كتبت: شريفة عبد الرحيم
لا يكاد يمر أسابيع قليلة دون إعلان أحد البنوك في العالم عن خفض العمالة والاستغناء عن موظفين، ولا يستثني من ذلك البنوك العالمية سواء في الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، أو أوروبا. والأسباب هي مزيج من القوى الهيكلية والاقتصادية والتكنولوجية.
فما هو مستقبل وظائف البنوك؟ هل الأمر يتعلق بنوعية محددة من الوظائف المهددة بالانقراض، وفي دول ومناطق دون غيرها؟
ما هي فرص التوظيف في البنوك؟ وما هي مناطق النمو؟
شهد منتصف عام 2025 استقرارا في أعداد الموظفين في بنوك الاستثمار الكبري، فيما واصل العديد من المؤسسات - بما في ذلك “جولدمان ساكس”، و”مورجان ستانلي”، و”باركليز”، و”إتش إس بي سي”، و”بنك أوف أمريكا”، و”سيتي جروب”، و”يو بي إس” - تقليص الوظائف في مختلف الإدارات. ومع ذلك، تعمل بنوك مثل “جي بي مورجان” و”يو بي إس” في الوقت نفسه على زيادة التوظيف، في قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية، وفيما يتعلق بعمليات الدمج والاستحواذ أيضا.
الاتجاهات العالمية للخدمات المصرفية
ونفذت بنوك كبرى مثل “جولدمان ساكس”، و”مورجان ستانلي”، و”بنك أوف أمريكا”، و”سيتي جروب”، و”ويلز فارجو” عمليات تسريح للعمال، والهدف الرئيسي خفض النفقات وإعادة الهيكلة، حيث تعيد البنوك تخصيص مواردها نحو المناطق أو القطاعات عالية النمو.
فالسبب الأول لتسريح الموظفين عادة هو تعزيز الربحية، لا سيما مع ركود نشاط الصفقات والاكتتابات العامة الأولية وعمليات الدمج والاستحواذ.
وغالبا ما تتركز عمليات التسريح في قطاعات الخدمات المصرفية الاستثمارية، والمكاتب الإدارية، والوظائف المساندة. وعلي سبيل المثال،
تخفض مجموعة “سيتي جروب” 20 ألف وظيفة بحلول عام 2026 لتبسيط العمليات.ويحدث التحول إلى الخدمات المصرفية الرقمية - مكاتب خدمة العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتقليص عدد الفروع - تحولا في احتياجات القوى العاملة، فاتجاه العملاء إلى استخدام الإنترنت وتطبيقات الموبايل، يقلل الطلب على موظفي الفروع وموظفي الصرافة.
وكانت الأتمتة والذكاء الاصطناعي وراء إلغاء وظائف في بنوك “كوينزلاند”، و”دويتشه بنك”، و”سيتي جروب”. وعلي سبيل المثال، قام بنك “دي بي اس” السنغافوري بالإلغاء التدريجي لنحو 4000 وظيفة تعاقدية مؤقتة، حيث يحل الذكاء الاصطناعي محل العمليات اليدوية.
من ناحية أخرى، أثارت بعض عمليات التسريح انتقادات بسبب سوء الإدارة، مثل كارثة البريد الإلكتروني في بنك” ANZ”، أو يوم المكافآت في “إتش أس بي سي”.
ويشير الخبراء إلى اختلافات إقليمية، ففي حين تركز البنوك الأمريكية والأوروبية على إعادة الهيكلة، تستهدف بعض البنوك الآسيوية، مثل بنك “دي بي إس”، العمليات المؤقتة.ومن أبرز نماذج إعادة هيكلة المواهب، توظف بنوك مثل “جي بي مورجان” و”يو بي إس” بشكل انتقائي في قطاعات النمو، مثل التكنولوجيا وعمليات الدمج والاستحواذ، للحفاظ على قدرتها التنافسية.
من أبرز أسباب تقليص العمالة في البنوك أيضا ارتفاع أسعار الفائدة والضغوط الاقتصادية، فأدى تشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية إلى زيادة تكاليف الاقتراض. وفي حين أن أرباح البنوك من هوامش الفائدة الصافية أكبر، لكن الطلب على تمويل الشركات والائتمان الاستهلاكي تراجع، وذلك الخلل أدى إلى تسريح بعض الموظفين.
من ناحية أخرى، هناك التحولات الاستراتيجية الجغرافية، فالبنوك تخفض عدد موظفيها في المناطق منخفضة النمو، وتضيف وظائف جديدة في المناطق عالية النمو. على سبيل المثال، قلصت البنوك عدد الوظائف في لندن، لكنها توسعت في آسيا والشرق الأوسط.
ما هي الوظائف المصرفية الأكثر عرضة لخطر التسريح؟ وأيها تشهد نموا؟الوظائف الأكثر عرضة للخطر هي..
*موظفو الفروع وأمناء الصناديق، حيث تحل الخدمات المصرفية الرقمية محل الزيارات التقليدية للفروع، ومن ثم تقلص البنوك عدد فروعها حول العالم. ويتوقع خبراء الصناعة إغلاق 30-40% من الفروع في الأسواق
المتقدمة،- الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، أستراليا- بحلول عام 2030، والذي يكبد الصناعة المصرفية أكثر من 500 ألف وظيفة حول العالم، معظمها وظائف صرافين ومديري فروع.
ومع زيادة أتمتة مهام المعالجة والتسويات والمقارنات والإدارة، انخفضت وظائف المكاتب الخلفية. وعلي سبيل المثال، ألغى “دويتشه بنك” 3500 وظيفة، العديد منها في المكاتب الخلفية.
وبصفة عامة، أتمتة المكاتب الخلفية سوف تؤدي إلى فقدان 200 ألف إلى 300 ألف وظيفة حول العالم.
* وظائف دعم العملاء ومراكز الاتصال تعد أيضا من الوظائف المهددة، فروبوتات الدردشة ومساعدو الذكاء الاصطناعي التي تعالج حاليا 60-70% من استفسارات العملاء في بعض البنوك، سوف تقضي على 150 إلى 200 ألف وظيفة حول العالم.
*تقلص بعض البنوك عدد المحللين، مع الاحتفاظ بكبار مسئولي الصفقات. وبالرغم من الاحتياج إلى موظفي مراقبة المعاملات، ومكافحة غسيل الأموال، والتحقق من الاحتيال، إلا أن عدد الموظفين يتناقص.
وهكذا في المجمل، من المتوقع خسارة مليون إلى مليون ومائة ألف وظيفة مصرفية حول العالم.
أما الوظائف الواعدة في الصناعة المصرفية فهي..
وظائف مهندسي الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.
علي سبيل المثال، يوظف بنك “جي بي مورجان” المئات في أبحاث الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
كما يتزايد الطلب على خبراء الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، وتكنولوجيا بلوك تشين، والعملات المشفرة، والتي يتوقع أن توفر من 150 ألفا إلى 250 ألف وظيفة بحلول 2030.
في الوقت نفسه، تحتاج البنوك إلى متخصصين في التمويل البيئي والاجتماعي والحوكمة، وأسواق الكربون، والاستثمارات المستدامة. وستؤدي اللوائح التنظيمية وتمويل المناخ إلى توسيع نطاق فرق العمل، وفي تقدير الخبراء أنها سوف توفر من 100 ألف إلى 150 ألف وظيفة.
ويشهد الاتحاد الأوروبي وآسيا - وخاصة سنغافورة- طلبا قويا على تلك النوعية من الوظائف.
وظائف المستشارين ومسئولي الصفقات سوف توفر أكثر من 100 ألف وظيفة.
يتبين مما سبق أن إجمالي فرص العمل الجديدة المتوقعة عالميا نحو 900 ألف إلى 1.1 مليون وظيفة مصرفية بحلول عام 2030، وخسائر الوظائف تتراوح بين مليون و1.1 مليون وظيفة، وذلك يعني أن التغيير الصافي يتراوح بين مستقر إلى سلبي طفيف بما يتراوح بين 100 ألف ونقطة التعادل.
ولكن مع تحولات كبيرة في المهارات، بما يعني أن القوى العاملة المصرفية لن تتقلص بالضرورة بشكل كبير إجمالا، ولكن الوظائف ستتحول من المهام الروتينية إلى مهام متخصصة تعتمد على التكنولوجيا.
وبحلول عام 2030 ربما يختفي الصراف، أو موظف مركز الاتصال، وموظف المكتب الخلفي سيكون نادرا، ولكن مهندسي الذكاء الاصطناعي، ومطوري التكنولوجيا المالية، ومتخصصي الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وخبراء الأمن السيبراني، سيكونون في كل مكان في البنوك.
"ميزانية" تسريح المصرفيين
تتضمن خطة “دويتشه بنك” لتوفير التكاليف بقيمة 2.5 مليار يورو تسريح 3500 وظيفة، لكن التكاليف الأولية من تعويضات نهاية الخدمة وإعادة الهيكلة يمكن أن تكون ضخمة، حيث تتراوح بين 500 مليون دولار إلى ملياري دولار حسب حجم العمل. علي سبيل المثال دفع بنك “إتش أس بي سي” أكثر من 200 مليون دولار كتكاليف إنهاء خدمة في عام 2025.
وفي المتوسط، إلغاء 10000 وظيفة، يؤدي إلى توفير سنوي قدره مليار دولار.
في الوقت نفسه، غالبا ما يؤدي الإعلان عن تسريح الموظفين إلى رفع أسعار الأسهم، وبنسبة 2-5%، وهو مكسب قصير الأجل.
وهكذا، عادة ما تفوق المكاسب التكاليف في غضون 12-18 شهرا، ولذلك تفضل مجالس الإدارة تسريح الموظفين، غير أنه غالبا أيضا لا تظهر التكاليف الخفية، مثل المعنويات، وفقدان الخبرة، وإعادة التوظيف، في الميزانيات العمومية، ولكنها ربما تضعف القدرة التنافسية على المدى الطويل.
ومن ثم يري كثيرون أنه ربما كانت عمليات تسريح الموظفين مكسبا ماليا سريعا لكنها رهان محفوف بالمخاطر على المدى الطويل إذا لم تكن في إطار خطة استراتيجية.
"سيتي جروب".. دراسة حالة
تسريح 20 ألف موظف بحلول عام 2026
التكاليف :
- -تعويضات نهاية الخدمة مليار دولار
- -إعادة الهيكلة 200 مليون دولار
- -خسارة الإنتاجية أكثر من 500 مليون دولار -على المدى القصير-
- إجمالي التكلفة الأولية نحو 1.7 مليار دولار
- المكاسب:
- -توفير الرواتب 2 مليار دولار سنويا
- -توفير النفقات العامة 300 مليون دولار سنويا
- -زيادة القيمة السوقية 3 مليارات دولار -على المدى القصير-
- إجمالي المكاسب نحو 2.3 مليار دولار سنويا
- نقطة التعادل في غضون أقل من عام واحد.