رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

الركود التضخمى.. السيناريو الأكثر توقعا للولايات المتحدة

7-5-2025 | 14:10

%60 احتمالات‭ ‬دخول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ركود‭ ‬بنهاية‭ ‬العام‭ ‬الجاري

40 دولارا‭  ‬سعر‭ ‬برميل‭ ‬النفط‭ ‬المتوقع‭ ‬وفقا‭ ‬لاكثر‭ ‬التوقعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تشاؤما‭ ‬

‭   ‬إعداد‭: ‬شريفة‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬

 

يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬تتنامى‭ ‬مؤشرات‭ ‬واحتمالات‭ ‬الركود‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وبحسب‭ ‬92‭ % ‬من‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬الذين‭ ‬استطلعت‭ ‬آراءهم‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬بلومبرج‮»‬‭ ‬مؤخرا،‭ ‬فإن‭ ‬احتمال‭ ‬ركود‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكى‭ ‬بات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭. ‬ويرجح‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬تمر‭ ‬بحالة‭ ‬ركود‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬فى‭ ‬البيانات‭ ‬الرسمية‭.‬

تقول‭ ‬ريشما‭ ‬كاباديا‭ ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬بارونز‮»‬‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادى‭ ‬العالمى‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬انتهى‭. ‬فيوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬9‭ ‬إبريل،‭ ‬دخلت‭ ‬رسوم‭ ‬استيراد‭ ‬أمريكية‭ ‬شاملة‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬بنسبة‭ ‬20‭ % ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬و104‭ % ‬على‭ ‬الصين‭. ‬وكما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬وباء‭ ‬كوفيد19،‭ ‬تشهد‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية‭ ‬فائقة‭ ‬الكفاءة‭ ‬اضطرابا،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬التضخمية‭. ‬ورفعت‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬التى‭ ‬كشف‭ ‬عنها‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬2‭ ‬إبريل‭ ‬فى‭ ‬فعالية‭ ‬عرفت‭ ‬بـ‮»‬يوم‭ ‬التحرير‮»‬،‭ ‬متوسط‭ ‬​​معدل‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬2‭.‬5‭ % ‬العام‭ ‬الماضى‭ ‬إلى‭ ‬22‭ % ‬حاليا،‭ ‬وفقا‭ ‬لحسابات‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬فيتش‮»‬‭ ‬للتصنيف‭ ‬الائتمانى،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1910‭.‬

فى‭ ‬أحدث‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬احتمال‭ ‬حدوث‭ ‬ركود‭ ‬عالمى،‭ ‬خفض‭ ‬محللو‭ ‬‮«‬جولدمان‭ ‬ساكس‮»‬‭ ‬توقعاتهم‭ ‬لأسعار‭ ‬النفط،‭ ‬إلى‭ ‬62‭ ‬دولارا‭ ‬لبرميل‭ ‬برنت‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬وفقا‭ ‬لسيناريو‭ ‬خفض‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية،‭ ‬إفلات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الركود،‭ ‬وقيام‭ ‬دول‭ ‬منظمة‭ ‬أوبك‭ ‬بزيادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متواضع‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬الأشهر‭ ‬التالية‭ ‬لزيادة‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭.‬

لكن‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬كانت‭ ‬التعريفات‭ ‬مرتفعة‭ ‬وحدث‭ ‬ركود،‭ ‬فإن‭ ‬الأسعار‭ ‬ربما‭ ‬تنخفض‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬50‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل‭ ‬بنهاية‭ ‬العام‭.‬

أما‭ ‬أكثر‭ ‬التوقعات‭ ‬تشاؤما،‭ ‬فتشير‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬انخفاض‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل‭.‬

وحذر‭ ‬رأى‭ ‬داليو‭ ‬مؤسس‭ ‬شركة‭ ‬الاستثمار‭ ‬‮«‬بريدج‭ ‬ووتر‭ ‬أسوشيتس‮»‬‭ ‬أن‭ ‬الركود‭ ‬محتمل،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬ركودا‭ ‬طبيعيا،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يغير‭ ‬النظام‭ ‬النقدى‭.‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬سماح‭ ‬مدتها‭ ‬90‭ ‬يوما‭ ‬لبعض‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية،‭ ‬بعد‭ ‬موجة‭ ‬بيع‭ ‬واسعة‭ ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬السندات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المستثمرين‭ ‬استمروا‭ ‬فى‭ ‬بيع‭ ‬حيازاتهم‭ ‬من‭ ‬السندات،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬حاد‭ ‬فى‭ ‬عائد‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأجل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬مكانة‭ ‬تلك‭ ‬الأصول‭ ‬كملاذ‭ ‬آمن‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭.‬

فتجميد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬للرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬المتبادلة‭ ‬الشاملة،‭ ‬التى‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هبوط‭ ‬حاد‭ ‬فى‭ ‬أسعار‭ ‬الأسهم‭ ‬وفوضى‭ ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬السندات،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لاستعادة‭ ‬الثقة‭ ‬فى‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬حالة‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬أطول‭ ‬وأكثر‭ ‬تفاقما‭. ‬

وقال‭ ‬داليو‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الكونجرس‭ ‬خفض‭ ‬العجز‭ ‬الفيدرالى‭ ‬إلى‭ ‬3‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلى‭ ‬الإجمالى،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬مشكلة‭ ‬فى‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬على‭ ‬الديون،‭ ‬وستكون‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادى‭ ‬عادى‭.‬

وحذر‭ ‬داليو‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬سوق‭ ‬السندات،‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬يشكل‭ ‬صدمة‭ ‬أشد‭ ‬للنظام‭ ‬النقدى‭ ‬من‭ ‬إلغاء‭ ‬الرئيس‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‭ ‬لمعيار‭ ‬الذهب‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬والأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008‭.‬

أما‭ ‬لارى‭ ‬فينك‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذى‭ ‬لشركة‭ ‬‮«‬بلاك‭ ‬روك‮»‬‭ ‬فأكد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قريبة‭ ‬للغايه‭ ‬من‭ ‬الركود‭ ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬ركود‭ ‬حاليا‭. ‬

كانت‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬تباطؤ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭ ‬ارتفعت‭ ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬بيع‭ ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مخاوفه‭ ‬بشأن‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬قال‭ ‬فينك‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تمر‭ ‬بأزمة‭ ‬مالية‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬الاتجاهات‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬فى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬مثل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعى‭ ‬سوف‭ ‬تستمر،‭ ‬لكن‭ ‬النمو‭ ‬الضعيف‭ ‬ربما‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬سلبى‭.‬

كشفت‭ ‬استطلاعات‭ ‬رأى‭ ‬المستهلكين‭ ‬وقادة‭ ‬الأعمال‭ ‬تراجعا‭ ‬فى‭ ‬معنوياتهم‭ ‬فى‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬صمدت‭ ‬بيانات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬نمو‭ ‬الوظائف‭ ‬ومبيعات‭ ‬التجزئة،‭ ‬بشكل‭ ‬افضل‭. ‬وأشار‭ ‬فينك‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬المستهلكين‭ ‬بتخزين‭ ‬السلع‭ ‬قبل‭ ‬فرض‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية،‭ ‬ما‭ ‬أخفى‭ ‬بعض‭ ‬الضعف‭ ‬الاقتصادى‭ ‬الكامن‭.‬

وفى‭ ‬فعالية‭ ‬للنادى‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬نيويورك،‭ ‬قال‭ ‬فينك‭ ‬إن‭ ‬رؤساء‭ ‬تنفيذيين‭ ‬آخرين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬تمر‭ ‬بحالة‭ ‬ركود‮»‬‭.‬

أشار‭ ‬تقرير‭ ‬لمجلة‭ ‬تايم‭ ‬إلى‭ ‬تحذيرات‭ ‬خبراء‭ ‬اقتصاديون‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬التى‭ ‬يشنها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى،‭ ‬التى‭ ‬بلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬مؤخرا،‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تضر‭ ‬بالأمريكيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬ففرض‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الواردات‭ ‬سوف‭ ‬يزيد‭ ‬التكاليف‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ما‭ ‬سيرفع‭ ‬الأسعار‭ ‬على‭ ‬المستهلكين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وربما‭ ‬يدفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادى‭ ‬مستدام‭. ‬وبرأى‭ ‬كلوديا‭ ‬ساهم،‭ ‬كبيرة‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬فى‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬نيو‭ ‬سينشرى‭ ‬أدفايزرز‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجنب‭ ‬الركود‭ ‬إذا‭ ‬ظلت‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬عند‭ ‬المستوى‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭. ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬المتتالية‭ ‬ستمتد‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬رفع‭ ‬بنك‭ ‬‮«‬جى‭ ‬بى‭ ‬مورجان‮»‬‭ ‬توقعاته‭ ‬لاحتمال‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬ركود‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬40‭ % ‬إلى‭ ‬60‭ %.‬

ففى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭ ‬لترامب‭ ‬من‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬‮«‬المتبادلة‮»‬‭ ‬هو‭ ‬زيادة‭ ‬التصنيع‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬التأثير‭ ‬الفعلى‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬أضعاف‭ ‬الطلب‭ ‬والإنتاج‭ ‬العالميين‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬برأى‭ ‬جا‭ ‬إيان‭ ‬تشونج،‭ ‬الأستاذ‭ ‬المشارك‭ ‬للعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬فى‭ ‬سنغافورة‭ ‬والباحث‭ ‬غير‭ ‬المقيم‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬كارنيجى‭ ‬الصين‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المصنعين‭ ‬والمستوردين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يشعر‭ ‬بالتأثيرات،‭ ‬وفقا‭ ‬لكريستينا‭ ‬فونج،‭ ‬الباحثة‭ ‬فى‭ ‬الشئون‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬‮«‬آسيان‮»‬‭ ‬التابع‭ ‬لمعهد‭ ‬‮«‬يوسف‭ ‬إسحاق‮»‬‭ ‬فى‭ ‬سنغافورة‭.‬

فإذا‭ ‬اختار‭ ‬المستوردون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬تحمل‭ ‬تكلفة‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية،‭ ‬فإن‭ ‬أرباحهم‭ ‬ستنخفض‭. ‬وذلك‭ ‬ربما‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬تغييرات‭ ‬فى‭ ‬هياكل‭ ‬تكاليف‭ ‬الشركات،‭ ‬مثل‭ ‬تقليص‭ ‬حجم‭ ‬العمليات‭ ‬وتسريح‭ ‬العمال‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬حمل‭ ‬المستوردون‭ ‬المستهلكين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬أو‭ ‬كلها،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مرجح،‭ ‬فسيخفض‭ ‬المستهلكون‭ ‬إنفاقهم،‭ ‬الذى‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ -‬الأمريكية‭ ‬والأجنبية‭- ‬بانخفاض‭ ‬الطلب‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وربما‭ ‬يسفر‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬تسريح‭ ‬للعمال‭.‬

الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬وتجمع‭ ‬معظم‭ ‬السلع‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬النهاية‭ ‬فى‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭. ‬وربما‭ ‬يستخدم‭ ‬المنتج‭ ‬الذى‭ ‬يحمل‭ ‬علامة‭ ‬‮«‬صنع‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬صنع‭ ‬فى‭ ‬الصين‮»‬‭ ‬مكونات‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬يقول‭ ‬خبراء‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬انخفاض‭ ‬الطلب‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لن‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬توقف‭ ‬دخول‭ ‬البضائع‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بل‭ ‬سينخفض‭ ‬​​أيضا‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬المكونات‭ ‬المستخدمة‭ ‬فى‭ ‬تجميع‭ ‬تلك‭ ‬البضائع‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬تستفيد‭ ‬الشركات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬المصرفية،‭ ‬والبرمجيات،‭ ‬والهندسة،‭ ‬والخدمات‭ ‬القانونية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الخدمات،‭ ‬التى‭ ‬تعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مصدرا‭ ‬رئيسيا‭ ‬للعديد‭ ‬منها‭. ‬فانخفاض‭ ‬الإنتاج‭ ‬يعنى‭ ‬عدم‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬السلع،‭ ‬ستتأثر‭ ‬خدمات‭ ‬الإعلان‭ ‬أيضا،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬التكاليف‭.‬

وربما‭ ‬تؤثر‭ ‬حرب‭ ‬ترامب‭ ‬التجارية‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والتحالفات‭ ‬الدولية،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شريك‭ ‬تجارى‭ ‬رئيسى‭ ‬لأجزاء‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬التى‭ ‬تربطها‭ ‬بها‭ ‬أيضا‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬ودفاعية‭ ‬مهمة‭. ‬وقال‭ ‬جايانت‭ ‬مينون،‭ ‬الباحث‭ ‬فى‭ ‬معهد‭ ‬‮«‬يوسف‭ ‬أسحاق‭ ‬لمجلة‭ ‬‮«‬تايم‮»‬‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬قابل‭ ‬للتغيير‭. ‬وستكون‭ ‬فترة‭ ‬تكيف،‭ ‬لكنها‭ ‬قابلة‭ ‬للتغيير‭.‬

وتتوقع‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬بى‭ ‬إن‭ ‬جى”‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الركود‭ ‬العالمى‭ ‬المحتمل‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬مماثلا‭ ‬لحجم‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬التى‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬ركود‭ ‬كبير‭ ‬استمر‭ ‬18‭ ‬شهرا،‭ ‬وأسوأ‭ ‬تباطؤ‭ ‬اقتصادى‭ ‬عالمى‭ ‬منذ‭ ‬الكساد‭ ‬الكبير‭.‬

والتوترات‭ ‬التجارية‭ ‬ستؤثر‭ ‬على‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المراكز‭ ‬المالية‭ ‬مثل‭ ‬سنغافورة‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬بمنأى‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬الأسوأ،‭ ‬بينما‭ ‬ستتضرر‭ ‬الدول‭ ‬التى‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬بشدة‭.‬

مؤشرات‭ ‬على‭ ‬الركود

حدد‭ ‬الخبراء‭ ‬ثلاثة‭ ‬مؤشرات‭ ‬تحذيرية‭ ‬جديرة‭ ‬بالمتابعة،‭ ‬وهى‭: ‬

أولا،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتداعيات‭ ‬رسوم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الجمركية‭ ‬من‭ ‬إشعال‭ ‬حرائق‭ ‬عارمة‭ ‬فى‭ ‬أسواق‭ ‬الأسهم‭ ‬العالمية،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬اتجاه‭ ‬العالم‭ ‬نحو‭ ‬الركود‭. ‬

فوفقا‭ ‬لإحصاءات‭ ‬‮«‬بلومبرج‮»‬‭ ‬خسرت‭ ‬شركات‭ ‬مؤشر‭ ‬مورجان‭ ‬ستانلى‭ ‬للأسواق‭ ‬الناشئة‭ ‬9‭.‬5‭ ‬ترليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬السوقية‭ ‬فى‭ ‬غضون‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬رسومه‭ ‬الجمركية‭.‬

والهبوط‭ ‬الحاد‭ ‬فى‭ ‬قيم‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مؤخرا،‭ ‬تعنى‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬جذرية‭ ‬للأرباح‭ ‬المستقبلية‭ ‬للشركات‭ ‬التى‭ ‬تشكل‭ ‬أسواق‭ ‬الأسهم‭ ‬العالمية‭.‬وما‭ ‬تتوقعه‭ ‬الأسواق‭ ‬بشكل‭ ‬منطقى‭ ‬تماما‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬ستؤدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬التكاليف‭ ‬وانخفاض‭ ‬الأرباح‭.‬

ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الركود‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬احتمالات‭ ‬حدوثه‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬أعلى‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬وأوسعها‭ ‬نطاقا‭ ‬منذ‭ ‬قرن‭.‬

الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬خضم‭ ‬انهيارات‭ ‬أسواق‭ ‬الأسهم،‭ ‬سقط‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬المروعين‭ ‬والمقلقين‭.‬

فغالبا‭ ‬ما‭ ‬تعتبر‭ ‬البنوك‭ ‬انعكاسا‭ ‬للاقتصادات‭. ‬وكما‭ ‬أشار‭ ‬أحد‭ ‬مراقبى‭ ‬السوق‭ ‬المرموقين‭ ‬انهيار‭ ‬البنوك‭ ‬يثير‭ ‬مخاوف‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬حيث‭ ‬انخفضت‭ ‬أسهم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بنكى‭ ‬‮«‬إتش‭ ‬إس‭ ‬بى‭ ‬سى”‭ ‬و»ستاندرد‭ ‬تشارترد‮»‬‭ ‬اللذان‭ ‬يعملان‭ ‬عند‭ ‬تقاطع‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ % ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستعيدا‭ ‬بعض‭ ‬عافيتهما‭.‬

وهناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬تحذيرية‭ ‬أخرى‭ ‬ليست‭ ‬فى‭ ‬أسواق‭ ‬الأسهم،‭ ‬وإنما‭ ‬فى‭ ‬بورصات‭ ‬السلع‭ .‬فتعتبر‭ ‬أسعار‭ ‬النحاس‭ ‬والنفط‭ ‬مقياسا‭ ‬لصحة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمى‭.‬

وانخفض‭ ‬كلاهما‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ % ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬فرضه‭ ‬المفاجئ‭ ‬للرسوم‭ ‬الجمركية‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الركود‭ ‬العالمى‭ ‬الحقيقى‭.‬

وتعد‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى،‭ ‬وتداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬الكبرى،‭ ‬والذعر‭ ‬الذى‭ ‬أحاط‭ ‬بوباء‭ ‬كوفيد19،‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمثلة‭ ‬نادرة‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬انكماش‭ ‬متزامنة‭ ‬فى‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭.‬ولا‭ ‬يرجح‭ ‬الخبراء‭ ‬حدوث‭ ‬ركود‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬النطاق‭ ‬حاليا،‭ ‬ولكن‭ ‬احتمالات‭ ‬الركود‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬ارتفعت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬معظم‭ ‬المحللين‭ ‬الاقتصاديين‭.‬

اخر اصدار