إعادة قطاع الإنتاج إلى الواجهة بعد ملاحظة الرئيس السيسى
بقلم: إيمان عراقي رئيس تحرير
مع نهاية شهر رمضان المبارك ينتهى أكبر موسم للدراما التلفزيونية التى ارتبطت بالشهر الكريم منذ سنوات طويلة، والحقيقية أنها ليست مجرد ترفيه فقط، بل هى مؤثر شديد الخطورة على الأجيال الحالية والقادمة، فهى تدخل كل البيوت بلا استئذان، لذا كانت الدراما التلفيزينوية ولوقت قريب لها شروط من أهمها عدم التجاوز اللفظى أو الحسى لأنها تطرق الأبواب وتقتحم البيوت على عكس الأفلام السينمائية التى يذهب إليها الناس فى دور العرض بإرداتهم، هذه القواعد والأعراف التى اعتدناها فيما يخص الدراما التلفزيونية تم اختراقها تدريجيا خلال السنوات الأخيرة ليصبح المعتاد هو سماع الألفاظ الخادشة والمشاهد الفجة. والحديث هنا ليس عن مشاهد يمكن تقنينها، ولكنه عرف اعتدناه فلطالما كانت الدراما المصرية جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للبلاد، بل إنها امتدت لتؤثر فى وجدان المشاهد العربى عبر عقود من الزمن. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تراجعا فى مستوى الإنتاج الدرامى، سواء من حيث الكم أو الجودة، نتيجة عوامل متعددة، أبرزها التحولات الاقتصادية وهيمنة القطاع الخاص.

قرار الرئيس
مؤخرا، جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بإعادة النظر فى أوضاع الدراما المصرية وتفعيل دور «قطاع الإنتاج» التابع للدولة، ليعيد الأمل فى استعادة ريادة مصر فى هذا المجال، لأن الدراما المصرية لا تخص مصر فقط، بل هى مصدر للدراما والفن والثقافة، لكل الدول العربية لذا فإن قرار الرئيس بإعادة الروح لقطاع الإنتاج من القرارات المهمة لأن هذا القطاع لطالما أمتعنا بدراما هادفة.
لم تكن الدراما المصرية مجرد وسيلة ترفيهية، بل كانت دائما مرآة تعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، فمنذ انطلاقتها فى الستينيات، لعبت دورا توعويا وتعليميا عبر أعمال حملت رسائل عميقة، حيث تطرقت لموضوعات الفقر، والعدالة الاجتماعية، والتحولات الاقتصادية، والأخلاق الحميدة وإبراز أهمية ترابط المجتمع والتماسك الأسرى وحققت تلك الأعمال نجاحا منقطع النظير فى مصر والوطن العربى بدليل أن بعضا منها تم عمل جزء ثان أو أكثر لها وكانت بنفس القدر من الرقى والإبداع.
لكن مع دخول القطاع الخاص بقوة فى التسعينيات وبداية الألفية، بدأت الدراما تتغير، إذ ركز المنتجون على الجانب الربحى أكثر من المحتوى، ما أدى إلى انتشار المسلسلات التجارية التى تفتقد فى كثير منها للعمق الفنى. كما أدى غياب «قطاع الإنتاج» التابع للدولة، الذى كان له دور أساسى فى صناعة الدراما الجادة، إلى تراجع كبير فى مستوى الأعمال المقدمة.

أسباب تراجع الدراما المصرية
نعم تراجعت الدراما المصرية وأصبحت تناقش موضوعات الكثير منها لا ينقل الصورة الحقيقية للمجتمع ولهذا التراجع أسباب يمكن تلخصيها فيما يلى:
هيمنة شركات الإنتاج الخاصة حيث أصبح الإنتاج الفنى خاضعا لمعادلة السوق، حيث تتحكم شركات كبرى فى اختيار الموضوعات، ما أدى إلى انتشار نمط معين من الأعمال يركز على الأكشن والإثارة، متجاهلا القضايا الاجتماعية العميقة التى ميزت الدراما المصرية لعقود.
ارتفاع تكاليف الإنتاج مع تضخم أجور الفنانين والتكاليف التشغيلية، باتت بعض الموضوعات الجادة غير مربحة، ما دفع المنتجين للابتعاد عنها لصالح مسلسلات تحقق مشاهدات مرتفعة وتناسب الإعلانات.
ضعف الكتابة الدرامية رغم وجود كتاب متميزين، إلا أن الاعتماد على ورش الكتابة السريعة أدى إلى ضعف فى الحبكة وتكرار الأفكار، ما انعكس سلبا على جودة الأعمال.
تغير الذائقة الجماهيرية مع انتشار المنصات الرقمية، أصبــح المشـــاهد أكثر انفتاحـا على الأعمال الأجنبيــة؛ ما فـرض تحديـــا إضافيــا على الإنتاج المحلى لمواكبة التطورات الفنية والتقنية.

القوة الناعمة
فى ظل هذه التحديات، جاء قرار الرئيس السيسى بإعادة النظر فى أوضاع الدراما المصرية وإحياء «قطاع الإنتاج»، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول كيفية تنفيذ هذه الخطوة ومدى تأثيرها على المشهد الدرامى. ويهدف القرار إلى:
< إنتاج أعمال تحمل رسالة هادفة من خلال التركيز على قضايا مجتمعية مثل التعليم، والصحة، والوعى الثقافى، وقيم المواطنة والانتماء.
< تقليل هيمنة القطاع الخاص عبر وجود ذراع إنتاجية حكومية قادرة على تحقيق التوازن فى السوق، وتقديم محتوى أكثر تنوعا وجودة.
< إعادة الاعتبار للأعمال التاريخية والوطنية، إذ إن هذه النوعية من المسلسلات تراجعت فى السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها.
< خلق فرص عمل للفنانين والكتاب والمخرجين ما ينعش الصناعة عامة، ويعزز من دور مصر كدولة رائدة فى المجال الفنى.
إعادة تشغيل “قطاع الإنتاج”
على الرغم أهمية القرار، فإن تنفيذه يواجه عدة عقبات، منها:
< تمويل الإنتاج: يحتاج «قطاع الإنتاج» إلى ميزانيات ضخمة ليتمكن من منافسة الشركات الخاصة، وهو ما يتطلب دعما ماليا مستداما.
< ضمان الجودة: فلا يكفى إعادة تشغيل القطاع، بل يجب وضع معايير صارمة تضمن تقديم أعمال بجودة عالية تناسب تطلعات المشاهد الحديث.
< الترويج والتسويق: نجاح أى عمل فنى يعتمد على انتشاره، لذا من الضرورى وضع خطط تسويقية حديثة، تشمل عرض الأعمال على المنصات الرقمية بجانب القنوات التقليدية.
< تطوير المحتوى: يجب دعم الكتاب والمبدعين لضمان تقديم سيناريوهات قوية تتماشى مع متغيرات العصر.
نماذج ناجحة
هناك تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها، مثل تجربة «الدراما الوطنية» التى شهدناها مؤخرا فى أعمال مثل «الاختيار» و«العائدون»، التى حظيت بإشادة واسعة نظرا لمحتواها الهادف والإنتاج الضخم. كما يمكن استلهام تجربة بعض الدول العربية التى استطاعت تحقيق نهضة درامية من خلال الاستثمار الحكومى فى الصناعة.
من قلب الأزمات تولد الحلول وربما كان تراجع الدراما المصرية فى مصلحة عودة درامية قوية لأعمال مهمة ومميزة خلال الفترة القادمة، ويمكن القول إن إعادة تشغيل «قطاع الإنتاج» يمثل فرصة ذهبية لاستعادة الدور الريادى للدراما المصرية، لكن نجاح التجربة يعتمد على التنفيذ الفعلى والتغلب على التحديات المطروحة. ومع وجود إرادة سياسية واضحة لإحياء هذا القطاع، فإن السنوات القادمة قد تشهد تحولا نوعيا يعيد للدراما المصرية مكانتها التى تستحقها، ليس فقط محليا، بل على المستوى العربى والدولى.