كتبت: د. آيات البطاوى
أثار الإعلان عن صفقة بيع بنك القاهرة ثالث أكبر البنوك العاملة في السوق المحلي والمملوك للدولة ، والذي يمتلك بنك مصر مجمل اسهمه تباينا في الآراء حيث ترتب على الإعلان الجدي لعملية البيع لمستثمر استراتيجي ممثلا في بنك الإمارات دبي الوطني تعدد في الآراء بعضها معارض والبعض الآخر مؤيد .
حقيقة الأمر إن وجهة نظر المعارضين قد لاتكون منطقية في ظل أن قرار بيع بنك القاهرة ليس جديدا وليس حديث عهد بالسوق المحلي ، فمن المعروف أن الحكومة المصرية تسعى لبيع هذا البنك منذ سنوات طويلة وكانت هناك محاولة للبيع في عام 2007 ويقال أنه تم وقفها قبل اتمامها ثم كانت هناك محاولة أخرى في عام 2019 لكنها أيضا لم تخرج إلى النور .
ومن المعروف أن الظروف والتوترات الجيوسياسية التي تلاحقت منذ كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية ثم التوترات الإقليمية الخاصة بغزة كانت كلها غير مشجعة ليس على مصر فقط ولكن أيضا امتدت لتؤثر سلبا على عملية تنفيذ برنامج بعض الأصول المصرية التي كان مقررا بيعها في ذلك الوقت.
وفي خضم تلك الظروف غير المواتية جاءت الإصلاحات النقدية والهيكلية التي طرأت على الاقتصاد المصري والقطاع المصرفي في مارس 2024 والتي أدت إلى تحسن البيئة الاستثمارية ثم تلت ذلك صفقة رأس الحكمة والتي أفرزت زخما كبيرا في جاذبية الأصول المصرية خاصة في القطاع المصرفي.
وتلازم ذلك مع إصدار مصر وثيقة ملكية الدولة ، وتشجيع انتقال الأصول المملوكة للدولة للقطاع الخاص ، والإعلان عن برنامج الطروحات المنسق مع صندوق النقد الدولي ، والذي تضمن بيع 20% من بنك الإسكندرية وبيع بنك المصرف المتحد عبر طرح اسهمه في البورصة وأخيرا بيع بنك القاهرة لمستثمر استيراتيجي.
يتضح مما سبق أن بيع بنك القاهرة هو أمر مدروس وبات مرتبطا بفلسفة واستراتيجية نقل الأصول المملوكة للدولة إلى القطاع غير الحكومي سواء كان وطني أو أجنبي .
وفي ضوء ماسبق يكون رؤية معارضي بيع بنك القاهرة أمر غير منطقي حيث أن فكرة البيع والالتزام الحكومي بها كانت قائمة ومازالت حتى وقتنا هذا .
وهنا يثار موضوع سعر الصفقة حيث يردد البعض أن السعر المعروض في حدود مليار دولار وأن البنك يستحق سعرا أضعاف ذلك وهنا يتعين التدقيق العميق في أسلوب تحديد السعر العادل في مثل تلك الصفقات ، فدائما حينما يكون هناك صفقة مثل عملية بيع بنك كبنك القاهرة يقوم البنك بعمل دراسات كاملة عن طريق مستشارين للطرح ويقوم بإعداد كتيب كامل يتضمن كافة المعلومات المالية والقانونية مثل حجم الأصول والخصوم وعدد الفروع ومستوى الانتشار الجغرافي وموقف العمالة والموقف الضرائبي والائتماني ويسلم هذا الكتيب للمشتريين المرشحين فقط .
على الجانب الآخر يقوم المشتري بطلب السماح له بعمل مايسمى بالفحص النافي للجهالة والذي يقوم فيه بدراسة كل صغيرة وكبيرة داخل البنك ويساعده مجموعة من كبار المستشارين العالميين والمحليين والتي تتضمن واحد أو اثنين من كبار البنوك الاستثمارية المتخصصة في إجراء الدراسات المحايدة الدقيقة لتقييم أصول البنك وتحديد سعره العادل الذي لايمكن ان يتحدد مسبقا قبل اتمام كل الخطوات السابقة.
وهناك طرق متعددة ومعتمدة وعالميا تتبعها المؤسسات الاستثمارية والمالية تستخدمها وتطبقها للمساعدة إلى الوصول إلى سعر دقيق وعادل ومتوازن للوصول إلى القيمة الحقيقية للأصل المطلوب شرائه.
ومن هذه الطرق على سبيل المثال وليس الحصر : أسلوب تقييم الأصول الملموسة وغير الملموسة وتحديد صافي القيمة العالية لها وهناك أسلوب دراسة السوق حيث يمكن تحليل حالات مماثلة لعمليات الاستحواذ أو البيع السابقة في القطاع المصرفي لتقدير سعر البنك الحالي .
ومن أشهر الطرق أيضا هو نموذج نموذج خصم التدفقات المستقبلية المتوقعة للبنك وخصمها إلى القيمة الحالية بإستخدام معدل خصم مناسب وبالتالي يكون لدى البائع والمشتري تصور مسبق للسعر المقبول والعادل الذي يحقق مصلحة البائع والمشتري ويحقق نقطة التوازن التي تدفع لاتمام الصفقة بدون تطرف سعري أو غير منطقي لصالح أيا من الطرفين البائع والمشتري.