بقلم: محمود عبد العظيم
حسنا فعل الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء عندما خرج على الشعب بتصريحات واضحة وقاطعة بشأن ما أثير حول صفقة بيع بنك القاهرة لبنك الإمارات دبى بمليار دولار.
ذلك لأن هذه التصريحات أدت دورا فى طمأنة وتهدئة الرأى العام بشأن مستقبل هذه الصفقة، وأحاطته علما بالإجراءات المالية والقانونية والفنية التى اتخذتها الحكومة ضمانا للشفافية واتباعا لقواعد بيع الأصول العامة، إلى جانب أنها قطعت الطريق على سيل الأنباء والمعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعى التي صنعت موجة من الضبابية والتشكيك فى الموضوع إجمالا.
ملخص ما ذكره رئيس الوزراء وما فهمه المتابعون أنه لا يوجد حتى الآن ما ذكره البعض عن بيع البنك بالأمر المباشر أو أن قيمة الصفقة مليار دولار.
فالرجل أكد أن ما يقوم به بنك الإمارات دبى لا يعدو أن يكون عملية فحص نافية للجهالة بموجب موافقة من البنك المركزى يحق بعدها لبنك الإمارات تقديم عرض مالى وفنى ومن حق الحكومة أن تقبله أو ترفضه.
قال أيضا إن الحكومة -على مسار مواز- كلفت جهات استشارية محترفة وموثوقا بها بإجراء عملية تقييم شاملة للبنك لتحديد سعره العادل وإن هناك عدة سيناريوهات تتعلق بمستقبل البنك، منها الطرح فى بورصة الأوراق المالية أو الاكتفاء ببيع حصة لمستثمر استراتيجى مع طرح حصة أخرى فى البورصة سواء كان هذا المستثمر الاستراتيجى بنك الإمارات دبى أو غيره.
إذن الكلام واضح تماما، لا بيع حتى الآن ولا إسناد بالأمر المباشر لأى طرف.
يبقى جوهر القضية وهو بيع بنك القاهرة.
بدايةً البنك مدرج ضمن برنامج الطروحات الحكومية منذ فترة طويلة، أى أن فكرة البيع معلومة للكافة فى الداخل والخارج. أيضا هذا البنك عُرض للبيع فى عام 2008، إلا أن ضغوط الرأى العام وتدخل إحدى المؤسسات السيادية بالدولة حالت دون إتمام الصفقة فى ذلك الحين، علما بأن الجهة التى كانت تريد الشراء هى البنك الأهلى اليونانى الذى كان موجودا بقوة فى السوق المصرى خلال ذلك الوقت وعرض مبلغ مليارى دولار قيمة للصفقة.
السؤال.. هل مصر فى حاجة إلى بيع بنك القاهرة؟
هل قيمة الصفقة -مهما كانت– سوف تحل مشكلة كبرى؟
هل من مصلحة القطاع المصرفى انتقال ملكية ثالث أكبر بنك حكومى إلى يد مستثمر خارجى؟
هل من مصلحة السوق حدوث أى شكل من أشكال تركيز الملكية؟
الإجابة القاطعة على هذه التساؤلات فى اعتقادى هى لا.
هنا لن أتحدث عن الأداء التشغيلى الجيد للبنك والتطور الحادث فيه ووصول أرباحه فى العام الأخير إلى 12,4 مليار جنيه، لكن سوف أشير إلى نقطة واحدة وهى أن هذا البنك أدى فى السنوات العشرين الأخيرة دورا اقتصاديا ذا بعد اجتماعى مهم، وهو الدخول بقوة فى تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وهو التوجه الذى عزز من فكرة العمل الحر فى المجتمع المصرى وصنع جيلا من رواد الأعمال -حتى ولو بالمعنى التقليدى- إلى جانب صنع جيل ملهم من شباب المصرفيين الذين أخذوا على عاتقهم تأسيس قطاع الخدمات المالية غير المصرفية فى مصر، وهو القطاع الذى يشهد حاليا ازدهارا وتقدما مستمرا.
هذا الدور الاقتصادى الاجتماعى لم يكن ليؤديه سوى بنك حكومى مهمته دعم النمو العام والتشغيل فى البلد وفتح أبواب الأمل أمام ملايين المواطنين.
لذلك فإن المصلحة العامة تقتضى ترجيح كفة السيناريو الذى طرحه رئيس الوزراء وهو طرح حصة من البنك فى البورصة لعموم المصريين بشرط ألا تقل عن 30 % من إجمالى الأسهم، ولا مانع من طرح حصة أخرى لمستثمر استراتيجى بتولى الإدارة مع احتفاظ المال العام بحصة أقلية تمكن الحكومة من مراقبة التجربة فى مراحلها الأولى ثم التخارج بسعر أكبر فيما بعد.
وأعتقد أن هذا السيناريو سيكون مرضيا لكل الأطراف خاصة الرأى العام الذى أصبح شديد الحساسية تجاه هذا النوع من القضايا.
نؤيد رئيس الوزراء فيما قاله حول الصفقة وننتظر مسارات الأحداث.