43 مليار دولار مساعدات قدمتها وكالة المعونة الأمريكية فى 2023
92 % من برامج المساعدات الخارجية تم إلغاؤها
إعداد: شريفة عبد الرحيم
منع قاض الأسبوع الماضى إدارة ترامب مؤقتا من منح 2200 موظف فى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إجازة؛ ما يقلص عدد موظفى الوكالة إلى بضع مئات فقط. وتتركز جهود القضاء هذه الأيام على إعادة الآلاف ممن تم الاستغناء عنهم فى العديد من القطاعات الحكومية، وكذلك إلزام وكالة المعونة الأمريكية بسداد ما عليها من مستحقات.
وأثار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أزمة جديدة بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID”، وإلغاء الغالبية العظمى من برامجها، بينما يستعد لضم ما تبقى منها إلى وزارة الخارجية. ويقدر إنفاق الوكالة بحوالى 1 % من إجمالى الإنفاق الحكومى الفيدرالى، وهى التى تعد أداة رئيسية لتعزيز القوة الناعمة للولايات المتحدة فى جميع أنحاء العالم.
وبعدما كانت الحكومة فى طريقها لإنفاق حوالى 58.4 مليار دولار، على برامج المساعدات الدولية فى السنة المالية 2025، وفقا لتوقعات يناير 2025 الصادرة عن مكتب الميزانية بالكونجرس. وبما إن إدارة ترامب تتجه بقوة لإعادة هيكلة المساعدات وتقليصها، فمن المتوقع انخفاض ذلك الرقم.
فما مستقبل “المعونة الأمريكية” فى ظل التخفيضات التى أجرتها إدارة ترامب؟ وما التداعيات على التنمية الاقتصادية والصحة فى أنحاء العالم؟
فى آخر تطورات المعركة الدائرة بين القضاء الأمريكى وإدارة ترامب، صرحت إدارة ترامب بأنها استأنفت سداد ديون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعد تجميد التمويل، لكنها أبلغت المحكمة أن معالجة المدفوعات لديها تتباطأ، لأنها سحبت معظم موظفى الوكالة من وظائفهم، من خلال الإجازات القسرية والفصل، كجزء من إغلاق الوكالة. وأشار القاضى أمير على إلى أن الوكالة كانت سددت آلاف المدفوعات بشكل روتينى قبل إغلاقها، وأنها ألغت مؤخرا إجازات 100 موظف لصرف تلك المدفوعات.
كان التغيير الأكبر منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض هو تقليص أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. فالرئيس الأمريكى، ومسئوله التنفيذى عن كفاءة الحكومة، إيلون ماسك، شنا هجوما مباشرا وشاملا على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أبرز وكالة للمساعدات الخارجية الأمريكية، وذلك فى إطار خطة أكبر لتقليص عدد موظفى الحكومة. وفى اليوم الأول من ولايته الثانية، أمر ترامب بوقف معظم المساعدات الخارجية الأمريكية، بينما هدد ماسك لاحقا بإغلاق الوكالة الحكومية المستقلة تماما، مشيرا إلى أنها لا تتماشى مع المصالح الأمريكية.
وفى خضم جهود الإدارة الأوسع لتقليص حجم القوى العاملة الفيدرالية، كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هدفا سهلا. وقامت الإدارة فعليا بتقليص حجم الوكالة، وسرحت الآلاف، ووضعت غالبية موظفيها البالغ عددهم 10 آلاف موظف فى إجازة إدارية، واستدعت موظفين من مناصبهم فى الخارج.
وبعد فترة مراجعة فوضوية، ألغت إدارة ترامب 92 % من عقود المساعدات الخارجية الحالية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث أنهت 5.800 عقود واحتفظت بـ500 عقد فقط، وألغت 4100 منحة من وزارة الخارجية بإجمالى ما يقرب من 60 مليار دولار من المساعدات. وذلك يمثل انخفاضا غير مسبوق فى الوجود الأمريكى فى جميع أنحاء العالم النامى.
وستخفض تلك التخفيضات الجذرية عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة للدول النامية، بدءا من جهود مكافحة الملاريا فى إفريقيا إلى المساعدات الزراعية فى أوكرانيا.
بينما يواصل القضاء النظر فى جهود إدارة ترامب لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية، أيدت المحكمة العليا فى 5 مارس أمرا صادرا عن محكمة أدنى يقضى بالصرف السريع لما يقرب من مليارى دولار مستحقة لمقاولى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية -التى رفعت دعاوى قضائية بشأن الإيقاف المفاجئ لتمويل المساعدات الخارجية- بعد أن رفضت الإدارة دفع مستحقاتهم مقابل أعمال تم الانتهاء منها بالفعل.
هناك قضايا معروضة أمام المحاكم تطعن فى إجراءات الإدارة الأمريكية، وعبر المشرعون الديمقراطيون عن استيائهم الشديد من إغلاق الوكالة؛ ما أجبر المنظمات الممولة من الولايات المتحدة على وقف أعمال المساعدة والتنمية فى جميع أنحاء العالم وتسريح العمال، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التى كانت فى السابق أكبر وكالة مساعدات خارجية فى العالم بمشاريع بلغت قيمتها حوالى 43 مليار دولار فى عام 2023، ستبقى أم ستدمج مع وزارة الخارجية التى تشرف عليها.
ووصف قاضى المحكمة الجزئية الأمريكية، أمير على، الدفع الجزئى بأنه خطوة أولى “ملموسة” من الإدارة. ويشكك القضاء فى حجة إدارة ترامب بأن الرؤساء يتمتعون بسلطة واسعة لتجاوز قرارات الكونجرس بشأن الإنفاق فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
تخفيضات ترامب للمساعدات الأمريكية تؤثر على تمويل المناخ العالمى: حذر خبراء أن وقف التمويل يمثل “ضربة موجعة” للدول الضعيفة وللجهود المبذولة للحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية.
وتكشف إحصاءات أن إلغاء ترامب للمساعدات الخارجية الأمريكية سيؤدى إلى تقليص تمويل المناخ العالمى بشكل شبه كامل من الدول المتقدمة، مع آثار مدمرة محتملة على الدول الضعيفة.
كانت الولايات المتحدة مسئولة العام الماضى عن إنفاق حوالى 8 دولارات من كل 100 دولار تدفقت من الدول الغنية إلى الدول النامية، لمساعدتها على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، ومواجهة آثار الطقس المتطرف، وفقا لبيانات من منظمة “كاربون بريف” التحليلية.
وتوصل خبراء المنظمة إلى أن الولايات المتحدة أنفقت حوالى 11 مليار دولار العام الماضى، وكان من الممكن أن تنفق مبلغا مماثلا على تمويل المناخ العام الجارى اذا استمرت خطط جو بايدن.
لكن البيت الأبيض أوقف الكثير من التمويل المخصص لوكالة المساعدات الخارجية الحكومية، التى توفر حوالى ثلث تمويل المناخ فى الولايات المتحدة، والمساهمات فى صندوق المناخ الأخضر الدولى وصندوق الاستجابة للخسائر والأضرار.
تتراوح المساعدات الأمريكية بين المساعدات العسكرية وتخفيف حدة الفقر. وفى عام 2023، كان أكثر من ربع المساعدات موجها إلى أوروبا وأوراسيا، وأقل بقليل من الربع إلى إفريقيا جنوب الصحراء.
لكن أكبر المستفيدين من المساعدات الدولية، كنسبة من الدخل القومى، دول إفريقية. وترتفع تلك النسبة إلى ما يقرب من الربع فى جمهورية إفريقيا الوسطى، وثلث فى الصومال، وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
وبلغت المساعدات الخارجية الأمريكية 68 مليار دولار أمريكى فى 204 دول ومناطق لعام 2023، وفقا للإحصاءات الرسمية.
ما يقرب من ثلثى ذلك المبلغ قدمته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بينما أشرفت وزارة الخارجية على معظم الباقى. وينفق جزء كبير من ذلك المبلغ من قبل الوكالات نفسها، والمتعاقدين الأمريكيين، والشركاء المحليين، بدلا من منحه للحكومات الأجنبية.
ووجهت الحصة الأكبر من إجمالى الإنفاق -أقل بقليل من الثلث- للتنمية الاقتصادية، وحوالى الخمس للمساعدات الإنسانية، بينما حظى كل من السلام والأمن والصحة بحوالى 10 مليارات دولار.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية هى أكبر مانح دولى بفارق كبير. فقدمت 68 مليار دولار فى عام 2023، مقارنة بـ34.7 مليار دولار من مؤسسات الاتحاد الاوروبى، وذلك وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. وجاءت ألمانيا فى المرتبة الثانية كأكبر مانح من الدول، بـ32.2 مليار دولار، متقدمة على اليابان التى أنفقت 19.3 مليار دولار، والمملكة المتحدة 17.3 مليار دولار.
تقدم مؤسسات دولية كبرى أخرى مساهمات كبيرة، لا سيما فى مجالى التنمية الاقتصادية والصحة، فقدم البنك الدولى مساهمات بلغت 16.3 مليار دولار، ومؤسسة جيتس الخيرية 4.9 مليار دولار.
ولا تعد الولايات المتحدة مانحا سخيا للغاية من حيث نسبة الدخل المحلى، فالنرويج تصدرت قائمة الدول المانحة، حيث بلغت قيمة مســــاعداتها 1.09 % من إجمالى دخلها المحلى فى عام 2023، تلتها الســويد بنسبة 0.91 %، ثم ألمانيا بنسبة 0.79 %. أما الولايات المتحدة، فقد بلغت مساهمتها 0.24 % فقط، وبما يقل بكثير عن نصف النسبة التى قدمتها تركيا. وأكبر المستفيدين من المساعدات الدولية، كنسبة من الدخل القومى، دول إفريقية. وترتفع تلك النسبة إلى ما يقرب من الربع فى جمهورية إفريقيا الوسطى، والثلث فى الصومال، وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
ما التداعيات المحتملة لخفض المساعدات الأمريكية؟
كانت أوكرانيا أكبر متلق للمساعدات الأمريكية، منذ شن روسيا غزوها الكامل عام ٢٠٢٢. كما يتلقى حلفاء إستراتيجيون للولايات المتحدة، مثل الأردن، تمويلا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ويعد قطاع الصحة العالمى هو الأكثر تضررا بشكل مباشر وحاد؛ ما يكشف التداعيات التى ربما تحدثها تخفيضات ميزانية إحدى المنظمات على عمل المنظمات الأخرى.
وتحدث التحركات فى واشنطن بالفعل آثارا سلبية على عالم المساعدات. ومن الأمثلة على ذلك مبادرة “بيبفار”، التى استثمرت أكثر من 110 مليارات دولار فى الجهود الدولية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، منذ أن أطلقها الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش عام 2003. وكان كثيرا ما يستشهد بها كإحدى قصص النجاح الكبيرة فى مجال الصحة العامة للقرن الحالى.
فى حين أصدرت الولايات المتحدة استثناء إنسانيا يسمح باستمرار العلاج لمعظم متلقى “بيبفار”، يصف العاملون الصحيون على أرض الواقع اضطرابا كبيرا، ويرجع ذلك إلى أن شراء الأدوية ليس سوى جزء صغير من اللوجستيات اللازمة لتطبيق مثل ذلك البرنامج.
ويسعى ائتلاف مناصرة لقاح الإيدز، ومجلس الصحة العالمى، ومدعون آخرون فى الدعوى القضائية إلى الحصول على دفعة متأخرة لحصتهم من حوالى مليارى دولار كانت مستحقة لهم ولشركاء آخرين فى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وقت تجميد التمويل فى 20 يناير. وأبلغ محامو المنظمات المحكمة أنهم يريدون أيضا إلغاء جميع عمليات إنهاء العقود، وأن تتبع عمليات إنهاء العقود المستقبلية اللوائح.
كما حذر آشيش جها، عميد كلية الصحة العامة بجامعة براون ومنسق الاستجابة السابق لفيروس كورونا فى الولايات المتحدة، من زيادة احتمالات تفشى الحمى الفيروسية النزفية مثل “الإيبولا”، وانتشارها خارج البلد الأصلى إلى أوروبا، والولايات المتحدة.
بعض المساعدات التى قدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى العام المالى 2023
أوكرانيا 16 مليار دولار
إسرائيل 3.3 مليار
إثيوبيا 1.8 مليار
الأردن 1.7 مليار
مصر 1.4 مليار
أفغانستان مليار
الصومال مليار
جمهورية الكنغو 936 مليون دولار
سوريا 895 مليون دولار
نيجيريا 824 مليون دولار
اليمن 812 مليون دولار
جنوب السودان 740 مليون دولار
المصدر: إحصاءات “ستاتستا” ومركز “بيو” للأبحاث