رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

الولايات المتحدة تهدد باستعادة قناة بنما بدبلوماسية البوارج الحربية

26-2-2025 | 13:46

كتب – أشرف شهاب

تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وبنما فى ظل محاولات واشنطن الضغط لاستعادة السيطرة على قناة بنما، الممر البحرى الإستراتيجى الذى يربط بين المحيطين الأطلسى والهادئ. تأتى هذه التحركات على خلفية اتهامات أمريكية متكررة بأن القناة باتت تحت سيطرة الصين، وهو ما دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى التهديد باتخاذ إجراءات عسكرية أو اقتصادية لاستعادتها أو على حد قوله: "سنستعيدها، أو سيحدث شىء قوى للغاية". فى المقابل، تؤكد بنما أنها تحافظ على حيادية القناة، وتسمح لجميع السفن بالمرور وفقا للاتفاقيات الدولية. ومع تصاعد الضغوط الأمريكية، يبرز السؤال الأهم: هل ستتمكن بنما من مقاومة الهيمنة الأمريكية أم ستصبح القناة ساحة صراع جديدة بين القوى العظمى؟

 

 

خلال زيارة قام بها يوم الأحد الماضى للدولة اللاتينية الصغيرة، سعى وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، إلى استخدام دبلوماسية البوارج الحربية للضغط على بنما، مكررا المطالب بالهيمنة الأمريكية على القناة بدعم من تهديدات الرئيس ترامب. ولتحييد القلق الأمريكى، وتفاديا لتهديدات القوة العسكرية الأكبر فى العالم، تعهد الرئيس البنمى خوسيه مولينو، بأن سفن البحرية الأمريكية ستتمتع بالمرور الحر. وأكد أن بنما لن تجدد مشاركتها فى مبادرة الحزام والطريق الصينية، فى خطوة فسرها المراقبون على أنها تنازل سياسى لواشنطن. وقالت هيئة عبور قناة بنما إنها ستعمل على تحسين أولوية العبور لسفن البحرية الأمريكية، لكن الوزير الأمريكى، سخر من التعهدات البنمية، وكتب فى منشور على منصة X يوم الاثنين الماضى: "إن إعلان الرئيس مولينو أن بنما ستسمح بانتهاء مشاركتها فى مبادرة الحزام والطريق التى يقودها الحزب الشيوعى الصينى هو خطوة كبيرة إلى الأمام للعلاقات بين الولايات المتحدة وبنما".
الإكراه العسكرى 
وخلال حفل تنصيبه الرئاسى فى 20 يناير الماضى، قال ترامب: "لقد أعطينا القناة لبنما، ونحن نستعيدها". وبعدها أيام قليلة، عاد فأكد تهديداته باستخدام "الإكراه العسكرى" لضم بنما، وكذلك جزيرة جرينلاند الواقعة فى المنطقة القطبية الشمالية التى تسيطر عليها الدنمارك. وقال: "نحن بحاجة إليهما من أجل الأمن الاقتصادى". وضاعف ترامب تهديداته بضم قناة بنما قائلا للصحفيين: "تدير الصين قناة بنما. نحن لم نمنحها للصين، بل منحناها لبنما بغباء، لكنهم انتهكوا الاتفاقية وسنستعيدها، أو سيحدث شىء قوى للغاية".
وفى منشور بتاريخ 21 ديسمبر 2024 اتهم ترامب بنما بفرض أسعار باهظة على السفن العسكرية والتجارية الأمريكية. وقال: "إن الرسوم التى تفرضها بنما سخيفة، خاصة مع العلم بالكرم الاستثنائى الذى منحته الولايات المتحدة لبنما". وأضاف: "إن هذا النهب الكامل لبلدنا سيتوقف على الفور" إذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا، كاملة، ودون أدنى شك. وتابع فى منشور لاحق: "إلى المسئولين فى بنما، يرجى اتباع الإرشادات وفقا لذلك"!
فى اليوم التالى مباشرة، أصدر الرئيس مولينو ردا على ترامب قال فيه: "بصفتى رئيسا، أريد أن أؤكد أن كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها ملك لبنما، وسيظل كذلك. إن سيادة واستقلال بلدنا غير قابلين للتفاوض".
أولوية العبور
وتعتبر قناة بنما هى ثانى أكثر طرق الشحن ازدحاما فى العالم. وتم بناؤها فى الأصل من قبل الولايات المتحدة فى أوائل القرن العشرين، وتم نقل السيادة عليها إلى بنما فى عام 1999 بموجب شروط معاهدة عام 1977. فى السنة المالية 2024 سجلت إجمالى عبور 11.240 للسفن التى نقلت أكثر من 210 ملايين طن من البضائع، وحققت رسوما إجمالية بلغت 3.381 مليار دولار أمريكى. كما لم ترفع بنما رسوم عبور السفن الأمريكية بل تمنحها أولوية العبور عندما يكون ذلك متاحا. وخلال عام 2023 عبرت نحو 3500 سفينة أمريكية القناة بنما، وانخفض العدد فى عام 2024 إلى نحو 3200 سفينة بسبب تأثيرات الجفاف، ومن المتوقع أن يعود العدد إلى 3500 سفينة خلال العام الحالى. ومع ذلك، فإن وجود شركات صينية تدير محطات الشحن عند طرفى القناة يثير الكثير من مخاوف واشنطن من احتمالية استغلال الصين لنفوذها لإغلاق القناة فى حالة نشوب صراع عالمى.
وفى بيانها عن الاجتماع بين روبيو ومولينو، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا قالت فيه: "اتخذ الرئيس ترامب قرارا أوليا بأن الوضع الحالى لنفوذ وسيطرة الحزب الشيوعى الصينى على منطقة قناة بنما يشكل تهديدا للقناة ويمثل انتهاكا لمعاهدة الحياد الدائم وتشغيل قناة بنما. وأوضح الوزير روبيو أن الوضع الراهن غير مقبول وأنه فى غياب التغييرات الفورية، فإنه سيتطلب من الولايات المتحدة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية حقوقها بموجب المعاهدة".
مغالطة احتيالية
ويمكن تصنيف الادعاء الأمريكى بأن بنما تنتهك المعاهدة بأنه مغالطة احتيالية، حيث إن بنما تسمح للسفن التى تحمل جميع الأعلام بالمرور عبر القناة، كما هو محدد فى المعاهدة. والحقيقة أن ما يسعى إليه ترامب هو معاملة تفضيلية للسفن الحربية والسفن والبضائع الأمريكية، ومحاولة الاستيلاء على القناة من أجل فرض حصار على الصين فى حال اتخذ قرارا بشن حرب غير قانونية وعدوانية ضدها.
وقبيل مغادرته إلى بنما، زعم الوزير الأمريكى أن لدى الصين خطة طوارئ لإغلاق قناة بنما فى حالة الحرب مع الولايات المتحدة. وقال روبيو: "إذا طلبت الحكومة فى الصين من هذه الحكومة إغلاق قناة بنما فى حالة صراع، فسوف تضطر إلى ذلك. وفى الواقع، ليس لدى أدنى شك فى أن لديها خطة طوارئ للقيام بذلك. وهذا تهديد مباشر".
وكان ترامب قد نشر تغريدة ساخرة أواخر العام الماضى على منصة التواصل الاجتماعى Truth Social قال فيها إن: "الجنود الصينيين الرائعين يعملون بشكل محبب ولكن غير قانونى فى قناة بنما".
وتستند تهديدات ترامب إلى حقيقة أن محطات الشحن فى نهايات القناة تديرها شركة "هاتشيسون وامبوا"، وهى شركة تشغيل موانى صينية مقرها هونج كونج، وذلك على الرغم من أن حكومة بنما استبقت زيارة وزير الخارجية الأمريكى بإعلانها أنها بدأت تدقيقا فى عمليات هاتشيسون، بما يتماشى مع المطالب الأمريكية.
والحقيقة التى تؤكدها بنما أن الادعاءات الأمريكية تجافى الحقائق الواقعية إذ ليس لدى شركة هتشيسون الصينية أى سيطرة على عبور السفن عبر الميناء، ولا يمكنها منع السفن الأمريكية من عبوره فى حالة الحرب مع الصين.
التهديد الأمريكى باستخدام القوة العسكرية لتأمين الهيمنة على القناة ليس جديدا، ففى عام 1989 غزت الولايات المتحدة بنما لإسقاط حكومة الرئيس مانويل نورييغا بشكل غير قانونى، ما أسفر عن مقتل 500 بنمى.
ذعر بنمى
ويبدو أن التهديدات الأمريكية نجحت فى إثارة الذعر البنمى، ففى مقابلة مع صحيفة بوليتيكو تم نشرها خلال قبل أيام، أبدى الرئيس البنمى السابق إرنستو بيريز بالاداريس، تخوفا جديا من غزو الولايات المتحدة لبنما، قائلا: "أعتقد أنه سيكون هناك العديد من الضحايا من جانبنا". وأضاف: "وسوف تكون هناك إدانة دولية للولايات المتحدة".
ممر إستراتيجى
وتعتبر قناة بنما البالغ طولها 82 كم ممرا إستراتيجيا بالغ الأهمية للولايات المتحدة وحركة التجارة العالمية لعدة أسباب من بينها:
الأهمية الإستراتيجية: حيث تعمل القناة كحلقة وصل حيوية بين المحيطين الأطلسى والهادئ، ما يختصر بشكل كبير مسافة السفر للسفن، فقبل بناء القناة، كان على السفن أن تسافر حول "رأس هورن" فى الطرف الجنوبى لأمريكا الجنوبية، وهى رحلة أطول بنحو 8000 ميل بحرى (15 ألف كم).
التأثير الاقتصادى: القناة ضرورية للتجارة الأمريكية، فنحو 72 % من السفن التى تمر عبر القناة إما تتجه إلى أو تأتى من الموانى الأمريكية، ما يسهل التجارة والنقل الفعال، ويوفر الكثير من الوقت وتكاليف الوقود. ويتيح وقت عبور أقصر لتسليم البضائع، وهو أمر حيوى بشكل خاص للشحنات الحساسة للوقت والصناعات ذات سلاسل التوريد السريعة.
الأمن القومى: تمتد الأهمية الاستراتيجية للقناة لتشمل الأمن القومى والقدرات الدفاعية والمرونة اللوجستية، حيث تلعب القناة دورا حاسما فى دعم حركة السلع المختلفة، وسفن البحرية الأمريكية، والبضائع والحاويات وناقلات المواد الكيميائية، وناقلات النفط والغاز، والمركبات والبضائع، والركاب.

 

اخر اصدار