تنزانيا وكينيا والصومال تتحول للتعامل الإلكترونى وتتخلى عن النقدى
كتبت: زينب فتحى أبو العلا
فى ظل سيطرة أنظمة الشمول المالى على اقتصاديات العالم، فقد استحوذت التعاملات الإلكترونية على معظم العمليات المالية بين الأفراد والمؤسسات، وساهمت جائحة كورونا فى إحداث طفرة فى تلك المعاملات، كبديل للتعامل النقدى، كما ساهمت الاعتبارات الأمنية فى اتساع نطاق التعامل المالى الإلكترونى لتعقب عمليات غسيل الأموال من ناحية فضلا عن اعتبارات الغش والتزييف من ناحية أخرى، ما يفتح المجال أكبر وأكثر للتعامل الإلكترونى المالى وتضييق نطاق التعامل النقدى.
وفقا لموقع “لاليبر الفرنسى”، تسعى المؤسسات المصرفية لإنهاء التعامل بالسيولة النقدية، لأسباب متعلقة بارتفاع التكلفة المرتبطة بإصدار العملة وتوزيعها والنقل والتأمين، فضلا عن تجنب عمليات الغش والتزييف للعملة، من الأسباب الأخرى للتخلى عن العملة النقدية، أنها من الممكن استخدامها فى أنشطة غير مشروعة مثل غسيل الأموال، وكذا التهرب الضريبى، لأنه من الصعب تعقبها، فالعمليات النقدية الرقمية، يمكن من خلالها إنفاذ القانون والمؤسسات البنكية يمكنها بذلك أن تساعد الحكومات فى تنفيذ السياسات الاقتصادية بدءا من الآن وحتى عام ٢٠٢٧، فإن الاقتصاديات النامية التى تعتمد بصورة أساسية على السيولة النقدية، عمليات السداد الإلكترونية زادت بمعدل مرتين ونصف المرة إلى ٣ مرات من الآن مقارنة بعام ٢٠٢٢، وعدد كبير من الدول بدأت فى التخلى عن السيولة النقدية، ففى الدنمارك ١٢ % فقط من عمليات الشراء، تتم فيه من خلال النقد، إلا أن عددا من سكان الدنمارك متمسكون بالتعامل بالكاش.
التخلى عن النقد
وتعد فنلندا والمملكة المتحدة على رأس قائمة الدول التى تسعى إلى أن تكون مجتمعات دون تعاملات نقدية، وفى المقابل فإن بولونيا تخلت عن مشروعها المرتبط بتحجيم التعاملات النقدية لضمان تحقيق الحرية والاختيار فى منطقة آسيا، مثل الصين وهونج كونج والهند واليابان وكوريا وسنغافورة وأستراليا، فإنهم يعتبرون من الدول القائدة فى التعاملات الرقمية المالية، فى حين يرى بعض المحللين أنه من الأفضل الاحتفاظ بقدر من العملات النقدية وهذا بمنزلة حماية ضد الأمور غير المستقرة.
ويطرح الموقع تساؤلا، هل يمكن للمجتمعات أن تكون من دون عملات نقدية؟! يرى الخبراء أنه على الرغم من التطور السريع لنظريات الدفع الرقمى، فإن المجتمعات التى تتعامل بنسبة ١٠٠ % من خلال الدفع الرقمى، أمر سوف يستغرق وقتا أطول على المدى البعيد، فالأموال النقدية، تعد آلية للدفع ضعيفة وأقل يقينا ولايزال يعتبر بعض المحللين أنها آلية للدفع لإدارة ميزانية بسيطة.
فضلا عن أن التعامل بالسيولة النقدية يعنى أن جميع التعاملات يمكن تعقبها أو لها أثر، عن كل ما يتم شراؤه أو بيعه وهو الأمر الذى قد لا يتواءم مع كل الناس فبعض الناس لا يرغب أو يخاف من أن تقوم الحكومة أو الشركات بتتبع عمليات شرائه وتعقبه.
ويعد بنك ماكورى الأسترالى من أوائل البنوك التى تتبنى سياسة السداد دون العملات النقدية، ويرى بعض المنتقدين أن البنك قد لا يصمد لتحقيق ذلك بما يضمن الحفاظ على ثقة وأمان العمليات الرقمية. ويرى الخبراء أنه مع نهاية القرن سوف تتحول العملات النقدية إلى رقمية وبطبيعة الحال سوف تتحول بأدوات للدفع، بصورة أكثر أمانا مثل الشيكات وكروت الدفع، وأن هذا الاتجاه سوف يستمر فى السنوات القادمة.
موقع إكسبريس الفرنسى يشير إلى أن الأموال النقدية أصبحت مهددة فى أوروبا ففى ظل وجود البرنامج الجديد للدفع فى أوروبا wero وهو يخلف لنظام pylib وهو نظام للدفع عبر الإنترنت ويعمل على الهواتف الذكية وتعمل من خلال البنوك الرئيسية الفرنسية BNP برى با وسوسيته جنرال، يسمح بإرسال واستقبال الأموال فى أقل من ١٠ ثوان من حساب بنكى إلى حساب بنكى آخر، ومن ثم فإن الأوروبيين أصبحوا أكثر فأكثر معتمدين على السداد الإلكترونى ويبتعدون عن السداد النقدى، وفقا لدراسة أجريت فى نهاية عام ٢٠٢٢٣ فإن ٢٠ % فقط من تعاملاتهم تتم عبر السداد النقدى مقابل ٣٤ % فقط من التعاملات فى عام ٢٠١٢، وأصبحت البطاقات البنكية الوسيلة المركزية لدفع النفقات بنسبة ٦٩ % من نفقاتهم عبر وسائل الدفع الإلكترونى وقد ساهم “كوفيد ١٩” فى التخلى عن مخاطر العملات النقدية وخلال الجائحة فإن التعاملات النقدية زادت بنسبة ٤٠ %.
ووفقا لدراسة صدرت فى مارس ٢٠٢٤، أوضحت أن ٣٤ % من الأفراد فى العمر ما بين ١٨ و٢٥ عاما لا تعتمد على السيولة النقدية إلا بنسبة ١٧ % فقط.
وتقترب نحو ثلاثة أرباع المعاملات المالية فى سويسرا من أن تتم عبر التعاملات الالكترونية و٣٢ % فقط من الأفراد يتعاملون بالعملات النقدية، وفى عام ٢٠٢٢ تم تسجيل نحو ٣٨٦ مليون عملية تتم عبر منصة TWINT وهو برنامج يتيح الدفع بسرعة وسهولة عبر الإنترنت وفى المتاجر وإرسال الأموال، كما تجاوز الدفع بالوسائل الالكترونية فى متاجر وأسواق هولندا الدفع نقدا لأول مرة فى عام 2015 ويوجد تحرك نشط لمجموعة تتكون من عدد من البنوك وباعة التجزئة الهولنديين ممن يريدون زيادة نسبة الدفع بالوسائل الالكترونية لتصل إلى 60 فى المائة مقابل 40 فى المائة للعملة النقدية المتداولة بحلول عام 2018. ويقولون إن الدفع غير النقدى هو أرخص وأكثر أمانا وملائمة.
ونظرا للنفقات الباهضة للتعامل بالنقد، والمخاوف الأمنية، تخلت العديد من المتاجر السويدية فعلا عن أجهزة التعامل بالنقود، بما فيها شركة “تيليا” العملاقة للاتصالات، حيث توقفت مراكزها الـ86 المنتشرة بطول البلد وعرضه عن قبول النقد فى عام 2013.
تفاوت ردود الأفعال
رغم ما ذكر، نرى تفاوتا كبيرا فى السلوكيات والمواقف عبر أوروبا والعالم. لا تزال بعض المجتمعات والثقافات مترددة بقوة بشأن التخلى عن النقد، بما فيها ألمانيا التى يعتقد المستهلكون فيها، حسب دراسة حديثة أجراها البنك المركزى للبلد، أن استعمال النقود يعطيهم تحكما أفضل فى عملية الإنفاق ففى بلد يعتبر القوة الاقتصادية العظمى لأوروبا، لا تزال أكثر من 75 فى المائة من المدفوعات تجرى عن طريق العملة النقدية. أما فى إيطاليا، حيث تمتد جذور عميقة للتعامل بالنقود، فإن تلك النسبة تقفز إلى 83 فى المائة.
وبقدر ولع الأمريكيين بعملة الدولار حتى وقتنا الحاضر، فإن السير خطوة نحو التخلى عن النقد بدأ يترسخ، مع أنه تم اعتماد بطاقات الائتمان المحتوية على شريحة إلكترونية فى العام الماضى فقط فى الولايات المتحدة، بعد عقد كامل مما جرى فى الكثير من الدول الأوروبية، وفى يناير توقفت عدة فروع لسلسلة مطاعم “سويتجرين”، الشهيرة المتألفة من 48 فرعا، عن قبول الدفع نقدا، بما فيها فرعها فى “وول ستريت”، ويقول أحد المواطنين “أعتقد أن السبب يعود إلى استعمال كل تلك الجماهير الشبابية الغفيرة فى ’وول ستريت‘ لتطبيقات هواتفهم الذكية، مثل ’أبل باي‘، لشراء أغراضهم. أعلم أن ابنتى تستعمل تطبيق ’فينمو‘ لشراء كل شىء. وبصراحة، يجعلنى ذلك أشعر وكأننى طاعن فى السن، وعفى على الدهر”.
إفريقيا فى طريق التخلى عن العملة
إن التقدم الحاصل فى مجال التقنيات المتنقلة جعل المصارف تتقدم بقفزات لتسبق طرق الدفع نقدا فى بعض الدول الإفريقية، المصارف تتقدم بقفزات لتسبق طرق الدفع نقدا فى بعض الدول الإفريقية.
ففى كينيا وتنزانيا، على سبيل المثال، دفعت منظومة “إم- بيزا” البنكية المتنقلة للدفع غير النقدى الملايين من الناس لدفع الفواتير، وتسلم رواتبهم، وشراء الدواجن والمواشى، وحتى القيام بتعاملات بسيطة فى الأسواق المحلية، عبر حسابات بنكية تجرى عن طريق تطبيقات هواتفهم النقالة.
حالة الصومال
وتعد الصومال، الدولة الوحيدة التى لديها طريقة مثيرة للاهتمام فى التعامل مع المال، حيث تواجه العملة الصومالية “الشيلينغ” مخاطر حقيقية قد تؤدى إلى انقراضها، بعد امتناع التجار والمصالح الحكومية عن التعامل بها، وسط غياب كامل لدور البنك المركزى فى سوق لا تتحكم به جهة رسمية على التجارة وتداول العملات. كما كان لتعامل التجار بالدولار الأمريكى بنسبة 90 % الدور الكبير فى وصول العملة الصومالية إلى هذا المستوى، وفقدانها قيمتها الرمزية، فأصبح الشيلينغ مقتصرا على التعاملات الهامشية فى المجتمع الصومالى، ويدفع الفقراء وأصحاب الدخل المحدود ثمن ذلك، وتسعى حاليا الحكومة الصومالية إلى تدشين العملة الجديدة للبلاد، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن. وتكاد عملة ” الشيلينغ” الصومالية تختفى من التداول، بعد أن بقيت فئة واحدة منها فقط وهى فئة الـ “ألف” شلن. وتساوى قيمة الشلن بين 20 و30 ألفا نحو دولار واحد.
ويستعد البنك الصومالى المركزى لتغيير العملة الصومالية من الأوراق النقدية الخاصة بعملة الشيلينغ (SH) للمرة الأولى منذ عقود، فى أعقاب التضخم الشديد الذى أدى إلى تراجع اقتصاد البلاد منذ سقوط الدولة المركزية فى عام ١٩٩١.
ووفقا لتصريحات محافظ البنك المركزى فى الصومال، فإن الحكومة الصومالية تسعى لاستبدال الأوراق النقدية بأخرى عالية الجودة من أجل تجديد الاقتصاد والتعاون بشكل فعال مع صندوق النقد الدولى والبنك الدولى.
قال المحافظ السابق لبنك سنترا، عبد السلام عمر هادلى، فى تصريحات سابقة:إن الأوراق النقدية المطبوعة من قبل شركة ألمانية مخزنة فى مستودع فى السودان، وقال عبد السلام إن الحكومة السودانية دفعت 49 مليون دولار لشركة ألمانية لطباعة أوراق العملة الصومالية الجديدة. وأضاف أن الأوراق النقدية الجديدة لها ميزات أمان خاصة تجعلها أكثر أمانا من الملاحظات القديمة، وقال: “تحتوى الأوراق النقدية القادمة على عدد من المميزات الأمنية التى تجعل من نسخها أو تزويرها أمرا فى غاية الصعوبة”، وأوضح المحافظ السابق أن العملة فى الصومال لا تساوى شيئا فى الوقت الحالى لأن الحكومة الفيدرالية والدول الإقليمية المختلفة لا تعمل معا.
ويقدر البنك الدولى أن أكثر من 98 % من الأوراق النقدية المتداولة فى الصومال مزورة بحسب صندوق النقد. حيث طبع البنك المركزى آخر الأوراق النقدية قبل انهيار الحكومة.
وتعتبر الورقة النقدية الجديدة نبأ سارا، لكن الناس قلقون بشأن ما إذا كانت الصومال مستعدة لبدء إصدار أموال جديدة مرة أخرى. العملة الصومالية الورقية الوحيدة المستخدمة حاليا هى فئة 1000 شلن صومالى، التى تعود إلى ما قبل الحرب، وفئات أصغر مثل فئة 500 و 50 و 20 شلن التى توقف استخدامها منذ بدء الحرب. وقد بدأ المواطنون فى بيع العملات القديمة فى الأسواق، بعد أن بدأ الأشخاص فى استخدام الأوراق النقدية الجديدة، وكان للبنك المركزى قبل انهيار الدولة عام 1991 مكاتب فى جميع أنحاء البلاد إذ كان يتم تخزين الأوراق النقدية هناك. ومن المتوقع أن تساعد مكاتب البنك المركزى الإقليمية البلاد على تحصيل الضرائب وتخزين الأموال بسهولة فى الوقت الذى تسعى فيه إلى وضع معايير جديدة للعملة.
كما يحظى نظام تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول بشعبية فى الصومال الآن لأنه طريقة لدفع فواتيرك أو شراء الأشياء أو إرسال الأموال إلى أماكن أخرى بسهولة.