رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

حرب الموانئ تشتعل..أمريكا تخطط لفرض غرامات على السفن الصينية والمصدرون يحذرون من كارثة اقتصادية

27-4-2025 | 13:47

كتب: أشرف شهاب

 

تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو فرض غرامات كبيرة على سفن الحاويات المصنوعة فى الصين، بهدف دعم صناعة السفن المحلية. إلا أن هذا التوجه يثير قلقا واسعا بين مختلف القطاعات الاقتصادية، من شركات النقل البحرى العالمية إلى المزارعين الأمريكيين، الذين يحذرون من تداعيات اقتصادية وخيمة. ويقولون: إن هدف إعادة صناعة السفن إلى الولايات المتحدة يتعارض مع واقع سوق التجارة البحرية العالمية، حيث يتم نقل جميع حركة الحاويات تقريبا على متن سفن مبنية فى الصين. ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن إدارة النقل البحري التابعة لوزارة النقل الأمريكية، فإن الولايات المتحدة ليس لديها سوى 182 سفينة فقط تحمل العلم الأمريكى.

 

 

وفقا لمجلس الشحن العالمي WSC، الذى يمثل صناعة الشحن البحرى الدولي، فإن نحو 98 % من الأسطول العالمى للسفن سيخضع لهذه الرسوم عند دخوله الموانئ الأمريكية، إذ سيتم فرض الغرامات على جميع السفن التى تم صنعها فى الصين، وكذلك على جميع السفن الجارى تصنيعها حاليا. كما ستشمل الغرامات أى شركة لديها حاليا طلب واحد على الأقل لصناعة سفينة فى الصين. وطبقا للمعدلات الحالية، فمن المتوقع أن يخضع نحو 90 % من إجمالى عدد السفن العالمية لهذه الغرامات. وبحسب بيانات شركة الأبحاث Sea-Intelligence، بلغ إجمالى عدد مرات رسو سفن الحاويات الضخمة فى الموانئ الأمريكية خلال عام 2024 نحو 12.410 مرة.

 

وأظهر تقرير أعده مكتب الممثل التجاري الأمريكى، وصدر فى يناير الماضى، أن الصين تتمتع بميزة غير عادلة فى قطاع بناء السفن والشحن البحري. وقرر الرئيس ترامب الاستناد إلى نتائج التقرير كجزء من استراتيجيته الموسعة للحروب الاقتصادية والتجارية العالمية. وأعلن ترامب عن إنشاء مكتب جديد لصناعة السفن يستهدف تقديم حوافز ضريبية خاصة لتعزيز عودة صناعة بناء السفن إلى الولايات المتحدة.

 

إلا أن هذه الإجراءات أثارت قلق العديد من مصدرى المنتجات الزراعية الأمريكيين الذى عبروا عن قلقهم الشديد ومعارضتهم لأى مقترح قد يؤثر سلبا على قدراتهم التصديرية. وقال بيتر فريدمان، المدير التنفيذى لتحالف نقل المنتجات الزراعية AgTC: «نحن لا نعارض الهدف الأساسى للمقترح، ولكننا لن نقبل بالتضحية بالقطاع الزراعى الأمريكى الذى قد يواجه أزمات اقتصادية بسبب هذه الخطط لأنها تعيق قدرتنا على تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق الخارجية». وأكد فريدمان أنه لا توجد حاليا سفن أمريكية مصممة للشحن التجارى الدولى أو قادرة على نقل البضائع الزراعية، سواء عبر الحاويات أو سفن البضائع السائبة. وأضاف: «لو كانت هذه السفن متاحة بتكلفة معقولة، لاستخدمها المصدرون الأمريكيون».

 

رسوم باهظة

 

ولمعاقبة شركات النقل البحرى التى تستخدم سفنا صينية الصنع لنقل البضائع، اقترحت الحكومة الأمريكية فرض رسوم باهظة على السفن الصينية الصنع التى تصل إلى الموانئ الأمريكية. بالنسبة لشركات النقل البحرى المملوكة للصين، مثل شركة كوسكو (COSCO)، قد يتم فرض رسوم خدمة تصل إلى مليون دولار أمريكى على كل سفينة. أما بالنسبة لشركات النقل البحرى غير المملوكة للصين التى تضم أساطيلها سفنا صينية الصنع، فقد تصل رسوم الخدمة إلى 1.5 مليون دولار أمريكى لكل ميناء توقف فى الولايات المتحدة.

 

ووفقا لبيانات مجلس الشحن العالمي، ينقل قطاع الشحن البحرى المنتظم ما مجموعه 1.5 تريليون دولار أمريكى سنويا من التجارة الأمريكية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ويدعم هذا القطاع أكثر من 6.4 مليون وظيفة أمريكية، ويساهم بأكثر من 1.1 تريليون دولار فى الناتج المحلى الإجمالى الأمريكي. ووفقا لجو كراميك، رئيس مجلس الشحن العالمي، فإن رسوم الموانئ التى يقترحها مكتب الممثل التجارى الأمريكى قد تضيف ما بين 600 و 800 دولار أمريكى لكل حاوية، مما سيضاعف تكلفة شحن الصادرات الأمريكية، ويؤثر سلبا على المزارعين الأمريكيين بشكل خاص.

 

وقال كراميك: ستؤدى هذه المقترحات إلى زيادة التكاليف على المصدرين والمستهلكين الأمريكيين، بالإضافة إلى إضعاف كفاءة سلسلة التوريد، فى حين أنها لا تقدم للصين حوافز فعالة لتغيير تصرفاتها وسياساتها وممارساتها.

 

احتجاجات واسعة

 

وتقدمت أكثر من 300 جمعية تجارية على المستوى الفيدرالى ومستوى الولايات والمحليات، بالإضافة إلى مئات الشركات والأفراد، باحتجاجات على هذه الرسوم. موضحة أن ما يغذى مقترح الممثل التجارى الأمريكى والقلق الأوسع للحكومة الأمريكية هو القفزة الهائلة فى الطلب على السفن الصينية.

 

وبموجب مقترحات مكتب الممثل التجارى الأمريكي، قد يتم فرض رسوم على سفينة حاويات متوسطة الحجم، بسعة 6600 وحدة مكافئة لعشرين قدما، تصل إلى 6350 دولارا أمريكيا لكل حاوية. وهذا يعادل تقريبا ضعف إجمالى أسعار الشحن الفورى الواردة والصادرة بين ميناءى نيويورك الأمريكى وروتردام الهولندى.

 

وفقا لهيئة الخدمات البحرية الأمريكية، عادة ما تتوقف سفن الحاويات التى تخدم الولايات المتحدة فى 3 إلى 4 موانئ أمريكية فى كل رحلة. وأوضح جو كراميك أن رسوم التوقف التى تتراوح بين مليون دولار أمريكى و 3.5 مليون دولار أمريكى -فى حال تطبيق غرامات متعددة لكل ميناء فى كل رحلة- ستؤدى إلى انخفاض عدد مرات توقف السفن فى الموانئ الأمريكية، وخاصة الموانئ الصغيرة والمتوسطة. وستتأثر بشكل كبير وظائف عمال الموانئ، والنقل بالشاحنات، والسكك الحديدية، والتخزين، وغيرها من الوظائف التى تدعم هذه الموانئ، وكذلك الشركات التى تعتمد على هذه الموانئ. وأضاف كراميك: ستؤدى الرسوم إلى ازدحام فى الموانئ الكبرى، مع تقليل الخدمة فى الموانئ الأصغر، حيث سيقلل مشغلو السفن عدد زيارات سفنهم إلى الموانئ الأمريكية.

 

وأكد آلان مورفي، الرئيس التنفيذى لشركة Sea-Intelligence للأبحاث، أن شركات النقل البحرى لن تلغى رحلاتها إلى الموانئ الثانوية فحسب، بل ستحول المزيد من الحاويات إلى الموانئ الرئيسية لتجنب الرسوم، وستقوم أيضا بتفريغ المزيد من الحاويات فى كندا، التى بلغ إجمالى عدد زيارات السفن لموانئها فى عام 2024 نحو 1692 زيارة.

 

وقال مورفي: ستستقبل الموانئ الكندية المزيد من الحاويات مع تقليص شركات النقل البحرى لعدد زياراتها إلى الموانئ الأمريكية. وهذا سيؤثر سلبا على الموانئ الأمريكية. وستواجه الموانئ الأكبر ازدحاما بسبب الحاويات الإضافية التى ستستقبلها. كما ستتعطل جداول حركة السفن حول العالم، ونتيجة لذلك سترتفع تكلفة الشحن.

 

مقترحات قيد التطوير

 

وأعلن برايان براندز، مدير الشئون البحرية فى ميناء أوكلاند الأمريكى، أن النقاش فى هذه المرحلة لا يزال قيد التكهن. وأضاف: لا تزال هناك مسودة مقترحات قيد التطوير، وعلينا الانتظار لنرى ما إذا كانت هناك رسوم إضافية سيتم فرضها لتحديد الآثار التى ستترتب عليها. وأضاف: يتمثل مصدر قلقنا الرئيسى بشأن الاقتراح فى العواقب التى قد تترتب على هذه الرسوم على المصدرين الزراعيين وغيرهم من الشركات الأمريكية التى تستخدم ميناء أوكلاند كبوابة للوصول إلى الأسواق حول العالم.

 

وأكد جو كراميك، رئيس مجلس الشحن العالمي أن إنعاش الصناعة البحرية الأمريكية سيكون إيجابيا للغاية، لكنه أضاف: إن تقليص النشاط الحالى ليس السبيل لإعادة بناء السفن محليا. وبدلا من فرض رسوم بأثر رجعى على شركات الشحن التى تساهم فى دفع عجلة الاقتصاد الأمريكي، ينبغى على الإدارة العمل مع الكونجرس على استراتيجية استشرافية بناءة لإنعاش الصناعة البحرية الأمريكية، لكن أى محاولة لتحقيق هذا الهدف بتمويل من الرسوم المقترحة ستؤدى إلى خسائر اقتصادية فادحة.

 

تأثيرات سلبية

 

وأشار تقرير صادر عن شركة الاستشارات الدولية Trade Partnership Worldwide إلى أن كل إجراء مقترح من إجراءات مكتب الممثل التجارى الأمريكى سيؤثر سلبا على الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى وعلى الهدف الرئيسى لإدارة ترامب المتمثل فى نمو اقتصادى بنسبة 3 %. كما ستنخفض الصادرات الأمريكية، مما سيسهم فى تفاقم العجز التجارى الأمريكي. وخلص التقرير إلى أنه: فى حين أن صناعة بناء السفن الأمريكية ستستفيد من المقترحات، فإن العديد من القطاعات الأخرى فى الاقتصاد مثل المزارعين والمصنعين ومقدمى الخدمات، والعمال بشكل كبير.

 

وقال نيت هيرمان، نائب الرئيس الأول للسياسات فى الجمعية الأمريكية للملابس والأحذية: إن السفن التى ترفع العلم الأمريكى وتعمل ويتم بناؤها تحته غير متاحة. وحتى عندما تكون متاحة، فهى ليست تنافسية، مما يجعلها خيارا غير عملى للمصدرين والمستوردين الأمريكيين. وأضاف: نحن بالفعل فى اقتصاد تضخمي. لا يستطيع الأمريكيون تحمل المزيد من زيادات الأسعار ونقص المنتجات. ولا يستطيع المصنعون والمزارعون الأمريكيون تحمل خسارة المزيد من أسواق التصدير. وهذا ينطبق بشكل خاص على إغلاق العديد من أسواق التصدير بسبب الرسوم الجمركية الانتقامية والغرامات التى قد يتم فرضها على السفن.

 

اخر اصدار