رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

من ينقـــــذ “رأس حنكـــوراب”؟

6-4-2025 | 13:21

بقلم: ثابت‭ ‬أمين‭ ‬عواد

كما‭ ‬تتمتع‭ ‬مصر‭ ‬وتشتهر‭ ‬بآثارها‭ ‬الخالدة،‭ ‬فهى‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬السياحة‭ ‬البيئية‭ ‬والمحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمتلكه‭ ‬أحد،‭ ‬فهما،‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه،‭ ‬يحققان‭ ‬تميزا‭ ‬لبلدنا،‭ ‬تؤكده‭ ‬استفتاءات‭ ‬الآخرين‭ ‬التى‭ ‬صنفتها‭ ‬بأنها‭ ‬الأفضل‭ ‬والأكثر‭ ‬تفردا‭ ‬وجمالا،‭ ‬إقليميا‭ ‬وعالميا،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭.‬

الحديث‭ ‬هنا‭ ‬حول‭ ‬شواطئنا‭ ‬ومحمياتها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬التى‭ ‬تتعرض‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬لانتهاكات‭ ‬وتعديات‭ ‬مخالفة‭ ‬للقانون‭ ‬وللطبيعة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬لـ”رأس‭ ‬حنكوراب”‭ ‬بمحمية‭ ‬وادى‭ ‬الجمال‭ ‬بالبحر‭ ‬الأحمر‭.‬

 

هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬البديعة‭ ‬والخلابة،‭ ‬تعرف‭ ‬هناك‭ ‬باسم‭ ‬“إم‭ ‬شرم‭ ‬اللولى”،‭ ‬وهى‭ ‬تشكل‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والشهيرة‭ ‬باسم‭ ‬“رأس‭ ‬حنكوراب”‭ ‬وهو‭ ‬شاطئ‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬60‭ ‬كم‭ ‬جنوبى‭ ‬مرسى‭ ‬علم‭ ‬بمحافظة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬ويتميز‭ ‬بتنوعه‭ ‬البيولوجى‭ ‬الفريد،‭ ‬وأنظمتها‭ ‬البيئية‭ ‬وشعابه‭ ‬المرجانية‭ ‬فائقة‭ ‬الندرة‭.‬

فقد‭ ‬تحول‭ ‬المشهد‭ ‬الهادئ‭ ‬هناك‭ ‬مع‭ ‬تواجد‭ ‬السلاحف‭ ‬شديدة‭ ‬الحساسية،‭ ‬والدلافين‭ ‬الوديعة،‭ ‬وموائل‭ ‬الأحياء‭ ‬البرية‭ ‬والمائية‭ ‬ومنها‭ ‬المهدد‭ ‬بالانقراض،‭ ‬وغابات‭ ‬المانجروف،‭ ‬إلى‭ ‬ضجيج‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬الجرافات‭ ‬والأوناش،‭ ‬وهو‭ ‬مشهد‭ ‬نفاجأ‭ ‬به،‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭ ‬نتعايش‭ ‬معه،‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬محمياتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إرادتنا،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬التعديات‭ ‬على”محمية‭ ‬الغابة‭ ‬المتحجرة”‭ ‬بالقاهرة‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬سنوات‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬فى‭ ‬“رأس‭ ‬حنكوراب”،‭ ‬أثار‭ ‬جمعية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬“هيبكا”،‭ ‬التى‭ ‬نبهت‭ ‬بأن‭ ‬المنطقة‭ ‬تواجه‭ ‬خطرا‭ ‬جسيما‭ ‬بسبب‭ ‬تعديات‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬تهدد‭ ‬النظام‭ ‬البيئى‭ ‬الفريد‭ ‬للمنطقة،‭ ‬وهذا‭ ‬الشاطئ،‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬مهددا‭ ‬بسبب‭ ‬مشروع‭ ‬يجرى‭ ‬تخصيصه‭ ‬لحساب‭ ‬منشآت‭ ‬خاصة‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬معدات‭ ‬البناء‭ ‬فى‭ ‬الحفر‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬لإنشاء‭ ‬مطاعم‭ ‬واستراحات،‭ ‬وغيرها‭.‬

أيضا‭ ‬تقدمت‭ ‬النائبة‭ ‬د‭. ‬مها‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬بطلب‭ ‬إحاطة‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬ووزيرى‭ ‬السياحة،‭ ‬والبيئة،‭ ‬حول‭ ‬التعديات‭ ‬السافرة‭ ‬التى‭ ‬تحدث‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬محمية‭ ‬وادى‭ ‬الجمال،‭ ‬كما‭ ‬نظم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬جمعيات‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬فى‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬حملة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬شاطئ‭ ‬حنكوراب،‭ ‬أغنى‭ ‬المناطق‭ ‬بالتنوع‭ ‬البيولوجى‭ ‬والبيئى‭.‬

أما‭ ‬وزارة‭ ‬البيئة‭ ‬فقد‭ ‬وصفت‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بأنه‭ ‬“تطوير‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية”،‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬قالت‭ ‬فيه‭ ‬جمعيات‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬بالبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬إنه‭ ‬“مخالفة‭ ‬لقانون‭ ‬حماية‭ ‬المحميات”‭ ‬و”خطر‭ ‬جسيم”‭ ‬يهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬واستدامة‭ ‬الشاطئ،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬التعديات‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬تمثل‭ ‬تهديدا‭ ‬للنظام‭ ‬البيئى‭ ‬للمنطقة،‭ ‬إذ‭ ‬يمنع‭ ‬قانون‭ ‬المحميات‭ ‬رقم‭ ‬102‭ ‬لسنة‭ ‬1983،‭ ‬تنفيذ‭ ‬أى‭ ‬إنشاءات‭ ‬داخل‭ ‬المحميات‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬طبيعتها‭ ‬البيئية‭ ‬الفريدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬لديها‭ ‬إجابات‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬التطوير‭ ‬ونوعه‭ ‬ومداه،‭ ‬كما‭ ‬لديها‭ ‬أيضا‭ ‬“دراسة‭ ‬تقييم‭ ‬الأثر‭ ‬البيئى”‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬هناك‭.‬

‮ ‬ولعل‭ ‬نشر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬“دراسة‭ ‬تقييم‭ ‬الأثر‭ ‬البيئى”،‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬الراهن،‭ ‬والمشروعات‭ ‬المحتملة‭ ‬مستقبلا،‭ ‬يحقق‭ ‬الوعى‭ ‬المنشود‭ ‬نحو‭ ‬حماية‭ ‬الطبيعة‭ ‬وصيانة‭ ‬مواردنا‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وقد‭ ‬يساهم‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬عبر‭ ‬الجمعيات‭ ‬المعنية‭ ‬المتخصصة‭ ‬مثل‭ ‬“جمعية‭ ‬كتاب‭ ‬البيئة‭ ‬والتنمية”‭.‬

لدى‭ ‬وزيرة‭ ‬البيئة‭ ‬د‭. ‬ياسمين‭ ‬فؤاد‭ ‬تجربة‭ ‬إيجابية‭ ‬لدمج‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬فى‭ ‬محيط‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬بيئية‭ ‬لهم‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬بسانت‭ ‬كاترين‭ ‬بجمع‭ ‬النباتات‭ ‬الطبية،‭ ‬وفى‭ ‬الفيوم‭ ‬ووادى‭ ‬الجمال‭ ‬بتقديم‭ ‬الصناعات‭ ‬الحرفية‭ ‬والبيئية،‭ ‬وتتحقق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬والاهتمام‭ ‬برفع‭ ‬الوعى‭ ‬بأهمية‭ ‬الاستخدام‭ ‬الرشيد‭ ‬للمحميات‭ ‬ومواردها،‭ ‬ويمكن‭ ‬لـ”جمعية‭ ‬كتاب‭ ‬البيئة‭ ‬والتنمية”‭ ‬المساهمة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

ولاشك‭ ‬أن‭ ‬تحسين‭ ‬علاقة‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬بالمحميات،‭ ‬عبر‭ ‬تنمية‭ ‬الإنسان‭ ‬وتوفير‭ ‬سبل‭ ‬الحياة‭ ‬المناسبة،‭ ‬له‭ ‬الأولوية‭ ‬للبدء‭ ‬بالمشروعات‭ ‬التى‭ ‬تدر‭ ‬عائدا‭ ‬ماديا‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المحلية،‭ ‬لتساهم‭ ‬فى‭ ‬تنمية‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ثم‭ ‬يليها‭ ‬صون‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجى‭ ‬والنظم‭ ‬البيئية،‭ ‬حيث‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬هى‭ ‬الحارس‭ ‬الأول‭ ‬للمحميات،‭ ‬ومنطقة‭ ‬“حنكوراب”‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬أبناء‭ ‬قبيلة‭ ‬العبابدة،‭ ‬على‭ ‬حرفة‭ ‬الصيد‭ ‬والرعى‭ ‬والسياحة،‭ ‬وتعمل‭ ‬النساء‭ ‬بالمنطقة‭ ‬بعمل‭ ‬والحرف‭ ‬المشغولات‭ ‬البيئية‭ ‬اليدوية‭.‬

خلال‭ ‬رحلة‭ ‬عمل‭ ‬فى‭ ‬العاصمة‭ ‬الكينية‭ ‬نيروبى‭ ‬العام‭ ‬الماضى،‭ ‬شاهدنا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬الطبيعة‭ ‬وغابات‭ ‬السفارى‭ ‬والحدائق‭ ‬الوطنية،‭ ‬هناك،‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬المقدسات‭ ‬ولا‭ ‬نقاش‭ ‬حولها،‭ ‬والأهم‭ ‬هو‭ ‬سرعة‭ ‬وحسم‭ ‬وإزالة‭ ‬أى‭ ‬تشوهات‭ ‬تحدث‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬انتظار‭ ‬فى‭ ‬معالجة‭ ‬الأخطاء‭ ‬وإزالة‭ ‬التعديات‭ ‬عليها،‭ ‬حيث‭ ‬يقولون‭ ‬هناك‭: ‬“العدل‭ ‬البطىء‭ ‬ظلم”‭.‬

وقد‭ ‬يعد‭ ‬وضع‭ ‬لائحة‭ ‬أو‭ ‬مدونة‭ ‬سلوك‭ ‬بيئية‮ ‬‭- ‬Environmental Code of Conduct”‭ ‬ملزمة‭ ‬للمحميات‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وأيضا‭ ‬فإنها‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬مبدأ‭ ‬“الحوكمة‭ ‬الرشيدة”‭ ‬فى‭ ‬أرجائها،‭ ‬ونأمل‭ ‬ألا‭ ‬تحدث‭ ‬تعديات‭ ‬أخرى‭ ‬لرءوس‭ ‬محميات‭ ‬أخرى،‭ ‬فاليوم‭ ‬رأس‭ ‬حنكوراب،‭ ‬ونتمنى‭ ‬ألا‭ ‬يصل‭ ‬التعدى‭ ‬إلى‭ ‬“رأس‭ ‬محمد”،‭ ‬أو”رأس‭ ‬بناس”‭.‬

نعم،‭ ‬تحتاج‭ ‬كنوزنا‭ ‬الطبيعية‭ ‬إلى‭ ‬التطوير‭ ‬والاستثمار،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنها‭ ‬تختلف‭ ‬وتتميز‭ ‬وتتفرد‭ ‬وتمتلك‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬الكثير،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬هذا‭ ‬التطوير‭ ‬والاستثمار‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬خصوصيتها،‭ ‬ولانقول‭ ‬احتراما‭ ‬لروعتها‭ ‬وجمالها،‭ ‬ولكن‭ ‬احتراما‭ ‬لقانون‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬المحلية،‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬التى‭ ‬وقعت‭ ‬عليها‭ ‬مصر‭ ‬لحماية‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجى‭.‬

مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنى‭ ‬لديه‭ ‬رؤى‭ ‬واقتراحات‭ ‬لبلورة‭ ‬وصياغة‭ ‬خطط‭ ‬برامج‭ ‬ومشروعات‭ ‬مستدامة‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬محميات‭ ‬مصر،‭ ‬كما‭ ‬يمتلك‭ ‬“المرونة”‭ ‬فى‭ ‬تقديم‭ ‬الرؤى‭ ‬والمعالجة،‭ ‬والمساهمة‭ ‬فى‭ ‬التنفيذ،‭ ‬مقارنة‭ ‬بباقى‭ ‬أطراف‭ ‬المعادلة،‭ ‬فاليوم‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬وادى‭ ‬الجمال،‭ ‬وقد‭ ‬نفاجأ‭ ‬غدا‭ ‬بتعديات‭ ‬جديدة‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بمحمياتنا‭ ‬الثلاثين‭ ‬المترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬فى‭ ‬طول‭ ‬القطر‭ ‬وعرضه،‭ ‬فنحن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الحل‭ ‬وسلوكنا‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬الحل‭. ‬

اخر اصدار