إعداد: شريفة عبد الرحيم
فى ولايته الأولى، منعت المعارضة من الكونجرس وأعضاء إدارته، ترامب من تنفيذ بعض من أفكاره الأكثر تطرفا.هذه المرة، من المتوقع أن يشغل المناصب الوزارية الرئيسية موظفون أكثر استعدادا للقيام بالمهام، التى ستقلب العالم رأسا على عقب بحسب دانييل فلاتلى، من بلومبرج نيوز.
والشعور السائد فى الأسواق هذه الأيام، هو القلق بشأن سياسات ترامب، وكيف يمكن أن تؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى وارتفاع التضخم.
فيبدو أن سيطرة حزبه على مجلسى الكونجرس أصبحت واضحة بشكل متزايد. وكان فى المرة الأخيرة التى حدث فيها ذلك، نجح الحزب الجمهورى وترامب فى تمرير تخفيضات ضريبية بمليارات الدولارات لصالح الشركات والأثرياء إلى حد كبير.
بدءا من أوكرانيا والشرق الأوسط إلى التجارة العالمية، ستكون للرئاسة الثانية للجمهورى دونالد ترامب، أو “ ترامب 2.0”، تداعيات واسعة النطاق على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمى.
فى أقل من 11 أسبوعا، سيؤدى ترامب اليمين الدستورية على درجات مبنى الكابيتول نفسها، حيث هاجم أتباعه الشرطة فى محاولة فاشلة لإبقائه فى السلطة.
وربما كان أكثر ما يشغل العالم حاليا ويترقبه باهتمام هو سياسته تجاه الصين وتداعياتها على الاقتصاد العالمى، فعلى الرغم من أن الفزاعة الرئيسية التى هدد بها ترامب فى حملته الانتخابية فى عام 2016 كانت الصين، وفى هذه المرة وضع عددا أكبر من الفزاعات، إلا أن ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بالتأكيد لا يزال فى المقدمة فى عام 2024.وفى حين أنه عندما بدأ ترامب حربه التجارية مع الصين لأول مرة قبل ست سنوات، كان الرئيس شى جين بينج فى موقف دفاعى، غير متأكد من كيفية الرد. وحاليا، فى مقابل تهديدات ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة تصل إلى 60 % على السلع الصينية - وهو مستوى تقول “بلومبرج إيكونوميكس” إنه سيدمر التجارة بين البلدين- إلا أن الصين ربما هذه المرة مستعدة بشكل أفضل للقتال برأى محللين، الذى يعنى اشتعال الحرب التجارية من جديد وعلى نحو غير مسبوق.
بمجرد الإعلان عن فوز ترامب، تجاوز مؤشر البورصة الأمريكية، لفترة وجيزة علامة 6000، وبلغت فى النهاية مكاسبه الأسبوعية 4.7 %.
وفى اليوم الذى أعلن فيه ترامب الفوز، تدفقت 20 مليار دولار إلى صناديق الأسهم الأمريكية، وهو أعلى مستوى فى خمسة أشهر. كما اجتذبت الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة -التى تعد ضمن المستفيدين من تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية- أكبر تدفق منذ مارس، على الرغم من أن خبراء الاقتصاد يبدون مخاوفهم أن تلك الرسوم الجمركية، إذا تم إقرارها، ربما تنعكس سلبا على الاقتصاد الأمريكى، بما يصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
واجتاحت صفقات ترامب الأسواق، بعد أن ظهر انتصاره بشكل واضح. وارتفعت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية، وبلغ الدولار أعلى مستوى له فى عام واحد. وهبطت سندات الخزانة، ما يعكس جزئيا المخاوف بشأن إمكانية زيادة عجز الميزانية والتضخم.
وبالنسبة لأبرز داعميه، ارتفعت أسهم شركة “تســـــلا” بنسبة 13 %، فى التعاملات المبكرة، حيث راهن المستثمرون على أن شركة صناعة السيارات التى يديرها إيلون ماسك ستكون المستفيد الرئيسى من ولاية ترامب الثانية، فالرئيس التنفيذى لشركة “تسلا” يعد من أبرز مؤيدى ترامب، حيث دعم الجمهوريين بأكثر من 130 مليون دولار فى الحملة الانتخابية، لكن ثروة إيلون ماسك تجاوزت 300 مليار دولار بعد فوزه.
ومن أبرز الفائزين أيضا، الشركة الإعلامية لترامب “ميديا آند تكنولوجي”، التى ارتفعت أسهمها بنسبة 35 %، حيث روج المستثمرون للسهم عبر منصات التواصل الاجتماعى.
وبحسب محللين، سيتعين على المتداولين فى جميع أنحاء العالم الاستعداد مرة أخرى للـ”تويتات” التى تحرك السوق على وسائل التواصل الاجتماعى التى ميزت ولاية ترامب الأولى، وهو ما بات البعض يطلق عليه “قنابل تويتر”، وكذلك منصة ترامب الخاصة، التى يستخدمها كقناة أساسية له للجمهور.
فقال وونغ كوك هونج، رئيس قسم تداول الأسهم فى شركة “مايبانك” للأوراق المالية، سيتعين على الأسواق أن تتقبل المزيد من التقلبات والتحركات بناء على تعليقات ترامب على وسائل التواصل الاجتماعى.
على صعيد الصين، تراجع اليوان إلى أدنى مستوياته فى عامين، وهبطت الأسهم الصينية وسط مخاوف من فرض واشنطن رسوما جمركية تصل إلى 60 % على السلع الصينية، إلى جانب 20% على جميع الواردات، وربما يؤدى ذلك إلى تراجع ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وتعطيل سلاسل التوريد العالمية.
كيف ستبدو السياسة الاقتصادية والخارجية لترامب؟
يزعم حلفاء دونالد ترامب أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته هى ميزة وليست عيبا، وأنها ميزة أساسية فى التعامل مع بقية العالم. وذلك يجعل توقع مسار السياسة الخارجية لإدارته أمرا صعبا، فطوال فترة الحملة الانتخابية، لم يقدم ترامب سوى القليل من التفاصيل حول خططه بشأن العديد من القضايا الرئيسية. ومع ذلك، فإن لديه ثلاثة “معتقدات ثابتة”، وفقا لإليزابيث سوندرز، أستاذة العلوم السياسية فى جامعة كولومبى، وهى: أولا، إنه لا يحب التحالفات، وخاصة التحالفات المتعددة الأطراف الكبيرة. ثانيا، إنه لا يحب الصفقات التجارية المتعددة الأطراف، ويريد الخروج منها ثم جعلها ثنائية. وثالثا، إنه معجب بالأنظمة الاستبدادية.
وربما تكون التفاصيل غير متوقعة، لكن تلك هى المبادئ التى توجه نهجه تجاه العالم.
ربما يأتى بعض الخطوات الأولى لترامب فى إطار سياسة التجارة، حيث يتمتع الرئيس بسلطة أوسع للتصرف دون موافقة الكونجرس. وتهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 % على السلع القادمة من الصين، من شأنه توقف التبادلات التجارية مع أحد أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، على الرغم من أن بعض الحلفاء اقترحوا أن ذلك التهديد تكتيك تفاوضى أكثر منه وصفة سياسية.
حذر خبراء الاقتصاد من أن سياسات ترامب ستؤدى إلى ارتفاع معدل التضخم مرة أخرى، فالرئيس الأمريكى المنتخب فاز على أساس مزاعم بأنه قادر على التخلص من التضخم نهائيا، ولكن العديد من المحللين يعتقدون أنه سيفعل العكس. وفى حين صدقت أغلبية الناخبين الأمريكيين ذلك الوعد، لكن العديد من الاقتصاديين لا يصدقونه. وبدلا من ذلك، حذروا من أن خططه لفرض تعريفات جمركية شاملة وترحيل ملايين المهاجرين ربما تؤدى إلى عكس ما يدعيه الرئيس المنتخب -إعادة إشعال الضغوط التضخمية فى حين لم يتم ترويض أسوأ موجة تضخمية منذ جيل كامل.
وفى حين أدى تعهد ترامب بخفض الضرائب على الأثرياء والشركات إلى تعزيز أسواق الأسهم، يعتقد آخرون أنه سيؤدى إلى زيادة العجز الحكومى الضخم بالفعل. وفى حين لا يزال التضخم غير خاضع للسيطرة الكاملة، فإن الرئيس المنتخب سوف يتولى زمام الأمور فى وقت حيث يتمتع أكبر اقتصاد فى العالم، وفقا لمعظم المقاييس، بصحة جيدة.
فالوظائف وفيرة، وعمليات التسريح منخفضة، ويستمر المستهلكون فى الإنفاق، على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، التى -حتى وقت قريب- تركت تكاليف الاقتراض عند أعلى مستوى لها فى 23 عاما. والواقع أن المخاوف من الركود، التى كانت سائدة ذات يوم، تلاشت مع انخفاض التضخم من أكثر من 7 % إلى الاقتراب من هدف مجلس الاحتياطى الفيـــدرالى البالغ 2 %، وهو ما يشير إلى أن الهبوط الناعم الذى طال انتظاره أصبح فى متناول اليد.
وبعد استيلاء الجمهوريين على مجلس الشيوخ مؤخرا، وحققوا تقدما فى العديد من سباقات مجلس النواب، فإن فوز الحزب أيضا بالمجلس الأدنى من الكونجرس بات وشيكا.
وربما يضطر الاحتياطى الفيدرالى، الذى بدأ فى خفض تكاليف الاقتراض فى سبتمبر الماضى، إلى عكس مساره إذا ظهرت ضغوط الأسعار مرة أخرى .
يذكر أنه خلال رئاسة ترامب الأولى، استجاب الاحتياطى الفيدرالى لحرب تجارية متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين بخفض أسعار الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، فى ما يشبه الحصول على تأمين ضد احتمال تعرض النمو لضربة كبيرة.
ولكن مع عدم إخماد جمر التضخم بالكامل، ربما تبدو استجابة السياسة مختلفة عن عام 2019، عندما كان التضخم أقل من هدف بنك الاحتياطى الفيدرالى البالغ 2 %.
الجدير بالذكر هنا أنه بعد فوز ترامب، أعلن رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالى -البنك المركزى- جيروم باول أنه لن يستقيل من منصبه إذا طلب منه دونالد ترامب ذلك، وأشار إلى أن الرئيس ليست لديه السلطة لإقالته فى منتصف المدة.
وتنتهى فترة ولاية باول كرئيس فى مايو 2026، وقبل ذلك لن يكون هناك سوى منصب شاغر آخر فى مجلس المحافظين فى ذلك العام.
مع ذلك، فإن أى مؤشر على تآكل استقلال الاحتياطى الفيدرالى سوف تكون له عواقب وخيمة على السوق المالية -وهو خوف متزايد بالنظر إلى العجز الهائل الذى من المقرر أن تتحمله البلاد خلال فترة ولاية ترامب الثانية.فتعهد الرئيس الأمريكى المنتخب بتمديد التخفيضات الضريبية على الأثرياء التى من المقرر أن تنتهى فى عام 2025، فضلا عن خفض معدل ضريبة الشركات للمنتجين المحليين وإعفاء أشكال معينة من الأجور من ضريبة الدخل، من شأنه أن يضيف5.8 تريليون دولار أخرى إلى العجز على مدى العقد المقبل، وفقا لنموذج ميزانية أعدتها جامعة بنسلفانيا.
الفرص والتوقعات
%28 احتمال ترشيح إيلون ماسك لمجلس وزراء ترامب، حتى كتابة هذه السطور، وفقا لـ”كالشى”، وهى سوق تنبؤات أمريكية. ووضعت “بولى ماركت” فرصة حصول ماسك على دور ما فى الإدارة بنسبة 75 %. أما بالنسبة لآخرين، فهى .92%
*من المتوقع أن تؤدى عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إلى تمهيد الطريق لمزيد من عمليات الدمج والاستحواذ الضخمة فى عالم الشركات.
*سيكون التأثير الاقتصادى الرئيسى لترحيل إدارة ترامب للمهاجرين غير الشرعيين، الموجودين بالفعل فى الولايات المتحدة، هو اقتصاد أمريكى أصغر. وفى الأمد القريب، من المرجح أن تؤدى عمليات الترحيل إلى تقليل الاستهلاك والاستثمار، بما يكفى لخفض نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، بما يعنى انكماش الاقتصاد بدرجة ما.
*يبدو أن شركات الذكاء الاصطناعى عازمة على المساهمة بحصة أكبر من إجمالى أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500، هذا العام، مقارنة بشركات التكنولوجيا والإعلام والاتصالات، فى أواخر التسعينيات.
* تستكشف شركة “أبل” تجاه النظارات الذكية، من خلال دراسة داخلية للمنتجات الموجودة حاليا فى السوق، ما يمهد الطريق للشركة لاتباع شركة “ميتا بلاتفورمز إنك” فى فئة تحظى بشعبية متزايدة.