رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

عيد العمال... بين عصر ذهبى وتحديات حالية

12-5-2025 | 13:58

بقلم: إيمان عراقي

رئيس التحرير

 

العمال هم ملح الأرض والقوى الاقتصادية التى حملت فوق أكتافها مصائر أوطانا كاملة دون كلل أو ملل، وفى الأول من مايو من كل عام، تحتفل مصر ومعظم دول العالم بــ«عيد العمال»، وهو اليوم الذى يحمل رمزية مزدوجة: من ناحية يمثل مناسبة للاحتفاء بالطبقة العاملة وتكريم دورها المحورى فى عملية التنمية، ومن ناحية أخرى يسلط الضوء على التحديات التى لا تزال تواجه هذه الفئة فى ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة.

 

يعود عيد العمال فى أصله لعام 1869 حيث شكل عمال قطاع الملابس فى مدينة فيلادلفيا الأمريكية، ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث وعمال المناجم، منظمة «فرسان العمل»، كتنظيم نقابى يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل، واتخذ التنظيم من 1 مايو يوما لتجديد المطالبة بحقوق العمال. جاء أول مايو من عام 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية فى يوم واحد فى تاريخ أمريكا، إذ وصل عدد الإضرابات فى هذا اليوم إلى نحو 5000 إضراب للمطالبة بألا تزيد ساعات العمل على 8 ساعات.

 

وكان شعارهم 8 ساعات للعمل - 8 ساعات راحة - 8 ساعات للنوم. أصبح هذا اليوم بمرور الزمن رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل حقوقها. فى أوروبا تمت الدعوة لمظاهرات متزامنة مع المظاهرات الأمريكية فى عدد من المدن الأوروبية، للمطالبة بقانون يحدد ساعات العمل بــ8 ساعات.

العصر الذهبى للعمال فى مصر

 

ربما تكون مناسبة عيد العمال عالمية فى الأساس ولكن مصر منحتها طابعا خاصا فى العصر الذهبى للعمال حيث بدأ الاحتفال بعيد العمال فى بدايات القرن العشرين، واكتسب طابعا رسميا عام 1964 حين قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اعتبار الأول من مايو عطلة رسمية تخصص لتكريم العمال، وتقديم جوائز الدولة التقديرية للقيادات العمالية المتميزة. ومن المعروف أن عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصركان بمنزلة عصر انتصارات للعمال حيث منحهم حقوقهم وجعلهم أعضاء مجلس إدارة فى المصانع والشركات التى كانوا يعملون بها فى أثناء العصر الملكى.

 

وتشكل العمالة المصرية بمختلف فئاتها قاطرة الاقتصاد الوطنى، فعلى الرغم من التغيرات الهيكلية فى الاقتصاد، من الاعتماد على الزراعة والصناعة إلى التوسع فى الخدمات والرقمنة، يظل العمال هم الأساس فى دفع عجلة الإنتاج. وتشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن قوة العمل فى مصر تقترب من 30 مليون نسمة، تمثل ما يقارب 45 % من إجمالى عدد السكان، وهو ما يعكس أهمية هذه الشريحة فى صياغة السياسات العامة.

تحديات واضحة

 

لا يخلو واقع العمال من التحديات الكثيرة والمرتبطة بشكل وثيق بتغير مفهوم العمل ومن أبرز تلك التحديات تدنى الأجور فى بعض القطاعات، وعدم الاستقرار الوظيفى، وضعف الحماية الاجتماعية، إلى فجوة المهارات بين ما يقدمه سوق العمل وما تمتلكه القوة العاملة.

 

ومنذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى فى عام 2016، اتخذت الحكومة المصرية عددا من الإجراءات الهيكلية لتحسين بيئة الاستثمار وتحقيق نمو مستدام. ومع أن هذه السياسات أسفرت عن مؤشرات إيجابية مثل ارتفاع معدلات النمو وزيادة الاحتياطى النقدى؛ فإنها فرضت أعباء إضافية على الطبقة العاملة، ولا سيما فى ظل تحرير سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم.

 

وعلى الرغم من المبادرات الحكومية مثل «تكافل وكرامة» والتوسع فى شبكات الحماية الاجتماعية، فإن كثيرا من العمال، خصوصا فى القطاع غير الرسمى الذى يمثل نحو 40 % من الاقتصاد، لا يزالون خارج مظلة التأمينات والضمانات الأساسية.

 

ويعد قانون العمل الجديد من الملفات المحورية فى تحسين وضع العمال. فقد تضمن القانون العديد من البنود التى تعزز من حقوق العاملين، مثل إلزام صاحب العمل بتوفير بيئة آمنة، وتحديد ساعات العمل والإجازات، ومراجعة الحد الأدنى للأجور، وتنظيم علاقات العمل بما يحقق التوازن بين العامل وصاحب العمل.

 

غير أن التحدى الحقيقى لا يكمن فقط فى إصدار القوانين، بل فى تفعيلها ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع، خاصة فى المصانع الصغيرة والمناطق الصناعية البعيدة عن العاصمة، حيث لا تصل يد الرقابة بسهولة.

بعد الرقمنة ما مصير العمال؟

 

مع تطور التكنولوجيا، أصبح مستقبل العمل أحد أكبر التحديات التى تواجه العمال فى مصر والعالم. فالتحول نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعى يهدد بعض الوظائف التقليدية، بينما يفتح آفاقا جديدة لوظائف تتطلب مهارات رقمية وتقنية. وهذا يضع أمام الدولة تحديا مزدوجا: توفير التدريب وإعادة التأهيل للقوى العاملة، وتوجيه السياسات التعليمية لتلبية احتياجات سوق العمل الحديث. وقد بدأت الدولة بالفعل فى هذا الاتجاه من خلال مبادرات مثل «رواد تكنولوجيا المستقبل»، والتوسع فى التعليم الفنى والتكنولوجى، وهو ما يعكس وعيا رسميا بضرورة إعداد العمال للمستقبل.

 

وهنا تلعب النقابات العمالية دورا أساسيا فى الدفاع عن حقوق العمال والتفاوض باسمهم مع أصحاب الأعمال والحكومة. وعلى الرغم مما شهدته النقابات من تطورات تشريعية وتنظيمية، فإن كثيرا من المراقبين يرون أن الأداء النقابى لا يزال بحاجة إلى مزيد من الفاعلية، خصوصا فى التفاعل مع القضايا اليومية للعمال، وتقديم الدعم القانونى والاجتماعى لهم، وتدريبهم على حقوقهم وواجباتهم.

 

فى كل عيد للعمال، تقام الاحتفالات وتمنح الأوسمة ويتم تكريم رموز العمل والإنتاج، وهى لفتة ذات طابع رمزى مهم. لكن الأهم هو تمكين العمال فعليا من حقوقهم، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وضمان بيئة عمل عادلة وآمنة تحفظ كرامتهم.

 

ويظل التمكين الحقيقى مرهونا بإصلاح شامل لمنظومة العمل، يشمل التعليم والتدريب، الحماية الاجتماعية، تعزيز دور النقابات، وتحقيق العدالة فى الأجور وظروف التشغيل.

 

عيد العمال ليس مجرد مناسبة تقليدية، بل هو دعوة سنوية لمراجعة وضع الطبقة التى تحمل على عاتقها البناء والإنتاج. وبينما نحتفل بتاريخ من النضال العمالى، لا بد أن يكون الحاضر والمستقبل أكثر إنصافا وعدلا لهذه الفئة، لأن تنمية الأوطان تبدأ من احترام من يبنونها يوما بعد يوم.

 

اخر اصدار