بقلم: محمود عبد العظيم
الأسواق كائنات حية تتنفس وتنمو وتمرض وتتفاءل وتكتئب، لذلك تؤدى العوامل النفسية الإيجابية والشعور بالاستقرار دورا مهما فى دعم تماسك وتوازن الأسواق ونظرتها للمستقبل ومساعدة الفاعلين والأطراف الرئيسية فى هذه الأسواق على التخطيط السليم واتخاذ القرارات الرشيدة.
فى المقابل تؤدى العوامل النفسية السلبية دورا مماثلا فى صناعة الفوضى والارتباك فى الأسواق وتعزيز حالة عدم اليقين والخوف من المستقبل، ومن ثم تكون قرارات اللاعبين الرئيسيين فى مثل هذه الأسواق المتشائمة حذرة ويصبح الميل إلى الانكماش أكثر من الرغبة فى التوسع.
الخلاصة أن الأسواق تعيش بالأمل وتنتعش وتنمو عندما ينجح متخذ القرار الاقتصادى فى صناعة هذا الأمل ولاسيما فى الأوقات الصعبة وفى ظل حالات الاضطراب السياسى أو العسكرى مثل تلك الحالات التى تمر بها منطقتنا منذ عدة سنوات.
وبالتطبيق على الحالة المصرية يمكن القول وباطمئنان شديد إن المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة استطاعت الاحتفاظ بروح الأمل فى إمكانية تحسن الأوضاع، الأمر الذى دعم تماسك الاقتصاد حتى الآن رغم مروره بأكبر عمليات تدخل جراحى فى نصف القرن الأخير والمتمثلة فى ثلاث عمليات تعويم للعملة دون كوارث كبرى.
فالمؤشرات العامة للاقتصاد الكلى لاتزال تمنحنا الأمل، خاصة فى الأشهر الأخيرة، فنحن نحقق نموا فى المتوسط يتراوح بين 3.5 و4 % سنويا. صحيح أن هذا المعدل لا يلبى الطموح فى بلد يحتاج إلى 7 % نموا على الأقل كمتوسط لمدة عشرين عاما متصلة حتى يكسر حواجز الفقر والعجز والبطالة وتحقيق قدر من رغد العيش للناس.
لكن نصف النمو المطلوب أفضل من اللانمو، ولاسيما إذا نظرنا إلى العوامل السلبية التى أحاطت بنا فى السنوات الثلاث الأخيرة، وهى كلها عوامل معرقلة.
والتضخم على مسار نزولى، رغم مخاوف البعض من إمكانية حدوث انتكاسة أو تباطؤ لهذا النزول، والمركزى فى اجتماعه الأخير يقرر تثبيت سعر الفائدة فى تصرف يتسم بالحكمة إلى حد كبير، ولم يخضع لضغوط بعض الدوائر الاقتصادية ويسارع ببدء سياسة التيسير النقدى، بل فضل التريث والحذر، حيث تلوح فى آفاق الاقتصاد العالمى أشباح حرب تجارية كبرى على وقع سياسات وتصريحات وقرارات الرئيس الأمريكى التى يفاجىء بها العالم كل صباح.
وعمليات التصنيع المحلى للبديل المستورد تحقق تقدما لا يمكن إنكاره، ولنا فى صناعة السيارات مثال كاشف، وفجوة الميزان التجارى تنكمش تدريجيا بفضل نمو الصادرات الإجمالية وتراجع الواردات باستثناء السلع الرئيسية والوقود، بينما يتمتع سوق الصرف وإتاحة الدولار بقدر لا بأس به من الاستقرار النسبى، وامتصت الأسواق والمنتجون الزيادات الطفيفة التى حدثت لسعر الدولار فى نهاية العام الماضى.
على الجانب الآخر نشهد كل يوم عمليات توسع استثمارى سواء من كيانات محلية عملاقة أو من شركات أجنبية تدق أبواب السوق المصرى طمعا فى استهلاك واسع وقوة شرائية لا بأس بها.
كل هذه الإشارات تبرهن دون شك على أن عملية صناعة الأمل فى السوق المصرى نجحت بامتياز ومنعت تفشى اليأس ودفعت الشركات بل الأفراد للصمود، ما ضمن استمرار عمليات البيع والشراء والتبادل التجارى فى أحلك الأوقات وحافظ على دوران ماكينات المصانع ومنع تسريح جانب من العمال وعزز ثقافة التحدى لدى المنتجين الذين بات معظمهم لا يعمل أو ينتج من أجل السوق المحلى فقط، بل يعمل وعينه على الأسواق الخارجية والتصدير ولاسيما فى بعض القطاعات الواعدة مثل قطاعات الملابس الجاهزة والأسمدة والبتروكيماويات والكابلات وغيرها.
من ثم يمكننا القول إننا تجاوزنا المراحل الأصعب وإن القادم مهما كان لن يكون أسوأ مما مررنا به.
إنها صناعة الأمل التى ندين جميعا لها بالامتنان.