بقلم : محمود عبد العظيم
ثمه أنشطة اقتصادية جديدة وغير تقليدية تبدو مبشرة جدا فى مصر هذه الأيام، بعضها أثبت نجاحا ضمن تجارب تنموية لبلدان أخرى، وبعضها الآخر لم يقابل مثل هذا النجاح.
هذه الأنشطة تتوزع على جناحين، الأول هو تلك الخدمات المالية غير المصرفية التى أصبحت تعتمد اعتمادا كليا على منتجات التكنولوجيا الرقمية وتحليل البيانات، ومن ثم اكتسبت المسمى الذى باتت تعرف به تجاريا، وهو مسمى شركات التكنولوجيا المالية.
أما الجناح الثانى فهو المعروف بالشركات الناشئة أو شركات ريادة الأعمال، وهى تلك الشركات التى تعتمد فى عملها على تقديم أنشطة جديدة تسد ثغرات قائمة بالفعل فى السوق وتلبى احتياجات قطاعات واسعة من المستهلكين أو تكمل سلاسل الإمداد والتوريد لأنشطة اقتصادية تقليدية قائمة أو تسهم فى تحسين تقديم منتجات أو خدمات هذه الأنشطة أو تخفض من تكلفتها النهائية.
وإذا كانت الدراسات العالمية تشير إلى أن 90 % من الشركات الناشئة تواجه صعوبات التعثر ولا تنجح فى استكمال مسيرتها لأسباب متنوعة قد تكون تمويلية أو نقص خبرات أو ضعف نظم إدارتها، فإنه على ما يبدو أن التجربة المصرية فى مجال ريادة الأعمال ربما تنجو من هذا المصير ولو نسبيا مقارنة بدول أخرى.
هذا الرهان يستند إلى عاملين أساسين، الأول هو طبيعة المرحلة التى يمر بها الاقتصاد المصرى حاليا وهى تعد مرحلة تحول مفصلى كبير، وهو تحول يجعل من وجود هذه الشركات أمرا ضروريا لاستكمال حلقات الأنشطة المختلفة ضمن المنظومة الاقتصادية العامة، والثانى هو طبيعة ومهارات الكادر البشرى المصرى الذى تقوم على إبداعه وأفكاره مثل هذه الشركات الناشئة.
فالسوق المصرى يمتلك مزايا نسبية إلى حد كبير فى هاتين النقطتين، فالاقتصاد فى مرحلة نمو، بل يحتاج إلى المزيد من النمو فى السنوات القادمة لتلبية احتياجات السكان، والكوادر البشرية المصرية لاتزال -رغم ملاحظاتنا على مستوى العملية التعليمية- مميزة، مقارنة بالكوادر المثيلة فى البلدان المجاورة، الأمر الذى يعنى فى نهاية المطاف أن ثمة فرصا سانحة فى هذا المجال يجب عدم إفلاتها، بل الإمساك بها وتنمية جوانب القوة فيها، حتى يمكن أن تحدث فارقا فى الواقع الاقتصادى للبلاد ولاسيما أن مثل هذه الأنشطة كفيلة بأن تؤدى دورا ملموسا فى استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل كل عام، وهم بالملايين، خاصة من بين خريجى الجامعات الذين ترتفع فى تخصصاتهم معدلات البطالة.
إذن هذه الأنشطة سواء فى مجال التكنولوجيا المالية أو فى مجال ريادة الأعمال هى بمثابة عملاق مصرى نائم تحت الماء، مهمة الدولة والمجتمع والمؤسسات الاقتصادية والتمويلية إتاحة الفرصة لهذا العملاق أن يطل برأسه ولو قليلا فوق الماء، حتى نراه ومن ثم يتنفس وينمو ويمشى عملاقا حقيقيا فى الأسواق.
السؤال: ماذا ينقص حتى نحقق هذا الهدف الكبير؟!
أشياء كثيرة منها ضرورة توفير التمويل المناسب بالسرعة والتكلفة المعقولة ومنها التدريب بكل أشكاله، حتى لا تتعثر هذه التجارب المبشرة ومنها الدعم الفنى المساند الذى يجنب الأخطاء ويختصر المراحل ويصوب القرارات ويصنع بيئة عمل إيجابية، وفقا لنظم الحوكمة المتعارف عليها دوليا.
ومنها قبل كل ذلك وبعده رؤية وسياسة حكومية داعمة ومشجعة سواء على صعيد الإجراءات التنظيمية أو التيسيرات الضريبية، ومنها دور مطلوب لمؤسسات القطاع الخاص كبير الحجم والمنظم فى احتضان هذه التجارب فيما يعرف بحاضنات الأعمال، لأن نجاح مثل هذه التجارب يصب فى نهاية المطاف فى خدمة هذا القطاع الخاص الكبير.
هو عملاق نائم تحت الماء بالفعل علينا جميعا مسئولية مد يد العون له حتى يفيض خيرا ونماء على البلاد والعباد.