مرفت عبدالعزيز
استطاعت التقنية خلال العقد الأخير أن تلعب دورا بارزا في الاقتصاد، ولا زالت تطوراتها المتلاحقة تقدم يد العون لعالم المال والأعمال في العالم كله، وتمنح الأعمال والصناعات الأقل تطورا الفرصة للحاق بالركب والبدء من حيث انتهي الآخرون.
ومؤخرا شاع استخدام مصطلح العقود الذكية بعد أن أصبحت تقنية البلوك تشين أكثر قدرة على التأثير في مجالات الاقتصاد كافة، وبات باستطاعتها ضمان أكبر قدر من التأمين لهذه القطاعات.
ولتسهيل فهم الأمر ومعرفة سبب ظهور ما يعرف بالعقود الذكية يمكننا القول ببساطة: إن إنجاز أية معاملة يتطلب صياغة عقد وأوراق كثيرة ترتبط بهذا العقد. وإذا كان أطراف هذه المعاملة لا يعرفون بعضهم حق المعرفة يحتاجون إلى وسيط للتوفيق بينهم كأصحاب مصالح مختلفة من ناحية، والإشراف على الصفقة وتسهيل إتمامها من ناحية أخرى. لكن لأن هؤلاء الوسطاء يغالون غالبا في الأموال التي يطلبونها نظير خدماتهم، ظهرت العقود الذكية لتحل هذه المشكلة وتسهل إتمام الصفقة بكل تفاصيلها وتعقيداتها.
سوق العقود الذكية
بعد أن تزايدت شعبية البلوك تشين وبدأ الاعتماد عليها في مختلف الصناعات، باتت العقود الذكية حلا مفضلا لأطراف المعاملات المختلفة، حتى أنه من المتوقع أن يصل حجم السوق العالمية للعقود الذكية إلى ما يقرب من 346 مليون دولار بحلول عام 2026. والعقد الذكي ببساطة هو برنامج مخزن على البلوك تشين يتم تفعيله عند استيفاء المعايير التي تم تحديدها مسبقا، أي أنه يقوم بالتحقق من الاتفاق والتحكم فيه وتنفيذه رقميا وفقا لترتيب محدد مؤتمت، ومن ثم فلا حاجة عندئذ للاستعانة بالوسطاء. فمثلا عند بيع منزل يمكن للعقد الذكي أن يقوم بدور الوكيل العقاري، لأن جميع الشروط قد تمت بالفعل برمجتها مسبقا في الكود، ومن ثم إذا تم استيفاء جميع هذه الشروط تتم الصفقة ببساطة ويؤدي العقد الذكي عمله بسهولة ويعفي أطرافه من دفع العمولة.
ببساطة تقف تقنية البلوك تشين كوسيط بين أطراف الصفقة في العقود الذكية بينما كانت البنوك أو الوكلاء يلعبون دور الوسيط في السابق في المعاملات التقليدية.
منصة إيثريوم
تعتمد الكثير من العقود الذكية على الإيثريوم، وهي منصة لا مركزية مفتوحة المصدر ترتكز على تقنية البلوك تشين مع عملة مشفرة خاصة بها. وإلى جانب المساعدة في تداول العملات المشفرة والأصول الرقمية تتمتع المنصة بقدرات برمجية لمعاملات العقود الذكية وبناء التطبيقات اللامركزية. ويتم حفظ جميع البيانات في كتل أي أنه لا يوجد خادم واحد مخصص لإتمام الأمر. وعقود الإيثريوم الذكية هي الأكثر انتشارا مقارنة بعقود البيتكوين.
آلية العمل
لتسهيل فهم كيفية عمل العقود الذكية يشبهها الخبراء بآلية عمل ماكينات البيع بالقطع النقدية. فعند التعامل مع هذه الآلات يقوم المرء بإدخال المال إلى الآلة ثم اختيار المنتج الذي يروقه ثم الانتظار قليلا حتى تقوم الآلة بالتأكد من أن القيمة المدفوعة تعادل ثمن المنتج ثم تقدم للمشتري المنتج الذي اختاره. تعمل الخوارزميات في هذه الحالة داخل الماكينة كوسيط إذ تقوم بالتأكد من المبلغ المدفوع ومدى صحته، فإن لم تجد أنه مناسب أو صحيح تقوم بإعادته إلى صاحبه ولا تسلمه المنتج. إما إذا كان المبلغ صحيحا وشرعيا قتقدم لمستخدمها ما يريده بسرعة وتحتفظ بالنقود.
وبالمثل يستخدم العقد الذكي نفس المفهوم المعتمد على قاعدة “ “if/when” أي أنه لا يتم تنفيذ هذا العقد إلا عند استيفاء الشروط المحددة سلفا والتحقق منها. وهنا يمكن تضمين كل الشروط الضرورية لضمان أن ترضي الاتفاقية كلا الطرفين دون الحاجة للاستعانة بأطراف ثالثة.
الفوائد:
تتميز العقود الذكية بميزات كثيرة جعلتها مفضلة في أوساط المال والأعمال، على رأس هذه الفوائد:
التأمين: تتميز العقود الذكية بالأمان التام فمن الصعب اختراقها بفضل تشفير معاملات البلوك تشين.
التكلفة: تقلل العقود الذكية من تكلفة التعاقد، وذلك لأنه من البديهي أنه عند إزالة الوسطاء من التعامل وعدم الاحتياج إلى من يقومون بعملية التوثيق أو الوكلاء وغيرهم يتم تقليل المبالغ المدفوعة للعمولات ورسوم الاستشارات وغيرها.
الشفافية: فجميع المستندات مشفرة ومخزنة في مكان آمن، ومن ثم فلا خوف من فقدانها أو سرقتها، كما أن هذه العقود الذكية تتميز بأنه لا يمكن التلاعب بها أو حدوث خطأ في بعض جوانبها. فضلا عن أن اتسام العملية بالشفافية لا يجعل أطراف العملية في حاجة لأشخاص موثوق بهم عند التعامل.
السرعة: لأن العقود الذكية مؤتمتة أي أنه عند استيفاء شرط معين تنتقل للشرط التالي له، فإن هذا الأمر يساعد في سرعة إتمام العقود، لأنها تنفذ بمجرد تحقق الشروط المطلوبة دون الحاجة للأعمال الورقية وضياع الوقت في تصليح أخطاء العمل اليدوي.
الدقة: نظرا لأن العقود الذكية تعمل بشكل تلقائي استجابة للمعايير السابق تحديدها، تقل فرص حدوث الأخطاء وظروف السهو والنسيان، الأمر الذي تقل معه الخلافات وتنعدم فيه ظروف سوء الفهم، وبالتالي تزيد الدقة في تنفيذ العقود.
التكيف: نظرا لإمكانية تصميم العقود الذكية وفقا للمتطلبات الفريدة الخاصة بكل شركة أو عمل على حدة، تنتفي الحاجة لاستخدام قوالب العقود المعدة مسبقا، ويمكن تخصيص الشروط بحسب احتياج الأطراف.
زيادة فرص الاندماج في السوق العالمية: لأن العقود الذكية تعتمد على تقنية البلوك تشين، يسهل على المستخدمين توقيع عقود شراكة مع أطراف من جميع أنحاء العالم، ومن ثم تزيد فرصهم في التعاون وفي الوصول لأسواق جديدة.
في الصناعات
تتميز العقود الذكية بميزات عديدة تجعلها مفضلة في كثير من الصناعات، حتى أن بعض الصناعات تعتمدها حاليا دون تخوف على الرغم من أنه في كثير من الأحيان تحيط الشكوك بالتقنيات ا لجديدة. ومن أبرز الصناعات التي بدأت في تطوير هذه العقود الذكية الرعاية الصحية والتمويل والتأمين والعقارات.
ففي قطاع التمويل: يمكن للعقود الذكية أن تلعب دورا مهما خاصة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، حيث تقلل الوقت اللازم لتسوية القروض إلى النصف وهو أمر لا شك يسعد العملاء. كما أنها في نفس الوقت تقلل التكاليف التشغيلية بفضل زيادة كفاءة العمل، أي أنها تؤدي إلى استفادة جميع الأطراف.
مزيد من التأمين
يحتم الاعتماد على العقود الذكية الحيطة والحذر بدرجة كبيرة، وذلك لأن التقنيات الجديدة غالبا تواجه بعض العقبات عند التنفيذ. ومن أهم القيود التي قد تواجه العقود الذكية:
1 - الاضطرار للتعامل مع العملات المشفرة:
لما كانت العقود الذكية تعتمد على تقنية البلوك تشين، فإن العملات المشفرة كالإيثريوم تستخدم في عمليات الدفع. وهنا يواجه هؤلاء الذين لا يستخدمون في عملهم تقنية البلوك تشين مشكلة حقيقية تحتم عليهم الانتظار حتى يستطيعون التعامل مع هذه التقنية.
2 - حداثة التشريعات:
نظرا لأنه لا توجد سياسة ثابتة لنظام البلوك تشين حتى الآن، تتنوع الأسئلة والاستفسارات الخاصة بالضرائب وكيفية تدخل الحكومة عند حدوث ما لا تحمد عقباه. وهو ما يقلق بعض الشركات ويجعلها مترددة في الاعتماد على العقود الذكية.
3 - عدم المرونة:
بحكم اعتماد العقود الذكية على مبدأ “if/when”، تتراجع المرونة اللازمة لإتمام العقود حيث تقل المساحة المتاحة للتغيير. فالشروط السابق تحديدها في العقد ستبقي قائمة حتى يتم تنفيذ العقد تلقائيا. كما أنه مما يقلل عامل المرونة اعتماد العقد الذكي على الحقائق الموضوعية فقط، الأمر الذي يقلل الأحكام الذاتية ويقلل مرونة الاتفاق.
4 - ثغرات التكويد:
وفقا لمنصة إنفستوبيديا، فإنه في بعض الأحيان قد تكون هناك ثغرات في عمليات التكويد تسمح بتنفيذ العقود بسوء نية.