بقلم : طلال أبوغزاله
تاريخيا، تمتع الشمال العالمى بثمار الثورات الصناعية والرقمية، فى حين تُرك الجنوب العالمى وراءه ليؤدى دور “المطبخ” الذى يزود العمالة الرخيصة والموارد. وقد أدى ذلك إلى حدوث فجوة تكنولوجية واسعة بين هاتين الكتلتين، وهو ما يظهر بوضوح فى عالم الذكاء الاصطناعى فى الوقت الراهن.
تتركز شركات الذكاء الاصطناعى فى الشمال العالمى، وهذا هو عامل رئيسى فى استدامة هذه الفجوة، حيث تستثمر هذه الشركات مليارات الدولارات فى الذكاء الاصطناعى، ما يتيح لها الاستفادة من مزايا الريادة فى المجال. ولديها القدرة على جذب أفضل المواهب، وتأمين مجموعات بيانات ضخمة، واحتكار أحدث التقنيات لبناء نماذجها للذكاء الاصطناعي. وبالتالى، فإن تطوير الذكاء الاصطناعى يميل لصالح الشمال العالمى.
لتصحيح هذه المعضلة، من الضرورى دمقرطة الذكاء الاصطناعى. فالجنوب العالمى يحتاج إلى ثورة خاصة به فى هذا المجال. وقد يشكل مفهوم النماذج المفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعى حلا، حيث يتيح لهذه التكنولوجيا الحيوية أن تكون فى متناول عدد أكبر من الأفراد. ومن شأن ذلك أن يُسهِم فى تقليص الفجوة، حيث ستتمكن الدول فى تلك المنطقة من الحصول على فرصة أفضل للمشاركة فى الاقتصاد الجديد للذكاء الاصطناعى.
مع ذلك، فإن تجاوز هذه الفجوة لا يخلو من التعقيدات، فالبنية التحتية غير الكافية، والتعليم ذو الجودة المنخفضة، ونقص التمويل فى البحث والتطوير هى بعض القيود العديدة التى يواجهها الجنوب العالمى. وبصفتى رئيسا سابقا لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNGAID) ومؤسسا للعديد من المعاهد التعليمية والتدريبية، أرى أن هذه التحديات يمكن معالجتها من خلال الاستثمار فى التعليم، بما فى ذلك جعل تعلم البرمجة وفهم الذكاء الاصطناعى أمرا إلزاميا لتحفيز العقول الشابة. يحتاج هذا الجيل إلى قاعدة قوية فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، تماما كما تفعل الصين، لتزويد الشباب بالأسس اللازمة لبناء مستقبل قوى فى مجال الذكاء الاصطناعى.
إن وجود بنية تحتية رقمية قوية وفعّالة لدعم الابتكار فى الذكاء الاصطناعى يعد أمرا بالغ الأهمية. ويتطلب ذلك تحسين الوصول إلى الإنترنت، وبناء مراكز بيانات متطورة، ودعم تطوير المراكز التقنية المحلية والوطنية فى هذه الدول. كما أن وضع إطار سياسات للذكاء الاصطناعى يدعم الابتكار، ويعزز سيادة البيانات، ويشجع الاستخدام المسئول للذكاء الاصطناعي، يمثل أهمية كبيرة أيضا، بما فى ذلك تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص لخلق بيئة ملائمة لنمو الذكاء الاصطناعى.
يجب ألا يُسمح بتوسيع هذه الفجوة الرقمية الجديدة، والتى لا يمكن سدها دون دعم المجتمع العالمى، الذى يشمل المنظمات والشركات التقنية والدول المتقدمة التى تسهم فى تطوير الذكاء الاصطناعى فى الجنوب العالمى من خلال توفير الموارد والتمويل والخبرات. يتطلب ذلك تحفيز الابتكار على المستوى الشعبى، وتعزيز المشروعات المجتمعية، ودعم الشركات الناشئة المبتكرة، بهدف تطوير حلول تلامس القضايا المحلية وتعزز ثقافة الابتكار.
لذلك فمن من الضرورى تمكين الجنوب العالمى من المساهمة فى تشكيل نظام تكنولوجى عادل للذكاء الاصطناعى على الصعيد العالمى. إن الشباب فى هذه الدول هم من جيل العصر الرقمى، ويمكنهم أن يكونوا قوة محورية فى تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعى، ما يجعل الجنوب العالمى مشاركا فاعلا فى هذا العالم الجديد المدفوع بتقنيات الذكاء الاصطناعى.