%60 احتمالات دخول العالم في ركود بنهاية العام الجاري
40 دولارا سعر برميل النفط المتوقع وفقا لاكثر التوقعات الاقتصادية تشاؤما
إعداد: شريفة عبد الرحيم
يوما بعد يوم، تتنامى مؤشرات واحتمالات الركود فى الولايات المتحدة. وبحسب 92 % من الاقتصاديين الذين استطلعت آراءهم وكالة «بلومبرج» مؤخرا، فإن احتمال ركود الاقتصاد الأمريكى بات أعلى من أى وقت مضى. ويرجح كثيرون أن الولايات المتحدة «تمر بحالة ركود»، حتى إن لم تظهر فى البيانات الرسمية.
تقول ريشما كاباديا فى مجلة «بارونز» إن النظام الاقتصادى العالمى لما بعد الحرب العالمية الثانية انتهى. فيوم الأربعاء 9 إبريل، دخلت رسوم استيراد أمريكية شاملة حيز التنفيذ على معظم دول العالم، بما فى ذلك رسوم جمركية بنسبة 20 % على الاتحاد الأوروبى و104 % على الصين. وكما حدث خلال وباء كوفيد19، تشهد سلاسل التوريد العالمية فائقة الكفاءة اضطرابا، ما يزيد من الضغوط التضخمية. ورفعت الرسوم الجمركية الأخيرة، التى كشف عنها دونالد ترامب يوم الأربعاء 2 إبريل فى فعالية عرفت بـ»يوم التحرير»، متوسط معدل الرسوم الجمركية الأمريكية من 2.5 % العام الماضى إلى 22 % حاليا، وفقا لحسابات وكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى، وهو أعلى مستوى منذ عام 1910.
فى أحدث مؤشر على احتمال حدوث ركود عالمى، خفض محللو «جولدمان ساكس» توقعاتهم لأسعار النفط، إلى 62 دولارا لبرميل برنت فى عام 2025، وفقا لسيناريو خفض التعريفات الجمركية، إفلات الولايات المتحدة من الركود، وقيام دول منظمة أوبك بزيادة إنتاجها على نحو متواضع فقط فى الأشهر التالية لزيادة شهر مايو.
لكن فى حال كانت التعريفات مرتفعة وحدث ركود، فإن الأسعار ربما تنخفض إلى مستوى 50 دولارا للبرميل بنهاية العام.
أما أكثر التوقعات تشاؤما، فتشير إلى احتمال انخفاض الأسعار إلى أقل من 40 دولارا للبرميل.
وحذر رأى داليو مؤسس شركة الاستثمار «بريدج ووتر أسوشيتس» أن الركود محتمل، لكنه ليس ركودا طبيعيا، وإنما على نحو يغير النظام النقدى.كان الرئيس دونالد ترامب أعلن عن فترة سماح مدتها 90 يوما لبعض الرسوم الجمركية، بعد موجة بيع واسعة فى سوق السندات، إلا أن المستثمرين استمروا فى بيع حيازاتهم من السندات، ما أدى إلى ارتفاع حاد فى عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، ما أثار الشكوك حول مكانة تلك الأصول كملاذ آمن منذ فترة طويلة.
فتجميد الرئيس الأمريكى للرسوم الجمركية المتبادلة الشاملة، التى أدت إلى هبوط حاد فى أسعار الأسهم وفوضى فى سوق السندات، لم تكن كافية لاستعادة الثقة فى الاقتصاد، ما يعنى حالة أن عدم اليقين أطول وأكثر تفاقما.
وقال داليو إنه يجب على الكونجرس خفض العجز الفيدرالى إلى 3 % من الناتج المحلى الإجمالى، حتى لا يحدث مشكلة فى العرض والطلب على الديون، وستكون نتائج ذلك أسوأ من أى ركود اقتصادى عادى.
وحذر داليو من انهيار سوق السندات، الذى ربما يشكل صدمة أشد للنظام النقدى من إلغاء الرئيس ريتشارد نيكسون لمعيار الذهب عام 1971 والأزمة المالية العالمية عام 2008.
أما لارى فينك الرئيس التنفيذى لشركة «بلاك روك» فأكد أن الولايات المتحدة قريبة للغايه من الركود وربما تكون فى حالة ركود حاليا.
كانت مخاوف من تباطؤ الاقتصاد بشكل حاد ارتفعت منذ إعلان ترامب عن رسوم جمركية واسعة النطاق قبل أسبوعين، ما أثار موجة بيع فى سوق الأسهم.
وعلى الرغم من مخاوفه بشأن الاقتصاد، قال فينك إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة تمر بأزمة مالية وأن «الاتجاهات الكبرى» فى الاقتصاد مثل الذكاء الاصطناعى سوف تستمر، لكن النمو الضعيف ربما يتحول إلى سلبى.
كشفت استطلاعات رأى المستهلكين وقادة الأعمال تراجعا فى معنوياتهم فى الأشهر الأخيرة. ومع ذلك، صمدت بيانات اقتصادية أخرى، مثل نمو الوظائف ومبيعات التجزئة، بشكل افضل. وأشار فينك إلى قيام المستهلكين بتخزين السلع قبل فرض الرسوم الجمركية، ما أخفى بعض الضعف الاقتصادى الكامن.
وفى فعالية للنادى الاقتصادى فى نيويورك، قال فينك إن رؤساء تنفيذيين آخرين يعتقدون أيضا أن الولايات المتحدة «على الأرجح تمر بحالة ركود».
أشار تقرير لمجلة تايم إلى تحذيرات خبراء اقتصاديون من أن الحرب التجارية التى يشنها الرئيس الأمريكى، التى بلغت ذروتها مؤخرا، من المرجح أن تضر بالأمريكيين أكثر من أى دولة أخرى، ففرض الضرائب على جميع الواردات سوف يزيد التكاليف على الشركات الأمريكية، ما سيرفع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، وربما يدفع الولايات المتحدة إلى حالة ركود اقتصادى مستدام. وبرأى كلوديا ساهم، كبيرة الاقتصاديين فى شركة «نيو سينشرى أدفايزرز»، أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تجنب الركود إذا ظلت التعريفات الجمركية عند المستوى الذى تم الإعلان عنه. ومجموعة من التأثيرات المتتالية ستمتد إلى جميع أنحاء العالم.
فى الوقت نفسه، رفع بنك «جى بى مورجان» توقعاته لاحتمال دخول الاقتصاد العالمى فى حالة ركود بحلول نهاية العام من 40 % إلى 60 %.
ففى حين أن الهدف المعلن لترامب من التعريفات الجمركية «المتبادلة» هو زيادة التصنيع فى الولايات المتحدة، فإن التأثير الفعلى ربما يكون «أضعاف الطلب والإنتاج العالميين»، سواء فى الولايات المتحدة أو فى جميع أنحاء العالم، برأى جا إيان تشونج، الأستاذ المشارك للعلوم السياسية فى الجامعة الوطنية فى سنغافورة والباحث غير المقيم فى مركز كارنيجى الصين.
ومن المؤكد أن المصنعين والمستوردين الأمريكيين أول من يشعر بالتأثيرات، وفقا لكريستينا فونج، الباحثة فى الشئون الاقتصادية فى مركز دراسات «آسيان» التابع لمعهد «يوسف إسحاق» فى سنغافورة.
فإذا اختار المستوردون الأمريكيون تحمل تكلفة الرسوم الجمركية، فإن أرباحهم ستنخفض. وذلك ربما يؤدى إلى تغييرات فى هياكل تكاليف الشركات، مثل تقليص حجم العمليات وتسريح العمال.
أما إذا حمل المستوردون المستهلكين الأمريكيين بعضا من تكلفة الرسوم الجمركية أو كلها، وهو أمر مرجح، فسيخفض المستهلكون إنفاقهم، الذى سيؤثر على الشركات -الأمريكية والأجنبية- بانخفاض الطلب الناتج عن ذلك، وربما يسفر أيضا عن تسريح للعمال.
الجدير بالذكر هنا أنه لا تصنع وتجمع معظم السلع من البداية إلى النهاية فى دولة واحدة. وربما يستخدم المنتج الذى يحمل علامة «صنع فى الولايات المتحدة الأمريكية» أو «صنع فى الصين» مكونات مستوردة من دول أخرى. يقول خبراء فى حال انخفاض الطلب فى الولايات المتحدة، لن يقتصر الأمر على توقف دخول البضائع إلى الولايات المتحدة، بل سينخفض أيضا الطلب على المكونات المستخدمة فى تجميع تلك البضائع.
على صعيد آخر، تستفيد الشركات حول العالم من الخدمات المصرفية، والبرمجيات، والهندسة، والخدمات القانونية، وغيرها من الخدمات، التى تعد الولايات المتحدة مصدرا رئيسيا للعديد منها. فانخفاض الإنتاج يعنى عدم الحاجة إلى الكثير من الخدمات.
على سبيل المثال، مع انخفاض الطلب على السلع، ستتأثر خدمات الإعلان أيضا، ما قد يدفع عددا كبيرا من الشركات إلى خفض التكاليف.
وربما تؤثر حرب ترامب التجارية أيضا على الأمن والتحالفات الدولية، فالولايات المتحدة شريك تجارى رئيسى لأجزاء من العالم، بما فى ذلك جنوب شرق آسيا، التى تربطها بها أيضا علاقات دبلوماسية ودفاعية مهمة. وقال جايانت مينون، الباحث فى معهد «يوسف أسحاق لمجلة «تايم» إن ذلك قابل للتغيير. وستكون فترة تكيف، لكنها قابلة للتغيير.
وتتوقع شركة «بى إن جى” أن يكون الركود العالمى المحتمل الناتج عن الرسوم الجمركية مماثلا لحجم الأزمة المالية العالمية عام 2008، التى تسببت فى ركود كبير استمر 18 شهرا، وأسوأ تباطؤ اقتصادى عالمى منذ الكساد الكبير.
والتوترات التجارية ستؤثر على الاستثمارات، إلا أن المراكز المالية مثل سنغافورة ربما تكون بمنأى نسبيا عن الأسوأ، بينما ستتضرر الدول التى تعتمد بشكل كبير على التجارة بشدة.
مؤشرات على الركود
حدد الخبراء ثلاثة مؤشرات تحذيرية جديرة بالمتابعة، وهى:
أولا، فيما يتعلق بتداعيات رسوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الجمركية من إشعال حرائق عارمة فى أسواق الأسهم العالمية، ما أثار تساؤلات حول اتجاه العالم نحو الركود.
فوفقا لإحصاءات «بلومبرج» خسرت شركات مؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة 9.5 ترليون دولار من قيمتها السوقية فى غضون أسبوعين من إعلان ترامب عن رسومه الجمركية.
والهبوط الحاد فى قيم سوق الأسهم، كما حدث مؤخرا، تعنى إعادة تقييم جذرية للأرباح المستقبلية للشركات التى تشكل أسواق الأسهم العالمية.وما تتوقعه الأسواق بشكل منطقى تماما هو أن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدى إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الأرباح.
ذلك لا يعنى أن الركود أمر لا مفر منه، ولكن من الواضح أن احتمالات حدوثه أعلى بكثير مما كانت عليه قبل إعلان ترامب عن أعلى الرسوم الجمركية وأوسعها نطاقا منذ قرن.
الجدير بالذكر هنا أنه فى خضم انهيارات أسواق الأسهم، سقط عدد من الضحايا المروعين والمقلقين.
فغالبا ما تعتبر البنوك انعكاسا للاقتصادات. وكما أشار أحد مراقبى السوق المرموقين انهيار البنوك يثير مخاوف واسعة النطاق، حيث انخفضت أسهم كل من بنكى «إتش إس بى سى” و»ستاندرد تشارترد» اللذان يعملان عند تقاطع التجارة الدولية بين الشرق والغرب بأكثر من 10 % بين عشية وضحاها قبل أن يستعيدا بعض عافيتهما.
وهناك مؤشرات تحذيرية أخرى ليست فى أسواق الأسهم، وإنما فى بورصات السلع .فتعتبر أسعار النحاس والنفط مقياسا لصحة الاقتصاد العالمى.
وانخفض كلاهما بأكثر من 15 % منذ إعلان ترامب عن فرضه المفاجئ للرسوم الجمركية.
يذكر أن العالم لم يشهد الكثير من حالات الركود العالمى الحقيقى.
وتعد ثلاثينيات القرن الماضى، وتداعيات الأزمة المالية الكبرى، والذعر الذى أحاط بوباء كوفيد19، ثلاثة أمثلة نادرة على فترات انكماش متزامنة فى الاقتصادات الكبرى.ولا يرجح الخبراء حدوث ركود على ذلك النطاق حاليا، ولكن احتمالات الركود فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى ارتفعت بشكل كبير من قبل معظم المحللين الاقتصاديين.