كتبت: نسرين فوزى اللواتى
شهد المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تعرف بـ«صُناع المحتوى أو البلوجرز»، والتى فرضت نفسها بشكل واسع النطاق، سواء عبر منصات الفيديو القصير، أو حسابات التفاعل اليومى التى تقدم محتوى «افتراضيا» مستمرا. فى البداية، شكلت هذه الظاهرة مصدرا للرزق للكثيرين من خلال تقديم محتوى هادف ونافع ومفيد للجمهور.. ولكن، تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد كشفت فوضى هذا المشهد الرقمى عن وجه آخر «قبيح»، حيث ارتبطت أفعال فئة ليست بالقليلة بجرائم تهدم القيم الأسرية والاجتماعية، وتخدش الحياء العام، بل تفتح الباب أمام شبهات غسل الأموال والتهرب الضريبى والاتجار بالبشر ونشر الفاحشة والتعدى على حقوق الملكية، وذلك بغرض جذب أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق أرباح ومكاسب مادية غير مشروعة.. الأمر الذى أصبح يدق ناقوس الخطر.

حملات أمنية وفقا لقانون الجرائم المعلوماتية:
فى هذا الإطار، نجحت الأجهزة الأمنية المصرية فى شن حملات أمنية موسعة، تستهدف عددا من «صُناع المحتوى» على منصات التواصل الاجتماعى، بعد توالى بلاغات تتهمهم بنشر مقاطع فيديو تتضمن ألفاظا خادشة للحياء، والتى تُمثل خروجا سافرا على الآداب العامة، وإساءة استخدام المنصات الرقمية، وكذلك التشكيك فى مصادر ثرواتهم. وتأتى هذه الحملات الأمنية تزامنا مع تزايد الدعوات المجتمعية والبرلمانية لتشديد الرقابة على المحتوى المتداول عبر المنصات الرقمية المختلفة، والتى باتت «ملاذا لصناعة الشهرة بأى ثمن، ولو على حساب القيم العامة».
وقد أكد أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب المصرى، أنه تم رصد عدد كبير من المخالفات التى تم بثها على المنصات الرقمية، معتبرا ما يبث من مقاطع خادشة ومنافية للآداب العامة بأنها «جرائم إلكترونية مكتملة الأركان». وأوضح أن المنصات العاملة فى مصر ستكون مطالبة خلال المرحلة المقبلة بالتزام صارم بجميع الضوابط والمعايير القانونية.. مشددا على أن الدولة المصرية ليست ضد الاستثمار فى صناعة تكنولوجيا المعلومات، بل تدعمه وتسن من أجله القوانين والتشريعات.
بالطبع، أصبحت مسألة تنظيم صناعة المحتوى الرقمى فى مصر ضرورة مُلحة، خاصة فى ظل ما تشهده بعض المنصات من تجاوزات تتعارض مع قيم المجتمع وأخلاقياته. وبالفعل، اتخذت الدولة خطوات عملية فى هذا الإطار، من خلال اشتراط تسجيل صُناع المحتوى لدى الوحدة المختصة بوزارة المالية، بما يضمن خضوعهم للضرائب والرقابة المالية.. هذا بالإضافة إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذى يتضمن بنودا تنظم استغلال منصات التواصل الاجتماعى، ولاسيما فيما يتعلق بنشر المحتوى المؤثر فى الأمن المجتمعى والقيم الأخلاقية.
شراكة بناءة للإعلام الرقمى:
فى خطوة تُرسخ حرص الدولة المصرية على دعم الاستثمار فى الإعلام الرقمى، أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مؤخرا، شراكة استراتيجية مع منصة «تيك توك Tik Tok»، وذلك فى خطوة تستهدف إعادة تقديم محتوى المنصة الرقمية برؤية مبتكرة عبر شاشات المتحدة، بما يعكس مكانتها الرائدة فى الجمع بين الإعلام التقليدى والرقمى. وتأتى هذه الخطوة امتدادا لاستراتيجية «المتحدة» فى تعزيز حضورها الإقليمى والدولى، من خلال دمج التجارب الرقمية مع منظومتها الإعلامية المتكاملة، بما يساهم فى إثراء التجربة الإعلامية وتوسيع نطاق التفاعل مع مختلف شرائح الجمهور، ولاسيما فئة الشباب.
فمن خلال إعادة توظيف هذا المحتوى وتقديمه برؤية متجددة، تسعى المتحدة إلى إحداث نقلة نوعية فى المشهد الإعلامى من شأنها أن تحقق التوازن بين الأصالة والحداثة، والاستفادة من النواحى الإيجابية للمنصات العالمية، وإعادة صياغتها، بما يتماشى مع الثقافة والقيم المحلية.
نظرا لأهمية هذه القضية، سنناقش فى هذا الملف أهمية صناعة المحتوى التى تحولت إلى إحدى ركائز الاقتصاد الرقمى العالمى.. فمع تحول صانع المحتوى من فرد هاوٍ إلى فاعل اقتصادى مؤثر، بات على الدول والمؤسسات لزاما مواكبة هذا التغير عبر دعم الإبداع، وتأمين الفضاء الرقمى، وبناء بيئة تنظيمية عادلة.
ومن ثم، هناك ضرورة لفهم أبعاد هذه الثورة الرقمية الهائلة، والتى أصبحت تُدر مليارات الدولارات، فضلا عن تأثيرها الكبير على نشر الثقافة والقيم المجتمعية، ما يتطلب وضع استراتيجيات فعالة لتبنى ما يُعرف بـ»اقتصاد المبدعين» أو «اقتصاد صانع المحتوى»، وأيضا لضمان نشر المحتوى الرقمى الهادف، والتصدى لأى تجاوزات من قبل صُناع المحتوى أو البلوجرز.
