بقلم: إيمان عراقى
رئيس التحرير
ما أن أعلن فوز دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات قادمة حتى انهالت التوقعات المتفائلة فيما يخص الاقتصاد الأمريكى والعالمى، هذا التفاؤل منبعه سياسة الحزب الجمهورى التى تعتمد على دعم نمو الشركات من خلال تقليص الضرائب، وتعزيز السياسات الاقتصادية التى تشجع على الاستثمار المحلى.
ورغم أن العالم تكسو ملامحه أشباح الحرب، فإن وعود ترامب الانتخابية بوقف الحروب جددت الأمل لدى الجميع بالهدوء والاستقرار السياسى الذى يتبعه قطعا نمو اقتصادى، ويمكن القول إن تحركات سوق الذهب بالانخفاض بعد فوز ترامب هى مؤشر على الارتياح العام والاطمئنان الذى يتبعه التخلى عن فكرة اكتناز الذهب واعتباره مخزنا لقيمة الأموال.
تأثير عالمى
قطاعات كثيرة عالميا من المتوقع أن تستفيد من عودة ترامب للبيت الأبيض، ومنها المؤسسات المالية الأكثر استفادة محتملة، ويأتى جولدمان ساكس فى مقدمة هذه المؤسسات، حيث تشير التوقعات إلى أن تكون لدى البنك إمكانات كبيرة للاستفادة من تحركات السوق فى ظل سياسة ترامب الاقتصادية، خصوصا فى مجالات الاستثمار المصرفى وأسواق المال.
من خلال تحليل هذه الشركات، يظهر أن سياسات ترامب المحتملة فى مجالات مثل السيارات التقليدية، والعملات المشفرة، والصناعات الدفاعية، والأسواق المالية قد توفر فرصا كبيرة لبعض الشركات لتحقيق نمو ملحوظ. مع بقاء الأسواق تحت تأثير تحولات اقتصادية مهمة، فإن هذه الشركات قد تجد نفسها فى وضع متميز للاستفادة من التطورات القادمة فى حال استمرار توجهات الرئيس المنتخب.
يتوقع عدد من المحللين والمستثمرين أن تشهد الأسواق المالية تحولا جذريا فى وتيرة تحركات الأسهم، حيث قد تبدأ بعض القطاعات والشركات فى تحقيق أرباح ضخمة.
ومن القطاعات التى يتوقع أن تستفيد بشكل كبير الشركات التقنية، خاصة التى تعمل فى مجالات مثل الذكاء الاصطناعى، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة، علاوة على شركات العملات المشفرة.
كما يتوقع مع عودة ترامب للرئاسة التأثير على قطاعات متنوعة، حيث سيعتمد ذلك على السياسات التى سيعتمدها خلال فترة حكمه. فهناك قطاعات يمكن أن تستفيد من عودته من أهمها التكنولوجيا والسيارات، فرغم أن إدارة ترامب السابقة ركزت على دعم الصناعات التقليدية، فإن الشركات التكنولوجية بشكل خاص قد تستفيد من بعض السياسات، ولاسيما إذا سعى لتخفيض الضرائب وتعزيز التصنيع المحلى.. وفى قطاع السيارات، يمكن أن تستفيد الشركات التى تركز على الإنتاج المحلى بشكل خاص، مع احتمال فرض قيود على الاستيراد. وقد حققت عملة «بتكوين» مستويات قياسية منذ فوز ترامب. لتصل إلى مستويات 80 ألف دولار. كما سجلت الأسهم المرتبطة بالعملات المشفرة ارتفاعا.
زيادة الرسوم الجمركية
تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية أعلى على السيارات المصنعة فى الخارج لحماية الوظائف فى الولايات المتحدة، بما فى ذلك فى ولاية ميتشيجان، معقل صناعة السيارات التقليدية، فمن المتوقع أن تستفيد الشركات الأمريكية بشكل مباشر من تخفيضات الضرائب على الشركات فى عهد ترامب، ولكن شركات صناعة السيارات، على وجه الخصوص، قد تستفيد من المزيد من الحماية التجارية وتخفيف قواعد الانبعاثات.
أما بالنسبة لملف الهجرة غير الشرعية، فإن ترامب يهدف إلى إنهائها تماما، ما سيؤدى إلى نقص فى الأيدى العاملة التى كانت تعتمد عليها بعض الشركات. وسيكون على هذه الشركات توظيف العمالة الأمريكية التى تعد أكثر تكلفة، ما قد يؤدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة تكلفة المنتجات فى الأسواق، وهذا قد يؤثر سلبا على بعض الشركات التى كانت تعتمد سابقا على العمالة المهاجرة.
هل يؤثر فوز ترامب على الاقتصاد المصرى؟
الإجراءات التى أعلنها ترامب فى البرنامج الاقتصادى الخاص به ستؤدى لانخفاضات متتالية للدولار أمام العملات الأخرى الرئيسية، وهو أمر يستهدفه ترامب وإدارته بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، ما يؤثر سلبا على الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية، وكذا على البنوك الكبرى المصرية.كما أن وضع اليورو أيضا على المحك خصوصا بعد الانتخابات التشريعية فى فرنسا واقتراب الانتخابات الرئاسية هناك، وكذلك صعود اليمين المتطرف فى ألمانيا، ما يجعل التفكير فى تحويل أغلب الاحتياطيات إلى ذهب.
وفقا لمورجان ستانلى فإن ارتفاع أسعار الذهب مدفوع بشكل أساسى بالسوق المالى، حيث تضاعفت مشتريات البنوك المركزية فى عام2022 / 2023 مقارنة بالاتجاهات السابقة كما ازدادت عمليات الشراء بالتجزئة هذا العام ولاسيما فى الصين حيث الطلب على السبائك والعملات المعدنية قوى للغاية.
وعلاوة على ذلك، شهدت صناديق الذهب المتداولة فى البورصة تدفقات مستمرة من أوروبا بعد خفض سعر الفائدة فى يونيو الماضى، ويعتقد الخبراء الاستراتيجيون أن صناديق المؤشرات المتداولة فى الولايات المتحدة من المرجح أن تحذو حذوها مع بدء سريان خفض أسعار الفائدة، ما يزيد من دعم أسعار الذهب.
تحفيز الصناعة
وهناك توقعات بانخفاض الصادرات المصرية إلى أمريكا وبشكل واضح، ومع تخفيض الضرائب فى أمريكا وانخفاض قيمة الدولار سترتفع الواردات من أمريكا، إلا أن انخفاض الصادرات وزيادة الواردات المحتمل حدوثها بعد فوزه لن تكون لها تأثيرات كبيرة على عجز الميزان التجارى المصرى، نظرا لانخفاض حجم كل من الصادرات والواردات من وإلى الولايات المتحدة، ومن سيتأثر وبشكل كبير هم المصدرون للسوق الأمريكية من عملاء البنوك المصرية، وفى المقابل ستزيد اعتمادات المستوردين المتعاملين مع السوق الأمريكى، وهو ما ستتزايد به عوائد الخدمات المصرفية بداخل هذه البنوك شريطة توفير العملات اللازمة لفتح هذه الاعتمادات، مع الوضع فى الاعتبار أن أهم صادراتنا لأمريكا تتمثل فى المنتجات البترولية، والأسمدة الفوسفاتية أو المعدنية، والأقمشة المنسوجة والملابس الجاهزة، والذهب.
فى المجمل، القطاعات التى قد تشهد عصرا ذهبيا فى عهد ترامب ستكون تلك التى تتماشى مع السياسات التى قد ينتهجها ترامب فى ظل سعيه لمزيد من الاستقرار الاقتصادى عالميا ومحليا والسعى لإنهاء التوترات الجيوسياسية التى تؤثر على مناخ الاستثمار، والسعى على خفض الضرائب وتحفيز التصنيع قد تكون عوامل نجاح لسياساته الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
من هذا المشهد الذى يبدو متفائلا يمكن القول إن الاقتصاد بصفة عامة سوف يشهد تحولات جديدة تسهم فى سنوات تميل للاستقرار الاقتصادى ومزيد من سياسات خفض أسعار الفائدة التى قطعا سوف تؤثر على فوائد الديون الخارجية، ما يجعل العالم يلتقط أنفاسه.