رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

هل تتأثر مصر بالحرب التجارية التى شنها ترامب؟

28-4-2025 | 14:04

بقلم:

إيمان‭ ‬عراقى

رئيس‭ ‬التحرير

‭ 

لم تهدأ عواصف ترامب التى أطلقها منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى يناير الماضى حتى الآن، فقد أطلق الرئيس الأمريكى مجموعة أفكار اقتصادية كانت بمنزلة قنبلة فجرها فى مكان هادئ خلفت وراءها آثارا سلبية تختلف حدتها من دولة لأخرى.

فقد أعلن ترامب عن تصعيد غير مسبوق فى حربه التجارية، حيث فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10 % على جميع الواردات، كما أعلن زيادات أعلى بنسب متفاوتة على حلفاء وخصوم، بما فى ذلك 46 % على فيتنام، 34 % على الصين،

24 % على اليابان، و20 % على الاتحاد الأوروبى، فى خطوة تمثل أعنف تحرك أمريكى فى السياسة التجارية منذ قرن تقريبا. القرار تم تقديمه بطريقة استعراضية، ما يعكس أسلوب ترامب المعتاد فى إضفاء الطابع المسرحى على القرارات السياسية الكبرى، وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين فى الأسواق العالمية. 

جاءت ردة الفعل سريعة، حيث شهدت البورصات الأمريكية تقلبات حادة فور الإعلان عن التعريفات الجمركية. المستثمرون قلقون من أن يؤدى التصعيد فى الحروب التجارية إلى تباطؤ النمو الاقتصادى وزيادة الضغوط على الشركات الأمريكية. كما أن عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين يزيد من حالة التوتر فى الأسواق، وهو ما قد يؤثر فى قرارات الاستثمار فى المدى القريب، حتى الاحتياطى الفيدرالى أبدى قلقه بشأن التداعيات المحتملة لهذه السياسة على معدلات النمو والتوظيف، حيث إن أى تراجع فى الاستثمارات بسبب ارتفاع التكاليف أو عدم اليقين قد يؤدى إلى تباطؤ الاقتصاد.

أسباب ترامب

تعتمد خطة ترامب على فرض رسوم جمركية مرتفعة على بعض السلع المستوردة، خصوصا الصلب والألومنيوم، وذلك بهدف دعم الصناعات المحلية التى تواجه منافسة شرسة من الخارج. لكن بينما تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيق مكاسب إستراتيجية من هذه الخطوة، تبرز العديد من التساؤلات حول آثارها على المستهلك الأمريكى، والقطاعات الصناعية، والوظائف، والأسواق المالية، والعلاقات التجارية للولايات المتحدة على الصعيد الدولى. 

ترامب يبرر الرسوم الجمركية بأسباب متعددة، حيث يدعى أنها رد على ممارسات الدول الأخرى التى تحد من الصادرات الأمريكية. كما يربط ترامب التعريفات بسياسات أخرى مثل الضغط على المكسيك وكندا والصين لمنع تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، أو استخدامها بصفتها أداة تفاوضية ضد كولومبيا بخصوص ترحيل مواطنيها. 

يعتقد ترامب أن التعريفات ستجبر الشركات على إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة عن طريق معاقبة من ينتجون فى الخارج، كما يرى أنها قد تكون مصدرا إضافيا لتمويل الحكومة الفيدرالية وربما بديلا للضرائب على الدخل. لكن هذه الإجراءات ترفع تكاليف الأعمال التجارية حتى بالنسبة للشركات الأمريكية التى تعتمد على المواد الخام أو الأجزاء المستوردة. 

من المرجح أن تؤدى هذه التعريفات إلى ارتفاع تكاليف المنتجات المستوردة، ما سينعكس مباشرة على أسعار السلع الاستهلاكية فى السوق المحلية، حيث يعتمد الاقتصاد الأمريكى بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، إذ يتم استيراد العديد من المنتجات أو مكوناتها من الخارج.

ارتفاع الرسوم الجمركية يعنى زيادة تكاليف الإنتاج، التى ستنتقل فى نهاية المطاف إلى المستهلك. وهذا قد يؤدى إلى زيادة معدل التضخم، ما سيؤثر فى القوة الشرائية للأسر الأمريكية، وخاصة ذات الدخل المنخفض والمتوسط التى تنفق نسبة كبيرة من دخلها على السلع الأساسية. ومع ارتفاع الأسعار، قد تتراجع القدرة الشرائية، ما قد يؤدى إلى تباطؤ النمو فى القطاعات التى تعتمد على الاستهلاك المحلى، مثل تجارة التجزئة والخدمات. 

هيمنة أمريكية

لا أحد ينكر أن الولايات المتحدة كانت تقود النظام التجارى العالمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث لعبت دور الحارس للأسواق المفتوحة، وبلغ هذا الدور ذروته مع تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995. لكن الآن، مع فرض هذه الرسوم الجمركية، فإن واشنطن تنتهك بوضوح مبدأ عدم التمييز الذى يعد إحدى الركائز الأساسية للمنظمة، ما يضعف مصداقيتها على الساحة الدولية ويفتح المجال أمام إعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمى بعيدا عن الهيمنة الأمريكية. وما يؤكد هذا الكلام ما أصاب الأسواق الأمريكية من انهيار عقب الاعلان عن تطبيق هذه القرارات وكأنه تأثير مباشر وسريع.

بدائل سريعة

ردود الفعل الدولية جاءت سريعة، حيث أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبى جاهز للرد بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الأمريكية، خاصة فى قطاع الخدمات والتكنولوجيا. اليابان بدورها أكدت أن جميع الخيارات متاحة أمامها، بينما تدرس بعض الحكومات التنسيق فيما بينها لاتخاذ إجراءات انتقامية منسقة، ما ينبئ باندلاع حرب تجارية واسعة النطاق قد تعيد تشكيل الاقتصاد العالمى. 

دول العالم بدأت تبحث عن بدائل، ولم تعد تحاول إنقاذ النظام القديم، بل تبنى ترتيبات جديدة تقلل من اعتمادها على الطلب الأمريكى وتحميها من فائض الإنتاج الصينى المدعوم حكوميا. هذا التحول لا يعكس فقط الغضب من السياسات الأمريكية، بل أيضا إدراكا متزايدا بأن الاعتماد على سوق واحد، سواء كان أمريكا أو الصين، لم يعد مستداما فى ظل التوترات التجارية المتصاعدة. 

الاتحاد الأوروبى وكندا أعلنا بالفعل عن تعريفات جمركية انتقامية بمليارات الدولارات ردا على رسوم ترامب السابقة على الألومنيوم والصلب. هذه الإجراءات يتم تبريرها باعتبارها «تدابير وقائية» مسموح بها وفقا لقوانين منظمة التجارة العالمية، وهو تلاعب قانونى واضح، لكنه يمر دون معارضة حقيقية بسبب شلل هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة، ما يعكس تفكك النظام القانونى الذى حكم التجارة العالمية لعقود. 

دفاع الدول الناشئة

الدول الناشئة مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل بدأت تتخذ إجراءات لحماية أسواقها من الطوفان المتوقع من الصادرات الصينية، لكنها تفعل ذلك بطرق أكثر إستراتيجية، من خلال فرض تعريفات انتقائية والتفاوض على اتفاقيات جديدة مع شركاء تجاريين متنوعين. 

منظمة التجارة العالمية لا تزال تلعب دورا، رغم ضعفها، حيث إنها توفر الإطار القانونى لأكثر من 80 % من التجارة العالمية. الاتحاد الأوروبى و16 دولة أخرى، بما فى ذلك الصين، أنشأوا آلية تحكيم بديلة لتعويض انهيار نظام تسوية النزاعات فى المنظمة. 

اتفاقيات تجارية إقليمية بدأت تحل محل النظام العالمى المتعثر، حيث يبرز اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ كأحد أهم الأطر التى تضع قواعد جديدة للتجارة، تشمل معايير رقمية وبيئية وعمالية أكثر صرامة. الصين تحاول الانضمام إلى هذا الاتفاق، لكن الدول الأعضاء تشترط عليها إصلاح سياساتها التجارية أولا. 

بعض الدول الأوروبية تفكر فى الانضمام إلى اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، لكن ذلك يظل احتمالا ضعيفا بسبب الفروقات التنظيمية الكبيرة بين أوروبا وأعضاء الاتفاق. بدلا من ذلك، تركز بروكسل على اتفاقيات ثنائية، مثل الاتفاق الرقمى مع كوريا الجنوبية، الذى يعد خطوة نحو وضع معايير جديدة للتجارة الإلكترونية. 

التجارة العالمية تتجه نحو التعددية القطبية، حيث لم يعد النظام التجارى يدار من قبل أمريكا والصين وحدهما، بل باتت قوى أخرى مثل الاتحاد الأوروبى والهند والبرازيل تلعب دورا فى صياغة القواعد الجديدة. هذا التحول يعكس عالما أكثر انقساما لكنه أيضا أكثر توازنا تجاريا. 

الصين تسعى لاستغلال تراجع النفوذ الأمريكى لتعزيز علاقاتها التجارية، حيث بدأت محادثات جديدة مع اليابان وكوريا الجنوبية بعد توقف دام خمس سنوات، كما عرضت على الهند زيادة الواردات من المنتجات الهندية، فى محاولة لإعادة تشكيل التوازن التجارى الإقليمى. 

السيناريوهات المستقبلية تعتمد على موقف أوروبا، فإذا قررت تشكيل تحالف قوى مع حلفائها التجاريين، فقد تنجح فى إعادة بناء نظام تجارى عالمى أكثر استقرارا. أما إذا فشلت فى توحيد صفوفها، فقد تجد نفسها مضطرة للعب وفق القواعد الصينية، ما قد يؤدى إلى نظام تجارى أكثر فوضوية وأقل عدالة.

مصر أقل ضررا

 الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على كل الواردات الأمريكية لن يكون لها تأثيرات سلبية ملحوظة فى الصادرات المصرية كما يروج بعض المحللين، والمخاوف المنتشرة حاليا من خسارتنا للسوق الأمريكى فيها قدر كبير من المبالغة والمخاوف غير المبررة خاصة أن تلك الرسوم الجمركية لم يتم فرضها على السلع المصرية وحدها وإنما شمل القرار معظم السلع من الدول الأخرى.

بمراجعة جميع الرسوم الجمركية الجديدة سنجد أنه تمت زيادة الجمارك على أغلب الواردات الأمريكية من الدول المنافسة لمصر بقيمة أعلى بكثير من المقررة على صادراتنا وتُعد مصر من بين الدول التى شملتها الرسوم الأدنى ضمن جدول التعريفات، إلى جانب السعودية، والإمارات، والمغرب، وسلطنة عمان، ولبنان، والسودان

هذا بالإضافة إلى أننا نمتلك ميزة إضافية وهى انخفاض سعر العملة المحلية مقابل الدولار الأمر الذى يعطى ميزة تنافسية كبيرة للمنتجات المصرية.  

أكثر من 45.5 % من إجمالى الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكى تندرج فى قطاعات الملابس الجاهزة والأقمشة وكان من أكثر المنافسين لنا فى هذا السوق دول الصين وباكستان وفيتنام والفلبين، وهى من أعلى الدول التى فرض عليها الرئيس الأمريكى رسوما جديدة وصلت إلى 67 % للصين و90 % لفيتنام و58 % لباكستان و34 % للفلبين مقابل 10 % فقط على الواردات المصرية.

 تحمل هذه السياسة الاقتصادية العديد من المخاطر المحتملة، على الرغم من الأهداف التى تسعى لتحقيقها. صحيح أن ترامب يراهن على أن فرض التعريفات الجمركية يعيد التوازن إلى الميزان التجارى الأمريكى ويحمى الوظائف فى القطاعات المتضررة، لكن التداعيات السلبية المحتملة –مثل ارتفاع الأسعار، وتباطؤ النمو، وتضرر العلاقات التجارية– قد تجعل هذه المقامرة الاقتصادية سلاحا ذا حدين.

يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع هذه السياسة تحقيق النتائج التى وعد بها ترامب أم أن الاقتصاد الأمريكى سيجد نفسه فى موقف أصعب مما كان عليه قبل فرض هذه الإجراءات؟

 

>>>>>

رئيـــــس الــوزراء:

الحكومة تعمل بجميع جهاتها لاستيعاب تداعيات الحرب التجارية العالميــــــة

قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إنّ الحكومة تعمل بجميع جهاتها المعنية لاستيعاب جميع السيناريوهات التي قد تحدث؛ لمواجهة الحرب الاقتصادية والتجارية العالمية.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن الخبراء الدوليين، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، يحذرون من احتمالية حدوث موجة تضخم كبيرة مصحوبة بركود اقتصادي عالمي.

وأوضح، أن هذا الوضع يفرض على جميع الدول العمل على تعزيز قدرتها على الصمود وتحقيق أقصى استفادة ممكنة مع تجنب أي آثار سلبية لما تشهده الأسواق العالمية من اضطرابات كبيرة، وانهيار في البورصات وخروج الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، قائلًا: "مصر جزء من هذا المشهد". وأشار، إلى أن مصر شهدت موجات خروج للأجانب خلال الأيام الماضية، لكن هذا الاتجاه بدأ يتباطأ، وأكد أن الحكومة المصرية تتعامل مع هذا الوضع من خلال تنسيق كامل ومستمر بين البنك المركزي والسياسة النقدية للدولة، وذلك على مدار الساعة.

وأضاف، أنّ الأوضاع مستقرة في مصر وكل ما يحتاجه الشعب متوافر، حيث تعمل الحكومة على تأمين احتياجات المواطن قبل دخول فصل الصيف، وهناك اجتماعات مكثفة أسبوعيًا من وزراء المالية والبترول والكهرباء إضافة إلى البنك المركزي، لمتابعة الأمور أولًا بأول.

اخر اصدار