57.4 %حصة الدولار فى احتياطيات البنوك المركزية
36.22 تريليون دولار حجم الدين الفيدرالى الأمريكي
50 %نسبة احتمال خفض الاحتياطى الفيدرالى لأسعار الفائدة فى 2025
إعداد: شريفة عبد الرحيم
يبدو أن استخدام الرئيس الأمريكى الرسوم التجارية كأداة للتفاوض بات سلاحا ذا حدين، تارة يصعد بالدولار عندما يفرض تعريفات جديدة، الذى يضر فى الوقت نفسه بالمصدرين الأمريكيين، ثم يهبط بتراجع ترامب وتأجيل تنفيذ تهديداته، والذى يقوض تجارة الدولار.
فما مستقبل العملة الأمريكية فى ظل حالة عدم اليقين المهيمنة، التى تفرضها سياسات الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمى؟
كانت الأسواق تخمن «هل سيفعل أو لا؟» بشأن الرسوم الجمركية منذ تولى ترامب منصبه الشهر الماضى. وفى حين كان رد الفعل الأولى فى سوق الأوراق المالية حذرا، فإن المناخ يتغير حيث أصبحت السياسات مشوشة مع التأخيرات والاستثناءات المختلطة بالخطاب العدوانى.
وأوضح أندرو سليمون، مدير الاستثمار فى بنك «مورجان ستانلى» أنه نظرا لأن المستثمرين يدركون أن التعريفات الجمركية لن تكون عقابية كما هو متوقع، فهى أخبار جيدة مقارنة بالتوقعات.
تهديدات ترامب.. ضجيج بلا طحن
ضمن سلسلة تهديدات الرئيس الأمريكى، هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 % على مجموعة بريكس «الميتة» إذا «لعبت بالدولار».
وتعمل سياسة التهديد، بحرب الرسوم الجمركية هذه الأيام على إثارة الاضطراب فى أسواق الصرف العالمية. وكما صاغها تقرير مجلة «فورتشن» مؤخرا، فإن صعود الدولار نتيجة لتهديدات ترامب تدفع العملات الأخرى إلى السقوط الحر.
معاناة أسواق الصرف مع تهديدات ترامب
قبل تراجعه وتأجيل تنفيذ قراره، ارتفع الدولار الأمريكى مع فرض ترامب تعريفات جمركية على كندا والمكسيك والصين، ما أثار اضطرابات فى السوق. فوصل اليوان إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، وتراجع اليورو، وانخفضت العملات العالمية، مع تنامى مخاوف من انكماش حاد فى التجارة العالمية.
وتعرض اليورو، على وجه الخصوص، لضغوط، حيث انخفض بنسبة 2.3 % إلى 1.0125 دولار فى وقت ما، مع تصاعد المخاوف بشأن الرسوم الجمركية المحتملة، فى ظل تأكيد ترامب على أن الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبى قادمة، رغم أنه لم يحدد جدولا زمنيا.
وحاليا يتركز قلق الأسواق فى التأثير المحتمل لتلك التعريفات الجمركية على التجارة العالمية والتضخم، فمن المتوقع أن تدفع الرسوم الجمركية التضخم فى الولايات المتحدة إلى الارتفاع، وبالتالى بقاء أسعار الفائدة الأمريكية أعلى لفترة أطول، ما يساعد فى دعم الدولار. وربما يؤدى ذلك إلى إعادة تقييمات الأسواق، حيث حددت أسعار العقود الآجلة احتمالات خفض مجلس الاحتياط الفيدرالى لأسعار الفائدة العام الجارى بنسبة 50 % فقط.
فى نهاية المطاف، يعتمد التأثير المحتمل لحرب تجارية ثانية على العملات على نطاق وتنفيذ أى رسوم جمركية جديدة. ولا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين يحيط بالنهج الذى قد تتبناه إدارة ترامب، بما فى ذلك ما إذا كانت استراتيجية التعريفات ستكون مستهدفة بطبيعتها للتفاوض على شروط التجارة وحماية الملكية الفكرية، أو استخدامها كتعويض واسع النطاق للإيرادات لبنود سياسية أخرى. وبغض النظر عن ذلك، فإن التوترات التجارية لن تكون سوى جزء واحد من اللغز الذى يحرك أسواق العملات برأى الخبراء.
فتظل عوامل أخرى، وخاصة فروق أسعار الفائدة، حاسمة لمسار الدولار الأمريكى مقابل العملات الرئيسية مثل اليورو والجنيه الإسترلينى، التى تعافت إلى ما دون مستويات ذروتها فى عام 2019 فى غضون سبعة أشهر.
وهنا يلفت محللون إلى أهمية إدراك المستثمرين بالمخاطر التى ربما تتعرض لها عملات الأسواق الناشئة الأكثر تأثرا، حيث يستغرق معظمها أكثر من ثلاث سنوات للعودة إلى مستويات الذروة، وبعضها، مثل اليوان الصينى، لا يتعافى بشكل كامل أبدا.
يذكر أن مؤشر الدولار الأمريكى ارتفع بنسبة 10 % خلال فترة الإعلان عن الرسوم الجمركية فى عام 2018 و4 % فى عام 2019. وشملت القوى الإضافية المؤثرة على العملات رفع أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياط الفيدرالى فى عام 2018 والتخفيضات اللاحقة فى عام 2019، وتوقعات النمو الأضعف فى الصين وأوروبا ومفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
الدين والعجز أكبر تهديد للدولار
يقدر الدين الفيدرالى الأمريكى بنحو 36.22 تريليون دولار، وفقا لبيانات وزارة الخزانة. أما العجز التجارى فبلغ 98.43 مليار دولار فى ديسمبر 2024.
وبرأى خبراء استطلعت آراءهم مجلة «إيكونومست»، فإنه فى ظل الإدارات الرئاسية القليلة المقبلة، سوف يتضخم الدين الفيدرالى الأمريكى إلى ما يتجاوز قدرة الحكومة على خدمته، وربما يتجاوز حتى «سذاجة» دائنى البلاد. وتوقعوا أنه فى السنوات المقبلة، سوف تنخفض قيمة الدولار، أو إعادة هيكلة الديون، أو كليهما.
ويؤكد خبراء «جى بى مورجان لإدارة الأصول» أن العجز المستمر فى الميزان التجارى للولايات المتحدة، الذى بلغ 4.2 % من الناتج المحلى الإجمالى اعتبارا من سبتمبر 2024، يشكل قيدا طويل المدى، ما يسلط الضوء على التحدى الهيكلى الذى ربما يضغط على العملة فى النهاية.
من ناحية أخرى حذر الخبراء أن الدولار القوى يمكن أن يضر بأداء الشركات فى الولايات المتحدة، الذى يؤثر على أسهم تلك الشركات، حيث يمكن أن يؤثر صعود العملة سلبا على الشركات الأمريكية ذات الانكشاف الدولى الكبير والمصدرين الأمريكيين حيث يزيد الدولار القوى من تكلفة البضائع خارج الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، ارتفاع الدولار بنسبة 7 % تقريبا، من أدنى مستوى له وكان فى سبتمبر الماضى، يهدد شركات التكنولوجيا الكبرى، وهى التى تتمتع بتقييمات عالية، عززت السوق الصاعدة لمؤشر إستاندرد آند بورز 500، لمدة عامين بفضل نمو أرباحها.
حتى مع تأجيل الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك، فإن التحوط ضد الدولار قوى، ويشهد ارتفاعا هو الأعلى منذ عامين، بسبب سياسات الرئيس دونالد ترامب.
ويشعر المستثمرون بالقلق بشأن تأثير ارتفاع العملة، فالدولار القوى يقلل من الطلب على الصادرات وقيمة الأرباح فى الخارج.
ويذكر أنه عندما ارتفع الدولار أكثر من 25 % فى منتصف عام 2014، ثم مرة أخرى بالقدر نفسه بين عامى 2021 و2022، شهدت الشركات المدرجة فى «مؤشر ستاندرد آند بورز 500» ركودا فى الأرباح، كما ساهم ارتفاع الدولار بنسبة 10 %، بالإضافة إلى حرب التعريفات الجمركية فى مطلع عام 2018 خلال إدارة ترامب الأولى، فى تحقيق ضربة أخرى لأرباح الشركات، وانخفاض لاحق بنسبة 20 % فى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فى ذلك العام.
من ناحية أخرى، تراهن بنوك وول ستريت، بما فى ذلك «جولدمان ساكس» و»جيه بى مورجان»، على استمرار صعود الدولار، ويقول خبراءها إنه لا يزال هناك الكثير من الأموال التى يمكن جنيها من شراء الدولار. وتوقع خبراء «جولدمان ساكس» أن يكسر الدولار التعادل مقابل اليورو. كما يتوقع خبراء «جيه بى مورجان» أن يبلغ سعر صرف العملة الأمريكية نحو 1.50 دولار كندى للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما.
وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية
فقد الدولار الأمريكى بعضا من قوته، كعملة احتياطية عالمية، بين العديد من العملات الاحتياطية التى تحتفظ بها البنوك المركزية. وكانت حصته تتراجع لسنوات عديدة مع قيام البنوك المركزية بتنويع حيازاتها إلى أصول مقومة بعملات أخرى غير الدولار، وكذلك سبائك الذهب، لكن مع ذلك، يظل الدولار عملة الاحتياط العالمية المهيمنة.
بعدما انخفضت حصة الدولار فى الاحتياطيات العالمية إلى أدنى مستوى منذ 30 عاما، إذا استمر معدل الانخفاض الذى كان عليه على مدى السنوات العشر الماضية، فإن حصــــــــة الدولار ستنخفض إلى أقل من 50 % بحلول عام 2034.
فحصة احتياطيات النقد الأجنبى المقومة بالدولار الأمريكى انخفضت إلى 57.4 % من إجمالى احتياطيات النقد الأجنبى، وهو أدنى مستوى منذ عام 1994، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولى للربع الثالث من عام 2024. وتشمل احتياطيات النقد الأجنبى المقومة بالدولار سندات الخزانة الأمريكية، والأوراق المالية للوكالات الأمريكية، وسندات الرهن العقارى الأمريكية، وسندات الشركات الأمريكية، والأسهم الأمريكية، وغيرها من الأصول المقومة بالدولار الأمريكى التى تحتفظ بها البنوك المركزية بخلاف مجلس الاحتياط الفيدرالى.
يذكر أنه فى الربع الأول من عام 2015، كانت حصة الدولار لا تزال 66 %. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، انخفضت حصة الدولار فى العملات الاحتياطية العالمية بنحو 8.6 %.
الجدير بالذكر هنا أن سندات الخزانة الأمريكية بمأمن، فحيازات البنوك المركزية الأجنبية وغيرها من الحائزين الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية فى زيادة، فعلى مدار الـ12 شهرا الماضية، اشترى الأجانب سندات خزانة بنحو 880 مليار دولار، لتصل حيازاتهم إلى مستوى قياسى قدره 8.67 تريليون دولار، وفقا لبيانات وزارة الخزانة.وارتفعت احتياطيات البنوك المركزية من احتياطيات النقد الأجنبى المقومة بجميع العملات، بما فى ذلك الدولار الأمريكى، إلى 12.7 تريليون دولار.
ويستثنى من الإجمالى حيازات أى بنك مركزى من الأصول المقومة بعملته الخاصة، مثل حيازات مجلس الاحتياط الفيدرالى من سندات الخزانة وسندات الأوراق المالية المدعومة بالدولار، وحيازات البنك المركزى الأوروبى من السندات المقومة باليورو، وحيازات بنك اليابان من الأصول المقومة بالين.
ووفقا لصندوق النقد الدولى، ارتفعت حيازات البنوك المركزية من الذهب خلال العقد الحالى إلى 1.16 مليار أوقية -ما يقرب من 3.08 تريليون دولار.