬خصوصا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالدعم‭ ‬الأمريكى‭ ‬لتايوان‭ ‬لأن‭ ‬الصين‭ ‬تمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادى‭ ‬العالمى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬مصالحها‭ ‬للخطر‭.‬كما‭ ‬تكتسب‭ ‬هيمنة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية‭ ‬حوال‭ ‬العالم‭ ‬أهمية‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬علامات‭ ‬التفتت‭ ‬فى‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬كتل،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬تكتل‭ ‬بريكس‭.‬

من‭ ‬المسلم‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬الصينية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬القيود‭ ‬التى‭ ‬تفرضها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬على‭ ‬الصين‭.‬

وفى‭ ‬المقابل‭ ‬أكدت‭ ‬الصين‭ ‬مرارا‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتوانى‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬مصادر‭ ‬قوتها‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬أى‭ ‬تهديدات،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مؤخرا‭ ‬بإعلانها‭ ‬حظر‭ ‬تصدير‭ ‬تقنيات‭ ‬استخراج‭ ‬وفصل‭ ‬المعادن‭ ‬الحيوية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قرارها‭ ‬السابق‭ ‬بفرض‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬المعادن‭ ‬9‭ ‬مرات‭ ‬بين‭ ‬عامى‭ ‬2009‭ ‬و2020،‭ ‬وتعريضها‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬للمقاولين‭ ‬الأميركيين‭ ‬للتهديد،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وحلفاءها‭ ‬يشعرون‭ ‬بالخطر،‭ ‬ويدركون‭ ‬فداحة‭ ‬المأزق‭ ‬الذى‭ ‬قادتهم‭ ‬الصين‭ ‬إليه‭.‬

اخر اصدار