القادة يضعون خارطة طريق نحو المستقبل.. ويبحثون عن حلول للتحديات العالمية
التعاون الدولي السبيل الوحيد لمواجهة التحديات العالمية
كتب: أحمد خيري
في خضم عالم مضطرب تلوح في الأفق بارقة أمل، وهو منتدي دافوس 2025، والذي يشهد تجمعا غير مسبوق للقادة والمفكرين، حيث يتشاركون الرؤى والأفكار حول كيفية بناء مستقبل أفضل، ففي حين يواجه العالم تحديات كبرى، مثل تغير المناخ والتفاوت الاقتصادي، فإن الابتكارات التكنولوجية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، تفتح آفاقا جديدة لحل هذه المشكلات المعقدة.
يسعى المنتدى الاقتصادي العالمي في دورته الـ55 إلى تعزيز التعاون الدولي، وبناء شراكات استراتيجية لمواجهة التحديات العالمية المستقبلية، وذلك من خلال استضافة أكثر من 2025 شخصية مؤثرة من مختلف دول العالم، بما في ذلك دول مجموعة السبع ومجموعة العشرين، بالإضافة إلى رؤساء المنظمات الدولية، ويستضيف أكثر من 1000 شركة شريكة، بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومات، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني، والشباب، مما يجعله منصة عالمية تجمع مختلف الأطراف المعنية لمناقشة القضايا العالمية الملحة، في الفترة من 20 إلى 24 يناير في دافوس بسويسرا، تحت شعار: "التعاون من أجل العصر الذكي"، وهو متاح للجمهور لمتابعة الجلسات التي يتم بثها مباشرة.
التعاون من أجل العصر الذكي
إذا كانت الفجوة بين الآمال والمخاوف واضحة بشكل صارخ في العام الماضي، فإن سياق دافوس 2025 ليس أقل تضاربا، وإن عدم اليقين الجغرافي الاقتصادي، والتوترات التجارية، والاستقطاب الثقافي، والقلق المناخي يتصاعد، ولكن هناك وعد بالابتكار السريع - الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية - لتعزيز الإنتاجية ومستويات المعيشة.
فكان أحد الشعارات الرئيسية في دافوس 2024 هو: "التوقعات ليست قدرا"، حيث حذر القادة من مخاطر التشرذم، مؤكدين على أهمية الوحدة. كما تمت الإشارة إلى عصر جديد من "عدم الطبيعية" الاقتصادية، مع شعور واضح بـ "القدرة على الصمود". وفي حين دقت أجراس الإنذار بشأن الذكاء الاصطناعي، شهدنا تصاعد الإثارة حول ما يمكن أن تساعدنا هذه التكنولوجيا في تحقيقه.
أما دافوس 2025، فينعقد تحت شعارك "التعاون من أجل العصر الذكي"، معتمدا كمفهوم على اقتراح مؤسس المنتدى، كلاوس شواب، بأن التكنولوجيات المتقاربة تعيد تشكيل العالم بسرعة، مما يقودنا إلى نقطة تحول، ويقول شواب: "هذا عصر يتجاوز التكنولوجيا وحدها، إنها ثورة مجتمعية لديها القدرة على رفع الإنسانية أو حتى كسرها".
كل ذلك يجعلنا نتساءل عن: ما هي أكبر علامات الاستفهام التي تواجه القادة، وهم يتصارعون مع تحدي التعاون في عصر التكنولوجيات المتقاربة والذكاء المفرط؟ وكيف يمكنهم تجنب التفتت وبناء مستقبل أكثر ذكاء؟ وكيف يمكن للابتكار معالجة الأزمات مثل تغير المناخ وإساءة استخدام التكنولوجيا؟ وهل يعزز العمل الجماعي والقيادة المسئولة المساواة والاستدامة والتعاون بدلا من تعميق الانقسامات القائمة؟
يناقش المنتدي 5 محاور رئيسية هي:
- إعادة تصور النمو : إن إحياء وإعادة تصور النمو أمر بالغ الأهمية لبناء اقتصاديات أقوى وأكثر مرونة، يجيب المنتدي علي كيف يمكننا تحديد المصادر الجديدة للنمو في هذا الاقتصاد العالمي الجديد؟
- الصناعات في العصر الذكي: كان على الصناعات تكييف استراتيجياتها التجارية لتأخذ في الاعتبار التحولات الجيواقتصادية والتكنولوجية الكبرى. وتجيب الجلسات علي سؤال كيف يمكن لقادة الأعمال إيجاد التوازن بين الأهداف قصيرة الأجل والضرورات طويلة الأجل في تحويل صناعاتهم؟
- الاستثمار في الناس: تؤثر التغيرات الجيواقتصادية والتحول الأخضر والتقدم التكنولوجي على كل شيء من التوظيف والمهارات وتوزيع الثروة إلى الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة. ويجيب المنتدي علي كيف يمكن للقطاعين العام والخاص الاستثمار في تنمية رأس المال البشري والوظائف الجيدة التي تساهم في تطوير مجتمع حديث ومرن؟
- حماية الكوكب: ستكون الشراكات والحوارات المبتكرة التي تمكن الاستثمارات ونشر تقنيات المناخ والنظيفة أمرا بالغ الأهمية لإحراز تقدم في أهداف المناخ والطبيعة العالمية، فضلا عن معالجة مثلث الطاقة لتحقيق أنظمة طاقة عادلة وآمنة ومستدامة. وسوف يجد المنتدى مخرجا للاجابة علي كيف يمكننا تحفيز العمل في مجال الطاقة والمناخ والطبيعة من خلال الشراكات المبتكرة وزيادة التمويل ونشر التقنيات الرائدة؟
- إعادة بناء الثقة: في عالم متزايد التعقيد وسريع الحركة، تعمقت الانقسامات المجتمعية، وأصبحت الجغرافيا السياسية متعددة الأقطاب، وتحولت السياسة نحو الحمائية، مما يعوق التجارة والاستثمار.. وهو ما يدفع الحضور علي الإجابة عن كيف يمكن لأصحاب المصلحة إيجاد طرق جديدة للتعاون في إيجاد الحلول على المستوى الدولي وداخل المجتمعات؟
6 أشياء يجب معرفتها عن الاجتماع
1 - ماذا يوجد في برنامج دافوس؟
ركز برنامج الاجتماع السنوي على مر السنين على التحديات المتطورة التي يواجهها العالم. ودوما ما كان تغير المناخ موضوعا ثابتا وكذلك الشمول والتنوع، وكيف يمكن تطوير الاقتصاديات لتلبية احتياجات الجميع، لكن الأجندة كانت تتغير كل عام لمعالجة القضايا الأكثر إلحاحا في العالم، سواء من الاستعداد للوباء وإعادة التدريب، إلى حالة الاقتصاد العالمي والتحول في مجال الطاقة.
يصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقرير المخاطر العالمية قبل الاجتماع السنوي كل شهر يناير، لتحديد وتحليل المخاطر العالمية الحرجة القادمة على المدى القريب والطويل التي تدعم المناقشات، وبناء عليه يتم تحديد برنامج المنتدي هذا العام، حيث يتضمن البرنامج أكثر من 300 جلسة منها 200 يجري بثها مباشرة إلى الجمهور، هدفها تسريع التقدم ومعالجة التحديات العالمية، ويواصل المنتدى هذا العمل على مدار العام بمجموعة من المبادرات عبر مراكزه.
2 - هل تتشكل السياسات في دافوس؟
يعتبر دافوس منصة لصناع القرار في القطاعين العام والخاص للتجمع ومناقشة القضايا الرئيسية، وتؤدي هذه الاجتماعات إلى شراكات تجارية واختراقات سياسية.
في عام 1988 على سبيل المثال، تجنبت اليونان وتركيا الصراع المسلح باتفاق تم الانتهاء منه في دافوس. وفي التسعينيات استضاف دافوس مصافحة ساعدت في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وعملت كمنصة للإعلان عن الميثاق العالمي للأمم المتحدة، وهي مبادرة تدعو الشركات إلى مواءمة عملياتها مع مبادئ حقوق الإنسان. ومؤخرا في عام 2023 استخدمت الولايات المتحدة دافوس للإعلان عن برنامج جديد لصندوق التنمية، ووافق الرؤساء التنفيذيون العالميون في الاجتماع على دعم خطة لدعم اتفاقية التجارة الحرة في إفريقيا. ورغم أن دافوس يوفر منصة لإحراز التقدم فإن المنتدى نفسه لا يؤثر على القرارات أو التصريحات التي يدلي بها صناع السياسات ولا يملي السياسات العامة.
3 - هل يعقد دافوس دائما في دافوس؟
كان دافوس مكانا للاجتماع السنوي كل عام حتى عام 2002، ولكن في لفتة تضامن مع أمريكا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001، عقد المنتدى في مدينة نيويورك.
وعندما ضرب كوفيد-19 عاد إلي دافوس 2021 ثم في دافوس 2022 تحول إلى رقمي بالكامل باعتباره "أجندة دافوس"، ثم تمت إعادة جدولة دافوس 2022 إلى شهر مايو بدلا من يناير مع غزو روسيا لأوكرانيا. وشهد اجتماع يناير 2023 العودة إلى الاجتماع المباشر، ومع وجود تدابير صحية دقيقة، كان الاجتماع بمثابة بداية نهاية 3 سنوات من الوباء العالمي.
4 - من يحضر دافوس؟
دافوس هو حدث خاص يجمع رؤساء الدول وقادة القطاع الخاص، بالإضافة إلى العديد من الأصوات الرائدة من المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، ويشمل ذلك السياسيين من مختلف الطيف السياسي وصناع التغيير في القطاع الخاص وأبرز العقول من مختلف مجالات الخبرة، كما يشمل أيضا الناشطين والفنانين وقادة العمال وأعضاء المجتمع الأصليين وأصوات الشباب البارزة.
يمكن للجمهور مشاهدة الاجتماع السنوي والتفاعل معه من خلال الجلسات التي يتم بثها مباشرة ووسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الافتراضية بمراكز المنتدى ومشروعاته في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك فقد نجح دافوس في التغلب على الانتقادات باعتباره تجمعا للنخب، ولكن الصورة النمطية لما يسمى "رجل دافوس" أصبحت أقل أهمية حيث اكتسبت "قضايا الإدماج الاجتماعي والحفاظ على البيئة" الأولوية. في عام 2024، جاء الحاضرون إلي دافوس من 125 دولة، بما في ذلك الرؤساء التنفيذيون ورؤساء المنتدى 1000 شركة شريكة شاركت بنشاط في مبادرات ومجتمعات مثل مجلس الأعمال الدولي، ومجتمع الرؤساء ومحافظي الصناعة، وشخصيات عامة من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول مجموعة السبع ومجموعة العشرين، بالإضافة إلى رؤساء المنظمات الدولية، وقادة من أبرز منظمات المجتمع المدني والعمل والإعلام، بالإضافة إلى كبار المفكرين والأكاديميين، وأعضاء مجتمعات يونيكورن ورواد التكنولوجيا، ومجتمع صانعي العالم، ومنتدى القادة العالميين الشباب ومؤسسة شواب لريادة الأعمال الاجتماعية.
في السنوات الأخيرة شكلت النساء ربع الحضور، وهي نسبة أعلى من النسبة بين قادة العالم أو رجال الأعمال. وفي عام 2018 كان هناك تشكيلة من النساء من الرؤساء المشاركين للاجتماع. كما شكلن معا أول لجنة من النساء من الرؤساء المشاركين في دافوس.
5 - كيف يعطي المنتدى الأولوية للاستدامة في دافوس؟
يدرك المنتدى خطورة أزمة المناخ ويبذل قصارى جهده لتعزيز الاستدامة في دافوس، فمنذ عام 2017 تم حساب وتعويض جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بدافوس من خلال مشروعات بيئية في سويسرا والخارج، كما يضمن الحد من استهلاك الطاقة في دافوس واستخدام الكهرباء المتجددة فقط للحدث.
يتخذ المنتدى خطوات للحد من النفايات تشمل استخدام مواد يعاد استخدامها، بدلا من البلاستيك الذي يستخدم مرة واحدة والتعاون مع الجمعيات المحلية لتوزيع الأثاث غير المستخدم وبقايا الطعام.
يظل النقل المصدر الرئيسي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في دافوس، لذا يشجع المنتدى الحاضرين على السفر بأكثر الطرق استدامة، ويقدم خصما بنسبة 100 ٪ لجميع المشاركين في أوروبا الذين يسافرون بالقطار.
يعمل دافوس كفرصة لعرض أبحاث المناخ وإطلاق ناقوس الخطر بشأن العديد من القضايا الملحة المتعلقة بالمناخ.
6 - هل يدير المنتدى الأحداث خارج مكان الاجتماع السنوي؟
تنظم العديد من الحكومات والشركات والمنظمات الدولية التي تحضر دافوس أحداثا جانبية خارج مكان الاجتماع السنوي يتم تمويلها، والتي يمكن أن تشمل العشاء والحفلات والمعارض واجتماعات الصناعة والمحادثات الثنائية، وتخطيطها من قبل المنظمات المضيفة.