رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

ملفات

الطاقة المتجددة.. المسار الآمن لتحقيق الرخاء الاقتصادى

12-2-2025 | 14:41

تؤدى الطاقة دورا مهما فى التقدم المالى والاجتماعى والبيئى، الذى يُعد أمرا بالغ الأهمية لتحقيق الاستدامة، وخاصة فى المناطق الناشئة. ويشهد استهلاك الطاقة فى هذه المناطق نموا سريعا بسبب العوامل المتزامنة للتنمية الاقتصادية والنمو السكانى والتصنيع، فوفقا لتقرير وكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يرتفع استخدام الطاقة فى جميع أنحاء العالم بنسبة 19 % بحلول عام 2040. وبالتالى، فإن النفقات المتصاعدة وغير المتوقعة المرتبطة بالوقود الأحفورى، إلى جانب القضية المعقدة المتمثلة فى ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، والتى تنجم فى المقام الأول عن احتراق الوقود الأحفورى وتؤثر سلبا على البشر والتنوع البيولوجى.. ستشكل العقبات الرئيسية فى سياق التقدم فى استهلاك الطاقة.

تحول جذري:

وقد دفع تصاعد المخاوف العالمية المحيطة بأمن الطاقة، إلى ضرورة التحول نحو مصادر الطاقة البديلة alternative energy sources، وخاصة المتجددة. ومن المتوقع أن يُسهِم اعتماد مصادر الطاقة النظيفة، بما فى ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوى والطاقة الكهرومائية - فى الحفاظ على النظم البيئية وتحفيز النمو الاقتصادى وتعزيز فرص العمل.

وفقا لذلك، تعتبر الطاقة المتجددة Renewable energy جزءا مهما من التطور الذى تحققه دول العالم، فهى تؤدى دورا كبيرا فى رفع المستوى الاقتصادى وزيادة الابتكار.. كما أنها تعمل على تقليل تكلفة الإنتاج، وتوفر العديد من البدائل للدولة للاختيار من بينها عند مواجهة موقف معين. هناك العديد من أنواع الطاقة المتجددة، بما فى ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية والهيدروجين والوقود وغيرها من الأنواع الأخرى. لذا، من المتوقع أن تؤدى الطاقة المتجددة دورا حاسما فى موارد الطاقة المستقبلية فى العالم، والتى تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

(1) الوقود الأحفورى، (2) الموارد المتجددة، (3) الموارد النووية.

 

شروط الاستدامة:

بوجه عام، تتحقق التنمية المستدامة Sustainable development عندما تتم التنمية الاقتصادية دون استنزاف أى من الموارد، ما يعنى أن الموارد الحالية سوف يتم استهلاكها دون تقليل فرص الأجيال القادمة. وفيما يتعلق باستخدام الطاقة، يمكن تحقيق شرط «الاستدامة» إذا تمت إعادة تحميل هذه الأنواع من الطاقة، وهذا هو الشرط الأول. بينما يتمثل الشرط الثانى فى ضمان أن أى تحسينات فى التكنولوجيا سوف يُعزز القدرة على تحقيق زيادة فى الموارد. أما الشرط الثالث ينطوى على توفر هذه الموارد على المدى الطويل. وهنا، يمكن تصنيف جميع أنواع الطاقة المتجددة (السالف ذكرها) على أنها طاقة مستدامة.

 

إمكانات هائلة:

فى السنوات الأخيرة، تزايد الطلب على الطاقة المتجددة فى جميع أنحاء العالم، لأنها تحد من التلوث الناجم عن مصادر الطاقة الأخرى، مثل الفحم. وبالتالى، ستساعد الطاقة المتجددة فى تحسين موثوقية إمدادات الطاقة، واقتصاد الوقود العضوى، والتعامل مع مهمة الطاقة المحلية وإمدادات المياه، وتطوير مستوى المعيشة وتوظيف السكان المحليين، والتأكد من وجود تحسن منتظم فى الأماكن البعيدة، مثل الصحراء والجبال. هذا بالإضافة إلى تمكين الاتفاقيات الدولية المبرمة من حماية البيئة فى المستقبل، خاصة مع وجود مشكلات مثل الاحتباس الحرارى العالمى.

فى الوقت ذاته، سيسهم توسيع وإنشاء المزيد من محطات الطاقة المتجددة فى توفير المزيد من فرص العمل، خاصة فى المناطق الفقيرة، ما سيقلل بدوره الهجرة للعثور على فرص عمل فى مناطق أخرى. أيضا، تُعد الطاقة المتجددة بمثابة -خط عمل جديد- سيركز عليه المستثمرين، نظرا لما تتمتع به من مزايا مستدامة.

 

معوقات تحلية المياه:

تاريخيا، كانت هناك العديد من الاستخدامات للطاقة المتجددة، أبرزها: «تحلية المياه water desalination»، والتى تتطلب كميات كبيرة من الطاقة لإجراء عملية فصل الملح عن مياه البحر. وبالتالى، فإن هذه العملية مكلفة للغاية ولا تستطيع سوى دول قليلة فى الشرق الأوسط تحملها. ومع ذلك، من المتوقع أن يزداد إمداد المياه من تحلية المياه بشكل هائل فى السنوات القادمة، ما قد يسبب بعض التحديات، والتى تتعلق بإمدادات الطاقة والقضايا البيئية، مثل التلوث الناجم عن استخدام الموارد غير المتجددة (كالوقود الأحفوري). على سبيل المثال، يتطلب إنتاج 22 مليون متر مكعب يوميا، نحو 203 ملايين طن من النفط سنويا، مع التفكير فى القضايا البيئية الناجمة عن استخدام الوقود الأحفورى.

 

مصادر بديلة:

(1) الطاقة الشمسية:

فى هذا الإطار، نجد أن أحد مصادر الطاقة المتجددة المستخدمة فى هذه العملية، هى تحلية المياه بالطاقة الشمسية، حيث يتم استخدامها لإنتاج المياه العذبة عن طريق تحفيز المطر الذى يُعد المزود الأول للمياه العذبة. علاوة على ذلك، فإن الإشعاع الشمسى يجعل مياه البحر تتبخر ثم ترتفع المياه، وتحركها الرياح وتبرد، ثم يتسبب فى هطول الأمطار وتوليد المياه العذبة. وهنا، يتم استخدام المصادر الموجودة بحرية فى هذه العملية، ما يجعل من السهل إنتاج المياه العذبة. وقد أظهر هذا الحل نجاحا وفاعلية للاستخدام وعدم إضراره بالبيئة.

(2) طاقة الرياح:

أيضا، يُعد استخدام طاقة الرياح Wind energy مفيد جدا، حيث إن تكاليف صيانتها ضئيلة جدا، ونفاياتها قليلة جدا، ولا تكلف الكثير فى تصنيع توربينات الرياح ولها عمر افتراضى طويل.. ولكن، لها أيضا سلبيات مثل أنها قد تسبب تلوث ضوضائى وتضر التربة.

(3) الطاقة الكهروضوئية:

كما أن استخدام الطاقة الكهرومائية Hydro-energy له مميزاته، مثل حماية الأرض من أى تهديدات بالفيضانات، وهى عالية التكلفة (تقدر بنسبة 80 %)، وانبعاثات ثانى أكسيد الكربون قليلة، أى أنها صديقة للبيئة. وأخيرا، يتم استخدام الطاقة الكهرومائية فى شكل سدود، والتى تُعد مفيدة جدا، حيث إنها تتمتع بعمر طويل (تعمل لمدة 100 عام أو أكثر).

(4) الوقود الحيوى:

فى الوقت ذاته، نجد أن البديل المثالى للطاقة المتجددة للبترول والوقود الأحفورى هو «الوقود الحيوى Biofuels». هناك العديد من الإيجابيات لاستخدام الوقود الحيوى، أبرزها، قدرته على التكيف بفاعلية مع التغيرات فى المناخ، وتكلفته وأسعاره معقولة، أى أنه صديق للبيئة ويتسبب فى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة greenhouse emissions. ويرجع ذلك إلى إنتاج كميات أقل من السموم التى تجلبها النباتات. بالإضافة إلى ذلك، يتم إنتاج الوقود الحيوى محليا فى جميع الدول، ومن ثم تقليل تكلفة استيراد الموارد الأخرى. ولكن، فى المقابل، هناك بعض السلبيات لاستخدام هذا النوع من الوقود: فهو يتطلب مساحات شاسعة من الأراضى لتلبية الطلب المحلى على الطاقة، ما قد يؤدى إلى تدمير الموائل الحية، كما أنه يتطلب قدرا هائلا من رأس المال لتقطيره.

 

حراك تجارى واجتماعى:

تظهر أهمية الطاقة المتجددة من حيث تأثيرها على الناتج المحلى الإجمالى، ومعدلات البطالة، فضلا عن انخفاض الإنفاق على الطاقة.. فإذا زاد الاعتماد على الطاقة المتجددة بكفاءة، ستنخفض فواتير الكهرباء بشكل كبير. وبالتالى، فإن توليد الطاقة المتجددة سيزيد من قدرة الدولة على الاكتفاء الذاتى من مصادر الطاقة، ومن ثم تقليل الحاجة إلى استيراد النفط من الدول الأجنبية، وسيكون هناك فائض تجارى يؤدى إلى زيادة النمو الاقتصادى.

 

الشرق الأوسط رائدا فى الطاقة النظيفة:

يؤدى قطاع الطاقة فى الشرق الأوسط دورا رئيسيا فى تحقيق التنمية الاقتصادية، ويؤثر على الاقتصاد العالمى ككل. وخلال السنوات الماضية، أثيرت العديد من المخاوف بشأن الطاقة المتجددة فى دول الشرق الأوسط، خاصة فى ظل تفاقم أزمة الاحتباس الحرارى العالمى ونضوب الوقود الأحفورى. وبصرف النظر عن ذلك، فإن الشرق الأوسط لديه إمكانات كبيرة لتطبيق الطاقة المتجددة بسبب سماته الجغرافية والبيئية. وينطبق هذا بشكل خاص على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومن الأمثلة على الدول ذات الاستهلاك الكبير للطاقة وانبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالية.. الإمارات والسعودية.

وفقا لذلك، اتخذت هذه الدول خطوات جادة فيما يتعلق باستخدام وإنتاج الطاقة النظيفة Clean energy على نطاق واسع من أجل تقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون وتحقيق التنمية المستدامة. على سبيل المثال، استثمرت الإمارات والسعودية وقطر بكثافة مليارات الدولارات فى الخطط والمشروعات لتطوير البدائل فيما يتعلق بقطاع الطاقة. أيضا وضعت مصر والأدرن والمغرب والسعودية استراتيجياتها لتطوير برنامج الطاقة النظيفة للأجيال القادمة، حيث تهدف هذه الدول إلى زيادة قدرتها على توليد الطاقة للحد من (غازات الاحتباس الحرارى) بعد توقيع اتفاقية باريس للمناخ فى عام 2015.

يُعد قطاع الطاقة أحد أهم المساهمين فى التنمية فى مصر، فهو يولد أكثر من 20 % من إجمالى الناتج المحلى، ويعمل به أكثر من 300 ألف شخص (عام 2017). ومنذ عام 2007، واجهت الدولة العديد من العقبات فى هذا القطاع الحيوى، وخاصة فى مجال الكهرباء بسبب الزيادة الهائلة فى استهلاك الكهرباء.. الأمر الذى قاد بدوره إلى زيادة الوعى بشأن الأهمية الحاسمة للطاقة المتجددة. وقد ظهر هذا جليا فى تبنى استراتيجية وطنية جديدة للطاقة المتجددة من خلال خطة الطاقة الشمسية المصرية، والإعلان عن تعريفة التغذية لمشروعات الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتطبيق تخفيض ضريبى على المعدات المتجددة فى عام 2014، وتقديم حوافز ضريبية للطاقة المتجددة فى عام 2015.

 

الرؤية المصرية:

وفقا لرؤية مصر 2030، فإن استخدام الطاقة المتجددة واستخدامها بكفاءة سيكون له تأثير إيجابى على مصر، على وجه الخصوص فيما يتعلق بزيادة فرص العمل والحد من البطالة، وتشجيع الشركات والمؤسسات على الاستثمار فى هذا المجال، ما يؤدى إلى زيادة المنافسة المحلية، وأيضا تحفيز المنافسة بين الدول المختلفة حيث يمكن للمدخلات عالية التقنية اللازمة للطاقة تسريع الصادرات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استبدال الطاقة باستخدام المزيد من الطاقة المتجددة، سيكون له تأثير إيجابى مباشر على الدعم.. حيث إن تقديم المزيد من الدعم لاستثمارات الطاقة المتجددة للتحول من استخدام مولدات الديزل إلى الضخ بالطاقة الشمسية (خاصة فى الزراعة)، سيعطى الفرصة للعديد من الشركات المحلية الصغيرة للتنافس فى هذا المجال.

 

الإدارة الرشيدة:

تعد مصر من الدول التى تشهد نموا سكانيا سريعا بين جميع دول شمال إفريقيا والمنطقة العربية.. وقد أدى هذا الارتفاع الهائل فى عدد السكان إلى حدوث زيادة تلقائية فى الطلب على الطاقة، ما نتج عنه نقص كبير فى موارد الطاقة المحلية. ولكى تكون الدولة قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وضعت الحكومة استراتيجية لتنويع مصادر الطاقة بعنوان «استراتيجية الطاقة المستدامة والمتكاملة»، والتى يمكن تحقيقها بحلول عام 2035، حيث تهدف إلى الحفاظ على قدرة الدولة على توفير كمية الطاقة التى تلبى طلب الناس، وذلك من خلال زيادة تطوير الطاقة المتجددة والاستخدام الفعال للطاقة.

وبشكل عام، تتمتع مصر بوجود العديد من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية والطاقة الكهرومائية. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، نجحت مصر فى تنفيذ واتخاذ العديد من القرارات المثمرة فيما يتعلق باستخدام الأدوات التكنولوجية لمصادر الطاقة المتجددة، وذلك بالتنسيق مع بعض الدول، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة، ما نتج عنه تحسينات مصرية واضحة فى تركيب سخانات المياه الشمسية ومزارع الرياح وتطبيقات الطاقة الكهرومائية فى ضخ المياه وتحلية المياه.

 

أهم مصادر الطاقة النظيفة فى مصر:

الطاقة الكهرومائية:

تُعد الطاقة الكهرومائية Hydropower أحد أقدم مصادر الطاقة المتجددة فى العالم، حيث تُمثل 14 % من إجمالى إنتاج الطاقة. كما أن قدرتها على تخزين الطاقة وتوفير حمولة أساسية مستدامة، على عكس مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، جنبا إلى جنب مع كفاءتها العالية وتكاليف صيانتها المنخفضة وعمرها الطويل.. يجعلها موردا نظيفا يستحق التبنى.

وفى مصر، تعد الطاقة الكهرومائية مصدرا متجددا مهما، والذى تجسد دوره منذ الستينيات فى مشروعات سد أسوان والسد العالى، وكانت قادرة على توفير معظم احتياجات البلاد من الكهرباء حتى الثمانينيات. ويعد نهر النيل هو المرجع الرئيسى للطاقة الكهرومائية، خاصة أسوان، حيث توجد محطات طاقة مختلفة تبلغ قدرتها 2800 ميجاوات. علاوة على ذلك، تساعد محطات الطاقة هذه فى توليد الكهرباء بكمية إجمالية تبلغ 13545 جيجاوات سنويا.

وفى عام 2018، تم إنشاء محطة لتوليد طاقة كهرومائية نظيفة (صديقة للبيئة) فى «أسيوط»، وتتكون من 4 وحدات مائية، قدرة كل وحدة منها 8 ميجاوات. هذا بالإضافة إلى إنشاء محطة «جبل عتاقة» فى عام 2022، والتى تُعد أول محطة فى الشرق الأوسط لتوليد الكهرباء من مياه الصرف الصحى، بسعة 2400 ميجاوات. ومن المتوقع أن تواجه معظم محطات الطاقة الكهرومائية فى مصر، مناخا أكثر رطوبة مع زيادة هطول الأمطار وتدفق المياه، ما سيؤدى إلى تأثيرات إيجابية وسلبية أيضا.

طاقة الرياح:

تُعد مساحة توربينات الرياح عاملا مهما، وتتمتع مصر بموارد الرياح وتعد منطقة خليج السويس من أفضل المواقع عالميا لتوليد طاقة الرياح، نظرا لتوافر سرعات رياح عالية مستقرة بمتوسط 8 إلى 10 م/ث على ارتفاع 100 م. بالإضافة إلى ذلك، يتميز هذا الموقع بوفرة المساحات الصحراوية الشاسعة غير المأهولة بالسكان. وقد تم اكتشاف مناطق جديدة شرق وغرب النيل فى العديد من المناطق، مثل «بنى سويف»، و»المنيا»، و»واحة الخارجة».. حيث تتمتع هذه المناطق بسرعة رياح متوسطة تقدر بين 5 و8 أمتار فى الثانية، وهى مواقع مناسبة لتوليد الكهرباء وضخ المياه.

أيضا، وضعت الحكومة خططا لإنشاء 4 محطات رياح بالكامل حتى عام 2023، وتبلغ سعة الرياح المقدرة لهذه المحطات 2610 ميجاوات. وبالنسبة للخطط المستقبلية، جار تنفيذ مشروعات رياح بقدرة 1750 ميجاوات، ومن المقرر الانتهاء منها عام 2026، أبرزها مزرعة محطة رياح «أمونت» بقدرة 500 ميجاوات، ومشروع البحر الأحمر الخاص بتحالف (أوراسكوم-انجي-تويوتا) بقدرة 650 ميجاوات.

اقتصادات طاقة الرياح:

يعد «الغاز الطبيعى Natural gas» وقودا حاسما لتوليد الكهرباء، ومن المتوقع أن يظل كذلك خلال العقدين المقبلين. وقد أظهرت زيادة أسعار الوقود الأحفورى فى عام 2022، مدى ضعف الدول التى تعتمد عليه لتوليد الطاقة.

فى هذا الإطار، نفذت مصر برنامجا لخفض الأحمال منذ صيف عام 2023، استجابة للضغوط المتزايدة على محطات الطاقة بسبب الطلب المحلى المرتفع. وهنا، نجد أنه عندما لا يكون هناك ما يكفى من «الغاز» لخدمة قطاع الطاقة بشكل كاف، بسبب التزامات التصدير أو الاستخدامات غير المتعلقة بالطاقة.. يؤدى «النفط» دوره كخيار موازنة قصير الأجل. وفيما يتعلق بفرص الموارد الأخرى، لا تمتلك مصر احتياطيات كبيرة من الفحم، مع تحديات التوسع فى الطاقة الكهرومائية، كما أن تطوير محطة الطاقة النووية فى الضبعة قد ينطوى على العديد من التحديات أيضا، مثل التكاليف الأولية المرتفعة واستغراق وقت طويل فى البناء.

وفقا لذلك، فإن زيادة عدد محطات «طاقة الرياح» ستكون مفيدة للغاية فى الأمد القريب والمتوسط. أيضا، تُعد «الطاقة الشمسية الكهروضوئية» بديلا قويا لطاقة الرياح، لأنها تولد كهرباء تضاهى طاقة الرياح. ومنذ عام 2018، اتخذت مصر خطوة جادة نحو الابتعاد عن تمويل المانحين الأجانب، والاتجاه إلى استثمار القطاع الخاص لتطوير مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية. وهنا، يحتاج المستثمرون إلى بيئة مالية جذابة لتحقيق الأرباح. وتبلغ أسعار الطاقة المتجددة 2.5 سنت أمريكي/كيلووات ساعة للطاقة الشمسية، و3 سنتات أمريكية/كيلووات ساعة لطاقة الرياح.. وهو مؤشر إيجابى على اهتمام المستثمرين بالسوق المصرى.

الطاقة الشمسية:

هناك نوعان من الطاقة الشمسية، «الطاقة الشمسية الكامنة latent sun»، والتى تشير إلى استخدام واستغلال الطاقات المباشرة القادمة من الشمس، و»الطاقة الشمسية الديناميكية dynamic solar energy»، والتى تشير إلى استخدام الإشعاع الكهرومغناطيسى للشمس فى إنتاج الطاقة الكهربائية. وقد شهدت الطاقة الشمسية الكهروضوئية solar power PV زيادة ملحوظة من عام 2013 إلى 2023، حيث وصلت إلى 1185 جيجاوات من القدرة المركَبة فى جميع أنحاء العالم.

وتُعد مصر من بين أفضل المناطق فى العالم التى يمكنها استغلال الإشعاع الشمسى للتدفئة الحرارية وتوليد الطاقة. وبالتالى، فإن استفادة مصر من الإشعاع الشمسى يجعلها قادرة على توليد الكهرباء واستخدام الطاقة الشمسية لتطبيقات التدفئة الحرارية الأخرى. فى الآونة الأخيرة، خططت مصر للاستثمار فى بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية فى العالم فى «بنبان» بأسوان، وتقدر تكلفة هذا المشروع بنحو 4 مليارات دولار لإنتاج أكثر من 1.8 جيجاوات من الطاقة. وقد بدأت مراحل تنفيذ مجمع «بنبان» الشمسى فى عام 2015، ونجحت الدولة فى التشغيل التجارى للمجمع فى عام 2018، وافتتحته وزارة الكهرباء فى عام 2019.

وفى عام 2020، بدأت مصر فى التشغيل التجارى لمحطة خلايا فوتوفلطية فى منطقة «كوم أمبو» بأسوان، والتى تعتمد على تحويل الطاقة الحرارية الساقطة من الشمس إلى طاقة كهربائية، ويتم تجميعها فى مجموعة من الخطوط لتوصيلها على الشبكة. وتبلغ قدرة المحطة نحو 26 ميجاوات، وبتكلفة استثمارية وصلت إلى 20.7 مليون دولار. وتتوقع مصر أن تنتج المحطة نحو 53 ألف ميجاوات فى الساعة سنويا، وهو ما يوفر نحو 12 ألف طن نفط مكافئ، ويحد من انبعاثات قدرها 30 ألف طن من ثانى أكسيد الكربون.

وتمتلك مصر محطة شمسية حرارية بمنطقة «الكريمات» بالجيزة، والتى تعتمد على ارتباط الدورة المركَبة بالحقل الشمسى. وتُعد هذه المحطة من بين 3 مشروعات تم تنفيذها فى كل من مصر والمغرب والجزائر. تبلغ قدرة المحطة 140 ميجاوات، وبدأت مصر التشغيل التجارى للمحطة فى عام 2011، بنسبة تصنيع محلى فى المكون الشمسى وصلت إلى 50 %. أيضا، تشهد مصر تنفيذ مشروعات طاقة شمسية جديدة، بعضها تنفذها الحكومة، وأخرى يمتلكها القطاع الخاص، بقدرات تصل إلى 1170 ميجاوات. ومن أبرز تلك المشروعات: محطة خلايا فوتوفلطية بمدينة الغردقة، بقدرة 20 ميجاوات، بالتعاون مع هيئة التعاون الدولى اليابانية (جايكا).. ومحطة خلايا فوتوفلطية بالزعفرانة، بقدرة 50 ميجاوات، بالتعاون مع بنك التعمير الألمانى.

وفى ديسمبر 2024، افتتح رئيس مجلس الوزراء الدكتور «مصطفى مدبولى» أحد أهم مشروعات الطاقة الشمسية «أبيدوس 1» بمدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان، بقدرة 500 ميجاوات، واستثمارات تبلغ 500 مليون دولار. وتم إنشاء المحطة على مساحة شاسعة تبلغ 10 آلاف متر مربع، وتحتوى على أكثر من مليون خلية شمسية، و1920 محولا فرعيا، و64 محطة تحويل إلى جانب المحُولين الرئيسين، وهما الأكبر من نوعهما فى إفريقيا والشرق الأوسط. توفر محطة «أبيدوس» الكهرباء لنحو 256 ألف منزل، وتُسهم فى تقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنحو 760 ألف كيلوجرام سنويا.

وعلى صعيد الخطط المستقبلية، يجرى تنفيذ مشروعات بقدرة 3209 ميجاوات، ومن المقرر الانتهاء منها عام 2026، أبرزها، مشروع «أبيدوس 2» بقدرة 1000 ميجاوات، وتوقيع مذكرة تفاهم لإقامة مشروع للطاقة الشمسية العائمة بقدرة 5000 ميجاوات ببحيرة ناصر (لتصبح أكبر مشروع من نوعه فى العالم)، وتوقيع مذكرة تفاهم لتطوير وإقامة مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 2800 ميجاوات بنجع حمادى.

الكتلة الحيوية:

هى المصدر الأكثر أهمية لتوليد الطاقة من خلال الزراعة، وذلك عندما تتحول المواد الطبيعية إلى طاقة. تُعد عملية تحويل الكتلة الحيوية صديقة للبيئة وقابلة للتطبيق ماليا. فى هذا الإطار، تشتهر مصر بوفرة الموارد التى يمكن استخدامها فى توليد الكتلة الحيوية. تأتى هذه الموارد من النفايات الزراعية أو النفايات الصلبة الحضرية أو الأسمدة الحيوانية. وفى السنوات الأخيرة، تبنت الدولة العديد من التقنيات الجديدة والابتكارات للكتلة الحيوية، مثل التقنيات اللازمة لإنتاج الغاز الحيوى من النفايات الصادرة من الحيوانات، وخاصة فى المناطق الريفية.

وقد أسهم هذا التحول فى توفير فرص عمل جديدة فى مثل هذه المناطق، ومن ثم انخفاض معدل هجرة الشباب من المناطق الريفية إلى الحضرية. تتضمن أهداف التنمية المستدامة: القضاء على الفقر بجميع أشكاله فى العالم، والذى من المقرر تحقيقه بحلول عام 2035.. وكذلك القضاء على الجوع وتوفير إمدادات غذائية كافية وتعزيز الرفاهية.

 

اخر اصدار