رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

مقالات

خفض الفائدة المكاسب والمحاذير

12-5-2025 | 13:58

بقلم : محمود‭ ‬عبد‭ ‬العظيم‭ ‬

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬وبعدما‭ ‬تعالت‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬التمويل‭ ‬جاء‭ ‬قرار‭ ‬البنك‭ ‬المركزى‭ ‬فى‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضى‭ ‬بخفض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬بمقدار‭ ‬225‭ ‬نقطة‭ ‬أساس‭ ‬مفتتحا‭ ‬بذلك‭ ‬سياسة‭ ‬التيسير‭ ‬النقدى‭ ‬التى‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬انتظرتها‭ ‬الأسواق‭.‬

هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬استقبلت‭ ‬القرار‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الترحاب‭ ‬والتفاؤل،‭ ‬نظرا‭ ‬للجوانب‭ ‬الإيجابية‭ ‬المتعددة‭ ‬التى‭ ‬ينطوى‭ ‬عليها‭ ‬القرار‭.‬

 

ذلك‭ ‬لأن‭ ‬خفض‭ ‬الفائدة‭ -‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭- ‬يسهم‭ ‬فى‭ ‬التشجيع‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتوسع‭ ‬فى‭ ‬المشروعات‭ ‬القائمة‭ ‬ويحفز‭ ‬الكثيرين‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬السوق،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تشجيع‭ ‬المبيعات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬ولاسيما‭ ‬فى‭ ‬قطاعى‭ ‬العقارات‭ ‬والسيارات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يمكن‭ ‬كسر‭ ‬حلقة‭ ‬الركود‭ ‬التى‭ ‬تعانى‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭.‬

ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬ترجمة‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬الإيجابية‭ ‬فى‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬تصويت‭ ‬مباشر‭ ‬ورسائل‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬ربما‭ ‬تعبر‭ ‬عنها‭ ‬بعض‭ ‬مؤشرات‭ ‬التقارير‭ ‬الدورية‭ ‬التى‭ ‬تتابع‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية،‭ ‬وفى‭ ‬مقدمتها‭ ‬تقرير‭ ‬مديرى‭ ‬المشتريات،‭ ‬حيث‭ ‬تأمل‭ ‬دوائر‭ ‬الأعمال‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬مستوى‭ ‬الخمسين‭ ‬نقطة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬النمو‭ ‬والانكماش‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬تمهيدا‭ ‬لرحلة‭ ‬صعود‭ ‬تدفع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬غير‭ ‬النفطى‭ ‬لمستوى‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الأداء‭ ‬بقية‭ ‬أشهر‭ ‬العام‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬كل‭ ‬زوايا‭ ‬الصورة؟‭!‬

بالقطع‭ ‬لا،‭ ‬فهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحاذير‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬إليها،‭ ‬وأن‭ ‬يضعها‭ ‬صانع‭ ‬قرار‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬فى‭ ‬اعتباره‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الحاسمة‭ ‬القادمة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬إما‭ ‬المضى‭ ‬فى‭ ‬سياسة‭ ‬التيسير‭ ‬النقدى‭ ‬وإما‭ ‬قد‭ ‬يضطر‭ ‬للتريث‭ ‬وتجميد‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬مرحليا‭ ‬حتى‭ ‬تتضح‭ ‬بقية‭ ‬زوايا‭ ‬الصورة‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬المحاذير‭ ‬تصاعد‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬تضخمية‭ ‬قادمة‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬كمية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬السيولة‭ ‬النقدية‭ ‬سوف‭ ‬تتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الاستهلاك‭ ‬قريبا‭ ‬مع‭ ‬تطبيق‭ ‬حزمة‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وزيادة‭ ‬الأجور‭ ‬والمعاشات‭ ‬المقرر‭ ‬لها‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬القادم‭.‬

هذه‭ ‬السيولة‭ ‬ربما‭ ‬يضاف‭ ‬إليها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الشهادات‭ ‬مرتفعة‭ ‬العائد‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الجهاز‭ ‬المصرفى‭ ‬بعد‭ ‬خفض‭ ‬الفائدة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تمثل‭ ‬رافدا‭ ‬جديدا‭ ‬يغذى‭ ‬مسارا‭ ‬صعوديا‭ ‬للتضخم‭ ‬ولو‭ ‬مؤقتا‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة‭.‬

ثانى‭ ‬هذه‭ ‬المحاذير‭ ‬يتمثل‭ ‬فى‭ ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بإمكانية‭ ‬انسحاب‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬الساخنة‭ ‬العائدة‭ ‬لصناديق‭ ‬ومستثمرين‭ ‬أجانب‭ ‬فى‭ ‬أدوات‭ ‬الدين‭ ‬الحكومية،‭ ‬وهذا‭ ‬السلوك‭ ‬الذى‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬عوامل‭ ‬عديدة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬عوامل‭ ‬مرتبطة‭ ‬ببيئة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الدولية،‭ ‬قد‭ ‬يمثل‭ ‬ضغطا‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬صانع‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬ويدفعه‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬فائدة‭ ‬مرتفعة‭ ‬لتشجيع‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬فى‭ ‬السوق‭ ‬المصرى،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬أو‭ ‬مغادرة‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬مرهون‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بقرار‭ ‬الفيدرالى‭ ‬الأمريكى‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬على‭ ‬الدولار،‭ ‬وهو‭ ‬مستقبل‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬الضغوط‭ ‬الهائلة‭ ‬التى‭ ‬يمارسها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬على‭ ‬جيروم‭ ‬باول‭ ‬محافظ‭ ‬الفيدرالى‭ ‬الأمريكى‭ ‬لدرجة‭ ‬التلويح‭ ‬بإقالته‭.‬

إذن‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬سيناريوهات‭ ‬مفتوحة‭ ‬بشأن‭ ‬الخطوة‭ ‬القادمة‭ ‬للجنة‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية،‭ ‬وهى‭ ‬سيناريوهات‭ ‬قد‭ ‬تنطوى‭ ‬فى‭ ‬أحدها‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬اضطراريا‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الفائدة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السيناريو‭ ‬الأسوأ‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬نتمنى‭ ‬اللجوء‭ ‬إليه‭ ‬بعدما‭ ‬تنفست‭ ‬الأسواق‭ ‬الصعداء‭ ‬وسرت‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الارتياح‭ ‬فى‭ ‬دوائر‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهو‭ ‬ارتياح‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يدوم‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التيسير‭ ‬النقدى‭ ‬الذى‭ ‬يعنى‭ ‬ببساطة‭ ‬التشغيل‭ ‬والتوسع‭ ‬والنمو‭.‬

اخر اصدار