بقلم:د. محمد البنا - أستاذ الاقتصاد والمالية العامة - جامعة المنوفية
يحتاج الاقتصاد المصرى إلى تضافر مجموعة من العوامل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية المحدقة به خلال الفترة الحالية، حتى يتمكن من تحقيق انطلاقة اقتصادية ينعكس أثرها على المواطنين. وتشمل العوامل الرئيسية لإطلاق العنان لتحقيق تنمية اقتصادية مستقلة ونمو الإنتاجية والصادرات وخلق فرص العمل ما يلى:
(1) إعادة توجيه دور الدولة كداعم لنشاط القطاع الخاص، وليس بديلا عنه، يعد هذا أمرا بالغ الأهمية لاستدامة المالية العامة والمركز الخارجي، وعدم تورط الحكومة فى مشروعات تنموية لا تتوافر لها عوامل النجاح من الإدارة الرشيدة التى لا تتوافر لدى موظفى الحكومة.
وسوف يوفر ذلك للحكومة مجالا لتحسين خدماتها الأساسية من الدفاع والأمن والعدالة، وكسب ثقة الأفراد، وتشجيعهم على الادخار والاستثمار الحقيقى وبناء طاقات إنتاجية فى مختلف مجالات النشاط الاقتصادى.
(2) تهيئة بيئة مواتية لأنشطة الأعمال، تقليص دور الحكومة فى الأنشطة الاقتصادية، والقضاء على البيروقراطية المتجذرة فى الاقتصاد المصرى والتى تأتى على رأس معوقات التنمية وانخفاض مؤشر أداء الأعمال لمصر بشكل ملحوظ، وإصلاح النظام الضريبى، والسعى لكسب ثقة الممولين بالحكومة.
وفى هذا المجال نقترح منهجا مختلفا وأكثر استدامة لزيادة الإيرادات المحلية فى الاقتصاد المصرى، ويرتكز هذا المنهج إلى تعزيز العَقد الاجتماعى وتشجيع الأفراد ومنشآت الأعمال على إضفاء الطابع الرسمى على أنشطتهما الاقتصادية، وبذل مزيد من الجهود بغية تحسين مستوى الإنفاذ، وبناء الثقة عن طريق توليد قيمة اجتماعية لمواطنيها، نظرا لضعف الثقة بالسلطات الضريبية، وضعف الامتثال.
(3) تلبية احتياجات التنمية البشرية، ويمثل مدخلا غير مكلف للخزانة العامة، فى حين يحقق مردودا مهما على مستوى المعيشة، وأول هذه الاحتياجات يتمثل فى إصلاح التعليم، من منظور تنموى، بمعنى تحقيق مجانية ملزمة للتعليم الأساسى لضمان درجة عالية من العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتحسين جودة الحياة أمام الأفراد من خلال إكسابهم قدرا مناسبا من المعرفة والمهارات الأساسية خلال هذه المرحلة العمرية. وضبط التوسع فى الاتجاه التجارى فى التعليم الجامعي، حيث لا تقتصر منافعه على الأفراد، بل له مردود على المجتمع كما أن مخاطره ليست على مستوى مخاطر الأنشطة الانتاجية والخدمية الأخرى.
ثانى هذه المجالات هو نظام التأمين الصحى الشامل، الذى يعتمد فى تمويله أساسا على اشتراكات الأفراد، ومساهمات أرباب الأعمال (والحكومة كرب عمل) وتوفيره للفقراء من خلال نظم الضمان الاجتماعى، والنظر فى تغيير منهجية التطبيق لتسريع التطبيق نظرا لأهميته القصوى فى تحسين جودة الحياة وبناء رأس المال البشرى كمدخل مهم للتنمية.
ثالث هذا المجالات هو شبكة الأمان الاجتماعى وتشمل نظم التأمينات الاجتماعية ودعم الفقراء، فالأول يحتاج تطوير جذرى والتحول إلى نظام التمويل الكلى الذى تطبقه شركات التامين الخاصة، إلى نظام الدفع عند الاستحقاق الذى يتناسب مع نظم التأمينات الاجتماعية، ومن ثم تحرير جانب من أرصدة صناديق التامينات الاجتماعية لرفع مستويات المعاشات وانتشال الكثير منهم من هوة الفقر.
أما المجال الثانى فيتمثل فى التوسع فى تطبيق نظام دعم الفقراء من خلال نظام تكافل وكرامة، وهو مصمم بشكل جيد، حيث يستهدف الفقراء بشكل مباشر، ويوفر درجة عالية من التحفيز على العمل وكسب العيش للمؤهلين لذلك، والاستغناء تماما عند الدعم السلعى الذى يدعم السلع ثم يبحث عن مستحقيه.