بقلم : محمود عبد العظيم
بعد أكثر من أربع سنوات وبعدما تعالت الشكوى من رموز القطاع الخاص بسبب ارتفاع تكلفة التمويل جاء قرار البنك المركزى فى الأسبوع الماضى بخفض أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس مفتتحا بذلك سياسة التيسير النقدى التى كثيرا ما انتظرتها الأسواق.
هذه الأسواق استقبلت القرار بقدر كبير من الترحاب والتفاؤل، نظرا للجوانب الإيجابية المتعددة التى ينطوى عليها القرار.
ذلك لأن خفض الفائدة -من حيث المبدأ- يسهم فى التشجيع على الاستثمار والتوسع فى المشروعات القائمة ويحفز الكثيرين على دخول السوق، إلى جانب تشجيع المبيعات المرتبطة بالحصول على التمويل ولاسيما فى قطاعى العقارات والسيارات، ومن ثم يمكن كسر حلقة الركود التى تعانى منها هذه القطاعات منذ عدة أشهر.
ومن المنتظر أن تتم ترجمة هذه الجوانب الإيجابية فى الأيام المقبلة عبر عملية تصويت مباشر ورسائل من السوق ربما تعبر عنها بعض مؤشرات التقارير الدورية التى تتابع الحالة المصرية، وفى مقدمتها تقرير مديرى المشتريات، حيث تأمل دوائر الأعمال فى أن يستعيد هذا المؤشر مستوى الخمسين نقطة الفاصلة بين النمو والانكماش مرة أخرى تمهيدا لرحلة صعود تدفع القطاع الخاص غير النفطى لمستوى أفضل من الأداء بقية أشهر العام.
لكن هل هذه هى كل زوايا الصورة؟!
بالقطع لا، فهناك العديد من المحاذير التى يجب الانتباه إليها، وأن يضعها صانع قرار السياسة النقدية فى اعتباره خلال الأشهر الحاسمة القادمة قبل أن يقرر إما المضى فى سياسة التيسير النقدى وإما قد يضطر للتريث وتجميد هذه السياسة مرحليا حتى تتضح بقية زوايا الصورة.
أول هذه المحاذير تصاعد المخاوف من موجة تضخمية قادمة مستندة إلى قرار رفع أسعار المحروقات أو إلى كمية كبيرة من السيولة النقدية سوف تتوجه إلى الاستهلاك قريبا مع تطبيق حزمة الحماية الاجتماعية وزيادة الأجور والمعاشات المقرر لها شهر يوليو القادم.
هذه السيولة ربما يضاف إليها جزء من أموال الشهادات مرتفعة العائد التى قد تخرج من الجهاز المصرفى بعد خفض الفائدة، ومن ثم تمثل رافدا جديدا يغذى مسارا صعوديا للتضخم ولو مؤقتا خلال الأشهر القليلة القادمة.
ثانى هذه المحاذير يتمثل فى المخاطر المرتبطة بإمكانية انسحاب جانب من الأموال الساخنة العائدة لصناديق ومستثمرين أجانب فى أدوات الدين الحكومية، وهذا السلوك الذى تتحكم فيه عوامل عديدة، من بينها عوامل مرتبطة ببيئة الاستثمار الدولية، قد يمثل ضغطا غير مباشر على صانع السياسة النقدية ويدفعه للإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة لتشجيع هذه الأموال على البقاء فى السوق المصرى، وإن كان الاعتقاد السائد هو أن بقاء أو مغادرة هذه الأموال مرهون إلى حد كبير بقرار الفيدرالى الأمريكى بشأن مستقبل سعر الفائدة على الدولار، وهو مستقبل غير واضح حتى الآن رغم الضغوط الهائلة التى يمارسها الرئيس الأمريكى على جيروم باول محافظ الفيدرالى الأمريكى لدرجة التلويح بإقالته.
إذن نحن أمام سيناريوهات مفتوحة بشأن الخطوة القادمة للجنة السياسة النقدية، وهى سيناريوهات قد تنطوى فى أحدها على العودة اضطراريا إلى رفع الفائدة مرة أخرى، وهذا هو السيناريو الأسوأ الذى لا نتمنى اللجوء إليه بعدما تنفست الأسواق الصعداء وسرت موجة من الارتياح فى دوائر الأعمال، وهو ارتياح نتمنى أن يدوم وأن يتم البناء عليه فى اتجاه المزيد من التيسير النقدى الذى يعنى ببساطة التشغيل والتوسع والنمو.