رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

واقع الاقتصاد المصرى ومستقبله

27-4-2025 | 13:47

بقلم : د‭. ‬محمد‭ ‬البنا - أستاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمالية‭ ‬العامة‭ - ‬جامعة‭ ‬المنوفية

ينطلق‭ ‬مستقبل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصرى‭ ‬من‭ ‬الماضى‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬الوضع‭ ‬الحالى،‭ ‬وتتمثل‭ ‬معايير‭ ‬الحكم‭ ‬والتنبؤ‭ ‬فى‭ ‬محددات‭ ‬رئيسية‭ ‬للطاقات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬ومحددات‭ ‬للأداء‭ ‬الحالى‭ ‬والمستقبلى،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬المؤشرات‭ ‬المالية‭ ‬والنقدية‭ ‬التى‭ ‬تشد‭ ‬الانتباه،‭ ‬والإثارة،‭ ‬سنستخدم‭ ‬المؤشرات‭ ‬الحقيقية‭ ‬ممثلة‭ ‬فى‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى،‭ ‬والتكوين‭ ‬الرأسمالى‭ ‬الثابت،‭ ‬والادخار‭ ‬القومى،‭ ‬ثم‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬وأخيرا‭ ‬أهم‭ ‬قطاعات‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬بيان‭ ‬واقع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصرى‭ ‬ومستقبله‭.‬

 

سنبدأ‭ ‬بالناتج‭ ‬المحلى‭ ‬الإجمالى‭ ‬الذى‭ ‬يقيس‭ ‬القدرات‭ ‬على‭ ‬التشغيل‭ ‬وعلى‭ ‬توليد‭ ‬الدخل‭ ‬وعلى‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلى‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬البيانات‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬عجز‭ ‬مستمر‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ننتجه‭ ‬من‭ ‬سلع‭ ‬وخدمات‭ ‬وبين‭ ‬الطلب‭ ‬الكلى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السلع‭ (‬لأغراض‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والاستثمار‭) ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬7‭ ‬و8‭ % ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬الإجمالى‭ ‬سنويا،‭ ‬تتم‭ ‬تغطيتها‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬زيادة‭ ‬صافية‭ ‬فى‭ ‬الواردات‭ ‬عن‭ ‬الصادرات‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭.‬

وتتحدد‭ ‬قدرة‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتكوين‭ ‬الرأسمالى‭ ‬الثابت‭ ‬أى‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬ينفق‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬أصول‭ ‬إنتاجية‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬قطاعات‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادى‭ (‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الزراعة‭ ‬والصيد‭ ‬والصناعة‭ ‬والنقل‭ ‬والمال‭ ‬والخدمات‭ ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬الإنفاق‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطنى‭ ‬على‭ ‬حشد‭ ‬الموارد‭ (‬محليا‭ ‬وخارجيا‭) ‬واستخدامها‭ ‬فى‭ ‬تكوين‭ ‬أصول‭ ‬إنتاجية‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬التشغيل‭ ‬والناتج‭ ‬وتوليد‭ ‬الدخل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬زيادة‭ ‬النمو‭ ‬وتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬التكوين‭ ‬الرأسمالى‭ ‬للناتج‭ ‬منخفضة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬آخذة‭ ‬فى‭ ‬التراجع‭ ‬من‭ ‬14‭ % ‬إلـــــى‭ ‬12‭.‬1‭ %‬‮ ‬‭ ‬بين‭ ‬عامى‭ ‬19‭-‬2020‭ ‬و22‭-‬2023‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬التكوين‭ ‬الرأسمالى‭ ‬يحدد‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادى،‭ ‬فإن‭ ‬الادخار‭ ‬القومى‭ (‬بجانب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬الخارج‭) ‬يحدد‭ ‬معدل‭ ‬الاستثمار،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصرى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬يتصف‭ ‬بالإسراف،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬معدل‭ ‬الادخار‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬13‭.‬3‭ % ‬إلى‭ ‬9‭.‬5‭ % ‬بين‭ ‬عامى‭ ‬19‭-‬2020‭ ‬و22‭- ‬2023،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬25‭ % ‬وأكثر،‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الناشئة‭ ‬فى‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬رغم‭ ‬تشابه‭ ‬مستوى‭ ‬الدخل‭.‬

ويرجع‭ ‬الانخفاض‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬أساسا‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬مستوى‭ ‬الدخل‭ ‬الفردى،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءا‭ ‬هو‭ ‬العجز‭ ‬الدائم‭ ‬فى‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬مدخرات‭ ‬الحكومة‭ ‬سالبة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬استحوذت‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬مدخرات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ (‬الأفراد‭ ‬والشركات‭)‬،‭ ‬وأثرت‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬الخاص‭.‬

وتشكل‭ ‬استثمارات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أهم‭ ‬محددات‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادى،‭ ‬ومن‭ ‬المشاهدات‭ ‬اللافتة‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تراجعا‭ ‬ملحوظا‭ ‬فى‭ ‬معدل‭ ‬تكوين‭ ‬الأصول‭ ‬والطاقات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬فى‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬التى‭ ‬تراجعت‭ ‬من‭ ‬5‭.‬3‭ % ‬إلى‭ ‬3‭.‬5‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬بين‭ ‬عامى‭ ‬19‭-‬2020‭ ‬و22‭-‬2023،‭ ‬مقابل‭ ‬التوسع‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬الاستثمار‭ ‬الحكومى،‭ ‬والذى‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتركز‭ ‬فى‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬والذى‭ ‬رغم‭ ‬أهميته،‭ ‬فإنه‭ ‬يغذى‭ ‬الطلب‭ ‬الكلى‭ ‬ويرفع‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬الأسعار،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يقابله‭ ‬تشغيل‭ ‬دائم‭ ‬ولا‭ ‬زيادة‭ ‬آنية‭ ‬فى‭ ‬الطاقات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭.‬

نأتى‭ ‬إلى‭ ‬محدد‭ ‬آخر‭ ‬مهم‭ ‬للوضع‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬دولة‭ ‬وهو‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاستهلاكى،‭ ‬وهناك‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاستهلاكى‭ ‬الخاص‭ ‬ويقوم‭ ‬به‭ ‬الأفراد‭ ‬أساسا،‭ ‬ثم‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاستهلاكى‭ ‬الحكومى‭ ‬مقابل‭ ‬ما‭ ‬ينفق‭ ‬من‭ ‬أجور‭ ‬ومرتبات‭ ‬لموظفى‭ ‬الحكومة‭ ‬أى‭ ‬مقدمى‭ ‬الخدمات‭ ‬الحكومية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المستلزمات‭ ‬السلعية‭ ‬والخدمية‭ ‬التى‭ ‬توفرها‭ ‬الحكومة‭ ‬فى‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭.‬

وترجع‭ ‬أهمية‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاستهلاكى‭ ‬إلى‭ ‬أهميته‭ ‬فى‭ ‬تحديد‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬للأفراد،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬أحد‭ ‬محددات‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادى،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬نسبــة‭ ‬الاستهـــــــلاك‭ ‬للدخــــل‭ (‬الميل‭ ‬المتوسط‭ ‬للاستهلاك‭) ‬تعد‭ ‬عالية‭ ‬فى‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والناشئة،‭ ‬وعند‭ ‬مستويات‭ ‬الدخل‭ ‬المنخفضة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬فإنها‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬تعد‭ ‬مرتفعة‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬عن‭ ‬نظيرتها‭ ‬فى‭ ‬الدول‭ ‬الناشئة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اتجاهها‭ ‬للزيادة‭ ‬فى‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬91‭ % ‬إلـــى‭ ‬95‭.‬3‭ % ‬بيــــــن‭ ‬عامــــى‭ ‬19‭-‬2020‭ ‬و22‭-‬2023،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬تزايد‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الخاص‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬للنظر‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬حيث‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬83‭.‬5‭ % ‬أى‭ ‬88‭.‬3‭ % ‬من‭ ‬الدخل‭ ‬المحلى‭.‬

تبقى‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬هيكل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطنى،‭ ‬أى‭ ‬إسهامات‭ ‬الأنشطة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬فى‭ ‬توليد‭ ‬الناتج‭ ‬والتشغيل،‭ ‬ويكفى‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬نصيب‭ ‬الناتج‭ ‬الصناعى‭ ‬فى‭ ‬هيكل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطنى‭ ‬بما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬انخفاض‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والقدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬والتصديرية،‭ ‬حيث‭ ‬تراجع‭ ‬هذا‭ ‬النصيب‭ ‬من‭ ‬26.7‭ % ‬إلى‭ ‬23‭.‬9‭ %‬‮ ‬‭ ‬بين‭ ‬عامى‭ ‬19‭-‬2020‭ ‬و22‭-‬2023،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬فى‭ ‬التراجع‭ ‬إلى‭ ‬21‭.‬1‭ % ‬عام‭ ‬23‭-‬2024‭ ‬وإلى‭ ‬14‭.‬8‭ ‬عام‭ ‬2027‭-‬2028‭ ‬بحسب‭ ‬توقعات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولى‭.‬

 

اخر اصدار