“مستريح” أونلاين يحصد 6 مليارات دولار ويهرب
بقلم: إيمان عراقي - رئيس التحرير
يقول المثل “عدة النصاب طماع”، وهذا ما يحدث ويتكرر بشكل دورى فى مصر، وكأن ما فات قد مات، لدينا سِجل أسود لتوظيف الأموال انتهى نهاية درامية بفقد المودعين أموالهم وسجن المحتال أو هروبه خارج مصر، وفى الحقيقة تنتابنى حالة من الدهشة والاستنكار عند تكرار حالات النصب والاحتيال، فما الذى يدفع شخص إلى ترك ماله الذى من المفترض أنه تعب فى الحصول عليه لشخص آخر بحجة الاستثمار، فى الوقت الذى تمنح فيه شهادات البنوك عائدا يصل إلى 27 %؟ حاولت أن أضع نفسى مكانه ولم أجد مبررا واضحا ولم أجد سببا، والأصعب من ذلك أن تحدث حادثة أخيرة النصاب فيها منصة إلكترونية، فإذا كان الأشخاص لديهم رصيد من الثقة وخاصة فى القرى والأرياف التى تحرم فوائد البنوك، فما الذى يدفع شخصا للثقة بمنصة قد تغلق أبوابها فى لحظة وتهرب، وهذا ما حدث؟
نصب إلكترونى
تعرض أكثر من مليون شخص، من بينهم مصريون، لعملية احتيال كبرى نفذتها منصة FBC الإلكترونية، ما أدى إلى خسائر مالية تجاوزت 6 مليارات دولار. وتسببت هذه العملية فى تكبيد أعداد كبيرة من المستثمرين على المنصة خسائر كبيرة، إذ وقعوا ضحية لوعود كاذبة بالثراء السريع، من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعى.
وظهرت منصة FBC كمنصة استثمارية عبر الإنترنت، مدعية تقديم فرص ربحية مغرية من خلال تنفيذ مهام يومية بسيطة مقابل عوائد مالية مرتفعة. تم إطلاق التطبيق على متجرى جوجل وأبل فى فبراير الجارى واستقطب نحو 15 ألف مستخدم قاموا بتنزيله، حيث اعتمدت المنصة على نظام اشتراكات، يختار المستخدم فيها باقة استثمارية معينة، منها باقة للمشتركين المصريين بقيمة 11,200 جنيه مصرى تتيح للمستثمر ربح 490 جنيها يوميا ومكافأة قدرها 5,000 جنيه، مع إمكانية تنفيذ 35 مهمة يوميا.
اعتمد المحتالون على استراتيجيات تسويقية جذابة، مستخدمين مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى للترويج للمنصة، ما أكسبها مصداقية خادعة. وبالإضافة إلى ذلك، استغلوا رغبة الكثيرين فى تحسين أوضاعهم المالية بسرعة، ما جعلهم فريسة سهلة لهذه العملية الاحتيالية.
وخلال الأسبوعين الأخيرين، حذرت تقارير على شبكات التواصل الاجتماعى من أن منصة FBC قد تكون استمرارا لمنصات احتيالية سابقة، مثل PHD، التى احتالت على مستثمرين فى الأردن بملايين الدنانير. وفضلا عن ذلك، أشار موقع BrokerChooser إلى أن شركة Different Choice Fbc Inc، المرتبطة بالمنصة، غير منظمة من قبل هيئات مالية ذات معايير صارمة، ما يزيد من مخاطر التعامل معها.
وبعدما خدعت منصة FBC العديد من المواطنين واستولت على أموالهم، تقدم المئات من الضحايا فى عدة محافظات مصرية ببلاغات رسمية ضد إدارة المنصة، متهمين إياها بالاحتيال والاستيلاء على أموالهم. وأفاد بعض الضحايا بأنهم باعوا ممتلكاتهم واستدانوا للاستثمار فى المنصة، على أمل فى تحقيق أرباح سريعة. وأوضح أحد الضحايا، على منصة “إكس”، أنه استثمر مبلغا كبيرا من المال بعد مشاهدة إعلانات مغرية تعد بعوائد مرتفعة، لكنه فوجئ بإغلاق المنصة واختفاء أمواله، ما أدى إلى تدهور حالته المالية والنفسية.
تاريخ أسود
التاريخ الأسود لشركات توظيف الأموال بدأ منذ مطلع الثمانينيات، الذى كان قد شهد ظهور هذا النشاط بقوة، لما اتسم به هذا العقد من انخفاض أسعار الفائدة بالجهاز المصرفى، وارتفاع أسعار الذهب وركود السوق العقارى، فضلا عن الركود الاقتصادى بصفة عامة، لضعف أوجه الاستثمار، وقد كانت تلك الظروف الاقتصادية الصعبة مناخا مناسبا لظهور هذا النشاط الذى اجتذب السواد الأعظم من رءوس الأموال المتوسطة والصغيرة نظير عائد شهرى أو سنوى تجاوز أحيانا 3 % شهريا، وقد استظل القائمون على هذا النشاط تحت عباءة الدين والأرباح الإسلامية، واستطاعوا اجتذاب الآلاف من المودعين والاستيلاء على مئات الملايين من أموالهم، والتى بلغت أكثر من مليار و600 ألف دولار، وتمكنوا من النفاذ إلى شخصيات سياسية ودينية واقتصادية، كما وجدوا دعما حكوميا آنذاك من وزراء عملوا مستشارين قانونيين لديهم، وحصلوا أيضا على فتاوى العديد من المشايخ الذين لهم مكانتهم وتأثيرهم فى المجتمع.
ومن أشهر قضايا توظيف الأموال قضية الريان التى بدأت حين اكتشفت الحكومة أن أموال المودعين التى حصل عليها الريان وأسرته ضاربوا فى البورصات العالمية، وحولوا جزءا كبيرا منها إلى بنوك فى الولايات المتحدة ودول أوروبا، وبلغ ما تم تحويله طبقا للأرقام المعلنة رسميا والتى كشف عنها المدعى العام الاشتراكى وقتها 3 مليارات و280 مليون جنيه، وظلت مشكلة المودعين دون حل ولم يحصل أغلبهم إلا على 5ـ% فقط من مستحقاتهم دون فوائد.
أيضا أشرف السعد وهو رجل أعمال مصرى مقيم فى لندن، وكانت الحكومة المصرية قد فرضت الحراسة على ممتلكاته لمدة 15 سنة، وهو رئيس مجموعة السعد للاستثمار وصاحب إحدى أكبر شركات توظيف الأموال، وقد وصلت قيمة الأموال التى يديرها إلى نحو 23 مليار دولار. من الريان والسعد إلى الشريف والهدى وغيرها من شركات توظيف الأموال التى استطاعت نهب أموال البسطاء والطامحين إلى مستقبل أفضل بدعوى توظيفها تحت مظلة الدين، وقد راح ضحية هذه الشركات الكثير والكثير من المواطنين الأبرياء.
ضحايا أم شركاء
يمكننى تقدير موقف من تم التلاعب بأموالهم فى الثمانينيات وفى ظل ثقة عمياء لأشخاص تستروا بالدين والحرام والحلال وربما نجحوا فى تحقيق أرباح قوية وقتها، وفى ظل صمت الحكومة وتركهم حتى حدثت كوارث النصب واكتملت أركان الجريمة، أما الآن ونحن فى عام 2025 لا أجد أى مبرر مقبول لمثل هؤلاء، وقنوات الاستثمار كثيرة ومتعددة، منها الذهب والفضة والاستثمار فى البورصة والاستثمار فى منتجات البنوك الكثيرة، وهنا يصعب على أى نصاب الحصول على أموال، لأن المفترض أن هناك سوابق تجعل الثقة بأى شخص أو منصة أمرا ساذجا ولا يمكن تبريره، لأن السبب الوحيد فى الجرى خلف هذه المصادر هو الطمع فقط.
فى مقابل العائد المالى يتم إخفاء الموضوع كله، ولا يبلغون عنهم إلا حينما تقع المصيبة ما بين هروب النصاب، أو عدم إمكانية الوفاء بتلك الفائدة لعدم وجود مشروعات حقيقية تعود بتلك الفائدة المرتفعة، لأنه غالبا ما يدعى أنه يعمل بالأشياء الهامشية التى تحقق ربحا سريعا مثل التليفونات المحمولة وكروت الشحن وتجارة الأغذية المحفوظة وأعمال البورصة وتجارة الأراضى والمضاربة فيها، ويصدقه أصحاب الأموال الذين يرغبون فى الربح السريع دون مجهود من ناحيتهم.
كلام القانون
فى ظل تزايد جرائم الاحتيال الإلكترونى، سعى المشرع المصرى إلى تشديد العقوبات على مرتكبى هذه الجرائم، حيث أقرَّ قانون مكافحة جرائم الإنترنت عقوبات لمرتكبى جرائم الاحتيال الإلكترونى وسرقة أموال المواطنين فى الفضاء الإلكترونى. وينص القانون على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه، ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات فى الوصول دون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الإلكترونية.
ووفقا لتعديلات مقترحة على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، تم مناقشتها فى أواخر عام 2024 بمجلس النواب المصرى، يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من ارتكب جريمة النصب باستخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال عبر شبكة الإنترنت. وفى حال توجيه الطرق الاحتيالية إلى الجمهور دون تمييز، ما يترتب عليه استيلاء الجانى على مبالغ مالية كبيرة أو وقوع الجريمة على مجموعة من الأشخاص، تكون العقوبة السجن المشدد. وبالإضافة إلى ذلك، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من شرع فى ارتكاب جريمة النصب الإلكترونى.