الذهب.. سلاح عالمى يواجه الدولار
أزمة مصرفية.. الحروب الباردة الأمريكية.. ارتفاع التضخم.. أبرز عوامل صعود المعدن الأصفر
إعداد- شريفة عبد الرحيم:
سواء كانت الأزمة المصرفية الأمريكية، ومعدلات التضخم المرتفعة وسياسة مجلس الاحتياط الفيدرالى، أو حرب أوكرانيا والحروب الأمريكية الباردة مع الصين وروسيا، وزيادة الطلب.. فإن جميع المؤشرات فى صالح صعود الذهب.
ففى ظل التوترات الجيوسياسية فى العالم، وبقاء معدلات التضخم عند مستوياتها المرتفعة، زاد الإقبال على شراء الذهب فى الأشهر الأخيرة، ليتجاوز سعر الأوقية حاجز الألفين دولار.
وحاليا يتوقع الخبراء استمرار صعود المعدن الأصفر إلى مستوى 2600 دولار للأوقية، ما يشعل الجدل بخصوص أقدم أصل استثمارى، ويثير التساؤلات حول آفاقه.
وبات سؤال الساعة.. هل الاستثمار فى الذهب أفضل أم الدولار؟
فيما مضى، كان الدولار الأمريكى والذهب هما أفضل مجالات الاستثمار، والملاذ الآمن للمستثمرين. لكن اليوم، بعد تراجع سعر صرف الدولار عالميا، بات المعدن النفيس هو الملاذ الأكثر أمانا وملك الاستثمار العالمى.
تراجع الدولار عالميا وصعود الذهب:
تستخدم الولايات المتحدة عملتها كسلاح فى معاركها منذ سنوات، لكنه بات أمرا مكلفا، فمع اتجاه الاعتماد على العقوبات الاقتصادية ارتفع عدد الدول الخاضعة لها. واليوم 30 % من دول العالم تخضع لعقوبات تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها، دول الاتحاد الأوروبى، بريطانيا واليابان، مقارنة بـ10 % فى مطلع التسعينيات.
والذهب كأصل استثمارى، هو الأقدم والأكثر تقليدية، لكنه بات سلاح بنوك مركزية ضد الدولار، حيث تتجه دول عديدة لخفض حيازاتها الدولارية، وزيادة حصة الذهب فى احتياطياتها.
ويرى محللون أن السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 20 % خلال الأشهر الستة الماضية، لم يكن زيادة الطلب الاستثمارى أو تحوط المستهلكين ضد التضخم، ولكن زيادة مشتريات البنوك المركزية التى تخفض احتياطياتها الدولارية.
وبالفعل، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية من الذهب، عن أى وقت مضى منذ عام 1950، وحاليا باتت تمثل 33 % من الطلب العالمى شهريا.
وتلك الطفرة ساعدت على ارتفاع أسعار المعدن الأصفر، وبأكثر من 50 %، عن أى توقعات سابقة.
الجدير بالذكر هنا أن البنوك المركزية، فى 9 من أكبر 10 دول نامية فى العالم -من بينها روسيا والهند والصين- تعمل على خفض حصة الدولار فى احتياطياتها وزيادة الذهب.
وليس من قبيل المصادفة أن تلك الدول تجرى مفاوضات، ومعها البرازيل وجنوب إفريقيا، بخصوص إطلاق عملة جديدة تنافس الدولار، وذلك بهدف إعادة التوازن إلى العالم الجيوسياسى.
أزمة البنوك الأمريكية والمعدن الأصفر:
منذ أزمة انهيار بنوك أمريكية فى شهر مارس الماضى، تواصل أسعار الذهب ارتفاعها، فى حين تتجه العملة الأمريكية للتراجع.
فمنذ إفلاس "سيليكون فالى بنك"، بلغت الزيادة فى سعر الأوقية 150 دولارا، حيث واصل صعوده لثلاثة أسابيع متتالية. وتقدر نسبة الزيادة بنحو 9 %، خلال تلك الفترة، و22 % عن شهر نوفمبر من العام الماضى.
ويوضح الخبراء أن اضطرابات القطاع المصرفى الأمريكى، وأزمة بنك "كريدى سويس" السويسرى، التى أسفرت عن استحواذ "يو بى إس" عليه، أثارت مخاوف بشأن انتشار المشكلات فى أنحاء الاقتصاد، ما عزز الطلب على الذهب كملاذ آمن، فى الأسابيع الأخيرة.
ففى ظل انخفاض ثقة المودعين بالبنوك، التى تبين أنها مثقلة بخسائر ورقية تصل إلى 620 مليار دولار، سحب الأمريكيين مليارات الدولارات من بنوك البلاد. وفى شهر مارس، كانت الودائع البنكية أقل بما يزيد على 500 مليار دولار، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى.
وذلك التراجع، أكبر مما حدث فى فترات أزمات سابقة فى الثمانينيات والتسعينيات والأزمة المالية العالمية 2008.
والأزمة التى تلوح فى الأفق تعزز آفاق الذهب، فأموال المودعين التى خرجت من البنوك ذهبت إلى الصناديق النقدية، التى تعد أكثر أمانا، وذات العائد الأعلى من الحسابات الادخارية. وحاليا تلك الصناديق تتمتع بمستوى قياسى من التدفقات ليصل إجمالى ما لديها 5 تريليونات دولار، وفقا لمعهد "إنفستمنت كومبانى".
ومن ثم، فان العديد من البنوك باتت تواجه أزمة سيولة بسبب زيادة مسحوبات العملاء والخسائر الورقية لديها، وبمرور الوقت ربما تحجم عن الإقراض، بما سيعمل على تباطؤ الاقتصاد، ويدفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى إلى تغيير سياسته والعودة إلى سياسة "التيسير الكمى".
والاحتياطى الفيدرالى بعدما كان يخفض ميزانيته من اجل استقرار القطاع، ضخ 400 مليار دولار خلال أسبوعين فقط من شهر مارس الماضى. وخلال تلك الفترة ارتفع سعر الذهب 8.6 %
تأثير رفع الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب:
يقول خبراء إن مستقبل أسعار الذهب يعتمد بدرجة كبيرة على مدى فاعلية سياسات مجلس الاحتياطى الفيدرالى.
ويشير محللون إلى مخاوف الأزمة المصرفية باعتبارها من أبرز أسباب زيادة التدفقات الاستثمارية فى الذهب. ويوضح البعض أن المستثمرين بدأوا فى الفترة الأخيرة يعيدون تقييم سياسة مجلس الاحتياطى الفيدرالى، وتأثير ضغوط رفع سعر الفائدة على الاقتصاد.
والواقع أن انخفاض سعر العائد على سندات الخزانة لأجل عامين إلى أقل مستوى منذ شهر سبتمبر الماضى، إلى 3.6511 %، والذى يرتبط بتوقعات سعر الفائدة الأمريكى، كان داعما قويا للذهب الذى يواصل استقطابه للاستثمارات، بعيدا عن أسواق الدين حاليا، التى يخيم عليها شبح الأزمة.
توقعات بارتفاع أسعار الذهب إلى 2600 دولار للأوقية:
فى ظل اضطرابات البنوك العالمية، واستمرار مجلس الاحتياط الفيدرالى فى سياسة رفع سعر الفائدة، من المتوقع ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، واستمرارها هكذا.
وبحسب محللين فإن رفع الفائدة الأمريكية وانخفاض عوائد سندات الخزانة يعزز إمكانية صعود أسعار الذهب. ويتوقع خبراء شركة "سى إم سى ماركتس" أن يتراوح سعر الأوقية بين 2500 و2600 دولار.
يذكر أنه فى مارس الماضى كان سعره 1940 دولارا، قبل صعوده ليكسر حاجز الألفين دولار، وهو أعلى مستوى منذ مارس 2022. ومنذ انهيار "سيليكون فالى بنك"، صعد سعر الأوقية بنحو 10 %.
وكان أعلى سعر عند 2075 دولارا، فى أغسطس 2020. غير أن الطلب القوى من قبل بنوك مركزية سوف يعزز بقاء الأسعار عند مستويات غير مسبوقة.
من المتوقع استمرار ارتفاع الأسعار خلال الأشهر المقبلة. ويتوقع خبراء سمالوود" أن يتجاوز سعر الأوقية حاجز 2500.
فى أواخر مارس الماضى، توقعت "فيتش سوليوشنز" ارتفاع سعر الأوقية إلى 2075 دولارا فى "الأسابيع التالية". وأرجعت شركة أبحاث السوق السبب إلى "عدم الاستقرار المالى العالمى"، موضحة استمرار ارتفاع الأسعار وبقاءها كذلك خلال السنوات المقبلة، مقارنة بما قبل أزمة وباء كوفيد 19.