رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

الأسواق وصناعة الأمل

19-3-2025 | 21:11

بقلم: محمود‭ ‬عبد‭ ‬العظيم‭ ‬

الأسواق‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬تتنفس‭ ‬وتنمو‭ ‬وتمرض‭ ‬وتتفاءل‭ ‬وتكتئب،‭ ‬لذلك‭ ‬تؤدى‭ ‬العوامل‭ ‬النفسية‭ ‬الإيجابية‭ ‬والشعور‭ ‬بالاستقرار‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬فى‭ ‬دعم‭ ‬تماسك‭ ‬وتوازن‭ ‬الأسواق‭ ‬ونظرتها‭ ‬للمستقبل‭ ‬ومساعدة‭ ‬الفاعلين‭ ‬والأطراف‭ ‬الرئيسية‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬السليم‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الرشيدة‭.‬

 

فى‭ ‬المقابل‭ ‬تؤدى‭ ‬العوامل‭ ‬النفسية‭ ‬السلبية‭ ‬دورا‭ ‬مماثلا‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬الفوضى‭ ‬والارتباك‭ ‬فى‭ ‬الأسواق‭ ‬وتعزيز‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬قرارات‭ ‬اللاعبين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬المتشائمة‭ ‬حذرة‭ ‬ويصبح‭ ‬الميل‭ ‬إلى‭ ‬الانكماش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬التوسع‭.‬

الخلاصة‭ ‬أن‭ ‬الأسواق‭ ‬تعيش‭ ‬بالأمل‭ ‬وتنتعش‭ ‬وتنمو‭ ‬عندما‭ ‬ينجح‭ ‬متخذ‭ ‬القرار‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬هذا‭ ‬الأمل‭ ‬ولاسيما‭ ‬فى‭ ‬الأوقات‭ ‬الصعبة‭ ‬وفى‭ ‬ظل‭ ‬حالات‭ ‬الاضطراب‭ ‬السياسى‭ ‬أو‭ ‬العسكرى‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬التى‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬منطقتنا‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭.‬

وبالتطبيق‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬وباطمئنان‭ ‬شديد‭ ‬إن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬استطاعت‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بروح‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬إمكانية‭ ‬تحسن‭ ‬الأوضاع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬دعم‭ ‬تماسك‭ ‬الاقتصاد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬مروره‭ ‬بأكبر‭ ‬عمليات‭ ‬تدخل‭ ‬جراحى‭ ‬فى‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭ ‬الأخير‭ ‬والمتمثلة‭ ‬فى‭ ‬ثلاث‭ ‬عمليات‭ ‬تعويم‭ ‬للعملة‭ ‬دون‭ ‬كوارث‭ ‬كبرى‭.‬

فالمؤشرات‭ ‬العامة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الكلى‭ ‬لاتزال‭ ‬تمنحنا‭ ‬الأمل،‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فنحن‭ ‬نحقق‭ ‬نموا‭ ‬فى‭ ‬المتوسط‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬3‭.‬5‭ ‬و4‭ % ‬سنويا‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المعدل‭ ‬لا‭ ‬يلبى‭ ‬الطموح‭ ‬فى‭ ‬بلد‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬7‭ % ‬نموا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬كمتوسط‭ ‬لمدة‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬متصلة‭ ‬حتى‭ ‬يكسر‭ ‬حواجز‭ ‬الفقر‭ ‬والعجز‭ ‬والبطالة‭ ‬وتحقيق‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬رغد‭ ‬العيش‭ ‬للناس‭.‬

لكن‭ ‬نصف‭ ‬النمو‭ ‬المطلوب‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬اللانمو،‭ ‬ولاسيما‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬العوامل‭ ‬السلبية‭ ‬التى‭ ‬أحاطت‭ ‬بنا‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهى‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬معرقلة‭. ‬

والتضخم‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬نزولى،‭ ‬رغم‭ ‬مخاوف‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬حدوث‭ ‬انتكاسة‭ ‬أو‭ ‬تباطؤ‭ ‬لهذا‭ ‬النزول،‭ ‬والمركزى‭ ‬فى‭ ‬اجتماعه‭ ‬الأخير‭ ‬يقرر‭ ‬تثبيت‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬فى‭ ‬تصرف‭ ‬يتسم‭ ‬بالحكمة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬ولم‭ ‬يخضع‭ ‬لضغوط‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ويسارع‭ ‬ببدء‭ ‬سياسة‭ ‬التيسير‭ ‬النقدى،‭ ‬بل‭ ‬فضل‭ ‬التريث‭ ‬والحذر،‭ ‬حيث‭ ‬تلوح‭ ‬فى‭ ‬آفاق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى‭ ‬أشباح‭ ‬حرب‭ ‬تجارية‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬سياسات‭ ‬وتصريحات‭ ‬وقرارات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬التى‭ ‬يفاجىء‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬كل‭ ‬صباح‭.‬

وعمليات‭ ‬التصنيع‭ ‬المحلى‭ ‬للبديل‭ ‬المستورد‭ ‬تحقق‭ ‬تقدما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره،‭ ‬ولنا‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬مثال‭ ‬كاشف،‭ ‬وفجوة‭ ‬الميزان‭ ‬التجارى‭ ‬تنكمش‭ ‬تدريجيا‭ ‬بفضل‭ ‬نمو‭ ‬الصادرات‭ ‬الإجمالية‭ ‬وتراجع‭ ‬الواردات‭ ‬باستثناء‭ ‬السلع‭ ‬الرئيسية‭ ‬والوقود،‭ ‬بينما‭ ‬يتمتع‭ ‬سوق‭ ‬الصرف‭ ‬وإتاحة‭ ‬الدولار‭ ‬بقدر‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬النسبى،‭ ‬وامتصت‭ ‬الأسواق‭ ‬والمنتجون‭ ‬الزيادات‭ ‬الطفيفة‭ ‬التى‭ ‬حدثت‭ ‬لسعر‭ ‬الدولار‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضى‭.‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬نشهد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عمليات‭ ‬توسع‭ ‬استثمارى‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬كيانات‭ ‬محلية‭ ‬عملاقة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬أجنبية‭ ‬تدق‭ ‬أبواب‭ ‬السوق‭ ‬المصرى‭ ‬طمعا‭ ‬فى‭ ‬استهلاك‭ ‬واسع‭ ‬وقوة‭ ‬شرائية‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الإشارات‭ ‬تبرهن‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬صناعة‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬السوق‭ ‬المصرى‭ ‬نجحت‭ ‬بامتياز‭ ‬ومنعت‭ ‬تفشى‭ ‬اليأس‭ ‬ودفعت‭ ‬الشركات‭ ‬بل‭ ‬الأفراد‭ ‬للصمود،‭ ‬ما‭ ‬ضمن‭ ‬استمرار‭ ‬عمليات‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬والتبادل‭ ‬التجارى‭ ‬فى‭ ‬أحلك‭ ‬الأوقات‭ ‬وحافظ‭ ‬على‭ ‬دوران‭ ‬ماكينات‭ ‬المصانع‭ ‬ومنع‭ ‬تسريح‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬وعزز‭ ‬ثقافة‭ ‬التحدى‭ ‬لدى‭ ‬المنتجين‭ ‬الذين‭ ‬بات‭ ‬معظمهم‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬أو‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السوق‭ ‬المحلى‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يعمل‭ ‬وعينه‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬الخارجية‭ ‬والتصدير‭ ‬ولاسيما‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الواعدة‭ ‬مثل‭ ‬قطاعات‭ ‬الملابس‭ ‬الجاهزة‭ ‬والأسمدة‭ ‬والبتروكيماويات‭ ‬والكابلات‭ ‬وغيرها‭.‬

من‭ ‬ثم‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬تجاوزنا‭ ‬المراحل‭ ‬الأصعب‭ ‬وإن‭ ‬القادم‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬مررنا‭ ‬به‭.‬

إنها‭ ‬صناعة‭ ‬الأمل‭ ‬التى‭ ‬ندين‭ ‬جميعا‭ ‬لها‭ ‬بالامتنان‭.‬

اخر اصدار