يأتى النمو الأخضر Green Growth والتنمية المستدامة Sustainable Development على رأس الأجندة السياسية فى مصر.. وتلتزم الحكومة بتعزيز مناخ ملائم للاستثمار لتحويل التحديات البيئية إلى فرص. وعلى مدى العقد الماضى، أحرزت مصر تقدما نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لكن لاتزال التحديات قائمة. فعلى الرغم من أن مصر تُعد من بين أفضل الدول أداءً اقتصاديا فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن النمو السكانى المرتفع وتغير استخدام الأراضى والتلوث وتغير المناخ، يزيد من الضغوط على البيئة الطبيعية فى البلاد. وبالتالى، فإن المزيد من التقدم يتطلب جهودا تحويلية أقوى للانتقال نحو اقتصاد أكثر خضرة.
وفى حين أن انبعاثات مصر منخفضة بالمقارنة الدولية، فإن إجمالى انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى زادت بمعدل أسرع بكثير من المتوسط العالمى، بل من المتوقع أن تتصاعد على مدى العقود المقبلة. وفقا لذلك، حددت الحكومة 3 أهداف خاصة بالقطاعات للحد من الانبعاثات: 37 % للكهرباء، و7 % للنقل، و65 % للنفط والغاز بحلول عام 2030، بشرط الحصول على المزيد من الدعم المالى الدولى. وبالفعل، تم البدء فى تنفيذ «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050».
كما ذكرنا، تتمتع مصر بإمكانات كبيرة لتسريع انتقالها إلى الطاقة النظيفة clean energy، وتستهدف الحكومة زيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة renewable energy إلى 42 % من مزيج إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 12 % فى عام 2022.. بالإضافة إلى التخطيط لإغلاق 5 جيجاوات من قدرة توليد الطاقة (غير الفعالة) من النفط والغاز، وتسهيل الاستثمار الخاص لإنشاء 10 جيجاوات من قدرة الطاقة المتجددة الجديدة.
تطوير نظام النقل:
وبالتوازى مع ذلك، تواصل مصر تحديث شبكات النقل والتوزيع، والاستثمار فى التكنولوجيا الرقمية والبنية التحتية للتخزين. كما أنها تستهدف أن تصبح واحدة من أكبر الدول المصدرة للهيدروجين منخفض الكربون low-carbon hydrogen، والتخطيط لاستكمال أول محطة نووية بحلول عام 2030، وذلك بهدف توفير نحو 3 % من إنتاج الطاقة المتوقع. فى الوقت ذاته، هناك فرص كبيرة للانتقال نحو نظام نقل منخفض الكربون، حيث يمكن أن تكون الاتصالات الحضرية الجديدة أكثر إحكاما لتسهيل الوصول إلى روابط النقل. وبالفعل، اتخذت مصر خطوات لتسريع نظام النقل العام الكهربائى (على سبيل المثال، مونوريل القاهرة).
تقليل تلوث الهواء:
يُعد تلوث الهواء مصدر قلق صحى خطير.. وقد حققت مصر هدفها لعام 2020 بخفض انبعاثات PM10 بنسبة 15 % مقارنة بعام 2015. ولكن، تظل القاهرة الكبرى بؤرة تلوث الهواء، والتى تهدف الحكومة إلى معالجتها من خلال برنامج مخصص لمدة 6 سنوات، تم إطلاقه فى عام 2021. كما اتخذت الحكومة عدة تدابير لتحسين جودة الهواء، من خلال تنظيم الانبعاثات الصناعية، وتحسين إدارة النفايات الصلبة، وترقية وسائل النقل العام، وإدخال الحافلات الكهربائية.
وقد أسهمت هذه الجهود فى إنشاء نظام لجمع قش الأرز، ومنع حرق النفايات الزراعية التى تتسبب فى انبعاثات سامة (السحب السوداء). وهنا، تجدر الإشارة أن تطوير استراتيجية متكاملة للحد من تلوث الهواء، بما فى ذلك أهداف محددة زمنيا وأكثر صرامة للملوثات الجوية الرئيسية.. سيكون بمثابة خطوة مهمة تالية.
إدارة النفايات:
تحتاج البنية التحتية للنفايات والخدمات إلى التعزيز لمعالجة تدفقات النفايات المتزايدة.. فقد أسهم قطاع النفايات بنسبة 8 % من إجمالى انبعاثات الاحتباس الحرارى فى عام 2015. فى هذا الإطار، حققت الحكومة إنجازا مهما بالتصديق على قانون «تنظيم إدارة المخلفات» فى عام 2020، والذى يقدم تدابير للحد من الأكياس البلاستيكية التى تستخدم لمرة واحدة، وشهادة «العلامة الخضراء» للحد من النفايات الصناعية، وتوسيع نطاق المسئولية للمنتجين.
تأمين مياه الشرب:
لا شك أن الاستخدام الأقوى للأدوات الاقتصادية من شأنه أن يساعد فى معالجة ندرة المياه water scarcity، خاصة مع دخول مصر فى مرحلة الفقر المائى، مع أقل 500 متر مكعب للفرد من إمدادات المياه السنوية. لذا، هناك حاجة ماسة إلى حوافز اقتصادية لترشيد استخدام المياه فى الزراعة. وقد جاء قانون «الموارد المائية والرى لعام 2021» كخطوة جادة إلى الأمام لتوحيد المحاولات لتحسين استخدام المياه وحماية جودة المسطحات المائية.
وبالفعل، حققت مصر الوصول الشامل تقريبا إلى مياه الشرب الآمنة منذ أكثر من عقد من الزمن، وفى طريقها لتحقيق الصرف الصحى الأساسى الشامل بحلول عام 2030. أيضا، نجد أن «التعريفات» الخاصة بخدمات المياه والصرف الصحى، لابد أن تعكس التكلفة المالية، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعى لدى المواطنين بقيمة (كأولوية).
أيضا، التزمت مصر بحماية التنوع البيولوجى، حيث بدأت الحكومة فى تحديث استراتيجيتها الوطنية للتنوع البيولوجى، لتعكس الالتزامات بموجب إطار «كونمينج-مونتريال العالمى للتنوع البيولوجي». ومع ذلك، لايزال تنفيذ الالتزامات يواجه تحديات فى العديد من المجالات، بسبب محدودية الموارد المالية والبشرية، فضلا عن ضرورة تعزيز الخبرة المحلية.