كتبت: نسرين فوزى اللواتى
لقد تجاوز «اقتصاد المبدعين Creator economy» مفهوم «التسويق المتخصص Niche marketing / استراتيجية تسويقية تستهدف شريحة معينة من السوق بدلا من السوق الشامل». فاليوم، أصبح اقتصاد المبدعين بمثابة قوة عالمية تتجاوز قيمتها 250 مليار دولار منذ عام 2023، والتى بدورها تعيد صياغة كيفية بناء العلامات التجارية Brands للثقة، وتعزيز التفاعل، وتنمية أعمالها. وبعد أن كان يُنظر إليه سابقا على أنه مجرد ساحة لعب للمؤثرين «Influencers»، أصبح اقتصاد المبدعين محورا لاستراتيجيات الأعمال الجادة، بل فى ازدياد مستمر.
وتتوقع مؤسسة «جولدمان ساكس» أن يتضاعف حجمه ليصل إلى 480 مليار دولار بحلول عام 2027. فى هذا الإطار، نجد أن العلامات التجارية تتكيف بسرعة مع هذا الاقتصاد الحديث.. ففى مختلف القطاعات، تتحول الشركات من شراكات المؤثرين التقليدية إلى برامج أكثر تنظيما وتوجها نحو المجتمع، فهى لا تقوم برعاية المبدعين Creators فحسب، بل تبنى منصات لتمكينهم أيضا.
تغير قواعد اللعبة:
أتاح التواصل الاجتماعى المجال أمام إنشاء المحتوى Content creation بحرية، وتزايد ثقة المستهلكين بالأصوات التى يتابعونها عبر الإنترنت - وخاصة جيل الألفية Gen Z، وحتى جيل ألفا Gen Alfa، وهى الأجيال التى تُشكل مستقبل مدى مصداقية العلامات التجارية. فوفقا لدراسة أجرتها شركة Sprout social، فإن 61 % من المستهلكين يثقون بتوصيات المبدعين أكثر من ثقتهم بإعلانات العلامات التجارية.
يمتلك هؤلاء المبدعون القدرة على إضفاء المصداقية، والتواصل، والخبرة المتخصصة.. وهى العناصر التى تحتاج إليها العلامات التجارية لبناء علاقات حقيقية فى سوق رقمية مكتظة. وقد أفاد موقع «Statista» بوجود أكثر من 200 مليون مبدع حول العالم، ويتراوحون بين رواد أعمال رقميين بدوام كامل وهواة بدوام جزئى.. هؤلاء المبدعون ليسوا مجرد قنوات تسويقية، بل قادة المجتمع، ورواد أعمال، وبُناة ثقافة.
من التسويق المؤثر إلى تمكين المبدعين:
اليوم، تُعيد العلامات التجارية النظر فى معنى الشراكة مع المبدعين.. ففى الماضى، كان التسويق المؤثر التقليدى قائما على المعاملات - منشور واحد، أو حملة واحدة. لكن، أصبحت الموجة الجديدة من الشراكات أعمق وأكثر تعاونا، حيث تتجه الشركات إلى بناء مجتمعات من شأنها أن تساعد المبدعين على تنمية علاماتهم التجارية، وليس مجرد الترويج لمنتجاتهم. تقدم هذه البرامج أدوات، مثل واجهات عرض قابلة للتخصيص، وإمكانية الحصول على تمويل للشركات الناشئة، ونماذج منتجات، ورعاية مشروعات، وفرص طويلة الأجل، وهى بعيدة كل البعد عن الحملات الفردية التى كانت تُقدم فى السابق.
بالطبع، نجد أن هذه البرامج المبتكرة ليست مجرد أساليب تسويقية، بل استراتيجيات نمو أيضا. ومن ثم، فإن تمكين المبدعين من بناء علاقات حقيقية مع جمهورهم، يؤدى إلى تعميق الثقة على المدى الطويل، كما ستجنى العلامات التجارية التى يتعاونون معها، مزيدا من الفوائد.
المرحلة القادمة.. المجتمع والتجارة والثقافة:
مع نضج اقتصاد المبدعين، ستكون العلامات التجارية الناجحة هى تلك التى تدرك أن المبدعين أكثر من مجرد منتجين للمحتوى، فقد أصبحوا رواد أعمال ومبتكرون وبُناة مجتمعات. وفقا لذلك، تعمل الشركات الأكثر استشرافا للمستقبل على المزج بين التجارة والثقافة، واحتضان مجموعة واسعة من المبدعين، بدءا من الأسماء المعروفة إلى رواد المجالات المتخصصة، الذين يُلهمون العمل الحقيقى، وليسوا مجرد نقرات رقمية.
ومن خلال الاستثمار فى شراكات طويلة الأمد، تُرسخ العلامات التجارية مكانتها - ليس فقط - كمعلنين، بل كشركاء فى نمو أعمال المبدعين. وهنا، تُعد التجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعى Social commerce هى جوهر هذا التطور، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى 2.9 تريليون دولار بحلول عام 2026.. أى سيقود المبدعون الطريق، ويشكلون كيفية اكتشاف المستهلكين للعلامات التجارية والتفاعل معها والشراء منها.
فى هذا السياق، هناك منفعة متبادلة بين شبكات المبدعين المهيكلة والعلامات التجارية.. حيث إنهم يبنون المجتمع والثقة بطرق لا تستطيع الإعلانات التقليدية تحقيقها، فى حين يمنحون المبدعين الأدوات والموارد التى يحتاجون إليها لتحويل الشغف إلى عمل مستدام، وهو أمر مُربح للطرفين.