رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

ملفات

قبل الوقوع في فخ الاحتيال الاستثماري..الذكاء الاصطناعى..سلاح المحتالين الجديد

18-3-2025 | 21:16

كتب: أحمد خيري

 

في مصر لدينا مثلان شعبيان يعكسان جوهر تفكيرنا في عمليات الاستثمار سريع العائد، «الحذر نصف المعيشة» و«من لا يغامر لم يربح»، الأول يحثنا على ضرورة التوخي والحيطة والحذر، بينما يشجعنا المثل الثاني على المغامرة المحسوبة، ولكن مع صدمة التطور الرهيب في الذكاء الاصطناعي أصبحت هذه الأمثال مشكوكا فيها وتتخذ أبعادا جديدة، في ظل انتشار عمليات الاحتيال الاستثماري عبر الإنترنت، فقد بات المحتالون يستخدمون أساليب متطورة لإضفاء مصداقية زائفة على منصاتهم الوهمية، مستغلين شغف البعض بتحقيق أرباح سريعة، وهو ما يجعلنا نقول: «كل ما يلمع ليس ذهبا»، كحكمة يجب أن نتذكرها جيدا، فكم من منصة براقة تبدو واعدة استثماريا، ولكنها في الواقع مجرد فخ محكم يصعب الفرار منه.

 

في هذا الموضوع نتناول بالتفصيل أهم الإحصائيات والأرقام المرعبة لحجم الخسائر عالميا لمثل هذه المنصات، ونستعرض أهم أساليب الاحتيال الاستثماري عبر الإنترنت، وكيفية التعرف عليها وتجنبها، حتى لا نقع فريسة «لصوص المال» الذين يستغلون طيبة القلوب والثقة الزائدة، بعد أن بات خطر الوقوع ضحية لهذه العمليات أمرا واقعا، والخسائر المالية الناجمة عنها فادحة.

 

طرق الاحتيال والنصب

 

من الضروري أن يكون الضحايا على دراية بالأساليب التي يتم تسخيرها من مجرمي الإنترنت، وأن يتوخوا الحذر عند التعامل مع أي فرص استثمارية عبر الإنترنت، والتحقق من مصداقية تلك المنصات قبل إيداع أي أموال، والتحقق من وجود أي مؤشرات أو خطوط حمراء تشير إلى أنها قد تكون عملية احتيال.

غالبا ما تعمل عمليات الاحتيال من خلال مواقع استثمارية احتيالية متطورة، تجذب الضحايا من خلال رسائل البريد الإلكتروني أو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلانات الخادعة. تتضمن إحدى الاستراتيجيات الشائعة تجنيد المستخدمين من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو تطبيقات المراسلة، حيث يروج «الخبراء» أو «المحللون الماليون» أن لديهم فرصا استثمار مضمونه وسريعة الأرباح، وبالبحث عن هؤلاء نجد أغلبهم عبارة عن روبوتات تشارك في محادثات مكتوبة مسبقا، يخلقون وهم الشرعية والربحية، مما يؤدي في النهاية إلى دفع الضحايا إلى إيداع الأموال في منصات استثمارية وهمية.

 

ويستخدم مجرمو الإنترنت في عملهم حملات البريد الإلكتروني لجذب الضحايا، ويعدونهم بعوائد مرتفعة، من خلال روابط لمواقع ويب احتيالية متنكرة في هيئة منصات استثمارية شرعية، وعلى الرغم من أنها تبدو مقنعة، إلا أن هذه المنصات مليئة بعلامات الاستفهام الخطرة الحمراء، بما في ذلك وعود العائد على الاستثمار غير الواقعية وخطط الاستثمار المتدرجة.

 

وقد يجمع المحتالون بين عمليات الاحتيال الاستثمارية والاحتيال على الرسوم المسبقة، ويطلبون مدفوعات مقدمة تحت ذرائع كاذبة، يتم إغراء الضحايا بوعود الوصول إلى أموال كبيرة، فقط ليكتشفوا أنهم وقعوا ضحية لعملية احتيال متطورة.

 

وأحد الأساليب الشائعة هو إنشاء منصات استثمارية مزيفة تبدو احترافية وجذابة، بتقنيات تصميم متطورة لإنشاء مواقع ويب تعرض معلومات مالية مفصلة ولوحات معلومات ذات مظهر احترافي، بغرض خلق وهم بوجود نشاط تجاري مشروع، مما يجعل الضحايا يثقون بها ويستثمرون أموالهم فيها.

 

لكن وراء هذا المظهر البراق تكمن حقيقة مرة، بمجرد أن يستثمر الضحية مبلغا كبيرا من المال ويحاولون سحبه، يبدأ المحتالون في تقديم الأعذار والتأخيرات، وفي النهاية يختفون تاركين الضحية بلا مال على الإطلاق، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى تدابير أمنية سيبرانية وزيادة الوعي بين الأفراد.

إحصائيات وأرقام

 

في شهر يناير من عام 2024، اكتشف خبراء أمن الإنترنت ما يقرب من 13 ألف نطاق لمنصات استثمارية مزيفة، وتمكنوا من حظرها، المخيف أن هذا الرقم يمثل زيادة كبيرة تصل إلي نسبة 25 % مقارنة بشهر ديسمبر 2023، مما يسلط الضوء على الانتشار المتزايد لعمليات الاحتيال الاستثماري عبر الإنترنت.

 

تأتي هذه الزيادة في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف بشأن التهديد المتصاعد لعمليات الاحتيال الاستثمارية عبر الإنترنت، والتي تستمر في استهداف الأفراد، ووفقا لبيانات لجنة التجارة الفيدرالية تسببت عمليات الاحتيال الاستثمارية في خسائر احتيالية تزيد عن 4.6 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها في عام 2023، مما يمثل زيادة مقلقة بنسبة 21 % عن العام السابق.

 

خلال 9 أشهر الأولي من 2024، تم الإبلاغ عن أكثر من 80 ألف عملية احتيال استثماري، مما كلف المستهلكين 3.9 مليار دولار، في حين عام 2023 تم الإبلاغ عن 111 ألف عملية احتيال استثمارية قياسية بخسائر إجمالية بلغت 4.8 مليار دولار.

 

وجاءت أكثر عمليات الاحتيال في مجال العملات المشفرة، فخلال خلال 9 أشهر الأولي من عام 2024، جمع المحتالون مليار دولار من العملات المشفرة، مما يجعلها طريقة الدفع الأكثر ربحية بعد التحويلات المصرفية فقط، وخسر الأمريكيون خلال تلك الفترة 3.9 مليار دولار بسبب الاحتيال الاستثماري والنصب من خلال 83.144 حالة تم الإبلاغ عنها ، تضمنت 78 % خسارة مالية.

الاحتيال الاستثماري

 

علي سبيل المثال شهدت الولايات المتحدة خلال عام 2024 ارتفاعا ملحوظا في عمليات الاحتيال الاستثماري، حيث تصدر الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عاما قائمة الضحايا، حيث تقدموا ببلاغات عن 6.977 حالة احتيال، تكبدوا خلالها خسائر مالية تقدر بـ 203.8 مليون دولار، بمتوسط خسارة يبلغ 4.000 دولار للفرد.

 

وتشير الإحصائيات إلى أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و70 عاما هم الأكثر عرضة للوقوع ضحية لعمليات الاحتيال الاستثماري، مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، ويلاحظ تزايد متوسط الخسارة المالية مع التقدم في العمر، حيث يبلغ متوسط الخسارة 600 دولار للأفراد الذين تقل أعمارهم عن 19 عاما، بينما يرتفع إلى 6.778 دولارا للفئة العمرية بين 40 و49 عاما، ويصل إلى 20 ألف دولار للضحايا الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما.

 

وعلى الرغم من أن متوسط الخسارة يزداد مع التقدم في العمر، فإن إجمالي خسائر الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و59 عاما في الصدارة، حيث بلغت خسائرهم 346 مليون دولار، بينما خسر الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عاما أو أكثر 32 مليون دولار، على الرغم من أنهم تكبدوا أكبر خسارة متوسطة.

 

وتعتبر العملة المشفرة وسيلة الدفع المفضلة للمحتالين في عمليات الاحتيال الاستثماري، فخلال الفترة المذكورة دفع ضحايا 15.584 عملية احتيال استثماري ما يقرب من 558 مليون دولار للمحتالين بالعملة المشفرة، مع انخفاض طفيف مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.

 

كانت عمليات الاحتيال الاستثمارية تمثل 46 % من جميع عمليات الاحتيال التي تنطوي على العملات المشفرة، وكان 55 % من عمليات الاحتيال التي تلقاها المحتالون بالعملات المشفرة من عملية احتيال استثمارية، وفقا لبيانات لجنة التجارة الفيدرالية. وهذا أكثر بكثير من أي فئة أخرى من عمليات الاحتيال.

مؤشرات خطيرة

 

تأتي عمليات الاحتيال الاستثماري بأشكال عديدة، ولكن هناك بعض المؤشرات الخطيرة التي يجب الانتباه إليها منها:

 

- استخدام طريقة الوعود شديدة الإغراء، حيث يجب الحذر من الوعود البراقة بتحقيق أرباح عالية في فترة زمنية قصيرة، وأن تكون فرص الاستثمار تبدو خرافية لدرجة يصعب تصديقها.

 

- استخدام أسلوب الضغط على الضحايا أثناء اتخاذ القرار، فغالبا ما يحاول المحتالون الضغط على الضحايا لاتخاذ قرارات استثمارية سريعة دون إعطائهم الوقت الكافي للتفكير والبحث.

 

- استعمال المعلومات المضللة غير الكافية، فإذا لم يتم تقديم معلومات كافية حول فرصة الاستثمار، أو إذا كانت المعلومات المقدمة غير واضحة أو متناقضة، فقد يكون ذلك علامة على الاحتيال.

 

- التركيز على طرق دفع غير تقليدية، لذا يجب الحذر من فرص الاستثمار التي تتطلب الدفع بالعملة المشفرة أو التحويل المصرفي أو بطاقات الهدايا، حيث يصعب استعادة الأموال في حالة الاحتيال.

 

لذا يجب إجراء البحث قبل الاستثمار في أي فرصة حول الشركة أو المنتج أو العملة المشفرة، والتحقق من مصداقية المعلومات المقدمة حول فرصة الاستثمار، والحذر من الاتصالات غير المتوقعة التي تعد بفرص استثمارية مربحة، أو الاستثمار في أي شيء لا تفهمه.

 

 

 

خسائر هائلة

 

أصدر التحالف العالمي لمكافحة الاحتيال (GASA)، بالتعاون مع Feedzai، تقرير حالة الاحتيال العالمية 2024، والذي يكشف عن رؤى مذهلة حول انتشار وتأثير الاحتيال في جميع أنحاء العالم، استنادا إلى ردود من 58329 شخصا عبر مناطق مختلفة، ويكشف التقرير عن الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تلحقها عمليات الاحتيال بالمستهلكين، حيث قام المحتالون باستنزاف أكثر من 1.03 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم في العام الماضي، وهو رقم ينافس الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول.

 

وعلى الرغم من الجهود الدءوبة لمكافحة هذه الأنشطة تظل عمليات الاحتيال تشكل تهديدا كبيرا ومتزايدا، حيث يتعرض ما يقرب من نصف المستهلكين العالميين لمحاولة احتيال مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وقد تتأثر مناطق معينة بشكل أكبر، حيث تواجه دول مثل البرازيل وهونج كونج وكوريا الجنوبية التعرض للاحتيال بشكل يومي، ودول أخرى مثل فيتنام والمملكة العربية السعودية والصين أبلغت عن انخفاض ملحوظ في مواجهات الاحتيال، مما يشير إلى تقدم في الجهود الوقائية المحلية.

 

ووجد التقرير أن 67 % من المستخدمين على مستوى العالم يشعرون بالثقة في قدرتهم على اكتشاف الاحتيال، مما يعكس نجاح بعض حملات التوعية، ومع ذلك فإن هذا قد يكشف عن الرضا عن الذات، وتشمل البلدان ذات الثقة العالية في اكتشاف الاحتيال الصين بنسبة 84 % وأستراليا 72 %.

 

وسجلت الولايات المتحدة والدنمارك وسويسرا أعلى الخسائر لكل ضحية، حيث بلغ متوسط خسارة الأمريكيين 3520 دولارا، وفي الدول النامية مثل باكستان تأثير الاحتيال أكبر بكثير لدرجة أنه يعادل 4.2 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما أبلغت كينيا وجنوب إفريقيا عن تأثيرات كبيرة على الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6 % و3.4 % على التوالي.

 

 

 

تكتيكات الاحتيال

 

إن صعود الذكاء الاصطناعي في تكتيكات الاحتيال يشكل مصدر قلق متزايد، على الرغم من اختلاف الوعي على مستوى العالم، ففي بلدان مثل اليابان وتايلاند وماليزيا، يظل المواطنون غير مدركين إلى حد كبير للدور الذي قد يلعبه الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال. ورغم أن المحتالين يستغلون المنصات الإلكترونية، ولكن تظل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية هي الوسيلة الأساسية للاتصال الأولي، مع استخدام WhatsApp وInstagram وGmail بشكل متكرر، وفي الفلبين وكوريا الجنوبية والبرازيل، تنتشر عمليات الاحتيال عبر الرسائل النصية القصيرة بشكل خاص، في حين تتزايد عمليات الاحتيال عبر WhatsApp في مناطق مختلفة.

 

 

 

استعادة الخسائر

 

ربما تكون أكثر الأفكار المقلقة من تقرير عام 2024 هي معدل عودة الاموال، حيث تمكن 4 % فقط من ضحايا الاحتيال في جميع أنحاء العالم من استعادة خسائرهم، وتتمتع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأعلى معدلات، ومع ذلك تظل منخفضة على مستوى العالم. ويؤكد التقرير أهمية التعاون العالمي، وتعزيز الوعي العام، لتحقيق عمليات الاسترداد المالي الأقوى، خاصة في ظل تزايد تعقيد عمليات الاحتيال، واستثمار البنوك والمؤسسات المالية في أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي المتقدمة للكشف عن الأنشطة غير العادية وحماية المستهلكين في الوقت الفعلي.

 

 

اخر اصدار