بقلم: ثابت أمين عواد
كما تتمتع مصر وتشتهر بآثارها الخالدة، فهى تمتلك من موارد السياحة البيئية والمحميات الطبيعية ما لا يمتلكه أحد، فهما، بفضل الله سبحانه، يحققان تميزا لبلدنا، تؤكده استفتاءات الآخرين التى صنفتها بأنها الأفضل والأكثر تفردا وجمالا، إقليميا وعالميا، فى كل المستويات.
الحديث هنا حول شواطئنا ومحمياتها الطبيعية، التى تتعرض من وقت إلى آخر، لانتهاكات وتعديات مخالفة للقانون وللطبيعة، كما حدث مؤخرا لـ”رأس حنكوراب” بمحمية وادى الجمال بالبحر الأحمر.
هذه المنطقة، البديعة والخلابة، تعرف هناك باسم “إم شرم اللولى”، وهى تشكل رأسا على ساحل البحر الأحمر والشهيرة باسم “رأس حنكوراب” وهو شاطئ يقع على بعد 60 كم جنوبى مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، ويتميز بتنوعه البيولوجى الفريد، وأنظمتها البيئية وشعابه المرجانية فائقة الندرة.
فقد تحول المشهد الهادئ هناك مع تواجد السلاحف شديدة الحساسية، والدلافين الوديعة، وموائل الأحياء البرية والمائية ومنها المهدد بالانقراض، وغابات المانجروف، إلى ضجيج بعد وصول الجرافات والأوناش، وهو مشهد نفاجأ به، من وقت لآخر نتعايش معه، فى بعض محمياتها الطبيعية على الرغم من إرادتنا، وكان آخرها التعديات على”محمية الغابة المتحجرة” بالقاهرة منذ نحو 3 سنوات.
ما حدث ويحدث فى “رأس حنكوراب”، أثار جمعية المحافظة على بيئة البحر الأحمر “هيبكا”، التى نبهت بأن المنطقة تواجه خطرا جسيما بسبب تعديات غير قانونية تهدد النظام البيئى الفريد للمنطقة، وهذا الشاطئ، أصبح اليوم مهددا بسبب مشروع يجرى تخصيصه لحساب منشآت خاصة حيث بدأت معدات البناء فى الحفر منذ عدة أشهر لإنشاء مطاعم واستراحات، وغيرها.
أيضا تقدمت النائبة د. مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة لرئيس الوزراء، ووزيرى السياحة، والبيئة، حول التعديات السافرة التى تحدث حاليا على محمية وادى الجمال، كما نظم عدد من جمعيات حماية البيئة فى البحر الأحمر حملة لإنقاذ شاطئ حنكوراب، أغنى المناطق بالتنوع البيولوجى والبيئى.
أما وزارة البيئة فقد وصفت ما حدث بأنه “تطوير للبنية التحتية”، فى الوقت الذى قالت فيه جمعيات حماية البيئة بالبحر الأحمر إنه “مخالفة لقانون حماية المحميات” و”خطر جسيم” يهدد مستقبل واستدامة الشاطئ، وأن تلك التعديات غير قانونية تمثل تهديدا للنظام البيئى للمنطقة، إذ يمنع قانون المحميات رقم 102 لسنة 1983، تنفيذ أى إنشاءات داخل المحميات تغير من طبيعتها البيئية الفريدة، إلا أن الوزارة لديها إجابات حول هذا التطوير ونوعه ومداه، كما لديها أيضا “دراسة تقييم الأثر البيئى” لما يحدث هناك.
ولعل نشر مثل هذه الدراسات “دراسة تقييم الأثر البيئى”، حول المشروع الراهن، والمشروعات المحتملة مستقبلا، يحقق الوعى المنشود نحو حماية الطبيعة وصيانة مواردنا الطبيعية، وقد يساهم المجتمع المدنى فى هذا الإطار عبر الجمعيات المعنية المتخصصة مثل “جمعية كتاب البيئة والتنمية”.
لدى وزيرة البيئة د. ياسمين فؤاد تجربة إيجابية لدمج السكان المحليين فى محيط المحميات الطبيعة، وتوفير فرص عمل بيئية لهم كما يحدث فى بسانت كاترين بجمع النباتات الطبية، وفى الفيوم ووادى الجمال بتقديم الصناعات الحرفية والبيئية، وتتحقق التنمية المستدامة، والاهتمام برفع الوعى بأهمية الاستخدام الرشيد للمحميات ومواردها، ويمكن لـ”جمعية كتاب البيئة والتنمية” المساهمة فى هذا الاتجاه.
ولاشك أن تحسين علاقة المجتمعات المحلية بالمحميات، عبر تنمية الإنسان وتوفير سبل الحياة المناسبة، له الأولوية للبدء بالمشروعات التى تدر عائدا ماديا للمجتمعات المحلية، لتساهم فى تنمية تلك المجتمعات، ثم يليها صون التنوع البيولوجى والنظم البيئية، حيث تلك المجتمعات هى الحارس الأول للمحميات، ومنطقة “حنكوراب” يعيش فيها أبناء قبيلة العبابدة، على حرفة الصيد والرعى والسياحة، وتعمل النساء بالمنطقة بعمل والحرف المشغولات البيئية اليدوية.
خلال رحلة عمل فى العاصمة الكينية نيروبى العام الماضى، شاهدنا كيف أن حماية الطبيعة وغابات السفارى والحدائق الوطنية، هناك، تعد من المقدسات ولا نقاش حولها، والأهم هو سرعة وحسم وإزالة أى تشوهات تحدث فيها، ولا انتظار فى معالجة الأخطاء وإزالة التعديات عليها، حيث يقولون هناك: “العدل البطىء ظلم”.
وقد يعد وضع لائحة أو مدونة سلوك بيئية - Environmental Code of Conduct” ملزمة للمحميات الطبيعة، وأيضا فإنها فى حاجة إلى تطبيق مبدأ “الحوكمة الرشيدة” فى أرجائها، ونأمل ألا تحدث تعديات أخرى لرءوس محميات أخرى، فاليوم رأس حنكوراب، ونتمنى ألا يصل التعدى إلى “رأس محمد”، أو”رأس بناس”.
نعم، تحتاج كنوزنا الطبيعية إلى التطوير والاستثمار، ولكن لأنها تختلف وتتميز وتتفرد وتمتلك من نعم الله الكثير، فلابد أن يتم هذا التطوير والاستثمار بشكل مختلف يتناسب مع خصوصيتها، ولانقول احتراما لروعتها وجمالها، ولكن احتراما لقانون المحميات الطبيعية المحلية، والاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر لحماية التنوع البيولوجى.
مؤكدا أن المجتمع المدنى لديه رؤى واقتراحات لبلورة وصياغة خطط برامج ومشروعات مستدامة فى جميع محميات مصر، كما يمتلك “المرونة” فى تقديم الرؤى والمعالجة، والمساهمة فى التنفيذ، مقارنة بباقى أطراف المعادلة، فاليوم يحدث فى وادى الجمال، وقد نفاجأ غدا بتعديات جديدة فى منظومة الحياة الطبيعية بمحمياتنا الثلاثين المترامية الأطراف فى طول القطر وعرضه، فنحن جزء من الحل وسلوكنا هو كل الحل.