رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

ملفات

الغاز الطبيعى.. مصــــر بوابــــــــــة العبور إلى السوق العالمية

12-2-2025 | 14:41

تماشيا مع رؤية مصر 2030، قامت الحكومة المصرية بإطلاق مشروع «تطوير وتحديث قطاع البترول» فى عام 2016، والذى يهدف إلى إجراء عدد من الإصلاحات الهيكلية التى تواكب المتغيرات والتحديات العالمية والمحلية فى صناعة البترول، بما يُسهم فى طموحات التقدم الاقتصادى، وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمى للطاقة من خلال تسييل الغاز الطبيعى (LNG) وإعادة تصديره عبر مصانع إدكو ودمياط، حيث تسعى مصر إلى أن تصبح مركزا لتجارة الغاز الطبيعى بين شمال إفريقيا وأوروبا. تُمثل صناعة البترول والغاز فى مصر 15 % من الناتج المحلى الإجمالى، و31 % من الاستثمار الأجنبى المباشر.. وهو ما يؤكد أهمية قطاع الطاقة للاقتصاد المصرى، فضلا عن هدف الحكومة لتعزيز القطاع وتحفيز الاستثمارات المباشرة.

بعد نيجيريا والجزائر، تُعد مصر ثالث أكبر مُنتج للغاز الطبيعى فى إفريقيا. وعلى الرغم من ذلك، كان التوسع السريع فى الطلب المحلى على الغاز الطبيعى، إحدى أهم القضايا التى واجهتها الحكومة المصرية فى إدارة وإعادة بناء صناعة الطاقة، وتنميتها المستدامة على المدى الطويل. يتم تصدير الغاز الطبيعى عبر شبكات خطوط الأنابيب، وكغاز طبيعى مسال، عملت مصر على إحياء «خط أنابيب الغاز العربي» فى عام 2021، بعد توقفه خلال عام 2011 بسبب الأحداث التى مرت بها المنطقة، وذلك بهدف نقل الغاز المصرى وتصديره إلى دول إقليم شرق المتوسط.

فى الوقت ذاته، يتدفق الغاز الطبيعى المسال فى كلا الاتجاهين عبر قناة السويس، ويُمثل جزءا كبيرا من التجارة العالمية. أيضا، تمتلك مصر محطتين لتصدير الغاز الطبيعى المسال:

(1) محطة دمياط للغاز المسال، وهى واحدة من أكبر وأهم محطات تسييل الغاز الطبيعى فى مصر، وتقع بمحافظة دمياط على ساحل البحر المتوسط، وتشغل المحطة مساحة 1.2 مليون متر مربع، وتبلغ طاقتها الاستيعابية 5 ملايين طن سنويا.

(2) مشروع مشترك بين «إيجاس وشل وبتروناس» بمحطة إدكو لتصدير الغاز.

 

نهج جديد:

ومع ذلك، فى عام 2015، تحولت مصر من مصدِر رئيسى للغاز الطبيعى إلى دولة مستوردة، بسبب انخفاض الإنتاج ونضوب الأصول.. ما دفع الدولة إلى تركيز حوكمة الغاز الطبيعى على أنشطة التنقيب والإنتاج المتنامية للغاز الطبيعى، بالإضافة إلى تسهيل تأمين تراخيص التنقيب والإنتاج، وسداد المتأخرات المستحقة لشركات البترول الدولية. وقد مكنت هذه الاستراتيجية الجديدة من اكتشاف حقول غاز جديدة (مثل حقل ظهر وحقل غرب دلتا النيل وحقول نورس الكبرى وأتول)، ما سمح للدولة بالاكتفاء الذاتى فى الغاز الطبيعى.

بعد هذه الاكتشافات الجديدة، أصبحت هناك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعى فى مصر، فضلا عن توافر البنية الأساسية للتصدير، ما يجعل توسيع إمدادات الغاز ممكنا. وفى عام 2018، تمكّنت الحكومة من الاستفاد من التطوير السريع لحقل «ظهر» العملاق فى البحر الأبيض المتوسط، لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعى، مع توجيه حصة منه إلى السوق العالمى عبر صادرات الغاز الطبيعى المسال.

وفى الفترة التى سبقت مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) لعام 2022، حققت مصر إنجازا دبلوماسيا مهما فى تعزيز التنمية المتزامنة لموارد الغاز الطبيعى والطاقة المتجددة، عندما وقعت اتفاقية مع الاتحاد الأوروبى فى عام 2022، لتعزيز تعاونهما فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعى المسال (LNG)، والهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقة المتجددة بين أوروبا وإفريقيا.

 

الاكتفاء الذاتي:

بالطبع، نجد أن صعود مصر كقوة إقليمية فى مجال الطاقة، يُعد إنجازا كبيرا لأكبر دولة فى الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، والتى طالما عانت من مشكلات اقتصادية، وانقطاع التيار الكهربائى المتكرر. لم تثبت مصر التوافق بين تطوير الغاز الطبيعى وموارد الطاقة المتجددة فى وقت واحد فحسب، بل أظهرت أيضا أن تطوير الغاز الطبيعى يمكن أن يحفز التطوير المتسارع للطاقة المتجددة. وكما ذكرنا، فى عام 2019، وبفضل الإنتاج من رواسب الغاز الطبيعى البحرية.. حققت مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى، وأصبحت مُصدرا صافيا للطاقة فى شكل الغاز الطبيعى المسال. وقد حفز الاكتفاء الذاتى هذا على وجود فائضا قابلا للتسويق من الكهرباء، ومن المتوقع أن ينمو يشكل كبير فى المستقبل القريب، مع تشغيل مشروعات الطاقة المتجددة الإضافية والطاقة النووية فى مصر.

 

همزة وصل عالمية:

فى الوقت ذاته، أدى فائض الكهرباء فى مصر بدوره إلى تطوير الربط الكهربائى مع أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ونظرا لموقعها الاستراتيجى فى شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن مصر فى وضع يسمح لها على المدى الطويل بالاضطلاع بدور مهم فى خدمة أسواق الكهرباء فى 3 قارات.

فقد نتج تحول مصر إلى قوة طاقة إقليمية عن تلاقى 4 عوامل رئيسية خلال السنوات الماضية، بقيادة الرئيس «عبد الفتاح السيسى»، هي: اكتشافات الغاز الطبيعى البحرية الجديدة، والإصلاح المالى، وتطوير موارد الطاقة المتجددة، وبناء شبكات الربط الكهربائى. وكان الحدث الذى غير قواعد اللعبة، ووضع هذه العوامل فى موضع التنفيذ هو اكتشاف حقل الغاز الطبيعى العملاق «ظهر» فى عام 2015، من قبل شركة الطاقة الإيطالية «Eni». ففى عام 2020، شكل حقل «ظهر» 40 % من إجمالى إنتاج مصر اليومى من الغاز.

 

توطين الهيدروجين الأخضر:

فى مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2022 (COP27)، أطلقت مصر استراتيجية طموحة متعددة الأوجه للوفاء بالتزامات البلاد المناخية، بعنوان «استراتيجية الهيدروجين الخضراء»، التى حددت المصادر الرئيسية للطلب المستقبلى على الهيدروجين، بما فى ذلك منتجات الأسمدة، والأمونيا، والميثانول للوقود البحرى وصادرات الطاقة، ووقود الطائرات، والنقل البرى، والسكك الحديدية. وقد تم تخصيص أرض واسعة بالقرب من نهر النيل لتوليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع خطوط نقل مخصصة لتسهيل نقل الطاقة المتجددة إلى مشروع الهيدروجين المخطط له بقيمة 5.5 مليار دولار فى ميناء العين السخنة.

وبالتالى، ستكون مصر قادرة على المنافسة لتصبح مركزا للهيدروجين منخفض الكربون، مستهدفة ما يصل إلى 8 % (10 ملايين طن سنويا) من السوق القابلة للتداول بحلول عام 2040. ومن المتوقع أن تؤدى «استراتيجية الهيدروجين الأخضر» إلى تقليل اعتماد مصر على النفط المستورد وتوفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل.. هذا بالإضافة إلى «الاستراتيجية الوطنية للطاقة»، والتى تتضمن أهدافا لإزالة الكربون وتوليد الكهرباء المتجددة بمقدار 1002 جيجاوات بحلول عام 2035.

 

اقتصاد الهيدروجين:

بفضل موقعها الجغرافى الفريد، وكونها ثانى أكبر موقع فى اتفاقيات التجارة متعددة الأطراف فى العالم.. تربط مصر المستثمرين بالأسواق القائمة والناشئة، ما يؤهلها لأداء دور محورى فى «اقتصاد الهيدروجين». وكما ذكرنا، يقترن موقع مصر بوفرة موارد الطاقة المتجددة والبنية التحتية للغاز الطبيعى والمهارات المرتبطة بها، مع سياسات التمكين القطاعية واستراتيجيات تحلية المياه والمعرفة الصناعية فى إنتاج الهيدروجين والأمونيا والصادرات ذات الصلة. وبالطبع، تقود كل هذه العوامل إلى جعل مصر موقعا رائدا لتطوير اقتصاد الهيدروجين، سواء محليا أو بالنسبة للأسواق المجاورة المُحتملة.

 

عاصمة الهيدروجين:

تعد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZone)، التى تم إطلاقها فى عام 2015، أحد أفضل المجمعات المُحتملة لتوطين وإنتاج الهيدروجين الأخضر، خاصة مع وجود مرافق إنتاج الأمونيا. فمن المتوقع أن تصبح هذه المنطقة الحيوية بمثابة «عاصمة الهيدروجين» فى العالم فى السنوات القليلة المقبلة، حيث تستهدف توطين هذا النوع من الصناعات فى مواقعها المتكاملة بالسخنة وشرق بورسعيد، وذلك للعديد من الأسباب التالية:

(1) قربها من ميناء السخنة/أكبر موانئ البحر الأحمر، وما يشهده الميناء من أعمال تطوير ضخمة تؤهله لاستقطاب العديد من الاستثمارات وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير.

(2) جاهزيتها بصفتها منطقة صناعية، مع الحوافز الاستثمارية التى تقدمها المنطقة الاقتصادية لمستثمريها ضمن استراتيجية بناء الفرصة.

(3) تضم المنطقة الاقتصادية 4 مناطق صناعية، و6 موانئ محورية فى خدمة التجارة العالمية بموقعها على البحرين المتوسط والأحمر.

(4) تستحوذ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على نحو 85 % من مشروعات الهيدروجين الأخضر فى مصر، بسعة إجمالية نحو 10.7 جيجاوات، ما يعنى إنتاجا مستقبليا لمصر نحو 1.5 مليون طن من الهيدروجين الأخضر.

 

اخر اصدار