رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

اتصالات

تقنية GPON .. ثورة واعدة فى نقل البيانات

4-8-2025 | 11:05

إعداد: أشرف شهاب

 

فى عصر الاتصالات الرقمية السريعة، أصبحت تقنية GPON (شبكات البصرية السلبية عالية السرعة) أحد أبرز الابتكارات التى تغير طريقة نقل البيانات، خاصة فى المنازل والأعمال التجارية. تعد هذه التقنية جزءا أساسيا من تقنيات الوصول إلى الإنترنت عبر الألياف الضوئية، حيث توفر سرعات عالية وكفاءة اقتصادية، مما يدعم الخدمات مثل الإنترنت عالى السرعة، والاتصالات الصوتية، والفيديو عالى الدقة. فكيف تطورت هذه التقنية، وما هى طريقة عملها، وتطبيقاتها وفوائدها فى عالم الاتصالات الحديث، وما هو حجم السوق العالمى لها؟

 

تقنية GPON

 

هى اختصار لـ Gigabit Passive Optical Network، وتعنى: «الشبكة البصرية السلبية ذات سرعات الجيجابت»، أو: «الشبكات البصرية السلبية عالية السرعة»، وهى تقنية اتصال بصرية تستخدم أليافا ضوئية لنقل البيانات بسرعات تصل إلى جيجابايت فى الثانية. تعتمد على نظام التوصيل من نقطة إلى نقاط متعددة، حيث يتم استخدام مقسم بصرى سلبى لتوزيع الإشارة من نقطة مركزية واحدة (مثل مزود خدمة الإنترنت) إلى عدة مستخدمين دون الحاجة إلى معدات نشطة إضافية فى الوسط، مما يجعلها خيارا فعالا من حيث التكلفة، حيث تقلل من عدد الكابلات والأجهزة المطلوبة مقارنة بالشبكات التقليدية.

 

 

المكونات

 

تتكون شبكة GPON من 3 مكونات رئيسية: الطرف البصرى الرئيسى (OLT)، الوحدة البصرية الشبكيةONU أو ONT، والمقسم البصرى السلبي. يقوم الطرف البصرى الرئيسى بتحويل الإشارات الإلكترونية إلى إشارات ضوئية وإرسالها عبر الألياف، بينما يقوم المقسم بتوزيع هذه الإشارات إلى عدة وحدات، تقوم بتحويلها مرة أخرى إلى إشارات إلكترونية للاستخدام فى الأجهزة المنزلية أو التجارية.

 

التطبيقات الحديثة

 

تستخدم تقنية GPON فى مجموعة واسعة من التطبيقات، خاصة فى شبكات الألياف إلى المنازل FTTH والألياف إلى المبانى والعقارات FTTP. فى المنازل، تدعم خدمات مثل بث الفيديو عالى الدقة، الألعاب عبر الإنترنت، والعمل عن بعد، بفضل سرعاتها العالية التى تصل إلى 2.5 جيجابايت فى الثانية. أما فى القطاع التجاري، فهى مثالية لدعم التطبيقات الحساسة للزمن مثل الاجتماعات عبر الفيديو، تخزين السحابة، ونقل البيانات الكبيرة، حيث توفر كفاءة عالية وموثوقية.

 

كما تلعب GPON دورا حاسما فى دعم شبكات الاتصالات المحمولة، حيث تستخدم فى نقل البيانات للأبراج، مما يعزز من قدرات شبكات الجيل الخامس. بالإضافة إلى ذلك، تساعد فى تطبيقات المدن الذكية، مثل مراقبة المرور وأنظمة السلامة العامة، بفضل قدرتها على نقل كميات كبيرة من البيانات فى الوقت الفعلي.

 

التاريخ والتطور

 

بدأت رحلة تقنيات الشبكات البصرية السلبية (PON) فى الثمانينيات من القرن الماضي، لكها تطورت إلى GPON فى أوائل الألفية الجديدة كتطور للمعايير السابقة لها مثل BPON وEPON . تم إقرار المعايير الدولية لـ GPON فى عام 2003 من الاتحاد الدولى للاتصالاتITU الذى حدد سرعات تصل إلى 2.5 جيجابايت فى الثانية للإرسال و1.25 جيجابايت فى الثانية للاستقبال. مع مرور الوقت، تطورت التقنية لتدعم سرعات أعلى تصل إلى 10 جيجابايت فى الثانية أو أكثر، لمواكبة الطلب المتزايد على البيانات.

 

شهدت التقنية تطورا سريعا بفضل حاجة الأسواق إلى شبكات أكثر كفاءة، خاصة مع انتشار الإنترنت عالى السرعة وخدمات الفيديو والألعاب عبر الإنترنت. وبحلول عام 2014، أصبحت التقنية الأكثر شيوعا فى شبكات الألياف إلى المنزل (FTTH)، حيث أسهمت فى خفض التكاليف وتحسين الكفاءة، مما جعلها خيارا مفضلا لشركات الاتصالات حول العالم.

 

حجم السوق

 

وصل حجم السوق العالمى لتقنية GPON إلى نحو 16.9 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى 27.9 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوى مركب 8.7 % خلال الفترة من 2024 إلى 2030، مما يعكس الاتجاه العالمى نحو تبنى تقنيات الألياف البصرية لدعم التحول الرقمي، خاصة فى المناطق الناشئة، حيث تزداد الاستثمارات فى البنية التحتية. ومن المتوقع أن يصل حجم السوق فى العام الجاري إلى 18.2 مليار دولار أمريكي. وفى الولايات المتحدة، وصل حجم السوق إلى 4.8 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، مع توقعات للنمو إلى 7.5 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2030. أما فى الصين، فمن المتوقع أن يصل الحجم إلى 4.3 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2030، مما يعكس الاستثمارات الكبيرة فى الشبكات الليفية لدعم المدن الذكية والتطبيقات الصناعية. وفى أوروبا، من المتوقع أن نشهد نموا مشابها، حيث يقدر معدل النمو السنوى المركب فى ألمانيا بنحو 7.1 %، مدعوما بمبادرات الاتحاد الأوروبى لتحسين الاتصالات.

 

دعم المدن الذكية

 

تعتبر تقنية GPON أداة أساسية فى بناء البنية التحتية للمدن الذكية، حيث توفر اتصالا عالى السرعة وفعالا من حيث التكلفة لدعم مجموعة واسعة من التطبيقات الذكية مثل نظم إنترنت الأشياء، والشبكات الذكية للطاقة، وأنظمة السلامة العامة. ونظرا لأنها تعتمد على هيكلية نقطة إلى نقاط متعددة تتيح نقل البيانات بسرعات تصل إلى 2.5 جيجابت فى الثانية للتنزيل و 1.25 جيجابت فى الثانية للتحميل، فهى تعتبر مثالية للتطبيقات التى تتطلب نقل كميات كبيرة من البيانات فى الوقت الفعلي. فى هذا السياق، تسهم GPON فى تعزيز الكفاءة التشغيلية للمدن الذكية من خلال دعم الاتصال بين الأجهزة والأنظمة، مما يساعد فى تحسين إدارة الموارد وتقليل الفاقد فى الطاقة. ومع ذلك فإن التحديات مثل قيود النطاق الترددى فى البيئات ذات الكثافة العالية قد تؤثر على أدائها. كما أن الزيادة فى عدد الأجهزة المتصلة قد تؤدى إلى زيادة التأخير، مما يتطلب استراتيجيات إدارة ذكية للتخفيف من ذلك.

 

وتسمح هذه التقنية بتوفير بنية اتصالية عالية الكفاءة لنظم إنترنت الأشياء، حيث تسمح بمراقبة وإدارة الموارد كالطاقة والمياه والمرور. على سبيل المثال، فى تطبيقات الشبكات الذكية للطاقة، يمكن لهذه التقنية نقل البيانات من أجهزة الاستشعار المنتشرة فى المدينة لمراقبة استهلاك الطاقة فى الوقت الفعلي، مما يساعد فى تقليل الفاقد وتحسين التوزيع. كما أن قدرتها على دعم سرعات عالية تجعلها مثالية لتطبيقات مثل مراقبة حركة المرور ونظم السلامة العامة، حيث يمكن للأجهزة المتصلة بها نقل بيانات فورية لمراقبة الحوادث أو إدارة الإشارات الضوئية، مما يعزز من كفاءة الاستجابة فى المدن الذكية.

 

بالإضافة إلى ذلك، تدعم التقنية تطبيقات المدن الذكية من خلال دمجها مع تقنيات أخرى مثل التوأمة الرقمية (Digital Twin)، حيث يمكن استخدامها لنقل البيانات من الأجهزة الفعلية إلى نماذج افتراضية لمحاكاة وتحسين الأداء، كما هو الحال فى سيناريوهات الرعاية الصحية الذكية. ووفقا للأبحاث السوقية، فإن نمو سوق GPON يرجع جزئيا إلى دورها فى دعم مبادرات المدن الذكية، حيث توفر حلولا متكاملة للشبكات الواسعة النطاق. ومع ذلك فإن التحديات مثل قيود النطاق الترددى فى البيئات عالية الكثافة قد تقلل من كفاءتها، مما يتطلب دمجها مع تقنيات أخرى مثل تقنيات الجيل الخامس لتعزيز القدرات.

 

 

تحديات الاستخدام

 

رغم الفوائد الواضحة، إلا أن استخدام GPON فى تطبيقات المدن الذكية يواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بقيود السعة والتأخير فى البيئات ذات الكثافة العالية، كما أن تطبيق التقنية قد يواجه مصاعب بسبب التكلفة، حيث إن زيادة عدد المستخدمين قد يتطلب إضافة معدات جديدة، مما يزيد من التكاليف التشغيلية. ومع ذلك فإن الدراسات تظهر أن دمج هذه التقنية مع تقنيات أخرى مثل الجيل الخامس يمكن أن يحل بعض هذه المشكلات.

 

مواجهة التحديات

 

لمواجهة التحديات المرتبطة بتقنية GPON، تم تطوير حلول متعددة تركز على تحسين الأداء وزيادة الكفاءة فى تطبيقات المدن الذكية، مثل الانتقال إلى تقنيات متقدمة توفر سرعات أعلى تصل إلى 10 جيجابت فى الثانية. وهذه التطورات تسمح بدمج تقنية GPON مع تقنيات الجيل الخامس لدعم الشبكات الذكية، مما يعزز من قدرتها على التعامل مع كميات كبيرة من البيانات فى الوقت الفعلي، كما فى تطبيقات المدن الذكية لمراقبة البيئة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الطاقة المستمدة من الضوء فى الألياف البصرية لتشغيل أجهزة إنترنت الأشياء، مما يقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية ويحسن الاستدامة.

 

مستقبل واعد

 

مع تزايد الطلب على الاتصالات السريعة والموثوقة، ستكون تقنية GPON ركيزة أساسية فى بناء الشبكات الرقمية للمستقبل، نظرا لقدرتها على دعم الخدمات المتعددة بكفاءة عالية مما يجعلها مثالية للمناطق الحضرية والريفية على حد سواء. ومع تطور التقنيات اللاحقة مثل الجيل الخامس، وشبكات الجيل القادم، من المتوقع أن تستمر GPON فى التطور لتلبية الاحتياجات المتزايدة، مما يعزز من الاقتصاد الرقمى العالمى.

 

اخر اصدار