رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

"البريكس" تعزز صفوفها بـ 9 دول جديدة..تحالف الـ 18 يعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمى

22-1-2025 | 16:00

كتب: أشرف شهاب

 

فى خطوة فارقة فى تاريخ التحالفات الاقتصادية العالمية، شهدت مجموعة البريكس توسعا كبيرا بانضمام 9 دول جديدة تعزز مكانتها كأحد أبرز الكتل الاقتصادية فى العالم. وبانضمام 9 دول جديدة اعتبارا من 1 يناير الجاري، أصبح التحالف يضم أبرز الاقتصادات العالمية، وبات يشكل أكثر من 41 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمي.

تمثل هذه الإضافة تطورا استراتيجيا مهما، إذ تضم المجموعة الآن دولا مثل بيلاروسيا، وكوبا، وإندونيسيا، وكازاخستان، لتصبح أكثر تأثيرا فى مجالات السلع الغذائية، والطاقة، والمعادن الاستراتيجية، فضلا عن دورها المتنامى فى إعادة هيكلة النظام المالى الدولى وتحدى هيمنة الدول الكبرى.

إذن، ما هو مستقبل مجموعة البريكس على ضوء التطورات الأخيرة، وهل لديها من القدرات ما يمكنها من تغيير موازين القوى الاقتصادية والسياسية فى العالم؟

 

 

بعد قبول أربعة أعضاء جدد فى عام 2024، وهي مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات، رحبت البريكس رسميا بتسع دول شريكة جديدة فى 1 يناير 2025. وهي: بيلاروسيا، بوليفيا، كوبا، إندونيسيا، كازاخستان، ماليزيا، تايلاند، وأوغندا، وأوزبكستان، من أصل 13 دولة تمت دعوتها فى قمة قازان فى أكتوبر 2024، مما يعنى أنها فى طريقها إلى العضوية الكاملة فى المستقبل القريب. أما الدول الأربع المتبقية فلم ترد رسميا حتى نهاية العام الماضى، وهى: الجزائر، نيجيريا، تركيا، وفيتنام.

 

9 أعضاء و 9 شركاء

تأسست المجموعة فى البداية عام 2009 من البرازيل وروسيا والهند والصين. وتوسعت عام 2010 بإضافة جنوب إفريقيا، وأصبح اسمها البريكس. وفى قمة 2023 توسعت ثانية بدعوة 6 دول هى: مصر، والإمارات، وإيران، وإثيوبيا، والسعودية، والأرجنتين. قبلت الدول الأربعة الأولى الدعوة وأصبحت أعضاء منذ يناير 2024. أما السعودية، فرغم مشاركتها فى القمة الـ 16، إلا أنها أعلنت مؤخرا تجميد انضمامها للمجموعة. وبعد موافقة الأرجنتين على الانضمام عندما كانت تحكمها حكومة يسار الوسط بقيادة الرئيس ألبرتو فرنانديز. عادت حكومة اليمين المتطرف المؤيد للولايات المتحدة بقيادة خافيير ميلى، الذى وصل إلى السلطة فى ديسمبر 2023 وألغت قرار الانضمام فى يناير 2024.

 

التعداد السكانى

مع أعضائها التسعة وشركائها التسعة، أصبحت البريكس تضم 9 من قائمة العشرين دولة الأكثر سكانا بإجمالى نحو 4 مليارات نسمة، أو ما يقرب من نصف سكان العالم، أولها الهند، الأكثر سكانا بتعداد مليار و 450 مليون نسمة، تليها الصين الثانية بتعداد مليار و 420 مليون. وبتعداد 284 مليون نسمة، تعتبر إندونيسيا رابع أكبر دولة، والبرازيل السابعة بـ  212 مليونا، تليها روسيا التاسعة 145 مليونا، وإثيوبيا العاشرة 133 مليونا، ومصر الرابعة عشرة 117 مليونا، تليها إيران السابعة عشرة بمجموع 92 مليونا، ثم تايلاند فى المرتبة العشرين 72 مليونا. وتمت دعوة نيجيريا للانضمام كشريك، وهى سادس أكبر دولة تعدادا سكانيا بإجمالى 233 مليونا.

 

تحولات تاريخية

وفقا لصندوق النقد الدولي، شكلت الدول الأعضاء الخمسة الأصلية فى البريكس 33.76 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى أكتوبر 2024، أى أن حصة الدول الخمس من الاقتصاد العالمى كانت أكبر من مجموعة السبع G7 التى مثلت 29.08 % فقط من الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى نفس العام، على الرغم من أن اقتصادات مجموعة السبع كانت تشكل نحو 52 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى عام 1990. والسبب الرئيسى وراء هذا التحول التاريخى هو النمو الاقتصادى الهائل للصين، التى أصبحت القوة الصناعية العظمى الوحيدة فى العالم، والمسئولة عن 35 ٪ من الإنتاج الصناعى الإجمالى العالمى لعام 2024 أى ما يقرب من 3 أضعاف الإنتاج الصناعى للولايات المتحدة. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولى تمكنت الصين من تجاوز الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد على وجه الأرض فى عام 2016. واعتبارا من أكتوبر 2024، شكلت الصين بمفردها 19 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى مقارنة بنحو 15 ٪ فقط للولايات المتحدة.

وبعد إضافة 4 أعضاء ووصول عدد دول البريكس إلى 9 دول فى 2024 ارتفعت حصة المجموعة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى إلى 36.44 ٪. ومع الإضافة الأخيرة، وانضمام 9 دول جديدة، زادت حصة المجموعة إلى 41.41 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى.

 

أرقام على ورق

فى حين أن الناتج المحلى الإجمالى يمكن أن يعطينا تقديرا تقريبيا لمكانة دولة ما فى الاقتصاد العالمي، إلا أنه لا يعكس بالضرورة القدرات الإنتاجية الحقيقية للدولة. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أبلغ دليل على ذلك. فنحو 21 % من ناتجها المحلى يأتى من قطاعى التأمين والعقارات، و 13 % من قطاعى الخدمات المهنية والتجارية، بينما لا يساهم قطاع التصنيع إلا بنسبة 10 % فقط.

ووفقا لتقارير مكتب التحليل الاقتصادى، التابع لوزارة التجارة الأمريكية، فإن 8 % من الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى يأتى من عملية حسابية للقيمة الإيجارية التخيلية للمساكن Imputed Rent. وهذا يعنى أن 8 % من ناتجها المحلى لا وجود لها، وأنها مجرد أرقام على الورق. (الـ Imputed Rent أو الإيجار التخيلى هو المبلغ الذى قد يدفعه مالك المنزل لو كان سيستأجر المنزل الذى يملكه. وللتوضيح نفترض أنك تمتلك بيتا خاصا بك وتعيش فيه، ولا تدفع إيجارا لأن البيت ملكك. فى هذه الحالة يقوم الاقتصاديون بحساب قيمة إضافية لهذا البيت، حيث يتخيلون كأنك تستأجر بيتك الخاص من نفسك وتدفع إيجارا لنفسك. ثم يقومون بإضافة هذه القيمة التخيلية إلى الناتج المحلى الإجمالي. ومثال ذلك، إذا كان لديك بيت. وفى منطقتك يكون إيجار البيوت المشابهة 1000 دولار شهريا، فهم يحسبون كأنك تدفع لنفسك 1000 دولار شهريا رغم أنك لا تدفع أى شيء فعليا، ثم يضيفون المبلغ للناتج المحلى الإجمالى).

 

قوة اقتصادية متنامية

تكمن القوة الاقتصادية المتنامية للبريكس من القدرات الإنتاجية لدول المجموعة، فأعضاء البريكس وشركاؤها هم قادة العالم فى إنتاج السلع الأساسية الحيوية. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) فإن المحاصيل الأساسية الرئيسية فى العالم، والتى تمثل أكثر من 50 % من الإنتاج الزراعى العالمي، هى على التوالي: قصب السكر، الذرة، الأرز، القمح، زيت النخيل، والبطاطس. وفى هذا الإطار تهيمن دول البريكس على الإنتاج العالمى، حيث تشكل البرازيل والهند والصين ما يقرب من 66 % من الإنتاج العالمى من قصب السكر. والصين والبرازيل ما يقرب من 30 ٪ من إنتاج الذرة. وتنتج الصين والهند أكثر من 50 % من الأرز فى العالم، فيما تنتج الصين والهند وروسيا أكثر من 40 % من القمح. وتشكل إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، وجميعها شركاء جدد فى المجموعة ما يقرب من 90 % من إنتاج زيت النخيل العالمي. وتنتج الصين والهند ما يقرب من 40 % من البطاطس.

وتشكل الصين والبرازيل أكثر من 20 % من إنتاج الدجاج العالمي. والبرازيل والصين أكثر من 20 % من لحوم البقر. وتهيمن الصين على إنتاج وتربية الأحياء البحرية، حيث تشكل بمفردها ما يقرب من 60 % من الإنتاج العالمي. وبالاشتراك مع الهند وإندونيسيا، تصل النسبة إلى أكثر من 70%. وتنتج الصين بمفردها 34 % من بيض الدجاج، وتشكل مع بقية دول المجموعة أكثر من 50 % من الإنتاج العالمى.

 

الطاقة.. القوة الدافعة

فى مجال الطاقة، تقود الصين التحول العالمى نحو الطاقة المتجددة. وتنتج بمفردها ضعف ما تنتجه بقية دول العالم مجتمعة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتلعب مجموعة البريكس دورا رئيسيا فى الإنتاج العالمى للنفط الخام، فهى تضم 5 من أكبر 10 منتجين للنفط الخام، بما فى ذلك روسيا فى المرتبة الثالثة، والصين الرابعة، وإيران السابعة، والإمارات الثامنة، والبرازيل التاسعة عالميا.

وفى صناعة الغاز الطبيعي، تضم البريكس كبار منتجى الغاز الطبيعى فى العالم، حيث روسيا تحتل المرتبة الثانية، تليها إيران فى المرتبة الثالثة، والصين الثامنة، والإمارات العاشرة، وإندونيسيا الحادية عشرة، وماليزيا فى المرتبة الخامسة عشرة عالميا.

 

المعادن الاستراتيجية

وعندما يتعلق الأمر بالمعادن الاستراتيجية، تتمتع المجموعة بنفوذ كبير، فأعضاؤها من بين أكبر منتجى خام الحديد عالميا، حيث تحتل البرازيل المرتبة الثانية، تليها الصين الثالثة، والهند الرابعة، وروسيا الخامسة، وجنوب إفريقيا الثامنة، وكازاخستان وإيران فى المرتبتين التاسعة والعاشرة على التوالى. أما فيما يتعلق بإنتاج النحاس، فتحتل الصين المرتبة الثالثة، وروسيا السابعة، وإندونيسيا التاسعة، وكازاخستان الثانية عشرة عالميا.

ويعنى قبول إندونيسيا كشريك أن القوة العظمى الوحيدة فى العالم فى مجال النيكل أصبحت الآن جزءا من البريكس، فإندونيسيا أكبر منتج للنيكل، وتنتج بمفردها أكثر من 40 % من الإنتاج العالمي. كما تضم البريكس منتجين مهمين آخرين للنيكل، فروسيا تحتل المرتبة الثالثة عالميا، والصين السابعة، تليها البرازيل الثامنة، وكوبا التاسعة عالميا.

 

اقتصادات عملاقة

ما تدل عليه هذه الإحصائيات هو أن مجموعة البريكس، أصبحت واحدة من أهم المنظمات على وجه الأرض، إذ تجمع بين الدول ذات التعداد السكانى الهائل، والاقتصادات العملاقة، والقدرات الإنتاجية المذهلة، وإذا تمكنت دول مجموعة البريكس من التنسيق واتخاذ إجراءات جماعية بنجاح، فإنها وبلا شك ستغير العالم فى وقت أقرب مما تتمناه الولايات المتحدة، وحلفاؤها.

 

اخر اصدار