رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

نحن و “صبيان شيكاغو”

7-5-2025 | 14:10

بقلم: محمود‭ ‬عبد‭ ‬العظيم‭ ‬

هم‭ ‬فتية‭ ‬آمنوا‭ ‬بصندوق‭ ‬النقد‭ ‬إلها‭ ‬للرأسمالية‭ ‬العالمية،‭ ‬انضووا‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬مدرسة‭ ‬شيكاغو‭ ‬للاقتصاد‭.‬

طرحوا‭ ‬أفكارا‭ ‬جديدة،‭ ‬كانت‭ ‬براقة‭ ‬ولامعة‭ ‬فى‭ ‬حينها،‭ ‬ثم‭ ‬تبلورت‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬لتصنع‭ ‬توجها‭ ‬وتيارا‭ ‬جديدا‭.‬

 

الفكرة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لديهم‭ ‬كانت‭ ‬أن‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الذى‭ ‬جرى‭ ‬إنشاؤه‭ ‬بعد‭ ‬صمت‭ ‬مدافع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬عالمى‭ ‬جديد‭ ‬صاغته‭ ‬اتفاقيات‭ ‬“بريتون‭ ‬وودز”‭ ‬ويضم‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬الدولى‭ ‬ومنظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬هى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬دوره‭ ‬من‭ ‬آلية‭ ‬للتدخل‭ ‬والإنقاذ‭ ‬ودعم‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الفقيرة‭ ‬ومنع‭ ‬انهيارها‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬جديد‭ ‬يتمثل‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬الصندوق‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أداة‭ ‬رئيسية‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالى‭ ‬العالمى‭. ‬بمعنى‭ ‬دفع‭ ‬البلدان‭ ‬التى‭ ‬يقدم‭ ‬لها‭ ‬الصندوق‭ ‬خدماته‭ ‬وتمويلاته‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬فى‭ ‬الرأسمالية‭ ‬العالمية‭ ‬بعيوبها‭ ‬وحسناتها‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬مؤهلة‭ ‬اجتماعيا‭ ‬أو‭ ‬اقتصاديا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ثقافيا‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الانخراط‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬أيضا‭ ‬عما‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الانخراط‭ ‬من‭ ‬خلل‭ ‬أو‭ ‬اضطراب‭ ‬اجتماعى‭ ‬أو‭ ‬انتشار‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬أو‭ ‬ضرب‭ ‬للبنى‭ ‬الهيكلية‭ ‬للاقتصادات‭ ‬التقليدية‭ ‬القائمة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬ومنها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الزراعى‭ ‬أو‭ ‬التجارة‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عمليات‭ ‬التصنيع‭ ‬التقليدية‭ ‬القائمة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تلبى‭ ‬احتياجات‭ ‬البشر‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬لحساب‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬الاستيراد‭ ‬للبضائع‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬التى‭ ‬تفضى‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬فى‭ ‬“كماشة‭ ‬“‭ ‬نقص‭ ‬العملات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والعجز‭ ‬المزمن‭ ‬فى‭ ‬موازين‭ ‬المدفوعات‭ ‬فى‭ ‬معظم‭ ‬البلدان‭ ‬التى‭ ‬ابتلعت‭ ‬هذه‭ ‬“الوصفة”‭ ‬الشريرة‭.‬

وبمرور‭ ‬الوقت‭ ‬نجح‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفتية‭ ‬–الذين‭ ‬صكت‭ ‬الأدبيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬لهم‭ ‬مصطلح‭ ‬“أولاد‭ ‬شيكوغو”–‭ ‬فى‭ ‬التسلل‭ ‬إلى‭ ‬المواقع‭ ‬القيادية‭ ‬فى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬والبنك‭ ‬الدولى‭ ‬وبدأوا‭ ‬فى‭ ‬تصميم‭ ‬وصياغة‭ ‬سياسات‭ ‬تنفيذية‭ ‬لأفكارهم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬جرى‭ ‬التحول‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬دور‭ ‬الصندوق‭ ‬وكذلك‭ ‬صورته‭ ‬لدى‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬ليصبح‭ ‬بمنزلة‭ ‬المندوب‭ ‬السامى‭ ‬للنظام‭ ‬الرأسمالى‭ ‬العالمى‭ ‬ويحظى‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الترحيب‭ ‬وحصره‭ ‬فى‭ ‬دائرة‭ ‬“الدواء‭ ‬المر”‭ ‬الذى‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬المريض‭ ‬تناوله‭ ‬أملا‭ ‬فى‭ ‬شفاء‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭.‬

 

ما‭ ‬هى‭ ‬إذن‭ ‬مناسبة‭ ‬هذا‭ ‬الحديث؟

المناسبة‭ ‬هى‭ ‬تلك‭ ‬المعركة‭ ‬التى‭ ‬تخوضها‭ ‬مصر‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬بهدف‭ ‬عدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬لأفكار‭ ‬“أولاد‭ ‬شيكاغو”‭ ‬التى‭ ‬بعضها‭ ‬يضر‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينفع‭ ‬وتتمسك‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬كبير‭ ‬بمقترحات‭ ‬البرنامج‭ ‬الإصلاحى‭ ‬الذى‭ ‬تقدمت‭ ‬به‭ ‬للصندوق‭ ‬قبل‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬التمويل‭ ‬الأخير،‭ ‬بينما‭ ‬يسعى‭ ‬الصندوق‭ ‬جاهدا‭ ‬لدفع‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬تبنى‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬غير‭ ‬المرغوب‭ ‬فيها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬تبدى‭ ‬فيه‭ ‬الحكومة‭ ‬رفضا‭ ‬واضحا‭ ‬لهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬فى‭ ‬تصريحات‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭ ‬الذى‭ ‬أكد‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬لن‭ ‬تنفذ‭ ‬مطالب‭ ‬الصندوق‭ ‬إذا‭ ‬تعارضت‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬والأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للشعب‭ ‬أو‭ ‬تضر‭ ‬بالأمن‭ ‬القومى‭ ‬للبلاد‭.‬

وما‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬المسار‭ ‬الذى‭ ‬تتبناه‭ ‬الحكومة‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬العامين‭ ‬الأخيرين‭ ‬تحت‭ ‬اشتداد‭ ‬وطأة‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فى‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الصندوق‭ ‬هى‭ ‬تلك‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الكلى‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬نمو‭ ‬رصيد‭ ‬الاحتياطى‭ ‬الأجنبى‭ ‬أو‭ ‬تراجع‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬أو‭ ‬صعود‭ ‬حجم‭ ‬الفائض‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬الموازنة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬النمو‭ ‬البطىء‭ ‬لكن‭ ‬بثبات‭ ‬لمجمل‭ ‬الصادرات‭ ‬السلعية‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المراجعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الصندوق‭ ‬وصرف‭ ‬الشريحة‭ ‬المستحقة‭ ‬من‭ ‬البرنامج‭ ‬التمويلى‭ ‬سوف‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬القاسية‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الدكتور‭ ‬مصطفى‭ ‬مدبولى‭ ‬عن‭ ‬بدء‭ ‬إلغاء‭ ‬دعم‭ ‬الوقود‭ ‬باستثناء‭ ‬السولار‭ ‬والبوتاجاز‭ ‬المنزلى،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التمسك‭ ‬بثوابت‭ ‬السياسية‭ ‬التفاوضية‭ ‬مع‭ ‬الصندوق‭ ‬فى‭ ‬رفض‭ ‬توصيات‭ ‬وأفكار‭ ‬“أولاد‭ ‬شيكاغو”‭ ‬حفظا‭ ‬للسلام‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬البلاد‭.‬

اخر اصدار